روايات

رواية هدية القدر الفصل الرابع 4 بقلم شمس محمد

رواية هدية القدر الفصل الرابع 4 بقلم شمس محمد

رواية هدية القدر الجزء الرابع

رواية هدية القدر البارت الرابع

رواية هدية القدر الحلقة الرابعة

“ياليتك معي كما ظِلي…يالتيك مني أو كُلي”
*****************
ابتسمت “جومانا” له رغمًا عنها كعادتها بعد كلمته العابثة؛ فيما زفر هو بقوةٍ و قبل أن ينطق دلفت والدته و هي تقول بنبرةٍ جامدة:
“الوضع دا غلط و مينفعش، كدا كتير و أنا لا يمكن أقبل بيه، مفهوم ؟!”
اعتدل هو واقفًا ثم التفت يسأل والدته بتعجبٍ من حديثها:
“ليه يا ماما ؟؟ خير إن شاء الله ؟ بتكلم مع خطيبتي كلمتين”
ردت عليه بثباتٍ:
“أديك قولت يا روح أمك، خطيبتك من هنا لحد ما تكتب كتابك عليها، مشوفش وشك هنا و لا تقرب من البيت”
لاح على وجهه إبتسامة طفيفة نطقت بها عينيه، بينما والدته اقتربت منه تسحبه نحو الخارج و هي تقول:
“يلا على بيت خالتك و مشوفش خِلقتك دي هنا”
حاول جاهدًا كتم ضحكته حتى وجد نفسه خارج الغرفة بينما والدته أغلقت الباب في وجهه ثم التفتت تقترب من “جومانا” التي ازدردت لُعابها بتوترٍ حتى تفاجئت بها تسحب المقعد الخشبي ثم جلست مقابلةً لها، فركت “جومانا” كفيها معًا بينما الأخرى مدت كفها تضعه على يدها و هي تقول بنبرةٍ هادئة:

 

“أهدي…. أهدي يا حبيبتي، متخافيش أنا مش جاية ازعلك و لا جاية اضايقك، أنا جاية اتكلم معاكِ شوية”
رفعت “جومانا” رأسها تطالعها و كعادتها ظهرت العبرات في مقلتيها، بينما “عـزة” قالت بقلة حيلة:
“منكرش يعني أني ماكنتش قابلة موضوعك أنتِ و عز، و كنت شايفة إنك متستاهليهوش و أنا بقول كدا من صراحتي، مخبيش عليكِ موضوع أهلك دا أثر أوي فيا و بقيت مستغربة ازاي عملوا كدا، دا الواحدة فينا بتبقى شايلة الهم و كارهة عيشتها و اللي مخليها تتحمل هو عيالها، تقول معلش يا بت، تعالي على نفسك، بس برضه مش كل الناس زي بعضها، فيه ناس مش بتعرف تتحمل، يمكن أهلك وضعهم كان صعب بينهم و بين بعض لدرجة خليتهم مش عارفين يكملوا حتى السكن مع بعض”
حركت رأسها موافقةً و هي تبكي، فلاحظت “عـزة” وجنتها المتورمة، حينها رفعت كفها تُربت على وجنتها و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ و قد داهمتها العبرات:
“هو اللي عمل فيكِ كدا ؟!”
حركت رأسها موافقةً ثم اجهشت في البكاء تشعر بالشفقة على حالها حتى تفاجئت بـ “عزة” تحتضنها و تربت على ظهرها و هي تقول بغضبٍ:
“ضربة في أيده البعيد، ياكش يتشل فيها و تقف خالص، منه لله”
شعرت بالخجل من تلقائية حديثها، لذا قالت بحرجٍ:
“يوه !! معلش يا بنتي بس أصل أهلك دول عالم زبالة مبينزلوش ليا من زور”

 

ضحكت “جومانا” رغمًا عنها من بين بكائها، فضحكت الأخرى و هي تربت على ظهرها ثم قالت بقلة حيلة:
“يوه !! يقطعني شكلي كدا بعكها أكتر، متزعليش بقى و خلاص اعتبري نفسك في بيتك و أنا أمك، بس لو أهلك ظهروا و قلبوكي عليا، هربيكم كلكم”
قالت حديثها بتوعدٍ جعل “جومانا” تتمسك بها أكثر و على الرغم من حديثها الغريب إلا أنها شعرت في عناقها أنها إمرأة حنونة على عكس طباعها الحادة، فها هي تقوم بما عجزت والدتها عن فعله.
استكانت “جومانا” بين ذراعيها فقالت “عزة” بشفقةٍ:
“لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ؟! دا أنتِ حالك يصعب على الكافر يا بنتي، منهم لله”
فردت جسدها على الفراش ثم دثرتها بالغطاء و من بعدها خرجت لهم بعدما أغلقت الأضواء عليها، خرجت لهم بتوترٍ فوجدت زوجها يسألها بنبرةٍ ضاحكة:
“خير يا ست القاسية ؟! قلبك رق يعني”
ردت عليه بقلة حيلة:
“يوه بقى ؟! البت صعبت عليا و منهم لله جايين عليها، هبقى أنا و هما يعني؟”
اقترب منها “عـز” يقول بلهفةٍ:

