Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم زيزي محمد

” المواجهة الاولى”
وقف سليم في الجانب الآخر من الطريق يتابع دخولها في إحدى المحلات التجارية للذهب والمجوهرات، كانت ملامحه هادئة نوع ما عكس ثوران أفكاره، حيث قررت بالفعل أن تطيح بهما من حافة الهاوية بأفعالها المريبة والغريبة تلك، لقد سيطر العناد عليها بشكل هيستري وافقدها قدرة التمييز على رؤيته وهو يركض خلفها ركضًا محاولاً مراضاتها، حقًا جهل أين السبب في تأخير عودتها له كاملة، لم يعد يعلم ما يدور بخلدها، فأصبحت غامضة متطلبة بشكل يوفق قدرته…
وفي ظل التفكير بشخصيتها، تذكر اتصال سيف له، محاولاً بحرج فتح موضوع انفصاله هو وشمس، حتى أتاح له الفرصة كي يعلم خباياه… وانطلق سيف يسرد فكرته في حل تلك المعضلة، ومن بين أحاديثه التي أصابته بالملل، شيء جعله مصدومًا هو أنها ينقصها مشاعر أو أشياءًا لا تود التعبير عنها، وما كان يرمي إليه سيف…هو أنه جامد في مشاعره معها..مستندًا لحديثه  بأن انفصالهما ليس السبب الرئيسي في ذلك، يبدو أنها تعاني من أمرًا ما يخفى عنه!، لن ينكر أن حديث صديقه أربكه، فبدا له متوترًا بعد محاولات عديدة في اثبات أن زوجته لم ينقصها أي شيء سوى أنها حزينة لانفصالهما…وفي نهاية المحادثة البسيطة مع صديقه الذي يحاول بشتى الطرق جمعه هو وشمس بنية صافية أخوية..اغلق معه الاتصال على أملاً التفكير به، ولم يمهله القدر وقت كافيًا في التفكير بل صدح رنين هاتفه باتصال من الرجل المكلف بحمايتها ومراقبتها وهو يخبره ان زوجته المصون تتسلل في هذا الوقت المتأخر من البناية..فركض هو كالمجنون خلفها بعد أن وضع أنس لدى  السيدة ام رجاء.
لقد أصابه الملل حقًا من وقفته تلك، ناقمًا على ما يدعوه به الجميع طالبين منهم التريث  كي ينهى تلك العواقب على خير…فأي تريث وهي تختلق أمورًا ستصيبه باختلال العقلي!.
خرجت شمس من المحل وهي تحرك بصرها في أرجاء الطريق، وقد قررت السير كي تستغل الهواء العليل لدخول لرئتيها المسجونة خلف قبضان حديدية، سارت في الطريق وسمحت لعقلها بالشرود في أمره قليلاً، غير قادرة على التحكم بمشاعرها المرتبطة به حتى وهو غير موجود.
مرت الدقائق عليها وهي تسير ولا تعلم أين جهتها..حتى توقفت فجأة بذعر حينما ظهر أمامها الذهب الخاص بها..حيث قررت بيعه هذه الليلة حتى تقوم بترتيب نفسها لحين موعد مرتبها..التفتت بجسد خائف وعقل مضطرب…فوجدت سليم يقف وبيده قطع الذهب الخاصة بها.
– سـ..سليم.
وبنبرة صوت هادئة للغاية، سألها:
– ليه عملتي كده!.
فركت يدها خجلاً من نظرة اللوم والعتاب التي تلوح لها وهي تقول:
– يعني الظروف وهحتاج فلوس…
قاطعها بنفس هدوئه التي تعجبت له، وطلب منها أمرًا عجيب عليه:
– ياريت منتكلمش لما نروح البيت الاول.
أومأت برأسها وهي لا تعلم لما تنساق خلفه هكذا، يبدو أن قلبها لم يعد يتحمل كم المشاحنات التي تشعر بها…تزامنًا مع فرض قيوده على عقلها فلم يعد لديه قدرة على التفكير بأي شيء، حتى وصلا أمام باب شقته هو..لهذا الحد اُختصر ذلك الطريق في تلك دقائق البسيطة، أم أن من فرط اجهادها راحت تغوص في شرودها ولم تشعر بالوقت طوال عودتهما.
دخلت اولاً للشقة وهي ما زالت على اثر الصمت الذي التزمته طوال الطريق..ولكنه لن يتحمل ثانية أخرى من الصمت، فقرر قطعه عليها بقوله الذي أظهر مدى انهماكه:
– أنا تعبت.
ردت بتعجب طفيف:
– من إيه؟!
أجاب بنفس هدوئه:
– من كل حاجة..منك ومن أهلي ومن شغلي ومن كل الضغوط اللي فوقي.
تنهدت بعمق وهي تنظر له حيث كان الوضع بينهما يشبه بمقابلة تلفزيونية بجلوسهما أمام بعضهما.
– وانا طلبت منك تبعد وانت اللي مُصر تقرب.
قالتها بحزن حاولت إخفائه، فسألها فورًا بنبرة تحمل لمحة بسيطة من الانكسار:
– هو أنا معملتش حاجة حلوة ليكي، تفتكريني بيها علشان نرجع حياتنا تاني.
ابتلعت لعابها وهي تجيب بتوتر:
– لا عملت بس…
بتر حديثها وهو ينفعل رغمًا عنه:
– بس إيه…عايزة إيه يا شمس بالظبط، ليه مُصرة توجعي فيا.
– عايزة أحس بكياني معاك، فين حبك ليا..احساسك من ناحيتي كله صامت، احنا مكناش قريبين من بعض يا سليم انت بعيد عني اوي..طلاقك ليا وضحلي حاجات كنت بتنازل عنها.
قالتها بنبرة أشبه للصراخ الممزوج بالبكاء، فأردف هو بعدم تصديق لحديثها: 
– فين حبي ليكي؟…امال أنا بعمل إيه هنا، واقسم بالله لولا إن بحبك ما كنت فكرت لحظة ارجعلك بعد اللي عملتيه.
كانت نبرته شرسة مستنكرة، وبنفس شراسته قالت بنبرة مرتفعة وهي تشير نحوه:
– كلمة بحبك دي أنا مبسمعاش ولما بطلبها بتعمل مش واخد بالك وكأني بطلب حاجة متخصنيش، أنهي حب ده اللي بيخيلك تبعد عني متاخدش بالك من مشاعري ومتطلباتي، كل علاقتك بيا أوامر في أوامر..شمس اعملي قومي اقعدي..سيبي كليتك حاضر يا سليم، مترسميش لحد حاضر يا سليم، اقعدي في بيتك واقطعي علاقتك بكل اصاحبك حاضر يا سليم، ادفني مشاعرك واحاسيسك حاضر، خليكي زي أله في البيت تروق تطبخ تاخد بالها من ابنها وفي اخر الليل تستنى كلمة حلوة تطبطب على قلبها..مفيش، شمس اتخلقت علشان تلبي طلباتك في سجنك.
لم تشعر بنفسها وهي تُلقي بكل كلماتها دفعة واحدة فأصبحت وتيرة أنفاسها سريعة بعدما انزاح ذلك الثقل من على صدرها، وتحرر عقلها من الفوضى المسيطرة عليه..راقبته وهو ينهض متحركًا ذهابًا وإيابًا كالمجنون الذي القى على مسامعه كلمات تثير جنونه وتخرجه عن أخر ذرة التعقل كان متمسكًا بها…تكاد تقسم انها استمعت لصوت دقات قلبه العنيفة بعدما رأت جسده المتشنج، بدا وكأنه اُلقى عليه تعويذة شيطانية فتراقصت أمامه الشياطين.
كانت تستمع لبعض الكلمات الخافتة والتي جهلت تفسيرها حتى علت نبرة صوته فجأة وهو يستدير نحوها يهدر بها في عنف:
– ولما أنا وحش كده مبتقوليش ليه، بتكملي حياتك معايا ليه…سايبني اغصبك على وجودي ليه.
 نفس الآلام  التي تذوقها من عائلته تندفع في وجهه مجددًا، ككرة قررت أن تصيب مشاهد في وسط المباراة، جميعهم يضعونه في خانة الوحش القاسي الذي يرفض تفهم مشاعرهم، وهم لا يدركوا ما يعاني من خذلان حاوطه بأسوار عالية يمنع وصاله بهم.
صمت ساد المكان عقب حديثه، لقد وقف على حافة هاوية انفصالهم مجددًا بعد صمتها الطويل وبعد هذا الكم من المشاعر السلبية المحاطة بهم، كاد أن يجزم أن الحب بينهما انتهى أو أصبح من طرفه هو فقط.
– كده أنا فهمت..ماشي يا شمس، اللي انتي عايزاه هعمله، عايزة تطلقي وتبعدي وتشوفي حياتك أنا…..
قاطعته هذه المرة وهي تبكي بصوت عالي تقول من بين شهقاتها:
– تاني مرة بتتخلى عني.
جذبها من يدها بقوة حتى أصبحت تقف تقابله، فهدر بها بانفعال:
– أنا مبتخلاش عنك..افهمي بقا، انتي اللي بتخليني اوصل لكده.
تحرك بؤبؤ عيناها في سرعة رهيبة وهي تحاول الافلات من يديه القابضة عليها وكأنها لصًا يريد الهرب منه، أغلقت عيناها حينما لم تعد تتحمل أن ترى ملامحه بهذا الشكل المُخيف لها، فهمست بصوتها الخائف:
– أنا بخاف منك، مبعرفش اتصرف معاك..ابعد عني.
رد في عناد:
– لا مش هعبد، وأنا مبخوفش يا شمس متحطنيش في خانة الوحش اللي مُصرة تحطيني فيها، كفاية أنا استحملت كتير.
– وأنا استحملت اكتر.. أنا عارفة انك بتحبني بس طريقة حبك ليا كأنك ابويا مسؤول عن تصرفاتي وتربيتي واروح فين واجاي فين …لكن علاقة الزوج والزوجة بتبقى مختلفة أنت طرف زي زيك فيها، والمفروض نتشارك في كل حاجة.
أخرجت مجددًا مشاعر كانت تكنها بصدرها، وكأن العناد المسيطر على عينيه كان بمثابة الشرارة التي سمحت لكل أحاسيسها الحزينة بالانطلاق في وجهه.
وبنبرة خافتة أخبرها بصدق:
– أنا ببقى خايف عليكي.
حركت رأسها برفض قائلة من بين بكائها:
– خوفك ده مش في محله أنا ناضجة كافية، مش هأذي نفسي علشان عارفة حدودي.
 صمت للحظات مفكرًا في حديثها الذي جلجل هيكل ثباته ومعتقداته التي ترسخت بذهنه منذ أن كان شاب مراهق يتعلم أساسيات الحب والغرام.
– انتي فاهمة الحب غلط اللي بيحب حد بيقبل به زي ما هو مبيقعدش يعدل فيه، أي انسان فيه العيوب والمميزات وانا اكيد فيا عيوب وفيا بردو مميزات أكتر.
قالها بتعنت وإصرار مع مزيج طفيف من كبريائه وعنجهيته التي لن يتخلى عنها أبدًا حتى مماته.
ردت في تعنت مماثل، لن تكون الساذجة مجددًا ولن تلعب دور المضحي الذي وقع فوق عاتقها في علاقتهما.
– بس العيوب دي مش قادرة اتأقلم معها ولو انت بتحبني هتغيرها.
وبعد تفكير دام لدقائق كانت مشاعرهما تتصارع من أجل إبقاء حبهما.
– ساعديني علشان اغيرها.
كانت نبرته تحمل تردد طفيف، وكأنه يخشى ما يُقدم عليه، لا يريد بذل مجهود إضافي في ارضاء مشاعرها المطالبة بأمورًا لم تتذوقها من قبل، وراحت تشرد لثوان بمحاولاتها السابقة أثناء أعوام زواجهما في محاولة جذب انتباهه لها ولم تكن تعِ انها تتنازل عن حقوقها به، وكان التجاهل هو الرد المناسب لها، فردت بعصبية لم تتحكم بها:
– أنا بقالي كام سنة بحاول اساعدك وبحاول معاك علشان بحبك وعشان بحبك كنت ساكته بس انا ليا طاقة زي أي حد…وانت ضعيف ومعندكش إرادة علشان تغيير من نفسك عشان اللي بتحبه.
وكأن شرارة الغضب والانفعال انتقلت له بعدما بدأ في الهدوء والاستكانة لها في هذه اللحظة كي ينهي خلافهما بعدما شعر بالسخط لهذا العبث المسيطر على حياتهما، ولكن حديثها الأخير كان قاسي وهي تصفه بالضعيف عديم الإرادة في تغيير نفسه، هو لو كان ضعيفًا لم يسمح لنفسه لخوض مشاعر  الخذلان والقسوة من عائلته بأكملها بما فيهم هي، لو كان ضعيف لِمَ قرر التخلي عن حلمه من أجلهم..أي ضعف تتحدث عنه..وهي لا تعلم ما يجاهد بداخله كي يبقى ثابتًا شامخًا أمام تقلبات الحياة الخادعة.
ومن فرط غضبه شعر بحاجته باثبات حبه وقوته لها، فجذبها أكثر عليه مقبلاً إياه بغل لأول مرة تشعر به من خلال قبلاته لطالما كانت دومًا ناعمة هادئة  تجعلها في حالة من الاستسلام الفوري له، ولم تعلم أنه كان يلقي جميع مشاعره السلبية بها، فهي ليست من حقها أن تتهمه بهذا، وتصدر أحكامها بحقه، ناهيك عن حاجته الشديدة لها، فاشتياقه غلب غضبه، وللحظة كان يود الاعتراف بحبه لها لفظًا، ولكنه فشل كعادته واختار تلك الطريقة في اثبات حبه القوي لها، حتى أنه بدا مدركًا أن الكلمات تتحالف ضده وترفض الخروج من جوفه، فاستسلم لطريقته المعتادة وراح يبث مشاعره الصامتة لها من خلال لمساته وقبلاته التي هدأت في شراستها نوعًا ما وأصبحت هادئة ناعمة مترأف بحالتها الضعيفة التي تحاول إبعاده عنها.
أما هي فكانت في حالة من الصراع الناري..تريده بشده..والعقل يقف مانعًا حائلاً لقلبها فارضًا سيطرته في تذوق أحاسيس افتقدتها لفترة قصيرة من زوج عشقته حد الثمالة…انقسم داخلها لجزئين..جزء يشعر بعدم قدرته في تغيير نفسه وأن التغير لن يصبح بين ليلة وضحاها دافعًا إياها نحوه كي تنغمس معه في حالة الحب الصامتة المسيطرة عليهما، وجزء آخر يرفض طباعه وخصاله التي جاهدت في تغييرها، مذكرًا إياها بأن السكوت مجددًا سيزيد الوضع سوءًا، ولكن رغمًا عنها شعرت بالحنين يتملك منها، مستمتعة بقبلاته بكل ما فيها من حنو ولطف ممزوج بالغل البسيط. وفي نهاية المطاف هو زوجها التي لن تستطع الابتعاد عنه مهما حدث بينهما، فرفعت راية الاستسلام في لحظة غفل عنها العقل، في ظل همساته الحميمة المذيبة لأي ذرة تعقل لديها.
وبعد فترة كانت تتوسط فراشه، يحتضنها بتملك خشية من فقدان جديد يلعب بأوتار ثباته الذي يجاهد التمسك به، لم ينتبه لبكائها الصامت وهي تخضع لجلد الذات بسوط ذكرياتهما التي جعلها تدرك أنها عادت لذات النقطة مجددًا وكأن ما فعلته ذهب كالسراب بسبب قلبها الأحمق التي فقدت السيطرة عليه، وحين انتبه لحركة بسيطة منها كانت تمسح بها دموعها برفق هبط ببصره نحوها وتفاجئ بدموعها المنسابة فوق بشرتها البيضاء مع حمرة أنفها الخفيفة..فسأل بقلق متوجسًا منها:
– انتي بتعيطي ليه!.
ردت بصوت مبحوح مرتجف خائف من مستقبلها الجديد معه حيث فشلت في تثبيت متطلباتها وكسب أي شعور جديد كانت تتوق إليه!.
– علشان رجعت لنقطة الصفر تاني.
سارع برده فبدا كطفلاً يبرر وجهة نظره خوفًا من أن تفهمه والدته خطأ.
– بالعكس أنا لما قربت منك اشتاقت اكتر حد وحسيت ان في حته ناقصني وبعيدة عني بتكمل بيكي.
رفعت بصرها تستغل حديثه في فرصة لن تتكرر بعد استسلامها له:
– خلاص لو فعلا عايزاني في حياتك لازم نشوف حل وسط.
أومأ مجددًا وهو يحافظ على غايته الجديدة  والتي كانت مختلفة كليًا عليه، مُصرًا على التمسك بها رغم عواصف الحياة القاسية، فلن يتجاهل هذه المرة سيواجه عيوبًا كان يتغاضى عنها من أجل فتاته التي تعاني من الفقد الذي هو عانى منه من قبل، ولن يقبل بأن تتذوق آلامه القاسية مثلما هو تذوق. 
– اعتبريني طفل وبيتعلم اساسيات الحب.
رغم براءة جملته..إلا أنها مست قلبها المتعلق به، فاعتدلت بجلستها وبابتسامة خالطت دموعها قالت بنبرة يملؤها الأمل:
– اوعدني انك هتحاول فعلاً مش مجرد كلام ما بينا. 
– طول ما انتي موجودة جنبي هحاول.
عادت مجددًا تهتف بخوف:
–  بس أنت هتمل بسرعة يا سليم.
وبالفعل ظهر الضجر على ملامحه:
– طيب والمفروض اعمل ايه نبعد علشان ترتاحي أنا مبقتش فاهمك.
-مقصدتش كده…
قررت قطع حديثها فجأة كي تعطيه نفسها مساحة في اقتناء افضل الالفاظ للتعبير عنها:
– يعني مثلاً أنا مجربتش احساس المخطوبين…مجربتش مشاعر كتير حرمتها مني..
قاطعها متأففًا باشمئزاز:
– ده كلام مراهقين يا شمس.
– شوفت رجعت تاني لنفس الكلام، بص بقى أنا نفسي احس إن أنا مراهقة.
وبنبرة لم يستطع إخفاء سيخرته بها:
-حاضر بكرة هبقى اجيلك ورد واجيلك تحت البلكونة ونتقابل من غير حد يعرف…
نهضت بحماس وابتسامة واسعة وهي تجذب الغطاء عليها قائلة:
– طب وإيه يعني فكرة حلوة… إيه رأيك أنا مش هرجع الا لما تعمل كده.
– وهعمل كده ازاي…يابنتي انا سايب حياتي وشغلي وجاي وراكي، طب إيه رأيك نرجع القاهرة ونقعد في شقتنا نلعب زي ما احنا عايزين احسن من الفضايح اللي بتحصل هنا.
صمتت للحظات تفكر في حديثه الذي أشعل فكرة جيدة بعقلها فقالت بغموض أثار ريبته:
– انا موافقة ولما نرجع هقولك أنا عايزة إيه بالظبط.
                                  ***
بعد تفكير طويل استغرقه سيف في حسم أمرًا وقع فوق رأسه من السماء كالنيزك المفاجئ، لم يستطع إنهاء حالة التوتر التي وقع بها في اختيار أي منهما..ولم يطيق الوقت في انتظار الصباح كي يتحدث معها، ولم يجد حلاً مناسبًا يثلج به صدره…سوى أن الصعود إليها هو الأحل الأنسب..والخوف هنا يكمن في شخصيتها المتمردة التي من المحتمل أن ترفض وجود فاطمة وهذا الأمر الذي لن يتحمله قط.
الغى فكرة الدخول لشقته، واغلق الباب ثم اتجه صوب شقتها بالأعلى بخفة مستغلاً الوقت المتأخر وهدوء الليل.. طرق باب شقتها في هدوء كي لا يثير  جلبة بالطابق، وبعدما رأته هي بما يسمى” بالعين السحرية” حتى سارعت في فتح اقفال الباب وظهرت من خلفه برأسها فقط حيث لجمتها الصدمة ولم يكن الوقت كافيًا كي ترتدي روب أو حجاب فوق قميصها القطني ذو اللون الأحمر .
– في حاجة يا سيف.
رد في لهجة جادة أقلقتها:
– ايوه في حاجة مينفعش تتأخر لبكرة ولازم نتكلم فيها.
– دلوقتي!.
سألته بتعجب، فحرك رأسه بإيماءة بسيطة، وقبل أن تتفوه استمعا لصوت أقدام من الاعلى، ففتحت الباب سريعًا ودخل هو وأغلقا الباب معًا، تقاربهما الشديد الهب مشاعرهما التي كانت في حالة من الخمول بسبب جديته المفرطة، تيبست  بجسدها مستندة على الباب وهو يقف أمامها مباشرةً لا يفصل بينهما سوى انشات بسيطة، كانت تتحس بيدها عن أي شيء تتمسك به، فأصبحت كالغريق الذي يرفرف بيده فوق سطح المياه..رباه لما انقطعت أنفاسها وهو يقترب برأسه منها مركزًا ببصره على شفتيها المرتجفة خجلاً وخوفًا من قبلة قد تداهمها في لحظة جنونية تعلم أنها سـ تستسلم له لا محال…وما زاد من تعجبها هو ابتعاده المفاجئ وكأنه لدغ منها، راقبته وهو يسيطر على انفعال جسده الواضح لها، وجلوسه فوق الأريكة متحدثًا بنبرة غريبة عنه:
– ليال عايز اتكلم معاكي في حاجة مهمة هتحدد مصيرنا وطبعا الاختيار ليكي.
لن ينسى أمر استسلامها وهي تحت سطوته منتظرة قبلته بصدر رحب، ولا ذلك الثوب المثير لمشاعره الراغبة بها، ولكنه تغاضى  مؤقتًا فحديث اخته يقف كالغصة في حلقه.
لم تعِ أنها مازالت ترتدي ثيابها الكاشفة لمعظم أنحاء جسدها، وراحت تجلس بجانبه تحثه على التحدث:
– في ايه قلقتني.
 استغرق دقيقة في الصمت لعبت بها في قلق من افعاله الغامضة، فقالت بتوتر:
– طلعت متجوز صح!.
رمقها بتعجب ولم يتحدث، فقالت مجددًا بهمس خائف:
–  يبقى طلعت مدمن!
رمقها باستخفاف:
– ايه الجنان اللي بتقوليه ده.
– اومال ايه يا سيف…خوفتني.
اطلق العنان لنفسه قائلاً بنبرة تميل للحدة والتحذير:
– عندك مانع فاطمة تقعد معانا، أنا مش هعرف اتخلى عن اختي واسيبها لوحدها.
توسعت عيناها بذهول قائلة بنبرة تشبه للغيظ:
– بجد يا سيف..هو ده الموضوع المهم اللي جاي في وقت زي ده تتكلم فيه!.
– هو فيه أهم من كده إيه يا ليال، دي أختي وانتي مراتي..
اهتز كيانها لكلمته تلك فقالت بنبرة حاولت بقدر الامكان ان تكون ثابتة:
– أنا مش فاهمة سبب القلق اللي في صوتك، هو أنا كنت اعترضت في إيه قبل كده علشان تيجي وتقولي تحديد مصيرنا، كلامك كبير اوي.
– لا مش كبير، لازم تكوني مفكرة قبل ما توافقي…أنا عمري ما اسيب اختي.
قاطعته بعصبية:
– وانا مطلبتش …ولا هطلب كده، متعاملنيش كاني وحشة ومبحبش حد علشان أنا مش كده يا سيف.
أنهت حديثها وانهارت في البكاء، بعدما تفهمت ما يرمي إليه بكلماته حتى وإن لم يصرح بها علنًا، فهي تمتلك ذكاء كافي لتفسير الغموض المسيطر على نبرته والقلق الذي يتلاعب به.
اقترب منها سيف مختصرًا المسافة بينهما وهو يجذبها رغمًا عنها لاحضانه، فاقدًا للتعبير عن نفسه في ظل هذا الحرج الذي وقع فيه بسبب دخوله في الحديث بطريقة غير صحيحة بالمرة..فالأمر وكأنه يقول لها أنتي قبيحة المشاعر وأنا خائف من رفضك لاختي!.
زفر بحنق وربت على كتفها قائلاً بنبرة لطيفة تحمل الأسف:
– متزعليش مني، حقك عليا يا حبيبتي، أكيد مقصدش كده، بس انتي حطي نفسك مكاني.
رفعت وجهها بعد أن كانت تدفنه بصدره، قائلة من بين شهقاتها:
– لا مش هحط، علشان انا متكلمتش وفتحت بوقي اصلا ولا لمحت لكده، أنت لو كنت اتخليت عن اختك كنت هخاف منك، علشان أنا دوقت طعم إن حد يتخلى عنك،  معنديش استعداد اجربه تاني ولا اخلي اختك تجربه بسببي.
حاوط وجهها بيده قائلاً بفخر وهو ينظر في عمق عيناها:
– كل الناس كانت مستغربة إزاي أنا وأنتي ممكن نتجوز، شايفين اننا مختلفين..بس أنا كنت شايف انك الجزء اللي بيكملني، الحاجة اللي بدور عليها علشان اريح قلبي بيها، أنتي أبعد ما يكون انك تكوني وحشة، بالعكس أنتي جدعة بس الظروف حطتك في المكان الغلط..ودلوقتي اتأكدت ان نظرتي كانت صح.
– مش حاسك على فكرة!.
قالتها بشك وهي تنظر لعينيه، فرفع حاجبيه مفكرًا في طريقة لاثبات حديثه، حتى آلت إليه أكثر الطرق اختصارًا في اثبات الحب الكامن بقلبه..ونفذها على الفور..حينما داهم ثغرها بقبلات متتالية لم يفصلها سوى جملة واحدة همس بها:
– أنا عديت كلمة بحبك من زمان وبقيت مجنون بيكي.
خفق قلبها اثر كلماته وشعرت بتماديه معها في أحاسيس الحب الجنونية، فقررت أن تقطع تلك الرومانسية وتأجليها مؤقتًا حين موعود الزفاف.
يتبع ……
لقراءة الفصل الرابع والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى