Uncategorized

رواية الملتهب الفصل الثالث 3 بقلم نتالي جواد

 رواية الملتهب الفصل الثالث 3 بقلم نتالي جواد

رواية الملتهب الفصل الثالث 3 بقلم نتالي جواد

رواية الملتهب الفصل الثالث 3 بقلم نتالي جواد

أخذت العُتمة تطفو بأجنحتها الباردة حول آرتان وهو جالس على ضفة البحيرة في هدوء تام يتأمل سيفه، يشغل باله امر ما لكنه صامت لا يتحدث حتى وان تحدث فمن ذا الذي سيسمع.
«السلام»
ردد أرتان تلك الكلمة الاشبه بالحلم ثم تنهد بعمق، زفر نفسه ببطء، بما ينُم عن حمل ثقيل، لطالما شكلت كلمة السلام لإرتان لغز يسعى دائما ورائه، لكن ما نفع هذه الكلمة في مملكة اصبح القتل فيها سنة الحياة.
لم يتقبل ارتان يوما كونه بذرة السوء التي زُرعت في هذه الارض الطيبة فنجستها، كان يملك فكره ما عن نفسه لكنها مشوشة ويصعب الوصول اليها.
وسعيه وراء السلام جعلة يفكر في حل المشكلة بين [قنداليا] وما حولها، و أعادة الوصل بينها هو لا يعلم سر رغبته، فقط يريد السلام، منذ ولد وهو يعيش تحت وطئه النزاعات وتبعاتها، عدا عن تلك الحرب التي يعيش صراعاتها يومياً، يومًا بيوم.
اوكلت اليه مصالح أُمم وشعوب عجز اساسا عن التعامل معهم، قدم لهم كل شيء قد يحتاجونه، امان داخل المملكة، حفظ حقوقهم، اذ تعيش الممالك الاخرى ويلات لا يعلموا عنها شيئا، لكن هيهات ان يتقبلوه يومًا.
ربما لذلك الذنب الذي عوقب عليه دون ان يتذكر عنه شيئا، وربما لأنه قد قُدم أليه وعلى طبق من ذهب لعنة ابدية يعانيها ما دام قلبه ينبض بالحياة.
لم يغفل يوما عن نظرات الكره والحقد والخوف التي كان يُرمق بها، حتى من شريكة حياته، لازال يشعر بقشعريرة ابدانهم عندما يمر بجانبهم او يحادثهم وكأن هو من اختار أن يولد هكذا.
لم يمنعه ذلك من محاولة كسب ودهم، ولكن كلما تقدم خطوة، رجع بها عشرا، الى أن بدأ يحميهم ويقوم على مصالحهم دون الاقتراب منهم.
ورفع ناظريه لهدف اسما قرر أن يعمل عليه، الا وهو سلام المملكة الخارجي، قرر ان يعيد الوصل بين الاقطاب ويصلح ذات بينها، لكن كيف؟ ما الخطوة الصحية لذلك؟
يفكر في سلام القطب ولا يدري بتلك النار التي نشبت في قصره، لا يعلم ان محنه اخرى بانتظاره.
نهض و ثبت [فالور] على خصره ثم وثب بخفة على ظهر كارلوس، مشى ببطء حتى ابتعد عن الأشجار الشائكة ثم اتى جزئه الافضل قمم جبال، والسهول الشاسعة، ولا شيء آخر ارخى لجام [كارلوس] لينطلق كالبرق بلا هوادة، هدوء الليل ونسماتهِ الباردة وحصان ككارلوس يشبه السهم وفارس لا يمكن كبح جماحه انه المشهد الافضل في مرتفعات قنداليا، بعدما قطع نصف المسافة وقف واختبأ خلف أشجار ضخمة مكث كأنه ينتظر قدوم احدهم.
بعد مدة تحفز ارتان واستل السيف الفولاذي واحكم قبضة عليه، بدأ صوت جري خيول يصبح واضح وقريب، ما ان اصبح الصوت قريبا كفاية خرج هو من مكانه وسيفه في يده قفز عن ضهر كارلوس في الهواء ليصبح بين مجموعة من الرجال بسرعة البرق وقبل ان يلحظ احد ما يجري كانت الرؤوس قد فُصلت عن الأجساد وارتان في المتصف وسيفه قد استحم بالدم، كانوا سبع رجال احضرهم سوء حظهم الى هنا.
اقترب كارلوس من ارتان الذي احمرت عيناه واصبحتا كاللهب المشتعل اعاد ڤالور الى غمده بعدما ادى مهمته كما يجب وامتطى الحصان مغادرا.
الليل شارف على الانتصاف ازداد برودة، عاد أرتان لقصرة عبر الى الداخل من وسط صفي الجنود، الذين انحنوا له بمهابه، قصر مظلم وبارد ليس كله فقط ذلك الجناح الخاص به، ولج الى جناحه وقبل ان يدلف ويغلق الباب خلفه استوقفه الوزير
«جلالة الإمبراطور.»
«ماذا هناك.»
«ألسيدة أدلين جلالتك.»
استدار إليه بعد ان كان يعطيه ظهره
«ما بها»
«انتحرت، لقد أحرقت…»
«انظر في حراسة الحدود الجنوبية، ذاك المكان ليس امن يمكن التسلل منه بسهوله.»
قال مقاطعا ثم دخل و اغلق الباب خلفه.
«متوحش عديم القلب كيف لا يأبه بموت زوجته، فعلا انه تنين بلا قلب»
قال الوزير في غيض من تصرف أرتان لكنه سكت بعد لاحظ الحرس بجواره.
وضع سيفه على السرير الضخم، نزع ردائه عن كتفية، ثم نزع سترته، ليبقى عاري الصدر جلس على حافت سريره، لتظهر قلادة على شكل مستطيل زجاجي شفاف، انحنى و ارتكز بمرفقيه على ركبتيه ثم بوجهه على كفيه.
حزن لموت أدلين صحيح لم يستفسر ولم يعنيه ذلك فهي كغيرها تخافه وتهابه مثل الغرباء بل اكثر، لم تتصرف يوما على أنها زوجته رغم مطارحته فراشها احيانا، مزقت قلبه فكرة ان خوفها منه دفعها لأنهاء حياتها، لكن إعتاد الامر ولم يعلق، عاد بظهره ليرتمي على السرير اغمض عينيه وغفى.
«لا، لا اريد الدخول، ارجوكِ سيدتي.»
همست الخادمة ببكاء لسيدة تضع في يديها صينية بها أطباق طعام
«جارية خرقاء، انا أمرك اذهبي لجلالته، وقدمي له الطعام.»
«لكن سيدتي انا خائفة.»
«ممَ تخافين؟ ليس هناك ما يُقلق.»
قالت وهي تعلم انها تكذب كذبه واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء، دفعت بصينية الطعام لِيدي الجارية لتأخذها وتتجه لغرفة أرتان ودموعها على خدها، ترتجف يداها ويكاد الطبق يقع منها، اغلقت بوابة الجناح ثم نزعت الثوب الذي تغطي به جسدها، تحت فستانها شبه العاري وجففت دموعها جيدا، طرقت باب حجرته ثم دخلت.
«طعامك سيدي.»
نظر اليها أرتان وهو لا يزال مستلقي
«احضريه.»
«حاضر»
تقدمت إليه بتردد ووضعت الطعام على حافة السرير، عدل هو من جلسته فجزعت الخادمة تراجعت للوراء وسقطت على الارض مرتجفة ، بدا جليا خوفها منه، اغضبه خوفها منه واخرجة عن طوره اشعرته بأنه كائن تفضل الموت على قربة اندفع إليها بغضب سحبها من يدها ثم رما بها على السرير ممزقا ثوبها الخفيف رمى بأطباق الطعام بعيدا عنه جثى فوقها يخنقها بقوة وهي تصارع لتأخذ نفس واحد اخر، قال بزمجرة وغضب
«تخافين مني ، أنتظر لم تري الخوف الحقيقي بعد.»
خوفهم منه يجعله يجن ويفقد صوابه، ربما هم انفسهم كانوا سبب قسوته عليهم، كره ان يتم رفضه من قبل مجتمع بأكمله، المُحزن في الأمر انه لم يقدم لهم سوى التضحيات، عمره، شبابه، طاقته، كل شيء كرسه لأجلهم اذاً اين الخطأ، ما الذي يدفعهم لكرهه، لربما هناك نقطة عدم تفاهم بين هذا الإمبراطور وشعبة بالإضافة لأقرب ناسه.
بدت الصدمة على وجهه وهو يستوعب ما يفعل ارخى قبضته عن عنقها وابتعد عنها، احتقر نفسه كثيرا، لما لم يدعها تذهب وحسب، اخذت الجارية تشهق الهواء لرئتيها، استندت وهي تسعل بقوه، سحب ارتان قطعة قماش معلقة بقربه، نهض وامسك بذراعها اوقفها على قدميها ووضع القطعة التي اخذها على كتفيها يستر جسدها، تمتم بغير وضوح
«أخرجي»
كانت أفضل كلمه سمعتها الجارية طوال حياتها، ان تخرج من عند التنين المُلتهب حية تُرزق دون أن يمسها ضرر، انه لفوز عظيم، برفقة دعاء والدين، وحظ لا عطب به.
مشت بخطوات راكضة لتختفي بلمح البصر.
كاد يُجن اولا ادلين ما لذي فعله لها لتفعل به ذلك، اتته الإجابة سريعة اذ احضر له احد الجنود لفافة اخبره انها من الطبيبة سيلفيا، طبيبة القلعة وهي التي كانت تعتني بإدلين منذ نعومة اظفارها.
{ «من الطبيبة سلفيا الى سيدي الامبراطور ارتان اندريك.»
اضطررت للمغادرة قبل عودتك، كنت ارغب برؤية رد فعلك عندما تخبرك ادلين بالخبر السعيد، انني حزينة لأنني لن اكون موجودة في ذلك الحين، اردت ان اطلب منك الاعتناء ب أدلين، انها حساسة جدا، اعتني بها ارجوك أن لم يكن لأجلها فلأجل طفلك الذي تحمله بين احشائها الان.»
«أعتذر اليك عن الاطالة، واشكر لك اصغائك.» }
كل ما أرادته سلفيا ان تبث الامل في قلبه، وتعيد البهجة لوجه ادلين الذي فقد نوره عندما علمت بالخبر.
اتت كلمات سيلفيا الغافلة عما فعلت، ك سكين حاد مزق اضلاعه وصولاً الى قلبه، أهذا ما أخافها؟ أهذا ما دفعها لأحراق نفسها؟ كادت صرخة مدويه أن تفجر اركان الحجرة، لكنه كتمها كما كان يفعل دائما، قتلت ادلين نفسها لأنها حامل، ليس هناك تفسير اخر.
قبض بقوة على اللفافة ثم قذف بها للأرض، بدأت القلادة التي يرتديها تتوهج بلون غريب، نهض ك عاصفة عاتية يكتم غيضه داخل صدره، وصريف اسنانه يُسمع من بُعد، خرج كما هو دون دثاره الملوكي او شيء يستر به باق جسده لم يأخذ سوى ڤالور، قبض عليه بقوة ولو أن غمد السيف كان عادي لتفتت تحت قبضته، اندفع كأسد جريح خارجا يحمل ملامح انطوى الالم يفتك بها فتكا، أعين حزينة غاضبه لتنين تنشق النار من حوله، بدأت حرارة جسده ترتفع حتى لا تكاد تطيق لمسه، وصوت تنفسه يعلوا، والقلادة تزداد توهجاً، شق طريقه في الرواق الحجري البارد، وذهب حيث يذهب دائمًا عندما بكون في هذه الحالة
**
نيران مشتعلة في كل مكان اناس يصرخون صرخات لا تفقه منها مطلبهم لكن الفطرة تخبرك انهم يستنجدون، هناك شاب يحترق وهو واقف لا يفعل شيئا، لا يجري، لا يصرخ، لا يستغيث، فقط يراقب بعينيه الهادئتين بغرابه النيران وهي تشتعل فيه وتفتك به، لم يكن ذلك صحيحا اذ انه لم يتأثر بحرها.
صرخة مكتومه صدرت عن دفلارا المرتعبة ينتفض الهواء في صدرها بخوف جراء الحلم الذي رأته قبل قليل، الحلم هذا يتكرر منذ سنوات، الناس المحترقون صرخاتهم، حتى ذلك الشاب صاحب النار، والشجرة والكوخ، لكن في كل مرة تخاف وكأن هذا الحلم يزور لا وعيها لأول مرة في كل مرة .
نهضت واهنه من فراشها ترتجف والعرق يتصبب من جبينها.
« النيران، تلكما النيران لن تتركني ابدا الا يكفي ما اخذته مني الى الان.»
غمغمت بضيق بينما تستند على الحائط بظهرها، كرهت النوم بسبب الصور التي تظهر فور اغلاقها لجفنيها، صور بشعه مرعبة وما يزيد الصور بشاعة فوق بشاعتها انها كانت ذكرى عايشتها يوما ما.
«اسيلا اين انتِ، لن تكفي عن عاداتك السيئة ابدا!.»
قالت ببعض الغضب وهي تمسح بيدها على فراش ابنتها الوحيدة.
**
بينما ارتان يهبط عن الدرجات الرخامية، ادار جسده بخفه دفع بيده جسدا كان قريبا منه، انقلبت العجوز على الارض وفلت من يدها خنجرا ذا نصل معقوف يشع بماده خضراء، لم يشد ارتان ضربته بل لطفها قدر ما يستطيع في حالته الذهنية المشوشة، كانت تلك والدة ادلين وأرملت خاله تحاول أن تخترق بخنجرها المسموم ظهره وقد أنساها حزنها المميت من يكون الإمبراطور آرتان، نسيت ان السم كالماء بالنسبة له.
زمجر وهو يشد على نفسه ويسيطر عليها بقدر ما يستطيع
«اذهبي عن وجهي.»
زفر وادار وجهه يستكمل طريقه.
وقفت العجوز على قدميها بصعوبة التقطت الخنجر وسارت خلفه مجددا
«سأنتقم لابنتي الان منك ايه التنـ ..»
قاطع كلامها نظرات حارقه وجهها لها ارتان وهو يقول بهدوء
«لم اقتلها، هي فعلت بنفسها، لم أجبرها هي اختارت.»
خرج صوت العجوز، محطما مكسر يغص بين كل كلمه واخرى.
«اختارت؟ اختارت ماذا؟ أن تموت حرقا؟ أنت من قتلتها، انت السبب، لقد قتلت نفسها خوفا من أن تنجب لهذا العالم نسخه اخرى منك.»
كانت كلمات العجوز سامة جدا، ووقعت وقعا شديداً عليه، لكن ملامح القسوة والا مبالاة لم يختفيا من وجهه وهو يهدر بكلماته:-
« لا بأس اذا، لقد نجحت في ما ارادت، الان لن تنجب نسخه اخرى مني.»
برودة كلماته لم تعكس ابدا غضب واشتعال احاسيسه، أن لا زالت موجودة.
انهارت العجوز على الارض بأعين جاحظة ملائتها الدموع، وفم مفتوح:-
«لقد اخذ مني زوجي وابني والان ابنتي هذا الرجل لعنة، لا يمكنني مسامحته لا يمكنني.»
بقيت تهذي الى ان اتت خادمتها وأخذتها الى حجرتها.
مضى آرتان في طريقه، خرج من القلعة وأتجه نحو الجبل بجوار القلعة، قلبه يكاد ينفجر غضبا، أوشك ان يحرق كل ما حوله في ثانية، لكنه رغبته بأن لا يؤذي أحد كانت اقوى من غضبه، القلادة في رقبته تُشع بقوة وهي متصدعة بالكاد متماسكة.
فكرة ان أحدهم أحرق نفسه بسببه خوفا منه كانت تمزق فؤاده، وتعمي بصره، امتشق ڤالور والذي كان يتوهج بقوة هو الاخر، كان يستمد شعاعه وطاقته من غضب صاحبه، اخذ يصعد الجبل وهو يمزق كل ما تقع عليه عيناه.
حتى وصل قمة الجبل الباسق، لا زال غضبه الحزين في اوجه، كانت امامه شجرة كبيرة ليس حولها شيء فقط شجرة، أغصانها متشابكة تظلل من يجلس تحتها، الليل شارف على الانتها، الرياح عاتية في قمة الجبل، أخذ آرتان يقترب من الشجرة ببطء، الرياح تعصف به، شعره الطويل يتحرك بعشوائية، بينما عيناه الزرقاء تتوهجان مثل لؤلؤتان تحت ضوء القمر، زخات مطر ضعيفة بدأت بالهطول، وكأن غيوم السماء علمت بالنار المشتعلة داخل قلبه فأرادت إطفائها، بيد مشدودة اعاد ڤالور الى غمده، رفع وجهه لسماء يستقبل رذاذ المطر.
فتح عينيه بينما المطر لا زال ينساب على وجهه حتى تبلل، تقدم نحو المقدمة حيث تظهر قنداليا بأكملها تحت ناظريه.
التفت للوراء، فوجد كارلوس يقف خلفه ، وقد قطع لجامه ليلحق بسيده، اقترب من رتان ثم وقف امامه، ابتسم له ارتان وكأنه ليس الرجل الذي كاد ينفجر قبل قليل.
وجه نظره للأفق حيث ترامت اطراف قنداليا
بدت مدينة حزينة جدا، قنداليا عانت الكثير منذ شُيدت، لكنه فعل كل ما يستطيع ليجمع شتاتها وليعيد السعادة والامان اليها، لكن وبعد كل شيء لا زالت ناقصة ففي نهاية الامر قنداليا جزء من شيء اخر جزء من امبراطورية ضخمة، تصدعت وتصدع
معها ناسها.
يتبع..
لقراءة الفصل الرابع : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية العشق الطاهر للكاتبة نسمة مالك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!