 

“والله العظيم هي غلبانة اوي و ملهاش في أي حاجة، أنا بس عاوزها تفضل هنا معانا لحد ما أجهز نفسي و اكتب الكتاب علشان تكون براحتها هنا، بالله عليكِ يا ماما مش عاوزها تزعل، أنا ما صدقت تبدأ تلين معايا شوية”
حركت رأسها ثم قالت:
“متقلقش بقى خلاص، روح بس أنتَ علشان شغلك بكرة و علشان تنام، يلا و هي هنا معايا أنا و أختك”
حرك رأسه موافقًا ثم اقترب من والدته يحتضنها و هو يقول بنبرةٍ ممتنة:
“ربنا يباركلي فيكِ و في عمرك يا رب، ربنا يكرم قلبك يا زوزو”
ربتت على ظهره و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
“و يفرحك يا رب يا حبيبي، و ينتقم من كل ظالم يا رب”
بعد مرور دقائق أخذ “عـز” كل ما يخصه و يخص عمله من غرفته، بينما “سالم” كان جالسًا برفقة “بسمة” و هو يقول بنبرةٍ هامسة:
“شوية المرمطة دول نسوني أقولك إنك وحشتيني على فكرة”
ردت عليه هي بخجلٍ:
“و أنتَ على فكرة يعني، هانت خلاص كلها أيام يعني، و هتزهق مني”
رد عليها هو بنبرةٍ هادئة:
“أنا عمري ما هزهق منك، كنت زهقت ياختي و أنا بلف حواليكِ السبع لفات علشان توافقي عليا”
أسبلت عيناها له بدلالٍ مصطنع جعله يحاول كتم ضحكته و هو يسألها:
“يا بت مالك هبلة النهاردة كدا ليه ؟! ضربت منك ؟!”

 

حركت رأسها موافقةً ثم أمسكت يده بحماسٍ و هي تقول:
“فرحانة علشان خاطر عز أوي يا سالم، شوفت وشه نور إزاي لما جومانا حت هنا؟”
حرك رأسه موافقًا بتفهمٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة واثقة:
“ربنا يهون عليهم كل صعب و يجمعهم سوا إن شاء الله، الاتنين يستاهلوا كل خير”
بعد مرور دقائق اقترب منه “عـز” يمسك اشياءه ثم قال بنبرةٍ هادئة لشقيقته:
“مش هوصيكِ يا بسمة عليها، خلي بالك منها و حطيها في عينك، و أنا بكرة هطلع من الشغل على هنا”
حركت رأسها موافقةً ثم طمأنته بقولها:
“متقلقش عليها في عيني يا عز، ريح قلبك أنتَ و متخافش”
تحرك من مكانه و قد عاونه “سالم” في حمل ملابسه و حاسوبه، بينما هو ثبت نظره على الغرفة ثم تنهد بعمقٍ بعدما منىٰ نفسه بلقاء قريب…دائم للأبد.
****************
رحل “عـز” من المكان بعدما اطمئن عليها و أوصى أسرته و حينما لمح اللين في وجوههم اطمئن عليها ثم تحرك من رفيقه، بينما في البيت دلفت لها “بسمة” و حينما وجدتها تنام قريرة العين اقتربت منها تخلع حجابها ثم ربتت على رأسها و هي تقول بتأثرٍ و حنانٍ:
“طول عمري كان نفسي يكون عندي أخت بنوتة، و كنت بقعد اتخيل لو احنا سوا في الأوضة دي أكيد هتكون حلوة أوي، جيتي أنتِ بس و أنا ماشية خلاص، بس أنا بقى قررت أعيش معاكِ كل دا قبل ما أمشي، كفاية إن عز بيحبك بجد، و كفاية إنك أنتِ اللي قلبه دق ليها”

 

ربتت على خصلاتها ثم نزلت بجسدها بجوارها تنام هي الأخرى بعدما عانقتها و تنفست بعمقٍ.
في الخارج كان “جلال” جالسًا بجوار زوجته فسألها هو حينما لاحظ شرودها:
“مالك يا عزة سرحانة في إيه ؟! خير إن شاء الله، أوعي تكوني بترجعي في كلامك !!”
سألها بنبرةٍ محذرة، بينما هي انتبهت له ثم قالت بنبرةٍ هادئة لكن الحزن غلفها:
“سرحانة في البت جومانا و حالها يا حبة عيني، البت وشها وارم قطع قلبي، منه لله اللي عنده نعمة زي دي و يرفضها، عارف يا جلال لما حضنتها كدا و لقيتها بتعيط أنا قلبي وجعني، يارب عز يقدر يعوضها”
جلس بجوارها و هو يقول بنبرةٍ هادئة و ثقةٍ:
“عز راجل يا عزة، ابني و أنا عارفه كويس، رضي إنه يبات برة و يقلب حياته كام يوم علشان خاطر يضمن أنها تكون بخير، خليكِ بس أنتِ مشجعاه و عاملي البت كويس و ربنا يكرمهم إن شاء الله”
حركت رأسها موافقةً فسألها هو باهتمام جام في نبرته:
“بس إيه اللي غيرك كدا مرة واحدة يا عزة ؟! خير يعني؟”
ردت عليه بقلة حيلة:
“شكلها لما جت هنا و هي حاسة إنها مكسورة يعيني و مش قادرة ترفع عينها، و لا لما مسكت في بسمة و كانها اخر امل ليها، و لما أنتَ فكرتني ببسمة لما نتخانق سوا بتكون عاملة ازاي، معرفش بقى…..يمكن ربنا حنن قلبي عليها علشان مبقاش أنا و الزمن عليها، كفاية اللي هي شافته”
ابتسم هو بسمة المنتصر في الحرب الكلامية ثم قال:

 

“شوفتي بقى إن طيبتك دي محدش عارفها غيري، بتفضلي تعملي نفسك جامدة و قلبك ناشف و أنتِ جواكِ الحنية”
حركت رأسها موافقةً ثم اقتربت منه تضع رأسها على كتفه و هي تقول بشرودٍ:
“شوفت نفسي فيها أوي، لما كان أبويا بيزعق مع امي و هي لما تزعق الحوار يكبر كنت بزعل أوي يا جلال، معرفش ايه اللي خلاني افتكر كل دا علشان كدا قلبي رق ليها”
ربت “جلال” على رأسها ثم قال بعدما تنهد بقلة حيلة:
“ربنا يريح قلب كل مهموم و حزين يا رب يا عزة”
*******************
في شقة “سالم” دلفها مع رفيقه و ابن خالته حتى اقتربت منهما “عَليا” و هي تقول بحماسٍ:
“عز العز حبيب خالتو هنا ؟! يادي النور يادي النور”
اقترب منها يحتضنها و هي ترحب به و كذلك اقترب منها ابنها فوكزته هي في كتفه و هي تقول بنبرةٍ جامدة:
“أوعى يا واد أنتَ فضلت في حضني كتير، سيبني احضنه هو شوية بقى، امشي كدا”
ابتسم لها “عـز” بينما هي قالت بمرحٍ:
“عاملة شوية ملوخية و بتنجان و فراخ محمرة هتاكلوا صوابعكم وراها”
تدخل “سالم” يقول بمرحٍ:
“لأ أنا هاكل صوابع بسمة، ملكوش دعوة بيا”
حدجه “عـز” بشررٍ و هو يقول:

 

“نفسي تحترم نفسك و تفتكر انها أختي”
قلد الأخر طريقته بسخريةٍ و هو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
“و أنا نفسي تحس على دمك و تفتكر أنها مراتي”
قبل أن يبدأ العِراك الخاص بهما كعادتهما _ المرحة دومًا _ حالت بينهما “عَليَّا وهي تضحك عليهما حتى انفكا عن بعضهما.
بعد مرور بعض الوقت التفوا حول مائدة الطعام سويًا، فسألته خالته بنبرةٍ حنونة:
“ها يا عز اخبارك إيه مع خطيبتك يا حبيبي ؟!”
رد عليها بقلة حيلة:
“بحاول أكون كويس علشانها هي مش أكتر، ادعيلنا يا خالتو”
ربتت على كفه و هي تحرك رأسها بخفةٍ ثم دار بينهم الحديث عن شتى المواضيع يحاولون تغيير حالته، بينما بقى هو بجوارهم جسدٌ بلا روح، و كافة حواسه لازالت هناك بجوارها.
****************
في اليوم التالي كانت “جومانا” تجلس في غرفة “بسمة” حتى دلفت لها “عـزة” و هي تقول بضجرٍ:
“لأ يا عسل أنتِ هتناميلي ؟! قومي يا بت كدا اتبعتري معايا و اعملي معانا الفطار، اعتبريه بيتك كدا، يلا قومي”
طالعتها بتعجبٍ فتفاجئت بها تسحبها من مرفقها نحو الخارج حتى دلفت بها للمطبخ و هي تقول بحماسٍ:
“البت بسمة بتعمل الفول اهوه، شوفي هتساعديها إزاي و أنا برة مستنياكم، سخنوا العيش كويس”
رحلت بعد حديثها بعدما رمقتهم بتحذير، بينما “بسمة” قالت بنبرةٍ خافتة:
“على فكرة هي كدا بتحبك، لو هي مش حباكِ مستحيل تتعامل معاكِ أصلًا، ماما طيبة أوي بس بتحب تعمل نفسها جامدة”
حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم لها بتفهمٍ و تقدير، بينما “بسمة” صدح هاتفها في تلك اللحظة برقم شقيقها فأخرجته من جيب سترتها و هي تُجيب على الهاتف و ما أن ذكرت اسمه حتى تعالت دقات الأخرى و ظهر الخجل عليها، بينما الأخرى قالت بهدوء:
“كويسة والله متقلقش أنتَ هي معايا هنا، و بنحضر الفطار و هخليها تذاكر علشان امتحان بكرة كمان و أنا اللي هذاكرلها، متخافش”

 

حدثها هو على الجهة الأخرى حتى مدت يدها بالهاتف لها ففهمت الأخرى أنه يريد مهاتفتها، لذا أخذت الهاتف بكفين مرتعشين، و هي تقول بنبرةٍ خافتة:
“ألو…. ازيك ؟!”
رد عليها بنبرةٍ هادئة:
“كويس يا جومانا الحمد لله، أنتِ إيه أخبارك ؟! عرفتي تنامي كويس ؟!”
ردت عليه بخجلٍ:
“آه الحمد لله، معلش لغبطلك حياتك و خليتك تسيب أوضتك أنا أسفة والله بس مكانش قصدي كل دا”
رد عليها بمرحٍ يرفع عنها حرجها:
“يا ستي دا خير و بركة، نمت في اوضة الواد سالم و دي أوضة رايقة أوي، شكلي كدا هعيش هنا علطول”
ابتسمت هي بامتنانٍ ظهر في نبرتها أثناء قولها:
“شكرًا يا عز، شكرًا بجد على كل حاجة عملتها علشاني”
تحدث هو بنفس الهدوء:
“مش عاوز منك شكر، عاوزك بس تذاكري علشان امتحان بكرة و أنا هاجي من الشغل اتطمن عليكم و أرجع تاني، تمام !!”
_”تمام”
ردت عليه بقلة حيلة ثم اغلقت معه الهاتف تشعر بأنها أصبحت في خفة الفراشات ينقصها فقط جناحين لتحلق بهما.
***************

 

في وسط اليوم و في مكانٍ أخر كان “حسام” شقيق “جومانا” جالسًا مع خطيبته في شقة والدها و هو يقص عليها ما حدث مع شقيقته، و استمر في سرد الحديث حتى انتفضت و هي تقول:
“يعني إيه ؟! يعني أنتَ سايب أختك مع والدك لوحدها والله أعلم هي فين دلوقتي ؟!”
رد عليها بحيرةٍ:
“معرفش يا هاجر، بس اللي أعرفه أنه جابلها عريس تاني بعدما سابت عز”
صرخت في وجهه بحدة:
“و يا فرحتي بيك و أنتَ بتقول كدا !! اختك لحمك و دمك الغريب هو اللي هيأويها ؟! افرض مشيت من عند والدك و لا رفضت العريس ؟! ازاي و أنتَ بتقول باباك هيتجوز و عاوز الشقة تبقى فاضية ؟!”
رد عليها بقلة حيلة:
“معرفش يا هاجر بقى أنا من ساعة ما سابوا بعض و أنا قاطع معاهم كلهم، مش عاوز حاجة تفكرني بيهم، و انشغلت مع العمال في الشقة”
صرخت مرةً أخرى و هي تقول:
“دي أختك يا حسام ,!! أختك من لحمك و دمك، يعني تبيع نفسك علشانها، أنا مستحيل آمن على نفسي معاك، واحد زيك مش هامه أخته، هيهمه خطيبته ؟!”
وقف أمامها يقول بحمودٍ:

 

“و أنا هعمل إيه يعني؟! قبل ما امشي قولتلها تعالي معايا قالتلي بابا هيعمل إيه لوحده ؟! غبية و فاكرة أنها تهمهم و متعرفش أنهم مش فارق معاهم أي حاجة”
ردت عليه بثباتٍ:
“شوف يا حسام !! أنا ماليش دعوة بكل دا، أنتَ تروح تطمن على أختك و تساعدها و تيجي بعدها تتكلم معايا، غير كدا دبلتك هتوصلك و كل واحد فينا من طريق، و لو على جومانا هاتها تقعد معايا أنا و بابا كدا كدا أمي الله يرحمها و أخواتي في بيوتهم، لكن كدا يا ابن الناس أنا مش هأمن على نفسي معاك”
تنفس هو بحدة ثم سحب مفاتيحه و هاتفه ورحل من أمامها بينما هي جلست على الأريكة حتى وجدت والدها يجلس بجوارها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
“جدعة يا هاجر، ربنا يحميكِ و يبارك فيكِ يا رب، حسام لازم يقف جنب أخته و ينسى أنها منهم، ملهاش غيره دلوقتي”
حركت رأسها موافقةً ثم قالت بقلة حيلة:
“المصيبة أني بحبه يا بابا، بحاول على قد ما أقدر اساعده يتخطى حياته القديمة، و في نفس الوقت عاوزاه على الأقل يصلح علاقته بيهم”
*****************

 

في شقة “أنور” تم عقد قرانه على زوجته الجديدة فور رحيل ابنته من البيت، و رحل المأذون و معه الشهود بالتزامن مع تواجد “حسام” بالبيت و حينما طالع الأوضاع حوله قال ببلاهةٍ:
“هو إيه اللي بيحصل هنا ؟! و فين جومانا و مين الست دي ؟!”
رد والده ببرود:
“دي مراتي يا أستاذ حسام و النهاردة كان كتب كتابي، خير إن شاء الله ؟!”
صرخ في وجهه منفعلًا:
“مــراتك !! اتجوزت أنتَ كمان ؟! طب و جومانا فين !! راحت فين انطق ؟”
رد عليه بثباتٍ:
“جومانا راحت مع عـز، جه خدها و مشي، بعدما طرد محمد من هنا”
_”راحت مع عز ؟! سايب بنتك تمشي مع خطيبها و هي مش على ذمته ؟! بس الغلط مش عليك، الغلط عليا أنا أني سيبتها هنا، كان المفروض أخدها غصب عن الكل، و غلطي أني مسألتش فيها”
كان يتحدث بصراخٍ في وجه أبيه صاحب الملامح الجامدة التي لم تلين مُطلقًا، بينما الأخر ركض من أمامه و رحل من البيت حتى قالت زوجة”أنور” له بحنقٍ:
“العيال عيالك دول غم يا أخويا، كل شوية نكد كدا ؟! طب دا أنا عروسة و ملحقتش اتهنى”
لاح الخبث على نظراته ثم اقترب منها و هو يبتسم بلامبالاةٍ و كأنه لا يهمه في تلك الحياة سوى تلبية متطلباته و كأنه أشبه بالحيوانات في التعامل مع غرائزها دون التعقل في ذلك تاركًا خلفه أشخاصًا يعانون من قسوته المفرطة.
*****************
في شقة “جلال” كانوا مجتمعين بدون “عـز” الذي شارف ميعاده على القدوم، و “بسمة” و “جومانا” كلتاهما تقوم باستذكار دروسها، حتى قالت “عزة” بضجرٍ لابنتها:
“منه لله السواق الأعمى اللي خبطك اليوم دا و خلاكِ تأجلي المادة، مش كان زمانك مخلصة ؟!”
ردت عليها بقلة حيلة:
“هعمل إيه يعني يا ماما ؟! اديني همتحنها اهوه علشان أخد شهادة التخرج و اخلص، دا نصيب و الحمد لله أنهم اجلوهالي اصلًا كان زماني بعيد السنة كلها على مادة، خليني أخلص و اتجوز بقى”
ابتسمت “جومانا” لها فقالت “عزة” بضجرٍ:
“و أنتِ يا فاشلة أنتِ كمان !! شدي حيلك علشان تخلصي كدا و تدلعي الواد عز، أصل الواد طول عمره كتوم أوي”
ضحكت “بسمة” بصوتٍ عالٍ بينما “جومانا” رمشت ببلاهةٍ و في تلك اللحظة وصلهم طرقات جامدة على باب الشقة حتى خرج “جلال” ما الداخل و هو يقول بلهفةٍ:

 

“خليكم انتم أنا هفتح و اشوف مين بيخبط كدا”
اقترب من الباب يفتحه فتفاجأ بـ “حسام” أمامه يقول بسرعةٍ:
“فين جومانا يا أستاذ جلال ؟! اختي فين ؟!”
رد عليه الرجل بتشوشٍ من حالته:
“جومانا جوة يابني، خير كفا الله الشر !!”
ركضت “جومانا” نحوه تطالعه بدهشةٍ فاقترب منها يقول بنبرةٍ جامدة:
“يلا يا جومانا تعالي معايا قعدتك هنا غلط، يلا”
سحبت كفها من يده و هي تقول بتهكمٍ:
“يا راجل ؟! جاي دلوقتي تقولي غلط ؟! طب ما أنا كلمتك و اتحايلت عليك، و حضرتك قولتلي إنك انشغلت في شقتك، روح يا حسام شوف حياتك و حل عني”
اقترب منها مرةً أخرى يمسك مرفقها و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
“ازاي عاوزة تقعدي هنا و فيه راجل غريب ؟! لو أبوكِ وافق على كدا و الهانم الجديدة لحست مخه أنا مش هوافق”
اقتربت “عـزة” منهما تسحبها منه ثم وقف أمامه تحمي تلك التي ترتجف من الخوف و هي تقول بجمودٍ و حدة:
“اسمع يا استاذ أنتَ !! اختك معانا هنا بصفتها هتبقى مرات ابني، و ابني نفسه مش هنا و مشي علشان تكون على راحتها، روح شوف حياتك بقى و نفسك و متقرفناش”

 

حاول التقدم مرةً أخرى و هو يقول بثباتٍ:
“أنا هاخد اختي من هنا و مش هتحرك من غيرها”
_”هتاخد مراتي و تروح فين يا حسام ؟! خلاص دلوقتي افتكرت انها بقت أختك ؟!”
تفوه “عـز” بذلك الحديث بثباتٍ و هو يقف على أعتاب الشقة مما جعل الانظار جميعها تلتفت نحوه، فاقترب هو من “حسام” ينزع كفه القابض على رسغها و هو يقول:
“جومانا هنا في بيت أهلها، و أنا خطيبها و كلها ٣ أيام و أبقى جوزها و تعيش معايا هنا، عندك اعتراض ؟!”
نظروا له بدهشةٍ حتى هي نفسها، فقال هو بنفس الثبات:
“حضر نفسك يوم الجمعة علشان كتب كتابي على أختك، غير كدا مشوفش وشك ولا وش حد فيكم، و إذا كان على المكان اتطمن أنا مش قاعد هنا أصلًا غير لما تكون مراتي بشرع ربنا”
اقترب “جلال” يقف بجوار ابنه و هو يقول مؤيدًا له:
“صح كدا يا بني، بص يا حسام أختك عندها امتحانات و كفاية ضغط عليها لحد كدا، هي هنا في بيتها زي بنتي تمام، و عز مشي و طردناه، اتفضل حضرتك و تعالى يوم الجمعة علشان كتب الكتاب”
نظر “حسام” في وجه شقيقته فوجدها تطالعه بمعاتبةٍ و كأنها تخبره أنه من تسبب في ذلك، بينما هو رحل من أمام الجميع بعدما شملهم بنظرةٍ ثاقبة.
بعد مرور دقائق من هدوء الأوضاع قليلًا سألته “عزة” بتعجبٍ:
“أنتَ فعلًا هتكتب الكتاب يابني يوم الجمعة ؟!”
رد عليها بثباتٍ:
“آه يا ماما، علشان محدش يتكلم خالص، و علشان اعرف أكون جنبها براحتي، هفضل في اوضتي و هي مع بسمة في أوضتها و كدا كدا بسمة قربت تتجوز، و فترة بسيطة إن شاء الله أكون استلمت الشقة”
تحدث “جلال” بهدوء:
“كدا أحسن ليك و ليها قبلك، و لازم يتعملها فرح كبير كمان بس شقتك تيجي و نبدأ نجهزها و نوضبها”
حرك رأسه موافقًا ثم وجه بصره نحوها فوجدها تجلس لا حول لها ولا قوة، تاركة الأمواج تُلقيها على حواف الصخور ثم تُعيدها من جديد على الشاطيء و قبل أن تأخذ نفسها تتفاجيء بجسدها يرتطم بالصخور من جديد.
*****************

 

بعد مرور عدة أيام قليلة أتى اليوم المحدد لعقد القران الخاص بهما، لم تبخل عائلة “عـز” على الفتاة بأي شيء، تم تجهيزها كما لو أنها ابنتهم و تمت عزيمة الأقارب و الجيران دون أن تنقص فرحتها بشيء.
كانت ترتدي فستانًا باللون البيج و كذلك الحجاب و قد قامت “بسمة” بجلب صديقتها حتى تتولى أمر تزيينها، فبدت “جومانا” في غاية الرقة كأي عروس في ذلك اليوم، على الرغم من عدم تواجد والدتها بجوارها و تركها لها و على الرغم من الظروف التي مرت بها، إلا أن تلك العائلة التي جمعها بهم القدر كانت أحن على قلبها من ذويها.
ارتدت حذاء ذو الكعب العالي بنفس لون الفستان، و التفتت للفتيات في الخلف اصدقاء “بسمة” و والدته و هي تطالعهن بخجلٍ حتى تعالت الزغاريد و التصفيات الحارة فيما ركضت “بسمة” نحوها تحتضنها و هي تبارك لها بينما الأخرى تشبثت بها كأنها طوق نجاتها.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا وصل “عز” و “سالم” و والدته و معهم المأذون و خلفهم “حسام” و خطيبته “هاجر”
على الرغم من حدة الأجواء المشحونة بطاقاتٍ سلبية و توتر، إلا أن عواطف “جومانا” تغلبت عليها و جعلتها تركض نحو أخيها تتعلق به و كذلك هو احتضنها و همس لها بندمٍ:
“أنا أسف والله، حقك عليا حاولت أجيبهم بس معرفتش، الاتنين مش في دماغهم أصلًا”
ابتعدت عنه تقول بصوتٍ مختنقٍ:
“كفاية أنتَ موجود هنا”
اقترب منهما “عـز” يراها بفستانها الرقيق و ملامحها الهادئة بينما هي رفعت رأسها نحوه تطالعه بعينين دامعتين و هو يرتدي حِلةً باللون الأسود و كذلك القميص أيضًا، و قد ظهرت وسامته الهادئة و ملامحه الرجولية التي تتسم باللين، مع تلك الابتسامة المشرقة و لحيته السوداء المنمقة، لأول مرة تتعمق في ملامحه بتلك الطريقة و هي تراه يبتسم لها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“يلا علشان نكتب الكتاب”

 

_”بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير”
أنهى المأذون عقد القران بتلك الجملة بعدما وضع “عـز” كفه في كف “حسام” و ينطقان بما يخبرهما به المأذون، و ما إن أُنهىٰ عقد القران حتى تعالت الأصوات المبهجة في المكان و الزغاريد، بينما اقترب “عـز” منهما يقبل قمة رأسها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“ربنا يجعلني خير الزوج الصالح ليكِ دنيا و أخرة، و يجعلك خير الزوجة في عيني و الأغلى في قلبي”
ابتسمت هي له بخجلٍ ثم اخفضت رأسها تهرب من نظرات الجميع الموجهة نحوهما، بينما قال هو بنبرةٍ هامسة حينما مال على أذنها:
“يا وعدي….يا وعدي”
بعد مرور ساعة تقريبًا أتى “أنور” بجمودٍ وسط الحشد الجالس يبارك للعروسين، بينما، هي بمجرد التقاطها لطيفه ظهر الرعب عليها و دون أن تعي مدت كفها تمسك كف “عـز” الذي تفاجأ بفعلتها و قبل أن يندهش أكثر قد ظهر أمامه طيف “أنور” و هو يقترب منهما يقول بجمودٍ:
“مبروك”
طالعته هي باشمئزازٍ بينما “عـز” رد عليه ببرود:
“الله يبارك فيك، مش عارف بصراحة ازاي وعلى إيه، ربنا يهديك”
اقترب “حسام” منه يقول بهمسٍ حانقٍ:
“أنتَ جيت ليه ؟! جاي تعمل هنا إيه ؟!”
رد عليه”أنور” بثباتٍ:
“جاي كتب كتاب بنتي، عاوز الناس تاكل وشي يعني ؟”
حينما لاحظ “جلال” الهمهات و الهمس المنتشر بظهور والد العروس وقف يقول في محاولةٍ منه تلطيف الأجواء:
“أهو دا بقى الحظ النحس، والد العروسة كان مسافر في شغل و مكانش هيعرف يحضر كتب الكتاب بس هو رجع و عملها مفاجأة لينا”
قال حديثه حتى ينهي على ظنونهم و شكوكهم، بينما طالعه “عـز” بامتنانٍ و تقديرٍ للموقف، و بعد مرور دقائق قليلة رحل الجميع عدا والدها و شقيقها، فوقف “عـز” يقول بجمودٍ:
“ألف شكر ليكم لحد كدا، ربنا يكرمك يا حسام بس مراتي كدا معايا و أنتَ مش مطلوب منك حاجة تاني، أختك وقت ما تحب تشوفها البيت مفتوح ليك”
قال حديثه لأخيها ثم وجه بصره نحو “أنور” و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
“أما أنتَ فمع السلامة لأن مالكش لازمة أصلًا و لولا الناس أنا كنت زماني خدت حقها منك، بس حظك إنها من اللحظة دي بقت مراتي”
وقف “أنور” و هو يقول بلامبالاةٍ:
“أنا أصلًا جاي علشان الناس متتكلمش، مش فارق معايا وجع الدماغ دا، يلا سلام”
تحرك من المكان و هي تنظر في أثره بغيظٍ مكتوم تود الصراخ و المعاتبة و الانفجار، لكن رحيله ألقى في نفسها الهدوء.
بعد مرور بعض الوقت كانت “جومانا” جالسةً في الغرفة بمفردها بعدما بدلت ثيابها لأخرى بيتية، و قامت بفرد خصلاتها البنية، لتتنافى هيئتها تلك مع هيئتها السابقة، طرق “عـز” باب الغرفة ثم دلف و هو يقول بمرحٍ:
“مراتي العسل عاملة إيه؟”

 

انتفضت على الفور من محلها و قبل أن تقوم بتغطية خصلاتها قال هو بنبرةٍ بلهفةٍ:
“اهدي اهدي…. أنا جوزك خلاص، يعني عادي متتكشفيش كدا”
حركت رأسها موافقةً بخجلٍ فيما اقترب هو منها يجلس على الفراش ثم اجلسها بجواره و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
“مش عاوزك تقلقي كدا و لا تخافي، جوازنا بالطريقة دي علشان تعيشي معايا هنا من غير ما حد يتكلم، و علشان كل حاجة تكون بشرع ربنا”
حركت رأسها موافقةً فقال هو بصوتٍ رخيم بعدما أمعن النظر في وجهها و خصلاتها:
“سبحان الله، دلوقتي بس عرفت ليه ربنا أمر الست بالحجاب و تغطية الجمال دا، علشان تكون مبهرة كدا في العيون اللي تستحقها، أنتِ جميلة أوي”
جملته تلك جعلتها تزداد خجلًا منه و فركت كفيها ببعضهما، بينما هو رفع ذقنها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“مش بجاملك على فكرة، أصل اللي بيحب حد بيشوف فيه كل حاجة حلوة، و الموكوس قلبي بقى مش شايف غير إنك حلوة، معذور ماهو حبك”
للمرة الثانية تشعر بارتفاع ضربات قلبها لذا حاولت تجاهل حديثه لكنها سألته ببلاهةٍ:
“و هو قلبك حبني امتى و حبني ليه أصلًا يا عز ؟!”
حرك كتفيه بقلة حيلة ثم أضاف يمازحها:
“أسأليه هو متسألنيش أنا، بس هو بقى بيسألك أنتِ حبتيه ؟! و لا لسه ؟!”
تنفست بعمقٍ ثم استجمعت شجاعتها و قالت بنبرةٍ خافتة و خجلٍ فطري:
“حبيته يا عز….حبيته أوي كمان، أو جايز أكون بحبه من زمان محدش عارف”
رفع صوته يقول بمرحٍ:
“يا وعدي….يا وعدي”

 

ضحكت هي بخجلٍ فيما اقترب منها يقول بنبرةٍ هادئة:
“طب كملي جميلك بقى و تعالي في حضني، من ساعة ما كتبنا الكتاب و أنا نفسي احضنك يا ستي”
اخفضت رأسها بخجلٍ فيما قربها هو منه يضمها بين ذراعيه للمرةِ الأولىٰ تكون بذلك القرب منه، تلاشت العقبات و أُزيحت المصدات، ليجتمعان سويًا حتى لو يكن بصورةٍ ثابتة، لكن يكفيه أنها أصبحت له و معه و قلبها ينبض بجوار قلبه.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هدية القدر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى