روايات

رواية وما ادراك بالعشق الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الجزء الثاني والعشرون

رواية وما ادراك بالعشق البارت الثاني والعشرون

رواية وما ادراك بالعشق الحلقة الثانية والعشرون

الفصل الثاني و العشرون _ مليكتي _ :
قبل إثنان و عشرون عامًا …
لندن / المملكة المتحدة
بأرقى أحياء المدينة “بلو مزبري”.. حيث تنتشر المنازل الصغيرة و الأنيقة ذات العمارة الجورجية في ساحتيّ “راسِل” و “بيدفورد” الغنيتين بالأشجار”.. تحديدًا في بيتٍ مميز بحديقة مُزهرة و أسوار آمنة ..
تباشر أمها إعداد العشاء.. أبيها يجلس بغرفة المعيشة أمام التلفاز.. يتجاهل مباراة كرة القدم الحصرية كليًا و يراقبها و هي تلهو بألعابها بالقرب منه.. بابتسامته الملائكية يشعر بمحبة متعاظمة تجاه صغيرته.. و العطف الذي يتوق لإغداقه عليها بكل لحظة يدفعه لملازماتها ..
-شمـس !
رفعت الصغيرة رأسها متطلّعة لأبيها.. ابتسم لها “يحيى” و هو يقول بإيماءة واحدة :
-تعالي لبابي يا حبيبتي.
تركت “شمس” الألعاب من يديها و قامت مهرولة نحو أبيها الذي فتح لها ذراعاه.. استقرّت “شمس” بين أحضانه و أخذ يضمّها بحنانٍ لبرهةٍ.. ثم أجلسها في حِجره و قبّلها على خدّها قائلًا :
-إيه يا روحي.. ماقولتليش عجبك بيتنا الجديد ؟
أومأت “شمس” بقوة و قالت بصوتها الطفولي :
-آها.. عجبني أوووي.. و الجنينة و البول حبيتهم أكتر حاجة.. بس البول صغير !
إلتمعت عيناه و هو يرمقها بنظراتٍ متعطّشة لحفظ ملامحها.. و قال :
-انتي حبيتي البول بس زعلانة عشان صغير ؟
أومأت مرةً أخرى.. ليردف ماسحًا على شعرها بلطفٍ :
-أوعدك لما أجي المرة الجاية هاشيله خالص و أعملّك واحد جديد أكبر منه مرتين.. ها مبسوطة ؟
أومأت للمرة الثالثة و هي تبتسم بإتساعٍ هاتفة :
-مبسوطة أوي.. أوووي ..
و مالت صوبه لتطبع قبلة على ذقنه أقصى نقطة طالتها ..
مد “يحيى” يده لييحضر جزدانه من الطاولة المجاورة.. فتحه و أستلّ من جيبٍ داخلي بضعة من الكروت الصغيرة.. و استقطب إنتباه فتاته و هو يعرض عليها أول كارت قائلًا :
-بصي يا شمس.. أنا عاوز أعرفك على العيلة.. هاعرفك عليهم واحد واحد في الصور دي.. بصي دول أجدادك.. أبويا و أمي صالح البحيري و صفية الشواربي.. دي صورتهم يوم فرحهم ..
نظرت الصغيرة إلى صورة الثنائي بالأبيض و الأسود معقّبة :
-ده جدو و دي تيتة.. حلوين أوي.. هما فين يا بابي أنا مش شوفتهم خالص !
-للأسف يا حبيبتي و لا عمرك تقدري تشوفيهم.. لأنهم ماتوا من زمان أوي.. بس ماتزعليش أنا المرة الجاية هاجيب معايا ألبومات الصور بتاعتهم عشان تشوفيهم و تعرفيهم أكتر.. اتفقنا ؟
أومأت له موافقة.. فعرض عليها الكارت التالي :
-ده أنكل رفعت أخويا.. طبعًا عرفاه و شوفتيه كتير ..
الكارت الثالث : دول بقى اخواتك.. عثمان و صفية.. عثمان يبقى أخوكي الكبير.. و صفية أصغر منه شوية ..
تلك الصورة بالأخص.. استوقفت الصغيرة.. بل و خطفتها من بين أصابع أبيها.. قرّبتها لعينيها أكثر و راحت ترنو إليها عن كثب متأملة في الإثنان بحسب ادعاء “يحيى” هما أخويها.. ذاك شاب وسيم للغاية.. يشبه والدها إلى حد كبير.. لكنه يتفوّق عليه بلمحاتٍ جمالية جذّابة كشعره الكستنائي و تلك الشامة المميزة أسفل عينه اليسرى و شفاهه المكتنزة بوساطةٍ ..
الفتاة التي ظهرت معه بالصورة تحتضن خصره بلكتا ذراعيها لا تقل عنه جمالًا.. بل إنها شديدة الفتنة و جميلة جدًا.. بالتأكيد لديها ملامح أبيها.. و لكن جمالها كان فريدًا من نوعه …
-أنا عندي أخ و أخت !! .. رددت “شمس” و لاتزال ترمق الصورة بقوة
و تخلل صوتها اهتزازٍ و هي تكمل و قد انسكبت دمعتها فوق ظاهر يد “يحيى” :
-انت و مامي عندكوا غيري و مش قلتولي !!!!
اضطرب “يحيى” في الحال عندما إنقلبت حالتها رأسًا على عقب فجأة.. راح يزيل دموعها الجارية عن عينيها و هو يقول :
-لأ.. لأ يا حبيبتي أنا هافهمك.. دول أخواتك.. بس مش شقايق !
نظرت له بعدم فهمٍ.. فواصل يشرح لها أكثر :
-يعني عثمان و صفية و شمس ولاد يحيى البحيري.. عثمان و صفية من أم اسمها فريال.. و شمس من أم تانية.. إللي هي رحمة مامتك ..
لا زالت لم تستوعب ما يقوله.. لكنها تساءلت بصوتٍ به نبرة بكاء :
-أنا ليه مش شوفتهم خالص ؟ أنا عايزة أشوف أخواتي دول ..
بدا الأسف في نظراته و لهجته و هو يمسح على رأسها برفقٍ قائلًا :
-أنا آسف يا شمس.. حقيقي آسف يا حبيبتي.. مش ممكن تشوفيهم ..
شمس ببراءة : ليه ماتوا زي جدو و تيتة !؟
-بعيد الشر !! .. رد “يحيى” على الفور بقوةٍ أجفلتها
لكنه هدأ على الفور و قال بصوتٍ أكثر لطفًا :
-الله لا يقدر يا حبيبتي.. لأ موجودين و ربنا يحفظهم و يحفظك ليا ..
شمس بتبرمٍ : طيب ليه مش هاشوفهم ؟ أنا نفسي في أخ و أخت يلعبوا معايا أنا علطول بلعب لوحدي !
و طفرت دموع جديدة من عينيها.. ليضعف ذلك من تماسك “يحيى” أمامها و هو يحاول ارضائها بشتّى الطرق :
-يا روحي أخواتك كبار انتي أختهم الصغيرة.. يعني لو كانوا صغيرين زيك كنت خلّيتك تقابليهم و تلعبوا مع بعض.. بس هما كبار دلوقتي.. الاتنين في الجامعة و قربوا يخلصوا كمان.
