Uncategorized

رواية سرغائب الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم سماح نجيب

                                          رواية سرغائب الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم سماح نجيب

رواية سرغائب الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم سماح نجيب 

 رواية سرغائب الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم سماح نجيب

 أتسعت
حدقتيه حتى كادت عيناه تخرج من محجرهمها فما الذى سمعه الآن؟ هل تلك
الصغيرة أبنته ؟ ولكن كيف حدث ذلك؟ فهو يتذكر أنه لم يأخذ من ثراء حقوق
الزوج فعلاقتهم أقتصرت على بعض العناقات فهو من كان يضع لها أقراص المنوم
بيده فى شرابها ولم يكن يغفو حتى يتأكد من غرقها بسباتها،تكاثرت الأسئلة
برأسه كوحش مفترس على وشك أفتراس عقله إذا لم يحصل على جواب يريح نفسه التى
أوشكت على بلوغ فقدان ثباتها فهو يعلم أن ثراء لن تعطيه جواب يرضيه
فستجعله معذباً بأفكاره،لم تدوم ثوانى حتى طرأت له فكرة فهو قبل أن يجابه
ثراء بمعرفته بشأن مليكة يجب أن يتيقن أولاً من أن تلك الصغيرة أبنته حقا
،أدار محرك السيارة

فألتفت أيسر إلى الصغيرة يبتسم لها مطمئناً من فزعها مما حدث منذ قليل فرفع يده يداعب وجنتها المكتنزة بحنو:
-حبيبتى معلش لو كنتى خوفتى من شوية

ابتسمت له الصغيرة قائلة:
-خلاص مش خايفة يا عمو

مسد
أيسر على رأسها فقلبه ربما زاد من معدل دقاته ونبضه فهو يريدها أن تكون
أبنته فربما مليكة ستكون ذلك الرابط الذى سيجعل ثراء تعود إليه،سحب بعض
الشعيرات من رأس الصغيرة فتأوهت بصوت منخفض:
-ايه ده يا عمو شعرى

ربت أيسر على كتفها معتذرا:
-أنا أسف يا حبيبتى بس كان فى حاجة لازقة فى شعرك شيلتها

رفعت مليكة يدها تتحسس رأسها فنظرت إليه قائلة :
-مفيش حاجة على راسى أنت بتكذب عليا مامى بتقول الكذاب بيروح النار وهى مش بتحب حد يكذب عليها

زفر أيسر زفرة هواء قوية قائلا بثقل:
-عارف يا مليكة أن أمك مبتحبش اللى بيكذب لأن تقريبا أنا عقدتها وخليتها تشك فى اللى حواليها بس كان غصب عنى

زمت
الصغيرة شفتيها وهى لا تعى ما يقوله إلا أنها عادت للهو بدميتها حتى يصلوا
للنادى ،أخرج أيسر منديله القطنى النظيف ووضع به تلك الشعرات الخاصة
بمليكة فهو سيجرى تحليلاً لإثبات نسب الصغيرة له للتأكد من صحة ما تفوهت به
مليكة،وصل أيسر إلى النادى أخذ الصغيرة للداخل للمكان المخصص لأداء تمارين
السباحة تقابل مع المدرب الخاص بها فأراد استغلال أنشغال الصغيرة ويذهب
لاحدى المستشفيات لإجراء تحليل DNA ،لم يتردد دقيقة أخرى أخذ السيارة ينطلق
بها سريعاً يحرص على أن يعود قبل أن تنتهى مليكة من تدريبها،وصل إلى
المشفى ولج للداخل أخبر احد الأطباء بما يريد

أخرج أيسر المحرمة القطنية من جيبه فتحها قائلا بجدية:
-دى شعرات من البنت اللى عايز أعرف نسبة القرابة بينى وبينها ولو سمحت عايز الموضوع يتم فى أقرب وقت

أومأ الطبيب برأسه موافقا قائلا بمهنية:
-تمام أتفضل حضرتك ناخد منك عينة أنت كمان

ولج
أيسر برفقة الطبيب إلى إحدى الغرف جلس بهدوء وثباب ولكنه قلبه بعيد كل
البعد عن الهدوء ولكن يجب أن يتحلى بالصبر والصمود حتى تنكشف الحقيقة كاملة
فإذا كانت مليكة حقا أبنته فهو لا يعلم ماذا سيفعل بوقتها ؟ بعد الإنتهاء
خرج من المشفى أخذ السيارة عائداً إلى النادى وهو كمن وضع بجحيم وأشعلت به
النيران تحرق عقله وقلبه وأوردته فهو لم يحتمل كثرة أفكاره العاصفة كمن
يشعر بالاختناق فسحب رابطة عنقه كمن توشك أنفاسه على الانتهاء.
_________
لامست
أقدامهم تلك الأرض خارج حدود السجن الذى قضوا به مدة عقوبتهم فهم اليوم
حصلوا على حريتهم دفعهم أحد العساكر حتى كادوا يقعوا على وجههم قائلا
بصرامة:
-يلا غوروا مش عايزين نشوف وشكم هنا تانى

عدل عباس من هندامه يسب من بين أسنانه بصوت منخفض:
-داهية فيك وفى كل اللى شغالين هنا على أساس ان احنا حابين نشوف وشكم تانى

نظر
متولى بحزن وهو يرى طريقه الخالى من عائلته التى فقدها فى خضم طمعه وسلوكه
السيئ فأين سيذهب هو الآن؟ ولمن؟ شعر بيد عباس تربت على كتفه قائلا :
-يلا بينا يا متولى نشوفلنا أوضة ولا شقة نقعد فيها ما مراتك باعت البيت وطفشت

كمن وضع ملح على جراحه فألهبها فشخص متولى ببصره إليه قائلا بحزن:
-وهو كان مين السبب فى ده كله يا عباس مش أنت بعمايلك السودا

دفعه عباس بكتفه ليتقدمه فى السير قائلا :
-يلا
يا أخويا متوجعش دماغى أنت هتقرفنى معاك ليه كل شوية تقولى الكلمتين دول
يلا بينا نشوف لينا سكن يلمنا أنا أعرف واحد قريب أمى ساكن فى حتة شعبية
كده يمكن نقعد عنده هو راجل كبير فى السن

تقدمه متولى يجر قدميه
جراً وقف حتى استطاع عباس أن يقف عربة للنقل فجلس متولى بدون حراك كمن فقد
روحه لم يتبقى له سوى أنفاس يزفرها بهم وحزن ، ترجلا من العربة بعد وقوفها
بإحدى المناطق الشعبية فبتلك المنطقة ربما سيحصلون على سكن بسعر زهيد ومكان
يأويهم وصلوا إلى إحدى البنايات السكنية المتهالكة التى يكاد يجزم من
يراها أن من يدفع جدرانها سيتهدم المنزل بأكمله

نادى عباس بصوت جهورى :
-عم مدبولى يا عم مدبولى

وضع متولى يده على أذنيه من صوت عباس العالى الذى يكاد يصيبه بالصمم ،أطل رجل عجوز من النافذة ليرى من يناديه فهتف بصوت عالى:
-مين ايه ده عباس أنت طلعت من السجن أمتى أطلع أطلع

ألتفت عباس حوله ليرى الجيران ينظرون له كمن يحمل داء مميت فهتف من بين شفتيه بهمس:
-منك لله يا عم مدبولى فضحتنى فى الحتة قبل ما أسكن فيها

صعد
عباس ومتولى الدرج حتى وصلا الى الشقة بالطابق الثالث فتح مدبولى الباب
بابتسامة وعاد للداخل بخطى بطيئة فهو طاعن بالعمر تقوس ظهره وانحنى بفعل
سنوات عمره السبعون

جلس على مقعد يريح عظامه زافراً بارهاق:
-حمد الله على السلامة مين اللى معاك ده واحد صاحبك اللى كان معاك على البورش

أهتز جسد متولى بفعل ضحكته التى يكتمها من حديث هذا العجوز فهم منذ مجيئهم يمازحهم كمن يوبخهم بالحديث

رد متولى قائلا:
-أه كنت معاه على البورش وعباس مش هيرجع الا لما يسلمنا لعزرائيل

طالعه مدبولى قائلا بتوبيخ:
-هو عباس دول عمره ماشيه شمال عيل شيطان وخلفة شياطين

فلو لم يكن أحد أقاربه ومن سيوفر له مكان يأويه ربما لزهق أنفاسه ليستريح من حديثه فابتسم عباس بسماجة:
-معلش بقى يا عم مدبولى هنتقل عليك وأنت كده كده عايش لوحدك فهنونسك

نهض مدبولى من مكانه يشير إلى المطبخ:
-المطبخ عندكم أهو قوموا اعملوا لقمة تاكلوها وفى غسيل خدوه فومين وانزلوا اشتروا خضار من تحت

بعد
أن أنتهى مدبولى من إملاء أوامره عليهم ولج لغرفته فنظر كل منهم للأخر
فربما أيامهم مع هذا العجوز ستكون أكثر مرارة من أيام السجن
_________
ولج
شهاب غرفة مكتب ثراء تسوقه رغبته فى سؤالها عن صديقتها ضحى فابتسم على تلك
الأفعال الصبيانية التى يفعلها،رفعت ثراء رأسها له باسمة:
-اهلا يا شهاب اتفضل خير فى حاجة ولا إيهفى حاجة ولا إيه

جلس شهاب نظر لأظافره قبل أن يبدأ الحديث كم يبحث عن الكلمة المناسبة ليبدأ بها فهتف بهدوء:
-ثراء كنت عايز أسالك على حاجة

أنصتت إليه ثراء قائلة باهتمام :
-أتفضل يا شهاب قول خير فى ايه انا كده ابتديت اقلق

افتر ثغره عن ابتسامة خفيفة قائلا :
-مفيش حاجة تقلق بس كنت عايز أسألك على صاحبتك ضحى

زوت ثراء ما بين حاجبيها فى انتظاره أن يكمل حديثه فما شأن ضحى به فاستطرد هو قائلا بتوتر:
-قصدى يعنى أنتى أكتر واحدة تعرفيها فكنت حابب أسالك عليها

فطنت ثراء لتلك الحالة التى أعترته فربما هو معجب بضحى ولكن لا يعرف كيف يعبر عن مكنون صدره فابتسمت له ابتسامة واسعة:
-أمممم ضحى قولتلى بقى هو حصل يا شهاب

لا يعلم شهاب من أين أتته تلك الحرارة التى يشعر بها بوجهه فهو أرخى رابطة عنقه يحك جبهته بتوتر قائلا:
-هو ايه اللى حصل يا ثراء قصدك إيه

تعالت صوت ضحكتها وهى ترى شهاب بتلك الحالة كمراهق ضبطه احد والديه يكتب رسالة غرامية لصديقته بالمدرسة

طالتعه ثراء قائلة بهدوء وابتسامة:
-على
العموم يا شهاب ضحى مفيش فى أدبها وأخلاقها وتربيتها بالرغم من أنها كانت
فقيرة إلا أنها كرامتها وعزة نفسها كبيرة دى صاحبتى الوحيدةو غلاوتها وحبها
عندى ميتقدرش ولو اللى بفكر فيه صح وأنت معجب بيها مش هتلاقى زوجة أحسن
منها يا شهاب وعن ثقة

شعر شهاب بالراحة من حديث ثراء عن ضحى فاردف بحماس:
-طب كلميها يا ثراء وأساليها عن رأيها علشان الصراحة لما بشوفها الكلام مبيرضاش يطلع منى بخاف تزعل

أومأت ثراء برأسها قائلة بسعادة:
-بس
كده من عينيا الاتنين يا شهاب هكلمهالك واخد رأيها وهبلغك أن شاء الله ولا
أقولك انا هكلمها هخليها تيجى البيت نقعد مع بعض وتعال أنت كمان وأتكلم
معاها وصارحها كأنك جاى تشوف ميرا هنستعبط يعنى

خرج شهاب من مكتب ثراء يشعر بالسعادة إلا أنه اصطتدم بتمارا التى يبدو عليها أنها كانت تسترق السمع على الباب

قطب حاجبيه قائلا بتفكير:
-أنتى واقفة هنا بتعملى ايه أنتى كنتى بتتصنتى علينا

هرب
الدم من عروقها وتسلل الجفاف لحلقها لاتجد ما يسعفها من كلمات تستطيع بها
إنقاذ نفسها مما سيحدث ىها إذا علم شهاب بما تفعله نظرت للورقة بيدها فهاهى
منقذتها فرفعت الورقة أمام عين شهاب قائلة:
-لاء حضرتك كنت بدور عليك علشان جالك فاكس مهم جدا

أخذ شهاب من يدها الورقة يجيل ببصره فيها فأشار إليها بالانصراف فولج لمكتب ثراء ثانية يهتف بعملية:
-ثراء
دا فاگس من الناس اللى هتعملى معاهم أنتى الصفقة المرة دى أنتى اللى عليكى
الدور هى هتبقى بكرة الحمد لله مفيش شركة زى مجموعة شركاتنا بتعمل صفقات
كده ورا بعض يعنى أيسر والدور عليكى والمرة الجاية ليا أنا

أخذت
ثراء الورقة من يده تطالعها باهتمام فتذكرت أن تلك هى أول صفقة ستعقدها
بنفسها ولكنها تذكرت أيضاً أن أيسر وشهاب لابد لهم من الحضور

رفعت رأسها تضمن نبرة صوتها شئ من الجمود:
-أكيد طبعا لازم أنت وأيسر تحضروها مش كده

حرك
شهاب رأسه بالموافقة فأنصرف عائداً لمكتبه ،تركت ثراء مقعدها أقتربت من
تلك الستائر الموضوعة على النافذة ازاحتها قليلا تنظر من النافذة لتلك
البنايات الشاهقة بالخارج وهى تفكر كيف تعقد تلك الصفقة وتثبت جدارتها فى
إدارة أعمال شركتها ولكن طاف وجه زوجها بعقلها تذكرت موعد عودة مليكة إلى
المنزل نظرت لساعة يدها فوجدت أنه يجب عليها العودة الآن فأخذت حقيبتها
وذهبت للمنزل
________
وصلت فيروز لمشفى زوجها طرقت باب غرفته مكتبه
ثم ولجت بابتسامة ترك جمال مقعده يقترب منها يشعر بالقلق فهى نادرا ما تأتى
إليه بالمشفى.

فأقترب منها قائلا بصوت قلق:
-خير يا فيروز جاية المستشفى ليه فى حاجة أنتى كويسة والولاد كويسين

ربتت فيروز على ذراعه قائلة بابتسامة:
-اهدى
يا جمال مفيش حاجة أنا جيت مع الحاج رضوان والحاجة سميرة علشان يكشفوا قبل
ما يطلعوا يعملوا عمرة فجيت معاهم علشان أشوفك أنا سيباهم دلوقتى بيعملوا
فحص شامل

زفر جمال بارتياح فرفع يده يربت على يدها الموضوعة على ذراعه:
-الحمد لله طمنتينى طب أقعدى

جلست فيروز ولكن علم زوجها أن يوجد ما يقلقها فهو يعلمها جيدا فنظر إليها باهتمام:
-مالك يا فيروز فى حاجة مضيقاكى وشك بيقول أن فى حاجة

رفعت فيروز وجهها تطالعه بنظرات مطولة:
-أيسر
جه البيت النهاردة وثراء قالتلى أنه هيبقى الحارس لمليكة وشكلهم الاتنين
واخدين الموضوع عند فى بعض ومش فاهمة ثراء عملت ليه كده أو هو قبل إزاى
مبقتش فاهمة حاجة يا جمال إزاى هى عايزة تبعده عنها وفى نفس الوقت يبقى
قريب منها وتشوفه على طول

أسند جمال ظهره للمقعد قائلا بهدوء:
-دا
علشان بنتك لسه بتحبه بس كرامتها وكبرياءها مانعينها أنها ترجعله فعيزاه
يبقى بعيد وقريب فى نفس الوقت زى اللى نفسه فى الحاجة بس مش قادر يقرب منها

زفرت فيروز بقلة حيلة قائلة:
-طب
وبعدين يا جمال طالما هى كده أتغربت عنا ليه السنين دى كلها وكلنا رفضنا
نسمعه أو نسمع وجهة نظره كان قلبنا وجعنا على بنتنا وفضلنا جمبها فى اللى
عملته ليه بقى دلوقتى ده بيحصل وأيسر يرجع على حياتها تانى

رد جمال قائلا برزانة :
-بنتنا
وكنا لازم نفضل جمبها ومنسيبهاش فى محنتها أه كلنا أضايقنا من تصرفات أيسر
بس مكدبش عليكى يا فيروز لما ثراء رجعت وشوفتها راجعة بحزن جواها أكتر من
اللى سافرت بيه صعبت عليا أنها عذبت نفسها وعذبته معاها زى حسام ما قال بس
المشكلة أنها كانت عايزة تثبت لنفسها أنها تجربة وعدت واتجاوزتها بس طلع ده
كله كده قناع ثراء لبساه علشان توهمنا لكن من جواها نفسها ترجعله

فكرت فيروز فى حديث زوجها إلا أنها أردفت:
-بس أنت مشوفتهاش بتكلمه إزاى ثراء اللى عمرها ما حاولت تهين حد بكلمة كانت بتكلمه بغرور كأنه فعلا شغال عندها

-دا بتعمله علشان تحس أنها ممكن توجعه زى ما وجعها هى مفكرة كده هتاخد حقها منه حتى لو بالكلام
قال جمال جملته وهب واقفاً يحثها على النهوض فاستطرد قائلا:
-بس أقولك سيبيهم منهم لبعض يا فيروز خليهم يحلوا مشاكلهم بنفسهم وتعالى يلا نروح نشوف الحاج رضوان والحاجة سميرة

خرجت
فيروز برفقة زوجها ومازال حديثه يرن بأذنيها من أنها تترك إبنتها على
سجيتها فربما تستطيع إيجاد مبتغاها وتريح قلبها وعقلها من كثرة التفكير
والحيرة
___________
بعد انتهاء جدول مواعيد مليكة اليوم أخذها
عائداً إلى المنزل ولج للداخل يحمل الصغيرة على كتفه غافية فهى أدركها
النعاس بالطريق،رأته ثراء التى حرصت على أن تعود باكراً اليوم من عملها
لعلها تراه قبل ذهابه فهى لم تعد تسيطر على ذلك السخيف الذى أعلن عليها
التمرد كعادته

نهضت من مكانها تقترب منهم تحاول أن تتحدث بصرامة:
-كوكى راحت النادى وخلصت التمرين وكل حاجة كتبتها فى جدول مواعيدها زى ما قولتلك

رد أيسر قائلا ببرود :
-أيوة وهى نامت دلوقتى أتفضلى حضرتك
تقدمته تشير إليه بأن يتبعها :
-تعال ورايا علشان تحطها فى سريرها طالما نايمة علشان لو أخدتها منك ممكن تصحى

ذهب
أيسر خلفها بدون أن يفه بكلمة حتى وصل الى غرفة الصغيرة وضعها على الفراش
بتأنى فهو لا يريدها أن تفزع من نومها لم يمنع نفسه من أن ينحنى إليها
يقبلها على جبهتها وسحب الغطاء يدثرها به كأنه تناسى وجود ثراء تقف تتابع
ما يفعله بعد أن أنتهى استقام بوقفته ينظر اليها بخواء وبرود
-تمام كده حضرتك ولا فى حاجة تانية عيزاها منى

زمت ثراء شفتيها قائلة بعدم أكتراث:
-لاء مظنش مع السلامة أنت دلوقتى وتيجى بكرة بدرى ماشى

لم
يجادلها أو يثور عليها بل نظر إليها نظرة عابرة يهم بالمغادرة تعجبت هى من
صنيعه فهى كانت تظن أنه سيحاول إستغلال كل موقف بينهم عندما يكونوا
بمفردهم ولكنه الآن كأنه أصبح ذلك البارد الذى عذب قلبها سابقاً ببرودته
ورفضه لها ولقلبها

قبل أن يصل لباب الغرفة سمع صوتها قائلة:
-أه
مقولتليش هتاخد كام فى الشهر تمن حراستك لمليكة يا أيسر وتحب تاخدهم نقداً
ولا بشيك أصل معرفش أنت بتتعامل مع العملاء بتوعك إزاى

نظر اليها من فوق كتفه قائلا بابتسامة هازئة:
-مش هنختلف يا مدام ثراء اللى تدفعيه حتى ممكن اعملها جدعنة منى من غير فلوس علشان أحنا برضه أهل

لم
يزد كلمة اخرى بل تركها وذهب ظلت واقفة مكانها حتى شعرت بأن قدميها لن
تسعفها بالوقوف كثيراً فجلست على حافة فراش إبنتها وهى تفكر فيما أصابه فهل
سأم من تمردها عليه وصد كل محاولاته للتقرب منها؟ هل أصابه اليأس منها
بتلك السرعة؟ حاولت طمأنة نفسها من أنه مازال يرغبها فهتفت بحيرة:
-لاء طبعا أكيد مزهقش منى ممكن يكون بس فى حاجة شغلاه

مسدت
على رأس إبنتها بحنان فتسللت رائحة عطره إلى أنفها فأقتربت أكتر من مليكة
فعطره عالق بملابس الصغيرة ضمت جسد الصغيرة اليها تتمدد بجوارها تملأ
رئتيها من رائحته التى تركها سلوى لها حتى تراه بالغد أغمضت عينيها فغلبها
النعاس سريعا بدون أن تدرى لعلها تراه بأحد أحلامها وتعاتبه على ما فعله
صوت
زقزقة العصافير بالخارج أنبأتها بأن الصباح أنبلج حاملاً معه يوم جديد
سحبت يدها من أسفل رأس صغيرتها التى تململت بنومها ولكنها غفت ثانية ،ذهبت
لغرفتها لتأخذ حماما سريعا تخرج بعده ترتدى ثيابها وتؤدى روتينها اليومى
فنظرت للساعة المعلقة على الجدار فتبقى على موعد وصوله نصف ساعة تقريباً
عادت لغرفة مليكة أقتربت من الفراش تداعب وجنتيها مردفة بابتسامة:
-كوكى يلا أصحى يا حبيبتى يلا يا قلب مامى

فتحت الصغيرة عينيها تبتسم بنعاس فأقتربت من ثراء تقبلها قبلة الصباح:
-مامى عايزة أنام مش عايزة أروح تمرين السباحة مش بحبه عايزة ألعب مع ريان

أبعدت ثراء مليكة عنها لتحدق بوجهها قائلة:
-هو أنتى يا روحى مش اللى طلبتى تتعلمى سباحة

زمت مليكة شفتيها قائلة بوجوم:
-مبقتش أحبها خلاص خلى عمو أيسر يودينى الملاهى بلاش تمارين السباحة

أنفرجت شفتيها بابتسامة عريضة :
-أنتى مبقاش فى حاجة عجباكى خالص يا كوكى يلا بقى بلاش دلع وخلاص شوية وهترجعى الحضانة تانى

أنهت
ثراء إعداد ابنتها للذهاب برفقة أيسر هبطن للطابق السفلى يتناولن طعام
إلإفطار برفقة العائلة وبعد الإنتهاء أنصرف كل منهم لوجهته ولكنها لم تراه
بعد فمر ١٠ دقائق عن موعد حضوره

عندما همت بسحب هاتفها لترى ما سبب
تأخره وجدت جليلة تخبرها بقدومه ولكنه ينتظرها بالحديقة أخذت مليكة وخرجت
إليه وجدته ينتظرها يقف بالقرب من البوابة أقتربت منه تناوله الحقيبة
الخاصة بمليكة قائلة:
-دى شنطنها فيها اللعب اللى بتحبها وأكلها اللى بتحبه كمان وده الأماكن اللى هتروحها النهاردة

تناول الحقيبة والورقة من يدها قائلا بهدوء:
-تمام حضرتك أى أوامر تانية

لاتصدق
أذنيها أن من يتحدث هكذا هو أيسر زوجها ذلك العاشق المدله بغرامها فهو صار
كقطعة الجليد التى لن تذيبها حرارة ألف شمس مجتمعة سوياً ،فأقترب يحمل
الصغيرة يضعها بالسيارة وأتخذ مقعده خلف المقود بدون أن يرمقها بنظرة واحدة
،أنطلق بالسيارة وهى مازالت واقفة مكانها لا تعى ما يحدث معها

ظل
أيسر يقود السيارة بهدوء وروية حتى وصل للنادى فبعد تأكده من بدأ مليكة
تمرينها ذهب هو إلى المشفى فهو اليوم سيعلم نتيجة التحليل الذى أجراه هو
ومليكة وصل الى المشفى وذهب للطبيب المختص أخرج مظروفا أبيض يخرج من داخله
ورقة النتيجة

فابتسم الطبيب قائلا:
-دى نتيجة التحليل والتحليل أثبت أن البنت دى فعلا بنتك

ران
عليه الصمت كمن يحمل فوق رأسه طيراً ،فما سمعه الآن كفيل بجعله أن يثور
بوجه زوجته على اخفاءها عنه ذلك الأمر فكيف تفعل به ذلك؟ فهى حرمته من
أبوته جعلت طفلته تنادى لرجل أخر ” بابا” جعلته غريباً بالنسبة لها تركته
مهمشاً بحياة الصغيرة فهى أخبرتها أنه مسافراً وهو قريب منها
مد يده يأخذ الورقة من يد الطبيب شاكراً له:
-شكرا يا دكتور عن أذنك

خرج من المشفى وعاد الى سيارته وصل للنادى ولج للداخل وجد مليكة تلوح له بيدها وهى بحمام السباحة قائلة بمرح:
-عمو أيسر

شعر
بالألم وهو يسمع منها تلك الكلمة فهو الأحق أن تناديه بكلمة” بابا”
أنتظرها حتى خرجت من حمام السباحة أخذ منشفة يجفف لها جسدها وشعرها
بابتسامة حملت بعض الحزن الذى سكن عينيه ذهبت مليكة لارتداء ثيابها تساعدها
احدى العاملات بالنادى وعادت إليه مرة أخرى

لم يمنع نفسه من أن يطوقها بذراعيه حتى تألمت الصغيرة فحاولت دفعه عنها وهى تقول:
-عمو أيسر متحضنيش كده تانى علشان عيب

رفع أيسر يده يداعب وجنتها بابتسامة حزينة:
-معلش يا حبيبتى بس أنا مش غريب يا مليكة أنا أبقى…

ولكنه
صمت فجأة ولم يكمل ما يريد قوله فربما تلك الصغيرة لن تتفهم كونه أباها
فهى لن تعى ما سيخبرها به فهو حتى لا يعلم كيف أصبح أباً؟
_________
حل
المساء سريعاً فهى لم تراه عندما أعاد مليكة للمنزل فربما هو أعادها
باكراً ليتسنى له العودة إلى منزله والاستعداد لعقد تلك الصفقة التى سيكون
أحد الشاهدين على توقيعها حرصت ثراء على أنتقاء أفضل ثوب لديها وأن تتأنق
الليلة أنهت إرتداء ثيابها ترسم عينيها بكحل عربى أسود يبرز لون عينيها
العسليتين فهى ليست بحاجة لمساحيق التجميل فجمالها يبرز فى كونها أنها لا
تستخدم شئ سوى ذلك الكحل ،كأنها تفعل كل ذلك من أجله بعد أن أنتهت خرجت من
المنزل تأخذ سيارتها لتصل لذلك المطعم المتفق عليه ولجت للداخل فهى لم تشأ
أن تحضر معها أمير اليوم وجدت أيسر وصافى ينتظروا على إحدى الطاولات يبدوا
أنهم منهمكين بحديثهم

فأقتربت منهم قائلة:
-مساء الخير مفيش حد غيركم وصل

رفع
أيسر رأسه حملق به لثانية يرد تحيتها وعاد يكمل حديثه مع صافى ضغطت بيدها
على تلك الحقيبة الصغيرة التى تحملها بين يديها سحبت المقعد بغيظ تجلس عليه
شعرت كأنها شئ مهمل فهو حتى لم يكلف نفسه عناء إخبارها بشأن تأخر العملاء
،شعرت بأن دموع المهانة مُلحة على عينيها ولكنها لا تريد إفساد زينتها
فحاولت جاهدة أن تكافح تلك الدموع ولا تجعلها تسقط من عينيها، رفعت رأسها
عندما سمعت صوت ضحكة صافى وهى تقول:
-معقول ده كله يحصل يا أيسر كفاية أنا فصلت ضحك مش قادرة

فعن أى شئ يتحدثوا فهل هو قادراً على المزاح مع
الأخريات؟
فلماذا كان معها هى معذباً لقلبها مُبكياً لأعينها ،فربما نصيبها منه هو
الألم والعذاب فقط ولن ترى جانب أخر له بحياتها ،أخذ أيسر هاتفه مبتعداً
لإجراء مكالمة هاتفية وجدت ثراء نفسها وجهها لوجه مع صافى التى بادرت قائلة
بابتسامة:
–إزيك يا مدام ثراء أنا عرفت أن أنتى تبقى مرات أيسر كمان بس
إزاى فى واحد تانى بيقول أنه خطيبك ده اللى جه معاكى وقت توقيع عقد صفقة
أيسر كان إسمه إيه أمير باين

رفعت ثراء وجهها إليها تطالعها بهدوء:
–الحمد لله.. أصل ناوية أنا وأيسر ننفصل

رمقتها صافى بأسف قائلة:
–يبقى
خسارة يا مدام ثراء لو ضيعتى من إيدك واحد زيه مش شايف فى دنيته أمل غيرك
زى ما بيقول أنا عارفة أن ممكن أكون جزء من خلافك معاه بس أقسملك أن أيسر
مش أكتر من مجرد أخ فى حياتى سند لقيته بعد ما كنت أنا وجدتى ملناش حد فى
الدنيا وبرضه مش هكدب عليكى وأقولك أن منجذبتش ليه أول ما عرفته بس مكنتش
أعرف أنه متجوز وأنه بيحبك أوى كده ولما عرفت بجد حسيت أن غلطت جامد يوم ما
طلبت منه ييجى وجدتى تعبانة وأنتى جيتى وشوفتيه عندنا هو حكالى ولما كان
خارج من الحمام كان تعبان ودخل الحمام يغسل وشه وراسه بالمايه علشان يفوق
لأن كان ممكن يغمى عليه أنا مكنتش متذكرة ملامح وشك أوى بس لما عرفت وشوفتك
حاولت أفتكر وعرفت كمان انك لسه لحد دلوقتى مفكرة أن فى حاجة بينى وبين
أيسر أنا دلوقتى متجوزة ومش هقولك أنا بحب حمزة جوزى قد إيه وكان سبب
معرفتى بيه كان أيسر برضه لأن هو المهندس اللى بنى البيت بتاعه وجاتله فرصة
عمل فى دبى بس كان على إتصال بأيسر ومرة كان فى مصر وشافنى وطلبنى للجواز
ووافقت وكتبنا كتابنا من حوالى سنة بس هو مصر منتمش جوازنا إلا لما يجهز
بيتنا هناك علشان نعيش معاه انا وجدتى وخلاص قربت اسافرله فنفسى بجد تفكرى
تانى فى موضوع إنفصالك عن أيسر

خفضت ثراء رأسها ولا تجد ما تقوله
ولكنها لمحت عودة أيسر للطاولة مرة أخرى فعاد لحديثه مع صافى ثانية نقرت
بأصابعها على الطاولة فظل يراقب فعلتها فيبدو عليها أنها تشعر بالانزعاج
فهى لا تفعل ذلك إلا عندما تصل إلى حافة صبرها ،حمدت الله على وصول شهاب

أفتر ثغرها عن أبتسامة وهى تراه يقترب منهم يتخذ مقعده بجوارها بادلها ابتسامتها قائلا:
-معلش لو كنت أتأخرت الطريق كان زحمة جدا وأنا جاى

ردت ثراء قائلة بهدوء:
-ولايهمك يا شهاب على العموم هم لسه موصلوش

ظلت
تثرثر مع شهاب لتتجنب النظر لزوجها بعد عدة دقائق وصل الرجال المعنيين
بالأمر بعد التحية والتعارف تم امضاء العقود وتمت الصفقة بنجاح تناولوا
العشاء وبعد انتهاءه هموا بالمغادرة أخذ شهاب سيارته ينطلق بها

وصلت
ثراء لسيارتها ولكن عندما حاولت تشغيلها وجدت أن السيارة ربما بها عُطل
،نفخت بضيق فهذا ما كان ينقصها خرجت منها مرة أخرى بعد أن أغلقت نوافذها
لتتركها هنا ويأتى أحد لإصلاحها ولتعود للمنزل الآن بإحدى سيارات الأجرة

أقترب
منها أيسر فهو لم يكن غادر بعد فلم يشأ المغادرة إلا بعد أن يطمئن بذهابها
وعندما رأها تترجل من السيارة لم يمنع نفسه بأن يقترب منها ليعلم ما حدث

-فى حاجة يا ثراء
قالها أيسر فالتفتت اليه ثراء تشهق بخفوت فهى ظنت أنه رحل بسيارته

ردت ثراء قائلة باقتضاب:
-العربية اتعطلت وهشوف تاكسى أروح البيت

وضع يده بجيب بنطاله قائلا بهدوء:
-تعالى أوصلك يا ثراء

قبل
أن تفه بكلمة سحبها من مرفقها يجرها معه،حتى وصل للسيارة فتح الباب الخلفى
يجلسها ويغلق الباب وكل هذا وصافى تتابع ما يحدث أشار إليها أيسر بالركوب
فجلست بالمقعد المجاور له ،لينطلق بالسيارة ،ظلت صافى تنظر لذلك الدفتر
الصغير المدون به مواعيد أعماله

رفعت صافى رأسها قائلة:
-على فكرة يا أيسر بكرة ضرورى لازم نروح المستشفى

سمعت ثراء ذلك فأدارت رأسها تشخص ببصرها إليه فعن أى مشفى يتحدثون هل أصابه مكروه وهى لا تعلم؟

رد أيسر قائلا باهتمام:
-متقلقيش أنا فاكر كل حاجة يا صافى وهكون موجود هناك فى الميعاد

ظل
الصمت حليفهم حتى وصل أيسر إلى ذلك الحى الذى تقطن به صافى فترجلت من
السيارة تلوح لهم مودعة وصعدت إلى الشقة ،قاد أيسر السيارة ثانية لإيصال
زوجته الى منزل والدها ،طوال الطريق لم يتحدث معها بكلمة ظلت تنظر من نافذة
السيارة وهى شاردة حتى سمعت صوته يناديها:
-خلاص وصلنا البيت يا ثراء

أطلق
بوق السيارة فأقترب حارس البوابة يفتحها بعد رؤيته لثراء ولج بسيارته
للداخل وأوقف المحرك أخذت ثراء حقيبتها وفتحت الباب المجاور لها تترجل من
السيارة بخطى ثقيلة جدا فهى بانتظار وصولها لغرفتها ولسوف تبكى بشدة،خرج من
السيارة ليتأكد من دخولها المنزل ولكن قبل أبتعادها تعثرت بطرف ثوبها فهى
لا ترى أمامها من تلك الدموع التى ملأت مقلتيها كادت تسقط على وجهها لولا
تداركه لها ،تطلعت إليه لبرهة لتبتعد عنه فلم يمنعها ، فتدلى ساعديه بجانبه
بعد أنفلاتها من بينهما

هتف بها قبل أن يغادر:
-تصبحى على خير

عن
أى خير هو يتحدث فهى ستصاب بنوبة قلبية حادة من أفعاله معها فما الذى حدث
جعله يعاملها تلك المعاملة الصلدة ؟أين ذهب شوقه إليها وتلك اللهفة التى
كانت تسكن خضراوتيه وحالة جنون العاشق التى كانت تتلبسه منذ رؤيتها بعد
عودتها إلى مصر ،قبل أن يصل إلى السيارة وجدها تمسك ذراعه فاستدار إليها
ليعلم ماذا تريد منه؟

فقطب حاجبيه قائلا:
-خير فى حاجة يا ثراء

لمعت عينيها بغضب:
-أنا اللى المفروض أسألك فى إيه وليه بقيت بتتعامل معايا كده ببرود

رفع يده وأزاح يدها القابضة على ساعده قائلا بنبرة ثلجية:
-مالى
أنا كويس مفيش حاجة بس مش أنتى اللى عيزانى أبعد فخلاص بعدت وعلاقتنا
هتبقى فى الحدود زى ما طلبتى أصل مش هفضل أجرى وراكى وأنتى تصدينى يا ثراء
لكل شئ أخر وكل حاجة هتنتهى قريب

لم يزد كلمة أخرى واخذ سيارته
مغادراً،ظلت واقفة تفكر فى معنى حديثه لها ،ركضت إلى غرفتها دلفت إليها
وأغلقت الباب تستند عليه تطلق لدموعها العنان التى ظلت تحبسها طوال الليل
ظلت تشهق بصوت خافت،فلماذا تبكى هى الآن ؟ فهذا ما كانت تريده وأخبرته
بشأنه ولكنها لم تضع بحسبانها بأن سيأخذ حديثها على محمل الجد،فهى كانت
ترغب فى أن تذيقه ويلات قلبها المعذب بعشقه ليأتى هو ملبياً لمطالبها يتخذ
من بروده درع واقى يجابهها به،وصلت للفراش فارتمت عليه تسترسل فى بكاءها
حتى غلبها النوم وهى بثيابها كانت الغرفة غارقة فى الظلام عادت ودفنت وجهها
بالوسادة ثانية لئلا تدع ذلك الحلم يهرب منها ،هذا الحلم المجنون المستحيل
لقد رأت أيسر بمنامها وشعرت بذراعيه القويتين والحنونتين تطوقانها كانت
تعرف أنه حقا حلم مستحيل بعد قناع الجمود والبرود الذى عاد يرتديه أمامها
ثانية ،فأعتراها ألم قوى وبدأت تجهش بالبكاء ورأسها على الوسادة

سمعت صوته الحبيب فى أذنيها:
-ثراء أنا هنا يا حبيبتى بوصيلى

فتحت عينيها وهى لا تصدق قربها على طرف الفراش كان يجلس لم تميز ملامحه إلا عندما انحنى بجزعه إليها فرأت عينيه الخضراوين

وضع يده على كتفيها قائلا بحنان:
-أنا هنا يا حبيبتى

اعتدلت بجلستها ثم أستقامت وتركت الفراش ،وقف أمامها فأرتمت بين ذراعيه تكمل بكاءها تهتف باسمه بصوت باكى:
-أيسر
لم يتحدث فأكتفى بهدهدتها بين ذراعيه كطفل صغير بحاجة للعطف قبل رأسها يغرق وجهه بين طيات شعرها الأسود يدمدم بعشق:
-بحبك يا نور عيونى يا أغلى ماليا فى حياتى

ظل يسمعها كلمات العشق وهى تشعر كأنها تحلق عالياً كطائر نال حريته أخيراً

رفعت وجهها عن كتفه تنظر اليه قائلة بعتاب:
-ليه بقيت تتعامل معايا ببرود كده يا أيسر أنت خلاص زهقت منى

وضع أصبعه على فمها حتى لا يدعها تكمل حديثها :
-بس يا ثراء

لم
يزد كلمة أخرى وجدته يعود ليطوقها من جديد تشعر بدقات قلبه تتسارع رفعت
ذراعيها وطوقت جسده تريد أن تشعر بقربها منه ثانية أهداها عناقاً ليس كأى
عناق يشبه قطرات المطر فى ليالى الشتاء الذى يتوق العاشقين فيه للدفء
عندما
فتحت عينيها ثانية تغوص بوجهها فى الوسادة تتحس ذلك المكان بجوارها فلم
تجده ، أنتصبت بجلستها تنظر حولها لعلها تراه ولكن عندما نظرت إلى ثوبها
أدركت أن ماحدث لم يكن سوى حلم فهى مازالت بثوبها الذى كانت ترتديه بالأمس
أستندت للوسائد خلفها تحاول كبح تلك الدموع التى عادت تغرق جفونها من جديد

فى
اليوم التالى …لم تشأ الذهاب إلى عملها فظلت حبيسة غرفتها حتى سمعت طرق
على باب الغرفة ورأت جليلة تولج الغرفة بابتسامتها البشوشة:
-ست ثراء فى واحد عايز حضرتك تحت

زوت ثراء ما بين حاجبيها بتفكير قائلة:
-واحد مين ده وعايز منى إيه

أرتدت
حجابها وهبطت الدرج لترى من يريد رؤيتها وبأى شأن يريد محادثتها وصلت
للطابق السفلى وجدت رجل ربما فى منتصف الأربيعينات ينتظرها هب واقفا عند
رؤيتها قادمة

هتف الرجل بصوت رزين شابه بعد الصرامة:
-حضرتك مدام ثراء جمال الرافعى زوجة أيسر هاشم الرافعى

اومأت ثراء برأسها موافقة فأقترب الرجل منها يناولها قلماً يريد منها أن توقع على إحدى الأوراق
-أتفضلى حضرتك أمضى هنا وأستلمى الورقة دى

وقعت ثراء الورقة التى يريدها وناولها ورقة أخرى ولكن قبل أن تنظر اليها هتفت بحيرة قائلة:
-ورقة إيه دى

طافت
نظراتها بالورقة بين يديها فحدقت بها مشدوهة لا تصدق ما تراه بعينيها هل
فعل أيسر ذلك ؟ لا لابد أنها تحلم هى الآن فهو لن يفعل ذلك ولكن هذا ما
حدث؟ والورقة بيدها خير دليل على أنه فعل ذلك حقاً

سمعت صوت الرجل ينبأها بما تحويه الورقة قائلا :
-دى ورقة طل….
لم
يكمل الرجل كلمته حتى وجدها تسقط مغشياً عليها فهرولت إليها جليلة التى
جثت بجوارها تحاول إفاقتها فظلت تربت على وجنتيها بخفة حتى تستعيد وعيها

يتبع ….

لقراءة الفصل الأربعون : اضغط هنا 

                                                            لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى