Uncategorized

رواية هاربة من الماضي الجزء الثاني 2 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية هاربة من الماضي الجزء الثاني 2 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية هاربة من الماضي الجزء الثاني 2 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية هاربة من الماضي الجزء الثاني 2 بقلم يمنى عبد المنعم

ارتبكت قليلا عند هذا السؤال قائلة بتوتر وتلعثم:- اسمي… اسمي…. هنا… هنا… عبدالعزيز.
تطلعت إليها السيدة بتعجب بعض الشيء قائلة باهتمام:- عندك كام سنة…. هنا زاد توتر أعصابها وزاغ بصرها فيما حولها… قائلة بخفوت متردد:- عندي… عندي تمانتاشر سنة.
زفرت المرأة بضيق قائلة:- انتِ مش شايفه أن سنك كبير عنهم كذا سنة علشان تبقي معاهم هنا.
شعرت بأن قلبها سيتوقف عن الخفقان… من تلميحات هذه السيدة فأسرعت تخبرها بقولها المتلعثم:- لا..لا مش كتير أصل أنا… قاطعها وأنقذها ذلك الرجل الذي تركها تستقل معهم الحافلة.
قائلاً بهدوء:- وبعدهالك يا يا أبلة سناء ما تسيبي البنت بقى خليها تدخل مع اللي دخلوا قبلها هوه تحقيق.
زفرت سناء قائلة بضيق:- ما انت عارف يا جابر إننا ملزمين هنا بسن معين.
هز رأسه بالموافقة قائلاً بلهجة صارمة:- خلاص انا بقولك دخليها هيجرى إيه يعني.
ازدردت سناء لعابها بقوة قائلة بنفس الضيق:- خلاص يبقى انت اللي ملزم قدام الإدارة.
هز رأسه يالإيجاب بحنق قائلاً بنبرة قوية:- موافق يا أبلة سناء… ما دام ده هيريحك.. بس ممكن بقى تسبيها تدخل مع زمايلها خلينا نخلص.
لوت سناء فمها بسماجة وثقل دم قائلة بتأفف:- إدخلي ياختي خلينا نقفل باب الحنان اللي اتفتح علينا فجأة ده.
كل هذا تترقبه الفتاة باندهاش صادم فكيف يحدث لها ذلك… وبهذه السرعة ويدافع عنها هذا الرجل باستماته… دون أن تكون على سابق معرفةً به في يوم من الأيام.
أغمضت عيونها بارتياح تام بعد أن دخلت مع باقي الأطفال إلى داخل إحدى الغرف يتأملون المكان حولها باندهاش.
هامسة لنفسها:- الحمد لله يارب انقذتني في آخر لحظة على ايد الرجل الطيب ده… وفي مكان أقدر أشعر بيه بالأمان.
أتت إمرأة أخرى متوسطة القامة ترتدي ثياباً محتشمة ومحترمة… فوق رأسها حجاباً طويلاً.
تأملت وجوههم البريئة التي قست عليها الأيام… قائلة لهم بهدوء:- الصبيان خليكم هنا والبنات بس هما اللي هييجوا معايا.
توقف الصبية في مكانهم دون حراك… وتكلم أحدهم متسائلا باهتمام:- واحنا هنروح فين.
تحدثت صفاء بهدوء:- انتم هيوديكم الإستاذ جابر على إوضة مخصصة ليكم متقلقوش.
صمت الفتى عندما تأكد أنه بأمان هكذا من حديثها المطمئن هذا… وانطلقت الفتيات من بينهم الفتاة التي أدعت بأنها هنا عبدالعزيز في إثر… صفاء.
صعدت بهم إلى الطابق الثاني حيث أوقفتهم أمام باب حجرةً مغلقة… فتحتها لهم صفاء بمفتاح تملكه.
قائلة بنبرة حانية:- اتفضلوا إدخلوا…. تلفتت الفتيات الصغيرات حولها وهم يدخلون إلى الداخل… مندهشين مما وجدوه أمامهم.
فالغرفة شديدة الإتساع تضم عدد كبير من السرائر الذين يشاهدونها ولأول مرة في حياتهم المتشردة.
أخيراً سينامون بأمان هذه المرة لا يريدون سوى هذا…. فالأمان شيء كبير يفتقدونه منذ وجدوا أنفسهم بالشارع دون رفيق أو مأوى.
نفس ذلك الشعور تسلل إلى أعماق الفتاة الغريبة معهم.. قائلة لنفسها بحزن:- لقيت أمان في وسط ناس غريبة عني… سبحان الله.
أتت إحدى العاملات بهذا الدار حاملةً حقيبة كبيرة بها مملؤة بالثياب المتنوعة لهم.
قائلة لهم:- بالدور كده كل واحدة هتدخل تاخد حمام هنا… ثم أشارت بيدها لمرحاض ما بنفس الغرفة.
نظرت الفتيات الصغيرات إلى بعضهم البعض يتساءلون عن معنى هذه الجملة الأخيرة.
شعرت هذه الفتاة بهم فقالت لهم بنبرة خافتة :- متقلقوش يا بنات انتم هتستحموا وهتنضفوا وكمان هتلبسوا لبس نضيف.
ابتسمت الفتيات عندما فهموا مقصد هذه العاملة فقالت أحداهن بأسى:- أول مرة حد يهتم بينا كده.
تأملتها الفتاة بأعين حانية… حزينةً من أجلها.. كادت أن تجيبها لولا أن صفاء أجابتها بحنان:- متقلقيش يا حبيبتي هنا هتلاقوا كل الرعاية اللازمة ليكم… بس أهم حاجه هنا تسمعوا الكلام ويبقى عندكم نظام.
ابتسمت جميع الفتيات بما فيهم المدعوة هنا عبدالعزيز… انطلقت الفتيات بالغرفة منتقين إحداهن للدلوف إلى المرحاض ومعها العاملة نفسها.
مشيت إحدى البنات أمامها صوب المرحاض مثلما أشارت لهم صفاء بتنفيذ تعليماتها… الخاصة بنظافتهم.
أما باقي الفتيات قالت لهم صفاء:- وانتوا بقى كل واحدة فيكم هتختار سرير لنفسها تنام عليه بس بهدوء أهم حاجه.
بالفعل اختارت كل فتاة فيهم فراش يناسبها بما فيهم هنا.
اختارت لنفسها آخر سرير بالغرفة وقفت بالقرب منه تراقبه بسعادة وارتياح نوعاً ما.
فهذه الأيام الماضية لم تنم جيدا ولم تشعر بحريتها سوى الآن.
جلست على الفراش تتأمل وجوه الفتيات الذين شعروا أخيرا بأمان وسعادة لم يحسوها من قبل في أي يوم مضى بهم منذ أن ولدوا في هذه الحياة….وأيضاً شعروا بأن أحدا ما يهتم بأمرهم هكذا بهذا الاهتمام والذين لم يعتادوا عليه بعد.
قالت لهم صفاء:- انا همشي دلوقتي وهرجعلكم كمان شويه… بس أهم حاجه مش عايزة صوت عالي ولا شقاوة هنا.
ابتسمت لها إحداهن ببراءة:- متخافيش احنا مش هنتكلم وهنسمع الكلام.
تنهدت صفاء شاعرة بهم… فهي يوميا تتعامل مع هذه الفئة العمرية المختلفة الذين هم في مثل ظروفهم.
فقد ولدوا في وسط ظروف صعبة تجبرهم على البقاء بالشارع… بأحوالهم السيئة تلك.
ما أن غادرت صفاء الغرفة حتى إلتم الفتيات حول بعضهم البعض بالقرب من هنا.
نظرت هنا في وجوه الجميع شاعرة بأنها تريد الإندماج وسط هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين وجدتهم صدفة بلا عائل… علها تنسى ما قاسته الأيام الأخيرة الفائتة.
انصتت إلى إحداهن تتحدث غير مصدقة بسعادة قائلة:- انا أول مرة من زمان أوي هنام على سرير حلو زي ده… وابتسمت لها فتاةٍ أخرى أجابتها بحماس كبير:- وأنا كمان من ساعة ما هربت من بيتنا من وأنا صغيرة وأنا نفسي أنام على سرير حلو مش أنام في الشارع زي كل يوم.
كانت هنا تراقب تصرفاتهم وردود أفعالهم بشكل غريب… لاحظته إحداهن فاقتربت منها ببطء تجلس بجوارها على الفراش.
قائلة لها بتعجب:- وأنتِ إيه اللي جابك معانا واحنا أول مرة نشوفك في منطقتنا.
تأملتها هنا بصمت لا تدري أتجيبها أم تتركها حائرة طويلاً هكذا.
فقالت لها بهدوء مفتعل:- أبداً أنا زيكم تمام بس كنت في منطقة تانية قريبة من تحت الكوبري اللي كنتم موجودين فيه هناك.
اقتنعت الفتاة بحديث هنا إليها وجاء على إثرها باقي البنات ليستمعوا إلى هنا الأكبرهم سناً.
فسألتها أخرى:- إنتِ كمان ملكيش أهل زينا… ابتسمت ابتسامة ً باهتة من قولها.
قائلة بخفوت:- لأ مليش أنا زيي زيكم بالظبط مليش أهل وماما وبابا ماتوا من وأنا طفلة صغيرة.
أغمضت هنا عيونها سريعاً تداري بهما ما تشعر به الآن من جروح قديمة لا تريد فتحها من جديد… 
تنهدت بداخلها بأسى لكن لم تتركها العاملة تتهنى بشرودها الحزين كثيرا، إذ خرجت الفتاة من المرحاض… عكس ما كانت تبدو عليه منذ قليل… مرتدية ثياب جميلة وجديدة قائلة لهم بفرحة:- شايفين البيجاما حلوة عليه إزاي … أول مرة ألبس زيها.
ابتسمت لها باقي البنات واقتربت إحداهن من العاملة قائلة له برجاء:- وانا كمان عايزة ألبس زيها.
وضعت يدها على رأس البنت قائلة بود:- طب قدامي وانتِ تستحمي وتلبسي زيها.
ذهبت الفتاة معها وهنا فرحة من أجلهما جميعاً فهي عكسهم لم ترى للفقر يوماً ما وجهاً أما هما فيعيشون هكذا دائماً.
تنهدت بيأس تخفي دموعها عن الجميع تنزوي على حالها من جديد…. بعد أن استحم الجميع وارتدوا ثياباً نظيفة وجديدة تليق بهم ما عدا هي.
جعلت نفسها آخر بنت تفعل ذلك… دخلت إلى المرحاض تستحم هي الأخرى كأنها تنظف نفسها من أشياء كثيرة عاشتها قبل مجيئها إلى هنا…. وليس فقط من الأتربة العالقة بها.
انهمرت دموعها ممزوجة ً بالمياة فوق شعرها حتى أنها شعرت بعدم رغبتها بالخروج من تحت المياه الدافئة.
خرجت هنا بعد قليل من المرحاض وهي تغسل وجهها جيداً… كي لا يلاحظ بكاؤها أي شخص هنا بالغرفة.
ناولتها العاملة فرشاة الشعر الخاصة بها قائلة:- من النهاردة كل واحدة ليها حاجتها الخاصة بيها واللي هتسلمهالكم مدام صفاء مشرفة الدار.
اومأت هنا برأسها بالموافقة قائلة لها:- شكرا يا… فتابعت المرأة بابتسامة عريضة:- اسمي سعاد قوليلي يا دادة .
هزت هنا برأسها بالموافقة قائلة:- ماشي يا داده سعاد
بعدها علمت هنا من المشرفة صفاء أن الصبية هم الآخرون تم معهم ذلك أيضاً.
نامت ليلتها الأولى ملقية بكل ما مرت به وراء ظهرها لا تريد تذكر أي شيء.
في اليوم التالي أفاقت من نومها بأمل جديد يتجدد بداخلها.. على صوت العاملة سعاد.
تأملت المكان حولها فوجدت جميع الفتيات الصغيرات قد استيقظوا قبلها… وهم سعداء ويضحكون لأول مرة شاعرين بأمان ليس له مثيل.
قالت لهم سعاد:- يالا كل واحده فيكم تغسل وشها أوي وتغسل أسنانها كمان وبعدها تتجمعوا علشان تفطروا.
قامت الفتيات بما طلبته منهم سعاد وتم تبديل ثياب الجميع وهبطوا بالأسفل بصحبة سعاد.
إلتم جميع الفتيات والصبية وفي مقدمتهم هنا حول مائدة كبيرة لهم… وجلست صفاء معهم وجابر يتناولون وجبة الإفطار معهم.
كان هؤلاء المتشردون يشعرون بالجوع فتناولوا الطعام بنهم لاحظته هنا.
فقالت لهم صفاء برفق:- كلوا بهدوء متخافوش في أكل تاني لو عايزين.
ثم إلتفتت الأخيرة إلى هنا متابعه:- مالك يا حلوة مبتاكليش ليه زي زمايلك.
ابتسمت الفتاة بإحراج قائلة بخفوت:- لأ باكل أهوه…
حدقت بها للحظات ونظرت إلى الآخرين قائلة بهدوء:- بعد ما تاكلوا هنتجمع في قاعة وهنقولكم نظامنا في الدار هيبقى ماشي إزاي في الأيام الجاية إن شاء الله.
تنبه إليها الجميع وهم يهزون رؤوسهم بالموافقة… وبالفعل بعد قليل تجمع الجميع في غرفة كبيرة جداً بها العديد من المقاعد.
يجلسون عليها جاعلين حواسهم منتبهه مع ثلاثة أشخاص هم جابر وصفاء وسيدة أخرى لم يروها بالأمس.
يجلسون خلف منضدة مستطيلة الشكل… يحدقون بوجوه الجميع.
إلى أن بدأت السيدة الأكبر سناً الحديث قائلة ببطء:- أولاً برحب بيكم كلكم في دار الأمل الخيرية… ثانياً بقى وده الأهم عايزينكم تنسوا الشارع خالص وتنسوا أيامه.
وتخلوا بالكم معايا في كل كلمة هقولها وتنتبهوا كويس ليها علشان هنمشي مع بعض على نظام معين يومياً وبجانب كل ده… اللي هتحتاجوه هتلاقوه موجود وأهم حاجه كمان يكون عندنا أمانه وبالأخص الصبيان… ومنكدبش وتعيشوا مع بعض كإنكم إخوات بالظبط.
وهنعلمكم الصلاة والصوم كمان واللي مش بيعرف يقرى ويكتب هنعلمه كل حاجه بس الأهم تسمعوا الكلام وبس.
واللي هيخالف الأوامر والنظام المحدد هيتحبس لوحديه في إوضة بعيد عن زمايله كذا يوم وهيتحرم من حاجات تانية كتير… 
هز جميع الأطفال رؤوسهم بالموافقة على هذه الشروط والرعاية…. الذين لن يجدوا مثلها يوما في حياتهم.
تحدث جابر قائلاً:- أنا واثق إنكم هتبقوا كويسين وهتسمعوا الكلام بدون عقاب… وأهم حاجه نلتزم علشان محدش يزعل إذا اتعاقب زي ما اتفاقنا.
رد عليه أحد الفتيان قائلاً:- طب وإذا احتاجنا فلوس مين اللي هيديهالنا … تنهد جابر قائلاً برزانة:- هيبقى ليكم كل يوم الصبح مصروف معين خاص بكل واحد وواحده فيكم، واللي هتطلبوه هتلاقوه موجود بس اللي كان بيسرق منكم أو بيعمل أي حاجه مش كويسه يبطلها مفهوم.
صمت الجميع موافقون على حديثه… انتهى الاجتماع مع مرور الوقت.
وانزوت هنا في صحبة بعض الفتيات يلعبون ببعض أوراق التلوين والرسم حول مائدةً مستديرة صغيرة.
جلست بجوارهم تشاركهم هذه الموهبة التي كانت تفضلها منذ الصغر.
مر اسبوع والحال على ما يرام فقد بدأ هؤلاء الأطفال يستجيبون لكل التعليمات والنصائح التي تقدم لهم.
وذات يوم في مساء الإسبوع التالي  اجتمعت بهم صفاء وجابر.
قال جابر بود:- احنا طبعا اتفاقنا معاكم انكم هتتعلموا الكتابة والقراءة ومن بكره الصبح هيجيلكم المدرس المختص بالقراءة والكتابة وهيعلمكم ومن البداية خالص.
فرح الصبية والبنات لهذا الخبر… ما عدا هنا التي لم تبدو سعيدة مثلهم.
لاحظ جابر ذلك فقال لها بحنان:- في حاجه يا هنا… هزت رأسها بالنفي سريعاً كي تتخلص من القلق والتوتر النفسي الذي يعتريها.
انزوت مع نفسها من جديد في غرفتهم في الطابق الثاني دون أن يتدخل أي من البنات في أمورها.
في اليوم التالي بعد أن قام الكل بواجباته الصباحية… جمعتهم صفاء في نفس القاعة المخصصة لاجتماعاتهم.
بانتظار معلمهم الجديد… تلفت الجميع ولم يجد هنا موجوده معهم… فتعجبت الفتيات وأيضاً صفاء.
في ذلك التوقيت وقفت هنا بالقرب من نافذة غرفة صغيرة بعض الشيء تترقب المارة بالخارج بأعين زائغة.
همست لنفسها بقلق:- يارب ما تتخلاش عني أنا وحيدة مليش غيرك.
ثم انهمرت دموعها ممزوجة ببعض الألم وهي تتذكر ما مرت به الأيام الماضية.
زادت عبراتها هامسة بوجع:- أنا مظلومة ياربي… مظلومة… أنا مليش ذنب…و… قطع عليها أحدهم شرودها الطويل هذا بفتحه لباب الغرفة بغتةً قائلاً بنبرة قوية:- إيه مالك سايبة زمايلك ليه وقاعدة لوحدك كده…. ولا يكنش المكان مش عجبك.
يتبع..
لقراءة الفصل الثالث : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
اقرأ أيضاً رواية مصيبة اقتحمت حياتي للكاتبة سارة سمير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!