إنعقدا حاجباها بشدة و هي تقول بحزنٍ جمّ :
-يعني عشان أنا صغيرة ماينفعش أشوفهم ؟
تنهد “يحيى” بحرارةٍ و قد شعر بعبء إعلامها بالحقائق يزيد.. لكنه صمم على المضي في هذا.. و قال بجدية و هو يحتضن وجهها بكفيّه الكبيرين :
-بصي يا شمس.. انتي بتكبري.. و لازم تعرفي أكتر عن حياتك و مستقبلك.. أنا معاكي طبعًا و عمري ما هاسيبك طول ما أنا عايش.. بس الحياة مش مضمونة.. أكيد يا حبيبتي انتي مش فاهمة حاجة من إللي بقولها.. بس لما تكبري شوية كمان هاتفهمي.. أنا عايزك تفتكري كلامي ده كويس و ماتنسيهوش أبدًا.. انتي بنتي.. شمس يحيى البحيري.. أنا أبوكي و بحبك و مستعد أفديكي بروحي.. ف مش عايزك تشكّي أبدًا في كلمة واحدة قولتهالك.. لو عليا أخدك انتي و مامتك و نرجع مصر و أعيّشكوا معايا وسط العيلة.. بس القرار ده لو نفذته هاخسر قصاده كتير أوي.. مش خسارة لنفسي بس و لو على نفسي مش مهم.. بس اخواتك مالهمش ذنب.. و انتي كمان مالكيش ذنب أنا عارف ..
قطع حديثه ناظرًا إليها بيأسٍ لم تفهمه.. ليكمل متجاوزًا كلماتٍ كثيرة تاق لقولها :
-أوعدك إني طول ما أنا موجود مش هاخليكي تحتاجي لحد.. و لا حتى اخواتك.. هأمنلك حياتك بيا و منغيري.. هاتاخدي مني أكتر بكتير من أي حد غيرك و لو ينفع أديكي عمري مش هتأخر… بس يا شمس.. أنا محتاج إنك توعديني بحاجة.. و مش هابطل أفكرك بوعدك ده طول ما أنا عايش ..
رمشت بأهدابها مصغية إليه بخضوعٍ تام.. فقال بصرامةٍ :
-انتي تعرفي أخواتك.. بس عمرك ما هاتفكري تقربي منهم.. عمرك ما هاتحاولي تشوفيهم و لا تخليهم هما يعرفوكي.. فاهماني يا شمس ؟ انتي تعرفيهم.. لكن هما ماينفعش يعرفوكي.. فاهمة ؟
هزت رأسها أن نعم.. ليؤكد عليها مرةً أخرى بصورة قاسية الوضوح :
-لو جرالي أي حاجة في أي وقت.. لو اختفيت من حياتك فجأة غصب عني.. لو مت يا شمس مش هاتروحي لاخواتك.. أوعديني !
هذا كثير.. كثيرٌ جدًا عليها ..
فما الذي يحاول فعله بها بحق الله !؟
إنها مجرد فتاة قاصرة الإدراك.. طفلة صغير بالكاد تبلغ التاسعة من عمرها.. كيف يحدّثها عن الموت ؟
و موته هو !!!!
-حـ.. حاضر ! .. قالتها “شمس” طائعة
و لم يعد بوسعها حبس دموعها أكثر.. انفجرت باكية بين ذراعيه.. أخذها في عناقٍ طويلٌ و مُحكم و هو يعتذر منها و يراضيها بعباراتٍ مُلطّفة ..
كان بكاء الصغيرة مُعلنًا.. أما بكاء “رحمة” التي اختبأت بزاويةٍ قريبة كان سرًا.. بعد أن استمعت لحديث زوجها مع صغيرتها من بدايته.. أدركت بأن مصير “شمس” لن يختلف كثيرًا عن مصيرها هي.. “رحمة” عاشت وحيدة.. و “شمس” ستكمل حياتها على هذا النهج ..
و كأنها لعنة مُقدرة على الأم و ابنتها …
**
الوقت الحاضر ..
لم يهدأ لحظةٍ واحدة.. منذ قام بطردها بعد فعلتها المخزية.. صدمته.. بل أثارت جنونه ..
لولا المكالمة التي وردته من شقيقته.. تخبره فيها بأنها و والدتهما قد وصلتا في أمنٍ و سلام إلى العاصمة “إسطنبول”.. عبثت بتفكيره قليلًا.. و لكنه لا يزال عالقًا مع كلماتها.. لم يتقبّلها.. و لا يمكن أن يتقبّلها ..
في خلال دقيقة واحدة.. صعد “عثمان” إلى الأعلى.. لأول مرة يقتحم غرفتها الخاصة التي خصصها لأجلها منذ فترة قصيرة اعتبارًا بأنها صارت فتاة يافعة يجب أن يكون لها عالمها الخاص ..
انتفضت “ملك” حيث كانت منكبّة فوق فراشها الوثير على شكل فراشةٍ ورديّة.. مثل لون الغرفة كلها.. ورديًّا ..
وثبت واقفة في الحال و استدارت نحوه.. ليلاحظ بيدها صورتهما المؤطرة بهيكلٍ صدفي.. يعرف تلك الصورة.. أُخذت لهما العام الماضي بليلة عيد ميلادها.. في لقطةٍ عفوية إذ قفزت على ظهره فجأةً و طوّقت عنقه بذراعيها بينما يضحكا بانطلاقٍ ..
كانت “ملك” ترتعش أمامه مثل ورقة شجر خريفية.. دموعها تسيل بلا توقفٍ على خدّيها.. لكنه لم يتأثر البتّة.. و أطلّت القسوة من عينيه و هو يرمقها مطوّلًا بوجه مكفهرّ.. ثم يقول بغتةً :
-ليـه ؟ .. محتاج أعرف حقيقي.. ليـه !؟
نظرت له عاجزة عن النطق.. فقط تبكي في صمتٍ.. وجهها يتلّوى من نظراته التي تعذّبها ..
ليفقد هو أعصابه و يهب صوبها كإعصارٍ.. تسارعت أنفاسها تحت تأثير خوفها من رؤية وجهه الآخر.. رغم ثقتها في أنه لن يؤذيها.. لكنها بقيت متسمّرة حين توقف قبالتها مباشرةً.. تفصل بينهما خطوةً واحدة.. و قد أُجبرت على رفع وجهها لأعلى لتستطع النظر إليه ..
-أنا عملت إيه ؟ .. سألها “عثمان” عاقدًا حاجبيه بشدة
و لم يتمكن من تمالك أعصابه أكثر.. امتدت يده و قبض على رسغها بقوة مؤلمة و هو يهتف بها غاضبًا :
-قوليلي عملت إيه صوّرلك التخاريف إللي في دماغك ؟ طول السنين إللي فاتت.. فهمتي إيه من معاملتي ليكي ؟ إيه الجديد خلاكي تفكري بالطريقة دي ؟ ردي عليـا يا مـلك أنا عملت معاكي إيـه وصلّك لكده !!؟؟؟
-ماعملتش حاجة !! .. قالتها بصعوبةٍ من بين دموعها
و تحمّلت الألم الذي يسببه لها تشديده على رسغها.. و أردفت باكية :
-انت ماعملتش حاجة.. أنا إللي مقدرتش أخبي مشاعري أكتر من كده.. أنا مش عارفة ده صح و لا غلط.. بس أنا قلتلك إللي أنا حاسة بيه.. أنا بحبـك !
نطقها بنفس الكلمة مرةً أخرى أثار جنونه أكثر ليدفعها بعنفٍ فوق سريرها هاتفًا :
-مشاعـر و حب إيـه إللي بتتكلمي فيهم يا بت ؟ ده انتي لسا ماقلعتيش المريلة.. جاية تقوليلي أنا مشاعر و حب ؟ انتي ناسية أنا مين ؟ أنا جوز أختك.. أنا الراجل إللي خدك و انتي لسا في اللفة و ربّاكي و كبرك لحد ما بقيتي تقوليله يا بابي.. انتي متخيّلة أنا شايفك إزاي دلوقتي ؟؟؟
و صمت لثوانٍ.. ثم قال بصوتٍ أهدأ لكنه يحمل الكثير من الخيبات و الخذلان :
-كأني كنت ببني في عمارة بملايين.. و فجأة وقعت على الأرض.. يا خسارة يا ملك !
راحت تستند على مرفقيها فوق السرير و هي تنتحب بمرارةٍ ناظرة إليه.. ليعاود وجهه تعبير القساوة من جديد و هو يستطرد بصرامةٍ :
-انتي مابقاش ليكي مكان في بيتي من بعد إنهاردة.. و من بعد ما كنت مستعد أحارب و أقف قصاد أخوكي عشان أخليكي هنا جنبي.. خلاص.. مابقتش عايزك.
توقفت عن البكاء الآن لتحدق فيه بصدمة مرددة :
-يعني إيه !؟؟
عثمان بصلابةٍ : يعني من دلوقتي تحضري شنطة هدومك.. عشان كمان يومين بالكتير و هاتسافري مع أخوكي على دبي.. هو فعلًا أولى بيكي.. و أكيد هايعرف يربيكي من أول و جديد و يعمل إللي فشلت فيه أنا.. لسا الأوان مافتش.
كانت تهز رأسها في رفضٍ قوي حتى قبل أن ينهي كلماته.. و قامت واقفة على قدميها مجددًا و هي تقول بخوفٍ هستيري :
-لأ.. لأ انت مش قصدك كده.. مش هاتخلي فادي ياخدني صح ؟ انت وعدتني !!
رمقها بنظرة مزدرية قائلًا :
-وعدت ملك.. بنتي إللي ربيتها لدرجة حسيت إنها من دمي فعلًا.. إنما انتي أنا ماعرفكيش.. و مش عايزك.
و أولاها ظهره ليغادر.. إلا إنها ارتمت عليه محيطة خصره العريض بذراعيها.. ضغطت جانب وجهها على ظهره الصلب و هي تصرخ بانهيارٍ :
-لأااا.. عشان خاطري لأ.. ماتخليش فادي ياخدني من هنا.. أنا مقدرش أبعد عنك.. أنا بحبك انت أكتر حد في الدنيا.. لو سيبته ياخدني أنا ممكن أموت.. انسى الكلام إللي أنا قلته.. و الله مش هقوله تاني خالص بس ماتبعدنيش.. ماتسبنيش أنا ماعرفش غيرك و مش عايزة حد غيرك.. عشان خاطري يا بـ.. بابـ..ـي !!!
ازداد تصلّب “عثمان” تحت لمستها.. لا يمكنه تحمل دموعها و انهيارها بهذا الشكل.. لكنه وضع حجرًا على قلبه و إلتفت ناحيتها ..
نظر لها باستحقارٍ متعمّد و أمسك بكلتا يديها مبعدًا إيّاها عنه.. ثم قال بهدوءٍ يعادل ألف طعنة :
-كان ممكن أفكر.. لو كنتي تقصديها بجد.. كلمة بابي دي خلاص أنا مش حاسسها منك.. و مهما قولتي يا ملك إللي قررته هايتنفذ.. هاتمشي من البيت ده و مش هاترجعيله تاني غير ضيفة.
و دفعها للمرة الثانية بعيدًا عنه.. لكنها لم تتأذى هذه المرة.. إنما أدركت و هو يبتعد عنها و يغادر بأنها بخسارته قد خسرت كل شيء ..
لأنها لم تكن تكذب عليه حين قالت.. هو يمثل كل شيء بحياتها.. كل شيء …
**
في غرفة صغيرها.. تنوي أن تبيت إلى جواره الليلة بعد أن نجحت بالتواصل من طفلتها و البقاء برفقتها في سريرها حتى حانت ساعة نومها.. كانت لتقضي الليل معها هي.. إلا إن “يحيى” الصغير كان له رأيًا آخر ..
-أقولك على سر يا ماما ! .. قالها “يحيى” و هو يرفع وجهه قليلًا على صدر أمه ليحدق بعينيها
أماءت “سمر” له قائلة :
-قول يا قلبي ..
-أنا بحب حضنك أكتر من حضن فريال هانم.. أكتر من حضن بابا نفسه.. أنا بحبك أوي.
ابتسمت “سمر” لسماع اعترافه.. تملّكتها محبته بكثرة على الفور.. فضمّته إليها أشدّ متمتمة :
-حبيبي.. أنا كمان بحبك أوي أوي.. و أقولك أنا كمان على سر ؟
حثها بنظرته دون أن يتكلم.. فأخبرته بصوتٍ أقرب للهمس :
-بحبك أكتر حد في الدنيا.. أكتر من باباك نفسه !
تألقت عينيّ الصبي بابتسامةٍ محببة و شدد ذراعيه حول أمه أكثر.. غلل رأسه بحضنها مغمغمًا :
-اوعي تمشي و تسبيني تاني.. أنا عارف إنك زعلانة مع بابا الفترة دي.. بس عشان خاطري أنا.. ماتفكريش تسيبي البيت.
تنهدت “سمر” بحرارةٍ و قالت داعبة شعره الناعم بأناملها :
-أوعدك إن عمري ما هاسيبك.. دي الحاجة الوحيدة إللي أقدر أوعدك بيها يا حبيبي !
إنفتح باب الغرفة عقب جملتها مباشرةً ..
ليظهر زوجها من ورائه.. تعلّقت نظراتها و نظرات الصغير به في ترقبٍ.. بينما يهتف “عثمان” بحزمٍ عبر الغرفة :
-انت لسا مانمتش يا يحيى ؟ مش عندك مدرسة الصبح ؟
يرد “يحيى” على أبيه بثباتٍ واثق :
-كنت لسا هاطفي النور و أنام قبل ما تدخل يا بابا.
عثمان آمرًا : طيب يلا قول لمامتك تصبحي على خير.. و انتي يا سمر دقيقة واحدة و ألاقيكي قدامي في أوضتنا.
و انسحب في هدوءٍ أثار ريبتها ..
لكنها و صغيرها فعلا ما أمرهما به.. قبّلت “سمر” ابنها على جبهته و شدت الغطاء عليه جيدًا.. أطفأت الضوء و تمنّت له ليلة سعيدة.. ثم لحقت بزوجها على جناحهما الخاص …
**
-احـم !
كان يقف بالنافذة.. منتبهًا لوجودها بالفعل قبل أن يسمع نحنحتها ..
استدار لها ببطءٍ.. ليراها تقف قرب باب الغرفة الموارب ترمقه بنظراتٍ غير واثقة و هي تشد طرفيّ الروب الحريري حولها بدفاعية ..
شملها “عثمان” بنظرةٍ مستخفة و أمرها :
-اقفلي الباب ده و تعاليلي.
نفذت ما قاله رغم ترددها و قلقها من نواياه التي لا تعرفها حتى اللحظة ..
أغلقت باب الغرفة.. ثم إلتفتت ماشية صوبه بتوأدة.. توقفت على بُعد خطوتين منه غير قادرة على الهرب من عينيه.. إذ كانت تأسرها نظراته القوية آبية إفلاتها طرفة عين …
-وقتك خلص يا سمر !
عبست بغرابةٍ تعقيبًا على كلماته.. فاستطرد بتسلّطٍ واضح :
-الليلة دي هاديكي آخر فرصة.. يا تعقلي و تطيعي أوامري و تأدي واجباتك كزوجة طبيعية.. يا كل واحد فينا من طريق يا بنت الناس و هاسيبك تسافري مع أخواتك و ورقتك سابقاكي كمان !!
أجفلت محملقة فيه بذهولٍ و قالت بتوتر :
-انت بتقول إيه ؟ إيه ورقتي و إيه حكاية سفري مع اخواتي دي !؟؟
-فادي عايز ياخد ملك و هو راجع دبي.. أنا وافقت على طلبه.. و في حالة رفضك ليا دلوقتي مش هاتقعدي على ذمتي يوم تاني.. و تنسيني بقى و تنسي ولادك و مع ألف سلامة مع أخواتك.
تجاهل تعابير الصدمة التي جللت محيّاها.. إلتزم بخطته في الضغط و التضييق عليها لترضخ له.. يعلم بأنها لن تقاومه هذه المرة و إن جُبنها سوف يجبرها على الإذعان لأوامره ..
يحفظها جيدًا و لا يشك بأنه سينال مراده الليلة.. لا يشك مقدار ذرةٍ …
-انت إيه إللي بتقوله ده بس ؟ .. تمتمت “سمر” بارتباكٍ بَيّن :
-و إيه إللي قالبك فجأة كده ؟ احنا كنا متفقين إنك هاتديني وقـ آ ..
-قلت وقتك خلص ! .. قاطعها بصرامةٍ :
-انتي مراتي مش لسا بتعرف عليكي.. و أنا مش هافضل أتحايل و تحسسيني إني بشحتك.. كفاية أوي عليكي كده.. انتي عارفة كام واحدة غيرك تتمنى تكون مكانك ؟ أنا إيه إللي يجبرني أصبر كل ده !!!
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ.. أعيتها الحيلة و شعرت بأنها تسقط لا محالة.. و قالت بيأسٍ :
-معلش إديني كام يوم كمان بس ..
أصر بعنادٍ : الليلة دي.. مش هاسيبك الليلة دي.
هزت رأسها مرددة بلا حسابٍ :
-الليلة دي مش هاينفع عشان.. عـ عشان.. أنا عندي عذر !
-عذر !؟ .. علّق رافعًا حاجبه
فأومأت : أيوة.. عندي عذر قهري.. مش هاينفع تقربلي.. انت أكيد عارف !!
نظر في عينيها بطريقة أفهمتها بأنه يعلم بكذبها.. و اضطربت أكثر بينما يقول بهدوئه الشهير :
-طيب مش مشكلة.. هي أول مرة ؟ ما ياما كان بيبقى عندك عذر و بنقرب عادي.
اتسعت عيناها بصدمة و قالت :
-إيه ! مستحيل.. أنا مش ممكن أعمل حاجة حرام أبدًا أنا عارفة نفسي كويس.
عثمان بسأمٍ : و مين قال إنك كنتي بتعملي حاجة حرام ؟ أنا قلت كده ؟
ردت بلهجةٍ هجومية :
-انت لسا قايل بلسانك.. بنقرب ..
-بنقرب منغير أي أضرار يا بيبي ! .. قاطعها للمرة الثانية بذات الهدوء
و قطع المسافة القصيرة بينهما مطوقًا خصرها بذراعيه.. كتمت شهقتها بينما يتلمس جسمها بجرأة هامسًا بشهوانية فجّة :
-انتي دلوقتي ناسية إللي كان بيحصل طبعًا.. بس و لا يهمك.. سيبيلي نفسك و أنا هفكرك.
لم تكف عن التملّص منه و هي تمضي مرددة بتلعثمٍ :
-لأ.. لأ.. بص أنا و الله ما جاهزة أصلًا.. أرجوك.. أصبر عليا بس شوية كمان.. يومين بس.. من فضلك !!!!
شد على فكيّه و تجهمت ملامحه.. و بعد صمتٍ قصير.. رفع يده عن مؤخرتها و أرخى ذراعه عن خصرها فتنفست الصعداء ..
أجفلت قليلًا عندما جاست أصابعه بشعرها و سمعته يتمتم بقتامةٍ :
-شعرك طول.. أنا مش بحبه طويل !
لم تجد كلماتٍ ترد بها.. فرمقها بنظرةٍ تقييمة أوحت إليها بامتهانه لها.. و سمعته يضيف قبل أن يبتعد عنها تمامًا :
-قدامك يومين.. يومين بالعدد يا سمر.. و افتكري إني عملت معاكي إللي ما يُعمل كل ده عشان مازعلكيش.. و عشان لما أقلب بجد تعرفي إنه بحق !!
تلقّت منه نظرة قوية نافذة أخيرة.. ثم راقبته و هو يسير رأسًا تجاه الحمام الملحق بالغرفة.. ارتمت فوق الأريكة القريبة منقطعة الأنفاس.. تكاد لا تصدق بأنها نجت من قبضته الليلة ..
و لكن ماذا ستفعل بعد يومين ؟
إنها مُلة محددة.. كيف تفلت منه بعد أن أبدى هذا التصميم.. بل و هدد أيضًا ..
كيف !؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وما ادراك بالعشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى