روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الثالث والأربعون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الثالث والأربعون

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الثالثة والأربعون

وضع الحقيبة في المقعد الخلفي، وصعد للسيارة يقودها بنفسه متجه إلى واجهة تبعد عن القرية ساعتين ونصف تقريبًا … لم يريد أن يقلقهن في هذا الوقت المتأخر، كما أن الأسئلة ستنهال عليه منهن ولن يثير التوجس بإجابته التي ستصنع جلبة لن تنتهي بعد سفره..
في الأعلى كانت حسناء تقف في النافذة تنظر إلى السيارة وهي تبتعد عن المنزل بتعجب، علمت بسفره عندما هبطت والدتها مع صباح وناديه يجهزن حقيبته، لكن لِما رحل بهذا الوقت !! ولِما لم يودعهن مثلما يفعل كل مرة؟! ودت أن تذهب وتوقظ والدتها ولكن ما الفائدة فقد غادر وإذا تفاجأت بالخبر من المؤكد ستكون ليلة عصيبة عليها من التفكير السوداوي وهواجس الخوف التي تسيطر عليهن من الأمس.
؛*******
بعد ساعة ونصف هبطت استمعت إلى أصوات تصدر من الطابق الثاني لابد من استيقاظهن لصلاة الفجر.. فتحت صباح إليها وعادت إلى غرفتها، توجهت حسناء إلى هند وانتظرت حتى انتهت من صلاتها ثم حكت إليها ما رأته :
سافر لوحده؟!!
تساءلت باستغراب فهزت حسناء رأسها بتأكيد، بنبرة مضطربة قالت بخشية :
أنا متأكدة إن السفرية دي مش خير أبداً
أضافت حسناء بقلق بالغ :
تفتكري ليه سافر الساعة ٢ مستناش بعد صلاة الفجر زي كل مرة وليه مسلمش علينا ولا حتى نعرف هو رايح فين
اتجهت هند إلى فراشها تجلب هاتفها مردفه بتفكير :
أنا هكلمه على أساس اني نزلت اصحيه يصلي الفجر وملقتوش واسأله
اقتربت حسناء تقف بجوارها تنتظر رده على أحر من الجمر… لحظات ورد بالتحية بصوته الهادئ، هتفت هند بالتحية وسألته بطريقة طبيعية :
بابا أنا نزلت عشان اصحيك تصلي الفجر..
قاطعها باقتصار:
أنا سافرت يا هند، مردتش اصحيكم لاني ماشي متأخر
أنصتت هند إلى أصوات السيارات بجانبه دليلاً على أنه مازال في الطريق :
طيب هو حضرتك مسافر فين ؟؟!
: لو خلصت قبل الأسبوع هكون عندكم بإذن الله، متقلقوش لو تلفوني اتقفل يمكن مفيش شبكة
كادت أن تسأله مجددًا فقال بحزم قبل أن يغلق :
في رعاية الله
ألقت الهاتف على الفراش بخيبة أمل، وجلست مع الأخرى يخمن الواجهة الخفية إلى أن مر الوقت وسطعت الشمس تنير ظلام الليل…
؛*********
ركض بين ممرات المشفى بسرعة غير مصدق أنها بالفعل وضعت طفلهما.. طرق الباب ودخل دون أن ينتظر، اقترب من فراشها متسائلاً بقلق واضح :
في ايه !! ايه اللي حصل ؟!
ضحكت والدة نيره وهي تجيبه بمزاح:
دا البيه قرر يشرف في انصاص الليالي ويخضنا كلنا
عقب والد نيره بسعادة :
يتربى في عزك يابني وعقبال ما تخوه
ابتسم بعدم تصديق وهو ينظر إلى نيره الشبه نائمة .. طبع قبلة على جبينها ورتب على يدها مردد بشكر الله على سلامتهم، ثم دار يسألهم بلهفة :
طيب هو فين ؟!
: الدكتورة قالت هيستنى شوية في الحضانة لحد نفسه ما يستقر
أومأ بتفهم ونهض كي يخرج للاطمئنان على صحة مولوده، فوقف أخو نيره يسأله بفضول :
ايه يا عم أنت هتمشي من غير ما تقولنا هتسمي ايه؟؟؟
نظر سالم إلى نيره وتذكر أول اسم اختارته معه عندما تزوجا وها هو أصبح الحلم حقيقة في يوم ما بعد خمس سنوات من الانتظار :
” سليم ”
جاء جابر وزينب وبصحبتهم سعادة تتراقص على وجوههم، احتضنت زينب نيره بحفاوة وهي تمسح دموع الفرحة … انتظروا مجيء سالم بالصغير بلهفة طاغية، حينها بدأت نيره تستعيد عافيتها مع دخول الممرضة ويتبعها سالم وهو يحمل طفلهما بين أحضانه، أبتسم إليها وبرفق وضعه بين يديها ثم جلس بجوارها وحاوطها بذراعه،
: هي اللمة دي مش غلط عليه ؟؟
أول شيء تسألت به بصوت منخفض بعض الشيء، ضحكت الممرضة قائلة بهدوء :
لا متقلقيش كده علشان هتتعبي بالطريقة دي، ما شاء الله الدكتورة كشفت عليه ووزنه كويس وتقدروا تخدوه معاكم وانتو مروحين
ردد سالم يسألها بتأكيد وهو ينظر إلى نيره :
ونيره تقدر تطلع أمته ؟؟
: هتستنوا معانا ساعتين كمان وبعدها تمشوا
نهضت والدة نيره تأخذ الطفل كي تعطيه إلى جابر الذي ينظر إليه من بعيد باشتياق، أوقفتها نيره وهي تهمس بضيق طفيف :
معلش يا ماما اغسلي ايدك قبل ما تشليه الأطفال في السن ده مناعتهم ضعيفة
عم الصمت في الغرفة فوضحت ضحكة سالم الخافتة، صدق ظنه في تصرفاتها وبدأ هاجس القلق المبالغ به، ابتسمت والدتها باقتضاب مردفه بمزاح :
عندك حق اصلي نسيت تربية العيال من بعدكم
تحدث جابر بحنو دون أن يتقرب من فراشها :
حمدلله على سلامتك يا بنتي ربنا يبارك فيه ويحميه، إن شاء الله أول ما تشدي حيلك هدبح للبلد كلها ومن كبيرها للصغير هيتغدا على شرف وصول الغالي
: تسلم يا عمي
همست بها بسعادة وهي تحدج طفلها، أشار جابر إلى سالم بأن يلحقه للخارج.. وقف قباله مغمغمًا بعاطفة:
مبروك يا بني ربنا يباركلكم فيه وتخاوه بإذن الله
رفع سالم بظه يمسك كف جابر يقبله :
في حياتك ياحاج
واسترسل يسأله بشك لخروجه:
أنت رايح فين ؟!
ردد جابر بهدوء كي لا يعتقد سالم أنه غضب من تصرف نيره فالأهم بالنسبة إليه وهو استقرار أسرتهم بمجيء حفيده :
عمك سالم كلمني الصبح وقالي أنه سافر وهيغيب أسبوع، هاروح البيت عنده ابلغهم لو محتاجين حاجه وأشوف لو يعرفوا هو سافر فين فجأة كده
هز سالم رأسه بتفهم فاستكمل جابر بتذكر:
صحيح خلود جايه في الطريق مع مي وربيع لما يطمنوا على نيره بلغ أمك ترجع معاهم وتحضر الزيارة تخدها قبل ما تروح بيت أهل مراتك كفايا دخلين وادينا فاضيه
ما أن انتهى من جملته وجد عبده وسالم يقتربان منهما، تركهم جابر وغادر المشفى متجه إلى منزل أخيه وهو يجري اتصالا بربيع كي يطلب منه أن يوفر ذبيحة تليق به، تجهز عند عودة المعلم سالم ليقيم احتفالا كبير بحفيده.
؛**************
في منزل التعساء وما يلقب بسرايا عزب المهجورة، صاح عمر بحنق للمرة الثالثة مناديًا على سيف من الطابق الأرضي… لم يجد رد فصعد الدرج مبرطم بتبرم فقد تأخر على استلام الوردية ولا يريد أن يرحل قبل أن يتأكد من استيقاظه ليعطي هاديه علاجها بعد ربع ساعة :
: أنت مش بترد ليه!!
توقف في منتصف الدرج متسائلاً بحده عندما رآه يخرج من غرفته.. رد سيف بارتباك:
مكنتش سامع
لفت نظر عمر شئ ما يمسكه سيف خلف ظهره وتوتره الملحوظ لتفاجأه به أمامه، تسأل بشك :
مالك متوتر كده ليه؟! أنت كنت بتعمل ايه
واستطرد بريبه :
ايه اللي وراك ومخبيه !!
لم يعطيه فرصة للإجابة وانتشل يده من خلفه بقوة، اعتقد أنه عاد لأفعاله الخبيثة أو أنه يدبر إليه مكيدة .. لكن ما لم يتوقعه حتى أنه كاد أن لا يصدق عينيه :
مصليه!!
تلجلج سيف وهو يتمتم باضطراب :
بتبصلي كده ليه، مش من حقي أصلي ولا إيه!
حرك عمر رأسه بالنفي مردفًا بذهول :
سيف وصلاة!! لو كنت فضلت تحلف من غير ما أشوف بعيني عمري ما كنت صدقت
لوى سيف جانب فمه بسخرية لاستخفاف عمر بندمه على ماضيه، وذلك يبرهن على أن وجوده غير مرحب به لكن لأنه مجبر فقط .. أخذ سيف سجادة الصلاة منه وتمتم بفتور :
يهدي من يشاء يا عمر
توسعت مقلتي عمر بتعجب غير مستوعب ما سمعه للتو:
لا أنا في حلم يإما دي خدعة جديدة من عيلة عزب وفي خازوق هيطلع من نفوخي قريب
لمعت عين سيف وهو يهمس بكسرة وخذلان :
مش عايز أموت لوحدي زي عز، انتهى وكأنه مكنش موجود، شوفت نظرة الراحة في عيون الناس بعد موته وكأنهم كانوا مستنين اليوم ده بفارغ الصبر، مش عايز أموت وحيد ولا نهايتي أقتل نفسي زي ابويا
بلع غصته مستكملاً بتلعثم :
خايف ألاقي نفسي غرقان في دمي وأنا مش مستعد
رمش عمر بأهدابه بدهشة ثم صعد الدرجة الفاصلة بينهما، وضع يده يتحسس جبينه باستفهام:
مش سخن يعني دي مش هلاوس
مسح سيف دموعه بعنف وهو يزيح يده بحنق .. فاقترب منه عمر وأدام النظر على تعابيره مردد بتحذير :
عارف لو بعد دمعتي ما كانت هتفر من عيني طلعت كذاب هعمل فيك ايه
ضيق سيف عينه بشك فقال عمر بوعيد وهو يرسم ملامح الشر على وجهه :
هدعي عليك ساعة صلاة الفجر
هز سيف رأسه بتهكم ومر بجانبه يهبط الدرج مرددًا بسخرية:
هاديه لو كانت سمعت تهديدك كانت اتشلت فوق شلالها مرتين أنك ابنها
اتبعه عمر ورد عليه وهو يرفع كتفيه بحيره :
معرفش أنا وأماني وقعنا وسطيكم ازاي
اتجه إلى الباب مستعد للرحيل مسترسل بضجر :
بلاش اجي على المكرونه المعجنه بتاعت امبارح انا بقف طول النهار على رجلي وعايز أكل زي الناس
حدجه سيف شزرًا وهو يدخل للمطبخ يجهز شطائر للأطفال ووجبة صغيرة إلى هاديه… يستمتع كثيرًا أثناء وقوفه في المطبخ وخلفه لوجينا ويزيد وزياد ينتظروا أن ينتهي من صنع طبق البيض الذي لا يتقن غيره، بينما يجرب باقي الوصفات بـ عمر .. في البداية رفضت هاديه أن تستجيب معه في أخذ العلاج، وذلك دفعه للتحدث معها مرارًا على التأقلم على وجوده دائمًا والا ستموت من قلة الطعام لأنه مكث معهم وتكفل بهم في غياب عمر.
؛************
تفحص الأوراق ووضعها في حقيبته الجلدية، ارتشف من قهوته السريعة وأخذ هاتفه .. خرج من غرفته مغمغم بعجلة :
أنا ماشي يا بابا متنساش علاجك
نهض إبراهيم مشيرًا إليه بالانتظار:
استنى عايزك في كلمتين
نظر يونس في ساعة يده مرددًا باقتصار :
مينفعش لما أرجع المدير منبه على كله يحضر قبل الاجتماع
: يا سيدي مش هعطلك دقيقتين
اقتضبت ملامحه بضجر وهو يجلس على المقعد بملل .. مقابل له جلس وهو يقول باستسلام :
بقالي يومين بفكر ومكنتش عايز اجي عليك أو أكون ظلمك
عقد يونس جبينه باستفهام وسأله بعدم فهم :
مش فاهمك يا بابا ؟؟
بنبرة حنونة أردف وهو يرمقه بعاطفة :
لو عايز تستقر في البلد عند اخوالك أنا مش ممانع، بس مش هقدر أقعد هنا من غيرك علشان كده فكرت لو نبيع الشقة هنا ونرجع البلد سوا وامري لله
حدق يونس به بثبات ومن ثمّ سأله باستغراب بادً :
وأنت ايه فكرك أصلا بالموضوع ده يابابا ؟؟! غريبة أنك من شهرين مجبتش سيرة غير دلوقتي !!
واستطرد متسائلاً بعدم اقتناع :
وبعدين ما أنا اقترحت عليك نرجع ورفضت اشمعنا دلوقتي بتقولي كده ؟!
استمر إبراهيم في عاطفته المبالغ بها من وجهة نظر يونس، وهتف بلامبالاة :
عادي كنت بفكر في راحتك
ابتسم يونس بهدوء متمتم بلؤم :
لا دا مجرد كلام تحصيل حاصل، أصلي شوفت معاملة اخوالي ليك لما روحت هناك فطبيعي لما أقول إني عايز اعيش معاكم يرفضوا وجود أبويا، تيجي أنت بقا وتقول شوفت أهم ظهروا على حقيقتهم وعايزن يفرقوا بينا وأكيد مش هسمح لحد يهينك وأنا عايش على وش الأرض فكون وقعت معاهم وكرهتهم وتضمن إني أفضل بعيد عنهم طول العمر
انتفض إبراهيم من جلسته وصاح بانفعال :
ايه الهبل ده أنا غلطان اني بفكر فيك من أصله
أخذ يونس حقيبته والتفت مغادرًا مردد بدهاء :
لو كلامي غلط مكنتش اتعصبت كده يا ابراهيم ياخولي
ضغط ابراهيم على فكه بغيظ من مكر ابنه الذي ورثه من عائلة والدته .. ربما استهان من ذكائه أكثر من اللازم، كان عليه الانتظار ليمهد الأمر أولاً ثم يقترح عليه فكرة رحاب التي انتهت قبل أن تبدأ.. الآن علم نواياه ولن يسمح بمبتغاه أن يحدث،
وبما أن جابر اتصل بيونس يعتذر منه، ووضح أن الماضي ربما انتهى ولكن لن يستطيعوا نسيان ما فعله إبراهيم ويتقبلوا وجوده بسلاسة.. العمر مضى ولكن أثر الجروح لن تمحيه الأيام، احترم يونس كلامه وتقبل اعتذاره وهذا ما قاله إلى إبراهيم الذي قرر اللجوء لرحاب كي يفسد اي صلة بينهم عله يرتاح قليلاً إذا لم يعد يختلط بهم،
؛***************
: صباح الخير
قالها موسى مصافحًا عمه صفوت برسمية كما اعتاد منه .. تركتهما كوثر على إنفراد ودخلت مع عليا إلى الصالون الثاني، لا تريد أن تشعر عليا بالضيق من نظراته المقتضبة المعلقة عليها منذ دخوله للمنزل،
: ولدتي قالتلي حضرتك عايز تتكلم معايا
هز صفوت رأسه وأردف بجمود :
قولت قبل ما تمشي لشغلك أعرفك نتكلم
أنصت موسى إليه بعدم ارتياح وهو يسترسل حديثه:
عدى اكتر من شهرين على قراية فتحتك ومحصلش تعارف بينا وبين أهل خطيبتك، كلم والدها وخد معاد هنروح زيارة ليهم تتعرف علينا ونتعرف عليها
سأله موسى بتوجس متمنياً أن يخيب ظنه :
مين يروح ؟؟؟
انكمش بين حاجبي عمه من سؤاله الغريب وقال بتلقائية:
هيكون مين غيري واعمامك
تماسك موسى وهو يهتف بشك :
وطبعاً كل واحد بأسرته
ضيق صفوت عينيه وسأله باقتضاب :
ودي فيها حاجه بالنسبالك ؟؟
بالنسبة إليه لا يهتم بتلك المظاهر فهي زيارة طبيعية بل كان من المفترض أن تحدث قبل إعلان خطبته .. ولكن لن تكون طبيعية أبدًا بالنسبة إلى من تقلق من نظرات الجميع إليها، خلال الفترة القصيرة التي مضت بينهما كل أسئلتها موجهة إلى كيفية تقبل كوثر لوجودها، وماذا كانت ردة فعل أعمامه عندما علموا بأنها مطلقة، دائمًا تتوتر من الحديث معه وكأنها لازالت تجاهد نفسها في الاستمرار بتلك العلاقة .. يدرك كل هذا ويقابله بصدر رحب متأكد ثقتها به ستمحي كل ما يدور في عقلها، لكن هذه الخطوة لم تكون في الحسبان الآن!!
: سكوتك ملوش غير معنى واحد
آفاق من شروده على لهجة صفوت المحتدمة، كاد أن يشرح إليه فقاطعه بصرامة وهو ينهض مغلق مجال الحديث :
سواء موافق أو رافض دي أصول يابن أخويا، هستنى منك مكالمة بالمعاد علشان أبلغ اعمامك
أومأ موسى بهدوء ونهض يتبعه للخارج على مضضٍ، ليس لديه خيار الاعتراض من الأساس ومن الواضح أن عمه أخذ القرار … زفر بحنق وهو يعد الأفراد التي ستصدم هند بحضورهم، ربما ستصاب بحالة هلع من نظرات زوجات أعمامه وبناتهم ؟؟!
أو سترفض الخروج لمقابلتهم وتضعه في ورطة مع أعمامه ؟؟!
اتجه إلى سيارته متجه إلى مكتبه وحسم أمره في التحدث معها على الفور كي يأهلها لِما هو قادم!!!
؛*************
عانقته سميه بحفاوة مرحبة برؤيته :
تعالى أقعد معايا شوية
ابتسم يعقوب مردد باقتصار :
مرة تانيه
أخذت الحقيبة التي أرسلتها والدتها معه وقالت بعتاب :
كل مرة بتقول كده ومش بشوفك غير صدفه
: لا بجد لينا قعدة طويلة مع بعض علشان وحشتني
ودعته حتى لا يتأخر على المحجر وولجت للداخل تجلس مع ندى ومياده وسحر في هدوء وسكينة لغياب رحاب عن المنزل فلم تعود من زيارة أختها بعد … كان يمشي بشموخ ووقار يليق به، جلبابه البني الداكن أبرز بشرته القمحية، مع ذقنه المهندمة التي زادته وسامة، رفع عينيه البنيه المحاطة بأهداب كثيفة يتأمل شرفة طابقهم لإرضاء شوقه في ذكر طيفها على قلبه الذي وصل إلى هامة الاشتياق … تسمر محله عندما رآها تقف مستندة على باب الشرفة، عاقدة ذراعيها تحدق بالفراغ .. كأنها أشعة شمس ذهبية ساطعة في ظلام حالك، أو لؤلؤة لامعة برزت في سماءه المعتمة، لم يشعر بنفسه ومكث يروي ظمأ لوعته من هجر الحبيب.. رمقها بقلب يكمن بحناياه أسى أنبت على يد شغفها المتألق بداخله،
شعرت لوهلة أنها تتوهم وجوده، فنظرت دون تردد حيث أشار قلبها .. التقت الأعين لثوان توقف فيها الزمن، اختلج قلبها في محله وتسارعت دقاته يعلن تمرده على حجبها لوجوده، رأت قساوة وجفاء لم تجده في مقلتيه من قبل .. عتاب، لوم، اشتياق، حزن، مشاعره جمه انبعثت منهما كل طرف يحاسب الأخر، والأهم سطع الهوى المكنون بداخلهم وراء التماسك الزائف….
أنهى هو تأملهما وتحرك بعد أن أعطاها نظرة جمود وكأنه يثبت إليها عدم صحة مشاعره المنجرفة التي فاضت من عينيه .. ظلت تحدقه حتى اختفى أثره وهي تلوم نفسها على غفلتها للنظر إليه بتلك الطريقة، وكما أراد أن يبرهن إليها بأنه طوى صفحتها ودت هي أن تشعره بذلك أيضًا.
؛********** بقلم حسناء محمد سويلم
مرت ساعات النهار دون جديد، ذهبت صباح وناديه لزيارة نيره وتركوا نجاة مع الفتيات في المنزل .. لم يعلموا حتى وقتهم أين المعلم سالم وهذا ما جعل جابر يقلق لغيابه ويخبر عبده بأن عليهما التواصل معه بأي طريقة ليعرفوا لِما يخفي سفريته،
في الحادية عشر من أول ليلة تأتي في غيابه، جاء إتصال إلى مرتضى من الحارسين المسئولان عن البوابة الخارجية للمصنع جعله يهرع يبدل ثيابه ليذهب للكارثة المنتظرة ..
أصرت مها على إتباعه وهي تحاول فهم كيف تتدفق المياه من أسفل الأبواب الداخلية للمصنع كما علم للتو!! ..
كانت صدمة كبيرة على الواقع التي لم تتخيله، المياه تنجرف من أسفل الأبواب وملأت الساحة الخارجية الواسعة وفي طريقها لتنهمر من البوابات الرئيسية للشوارع… وكأن هناك من أوصل الخزانات وفتحها بداخل المصنع؟؟
ركض مرتضى يفتح البوابات وهو يصرخ على الحراس بأن يتصلوا بالعمال ليأتوا في الحال، وكذلك توجهت مها لتتصل بهند وتخبرها بالفاجعة التي حلت عليهم :
أنت كنت فين لما ده حصل ؟؟؟
التفت مرتضى يرمق مها باستغراب قائلاً باقتصار :
سالم هو اللي كان هنا بعد ما مشيت وروحت المحل
جالت مها بنظرها في الإرجاء مردده بعدم استيعاب :
سالم ايه !! المكن غرق والمخزن عايم في الميه
شعر مرتضى بأنها تلقي الاتهام عليه فاقتصر شجار ليس في محله قائلاً بكدر :
ابعدي دلوقتي خلينا نلحق اللي نلحقه
كل واحده لديها نسخة مفاتيح خاصة بالمكاتب والمخزن، فتقدمت تسير بين المياه التي بللت عباءتها تقريبًا إلى أول ركبتيها أو بقليل تفتح المكتب الموجود به الأوراق والمستندات المهمة… بينما توجه مرتضى يبحث عن سبب تلك المياه ليجد أن هناك من ترك صنبور بجوار المرحاض خاص بتعبئة مياه الشرب مفتوح وداخل الحوض قطعة قماش عرقلت مجرى سحب المياه للصرف،
حين ذلك جاءت هند وسالم جابر الذي استيقظ من نومه على رنين مرتضى … ومن ثمّ ولجت خيريه وباقي الفتيات مع عمهم جابر الذي فشل في إقناعهم بالانتظار بالمنزل :
ايه اللي حصل ؟؟؟ المايه دي جات منين !!
تسألت هند وهي تنظر حولها بفزع، لم يتمهل سالم وخلع جلبابه وركض بين الممرات إلى جهة الآلات والمعدات التي وصلت إليها المياه بالفعل .. خرجت مها وهي تحمل ملفات كثيرة وتصيح بانفعال لأي عامل موجود :
حد يفصل الكهربا بسرعة
ركض أحدهم ونفذ طلبها، فصرخت هند بصدمة :
فهموني ايه اللي بيحصل
ردت مها بحزن شديد :
المكن والمخزن غرقوا
ظهرت الصدمة على وجوههم وهم يتطلعوا إلى العمال التي تركض بسرعة هنا وهناك… افشت حالة من الهرج حولهم فقال جابر باقتضاب :
ارجعوا البيت دلوقتي ميصحش وقفتكم كده
رمقته هند بذهول مردده بلهجة صارمة :
مش هنمشي يا عمي غير نشوف صرفة في المصيبة دي
: ريس جابر نص العمال مش بيردوا ومحتاجين ناس تشيل معانا في المخازن قبل ما كل الشكاير تطولها مايه
حدقت هند بالعامل وسألته بأهمية :
مرتضى وسالم فين ؟؟!
: بيحاولوا يفكوا المكن قبل ما يبوظ من المايه
” بيحاولوا !! ” رددتها بحسرة ثم أخرجت هاتفها تنير به طريقها للداخل عن طريق الكشاف، بينما أردف جابر بقلة حيلة :
هكلم عزيز لو شغال وردية بليل يبعت العمال من المحجر
نظرت خيريه إلى أمل وقالت بتفكير :
هكلم عامر وأنتِ كلمي سفيان
أومأت أمل واسرعت تتصل بسفيان .. أشارت مروه إليهن بأن يشعلوا كشافات هواتفهم ويتبعوها للداخل بحذر كي لا تصاب إحداهن بمكروه خاصةً أن ارتداءهن للعباءات يعوق حركتهم وسط المياه ..
خلال ربع ساعة وبهمة بين الجميع بعد حضور عبده وأولاده، وأيضاً سفيان وعامر، كذلك لم يتأخر عزيز وأغلق المحاجر وجاء مع العمال وأولاده من بينهم يعقوب .. انقسموا نصفين مرتضى مع عامر وسفيان وبعض العمال يحاولون تجفيف الآلات والمعدات بكل الطرق وما يمكن فكه حتى يأتي المهندس، ويعقوب وإخوته وسالم وباقي العمال يخرجوا محتوى المخازن الذي وصل إليه المياه يتركوه في الساحة وما ينقذوه يحمل داخل سيارات النقل ليكون بعيد بالقدر الكافي عن تلك الجلبة،
نظرت هند إلى كم المخزون الذي يلقى في الساحة أمامهم متمته باضطراب :
ايه اللي فاضل في المخزن لما دا كله وصله مايه
عقبت مروه على حديثها بخشية :
قولي لو المكن مشتغلش تاني
في نفس الوقت دخل صبري وبصحبته معتصم الذي اقترب من بنات خاله بلهفة للاطمئنان عليهن .. تجاهل صبري نظرات عبده النارية وسألهم بتهكم :
والمعلم سالم فين ومصنعه بيغرق كده؟!
ثم رمق الفتيات واستطرد بسخط :
وانتوا ايه موقفكم كده في الوقت ده وسط الرجالة
انفجرت هند وصاحت بغضب جلي :
وقفين في ملكنا يا عمي صبري، بنشوف مالنا اللي في الأرض والمكن اللي بأُلفات والناس اللي المفروض تستلم وكل شحنتها غرقت
أبتسم عزيز بتشفي ومال هامسًا بجانب أذن صبري :
بتحط نفسك في مواقف بايخه يا عمده
حدجه صبري بحنق وكاد أن يرد عليه ولكنه استمع إلى عبده وهو يسأل سعد الذي خرج مع العمال من الداخل :
انتوا خلصتوا ؟؟!
مسح سعد وجه بتعب مرددًا بوهن :
كله هيطلع علشان هيشغلوا الكهربا وخايفين حاجه تنفجر
توسعت أعينهم بذعر أي انفجار يتحدث عنه !! ظهر مرتضى من بين العمال وطلب من الجميع بأن يخرجوا بعيدًا عن حدود المصنع لأنه سيعيد تشغيل الكهرباء .. هرعت مها من بينهم ووقفت حياله وهي تتمتم بخوف :
أنت هتعمل ايه ؟! وانفجار ايه اللي بتتكلموا عنه !!
: مش متأكد بس برده مش ضامن أن كل المكن مدخلش جواه مايه وممكن يحصل ماس كهربائي
رفعت مها حاجبيه من سلاسته وهو يخبرها باحتمال موته في اي لحظة، أمسكت معصمه وأردفت بحزم :
لا طبعاً مش هتشغل الكهربا وتموت قدام عيني
حينها عملت هند من سالم مقصدهم بالانفجار، فاقترح عامر بأن يغلقوا المصنع على ما هو عليه وينتظروا للصباح حتي يأتي المهندسون ويتفحصوا الآلات بنفسهم .. لم تأخذ هند وقت وقررت تنفيذ ذلك الاقتراح بدلاً من إزاء أحد الآن، فكل شئ يمكن تعويضه بعد تأمين حياة الجميع،
بدأ العمال في الانسحاب واحد تلو الآخر ولم يتبقى سوى عدد يحرس المصنع .. وسار عامر بجوار خيريه وسفيان خلفه مع أمل، وباقي الفتيات مع جابر وعبده وأولادهم، انسحب عزيز مع أولاده إلا يعقوب الذي وقف يشاهد حسناء وهي تمشي مع سعد ومن حين لآخر تلتفت إليه وكأنها تود أن تقول شئ …
: أنت ترمي على مرتضى ومرتضى يرمي عليك وفي الاخر دي النتيجة يا سالم
رددت هند جملتها بتجهم عندما رفض سالم جابر الاعتراف بخطئه .. هتف سالم يبرئ نفسه :
أنا لو كنت هناك فعلاً هقول إني نسيت أدور ورا العمال بس أنا أصلا من الصبح عند نيره
انكمشت قسمات وجهها وهدرت بغيظ :
عذر أقبح من ذنب، يعني مروحتش أساساً وقولت مرتضى هناك في نفس الوقت اللي مرتضى فكرك موجود وأنتوا الاتنين مش فارق معاكم غير مين يطلع مش غلطان
صاح عبده بنفاذ صبر من نبرتهم المرتفعة :
بس أنت وهي الناس هتصحى على صوتكم وانتو بتتخانقوا
تطلعت مروه إلى عمها وقالت بسخرية :
أنا مش فاهمه هي الناس اللي عاملين حسابها دي هتعوضنا عن اللي حصل
عندما اقتربوا من المنزل وجدوا أمهاتهم تقف على الباب الحديدي بقلق وخوف .. دخلوا الفتيات يقصوا إليهن ما حدث، وانتظر خيريه تودع عامر بامتنان :
شكرًا يا عامر تعبتك معانا
قطب جبينه باستغراب وردد برفق :
ايه شكرًا دي هو في بينا كده، أن شاء الله الصبح هعدي عليكي لو أحتاجتوا حاجه قبل ما اروح المصنع أتابع مع مرتضى
ابتسمت بهدوء ودخلت مع أمل، انتظر حتى أغلقوا الباب الحديدي وغادر إلى منزله فقد تخطت الساعة الثالثة وعليه أن يحظى بالراحة كي ينفذ وعده ويأتي إليها في الصباح الباكر…
؛******
ليلة عصيبة لم تكن في الحسبان أبدًا .. حاولت صباح أن تتصل بالمعلم سالم ليعود من سفره على ذلك الخبر المفجع، لكن هاتفه المغلق قطع سبل التواصل بينهم،
بدلت هند ثيابها وجلست على الفراش تفكر، حاولت أن تغمض عينيها للاسترخاء فلن تجد حل بهذا الوضع … بزغ نهار يوم جديد وهي تمكث مكانها دون أن تخلد للنوم، وما أن استمعت إلى اتصال مها نهضت تبدل ملابسها بسرعة وخرجت متجه للمصنع، فقد أوشك المهندس على الوصول،
؛؛؛؛؛؛
العاشرة صباحًا
اجتمعوا الفتيات في بهو المنزل منتظرين عودة هند ومها، وضعت أمل طبق كعك بينهم بناءً على أمر ناديه لأنهم رفضوا أن يتناولوا الإفطار:
مش كنا رحنا معها أحسن من قعدتنا دي
ردت مروه على رحمه بشرود :
هند قالت ملوش لازمه نروح لأن المهندس هيستنى ويفحص كله تاني
واسترسلت دون أن تعي ما تتفوه به :
والشباب كلهم هناك مع مرتضى وسفيان وعامر ويونس يعني وقفتنا زي قلتها
” يونس !! ” رددت حسناء اسمه باستغراب، فسألتها خيريه بدهشة :
يونس عرف منين باللي حصل ؟؟ لحق يعرف أصلا!!
ارتبكت مروه وهو تمتم بتلجلج من نظراتهن :
عرف مني، كنت فاتحه واتس بعد ما صليت الفجر وهو كل فترة يكلمني يسأل علينا عادي يعني
لوت رحمه جانب شفتيها مردفه بخبث :
واشمعنا بيطمن علينا منك ودي صدفه إنك تحكليه كمان
: هو سألني عاملين ايه وكده ومن زعلي حكيت معرفش بقا أنه هيجي غير لما اتصل بيا وهو في المصنع مع هند
تحدثت حسناء بإعجاب :
فيه الخير أنه لسا بيود بعد أخر مره كان هنا
لفت انتباه أمل ظل شخص يقف خلف الأشجار الفاصلة بين حديقة البهو وممر المنزل، فأشارت بيدها دون أن تصدر صوت … نظروا إلى ما تشير إليه بتعجب، نهضت مروه وذهبت لترى من تجرأ ودخل دون استئذان، ابتسمت مغمغمه باستياء عندما وجدت محمود يقف بوجه محتقن :
مش كبرت على الحركات دي يا محمود
سألها بلهجة محتدمة غير مكترث لسخريتها :
بتكلمي يونس ؟؟؟
: وأنت مالك أصلاً، ومين سمحلك تُدخل بالطريقة دي
أدام يحدجها دون أن يبدر منه ردة فعل، وفجأة قبض على معصمها وصاح بحنق وهو يهزها بعنف :
أنا جبت أخري منك ومن لسانك وصدقيني مش عايزك تزعلي يا مروه من اللي ممكن اعمله فيكي
ضحكت مروه باستهزاء، فقالت خيريه بضيق من أسلوبه الجريء معهن:
هو في ايه يا محمود أنت واعي لنفسك
ارتفعت نبرته وردد بسخط :
مش عايز اسمع صوت واحده فيكم
انتشلت مروه يدها من قبضته وردت عليه بامتعاض :
سبحان الله صوتك ده مش بنسمعه لما بابا يكون موجود والواحد مش بيشوفك غير في ركن بعيد
ضغط على فكه متمتم من بين أسنانه:
اياكي تتكلمي مع اللي اسمه يونس ده تاني ودا أخر انذار ليكي
في ذلك الوقت ولجت أمل تخبر أمهاتهم بما يحدث في البهو فهيئة محمود أثناء دخوله لا تبشر بالخير قط .. في الخارج صدح صوت صفعة قوية سقطت على وجه مروه لتكف عن كلماتها التي أثارت براكين غيرته المميتة بحبها، وضعت مروه يديها على وجهها تحتمي منه، فأمسكها محمود من مرفقها مغمغمًا بشراسة :
والله لو أخر ساعة في حياتي ما أنتِ متجوزة غيري
ركضت خيرية ورحمه يحاولن أبعاده عن مروه بكل قوتهم، بينما تسمرت حسناء محلها تحدق بأختها وهي تتحرك بهستيريا كي تخلص نفسها من يد محمود …
جالت بنظرها في البهو لم تجد سوى إبريق الشاي التي أتت بها أمل مع قطع الكعك قبل أن يفسد ذلك الأرعن جلستهن الهادئة بعد ليلتهم الشاقة،
امسكته دون تردد وسكبته فوقه وهي تقف خلفه مباشرة، ابتعدت خيريه وسحبت مروه ورحمه بعيدًا كي لا يتأذوا في حين خروج أمهاتهم من الداخل بفزع … لم يكن الشاي ساخن لدرجة تأذيه لكن كفيلة بإبعاده عن مروه، التفت يرمقها بأعين تطلق شرار، فأخذت الأخرى أنفسها بصعوبة ودارت تركض لخارج المنزل تفر خوفًا من أن يضربها مثلما فعل مع مروه !!!!
لحقها محمود للخارج وامسكها من يدها متعمد الضغط عليها بقوة :
ولما اكسرها عشان تحرمي ترفعيها تاني
تحاملت على ألم يدها وقالت بقرف :
وهو ده اللي تعرف تعمله في غياب بابا إنما لما يكون هناك بتكون زي اي كلب ملكش صوت
خارت قواها الزائفة وهو يشدد على لوىّ يدها بقوة أكثر، تأوهت بصوت مرتفع وانحدر الدمع من عينيها فتمتم محمود بضيق :
دي مش مروه بس اللي لسانها عايز قطعه يا حسناء
ركضت نجاة وصباح وناديه باتجاه، احتضنت نجاة ابنتها وهي تصيح بحرقه :
ونعم الأخ يا محمود
أضافت ناديه وهي تبعده عن حسناء التي دخلت في نوبة بكاء مرير :
هي دي الأمانة اللي عمك سايبها روح منك لله يا شيخ
لم تتكلم صباح واخذتهم للداخل وأغلقت الباب جيدًا، نظرت إلى وجه مروه المتورم أثر صفعته وإلى حسناء وولجت للشقة تطلب من إحدى الفتيات :
كلموا هند ترجع وتقفل المصنع باللي فيه لحد أبوكم ما يجي بالسلامة
؛**********
في نفس التوقيت وقفت هند في منتصف ساحة المصنع وهدرت بوعيد قاس وهي تجول بعينيها بين العمال ومن بينهم مرتضى وسالم جابر :
أنا هراجع الكاميرات واللي كان السبب في خسارتنا دي سواء غصب عنه أو بقصد مش هيطلع منها وبحق الليلة اللي مرت علينا والمصنع اللي غرق ليكون عقابه كبير غير لما المعلم سالم يرجع ويتصرف معاه
تقدم المهندس منها مردفًا برسمية :
كده هنحتاج نعمل فحص تاني قبل تجربة التشغيل
سألته باقتصار :
بنسبة كام نقدر نقول في ضرر
: 20٪ لو نتيجة الفحص التاني طلعت نفسها
تركته يكمل عمله وذهبت إلى مكان هادئ ترد على اتصال موسى :
نفسي مره أرن عليكي وتردي من أول مرة يا هند
تمتمت باعتذار فقد تجاهلت اتصالاته أثناء انشغالها :
معلش يا موسى ظروفي ملغبطة
جاء صوته الغاضب وهو يقول :
ما علشان ظروفك دي يا هند بكلمك أنا بلبس وجاي وبدل ما كنت أعرف من عامر المفروض أعرف منك
لم تعلق على عتابه وغمغمت بجدية :
لا متجيش صدقني ملوش لزوم
ختم المكالمة بصرامة ولهجة لا تحتمل الحوار :
كنت بكلمك أسألك لو محتاجه حاجه قبل ما اتحرك
استسلمت لاصراره مردده بخفوت :
تيجي بالسلامة
أغلقت معه وأخبرت مرتضى بأنها ستعود للمنزل تطمئن والدتها وستتفقدهم عند انتهاء المهندس … رحبت بيونس وطلبت منه عدم الرحيل إلا بعد زيارتهم في المنزل،
ذهول طاغي على ملامحها المجمدة وهي تستمع إلى ما فعله محمود بأخواتها.. مروه تضع قطعة من الثلج على وجنتها، وحسناء تمسك يدها المنتفخة بألم :
بابا لازم يعرف دلوقتي
قالتها مها بانفعال ردت عليها أمل بقلة حيلة :
تلفونه مقفول
هدرت مروه وهي تلقي قطعة الثلج بانفعال :
أنا مش هسيب حقي ولو حصل ايه بيني وبين ابن رحاب
عقبت هند على حديثها وهي تجول بنظرها بين إخوتها الست :
حقنا قصدك مش هنسيب حقنا
تطلعت مروه إليهن بمكر واردفت تخبرهم كيف سينتقمون من محمود ليكون درس لا ينساه طيلة حياته هو ومن يفكر في التعدي على واحدة منهن حتى لو بكلمة ؟!!!!
؛***

؛**********
: من انهارده لأسبوع جاي اليومية الضعف واي حد يعرف شباب تقدر تيجي يبلغها سواء من البلد أو من بره
صاح مرتضى بين حشد العمال ثم أمرهم بسرعة التحرك، بينما ولج سالم جابر مع المهندسين الذين حضروا مع مجموعة كبيرة من عمال الصيانة .. في الساحة جلسوا الشباب يستريحوا قليلاً، طلب سالم عبده من أحد الصبية بأن يصنع إليهم شاي إلى أن ينتهي مرتضى من الحديث مع المهندس، هتف عامر يخمن بتفكير:
تقريباً هيفضلوا يجربوا انهارده وبكره في المكن
عقب سالم عبده عليه باستياء :
مظنش حاجه تشتغل الأسبوع ده، قطع الغيار اللي طلعت وعايزه تتبدل كتير
نظر يونس إلى الشكائر الملقاة في أخر الساحة متسائلاً:
وكل الأعلاف دي هيتعمل فيها ايه ؟؟؟
رد أحدهم بتلقائية:
المفروض تنفتح كلها ويشوفوا هتنفع ولا لا
أردف يعقوب بأسف :
ده اللي كان أول المخزن والمايه طالته كله، مفيش فيه حاجه تنفع على حد علمي، واللي نصه مطلش مايه طلعوه الناحية التانيه وفصلوه
ارتمى بجوارهم مرتضى وهو يتنهد بتعب، قدم سعد إليه كوب شاي فجاء أحد الصبية الواقفين على البوابة الرئيسية قائلاً بآلية:
ريس مرتضى في واحد اسمه موسى الأحمدي واقف بره
: دخله
رددها مرتضى وهو يرتشف من كوب الشاي وتسأل بحيره :
معقول ده كله والمعلم سالم معرفش ؟!!
هتف يعقوب بدهاء :
ومين قالك أنه معرفش، حماك مش بيتحرك غير وهو ليه عين في كل حته
هز سالم عبده رأسه بالنفي مغمغمًا بتفكير :
لا المرة دي مش زي اللي قبلها
دخل موسى وصافحهم واحد تلو الآخر ومن ثمّ سأل عن ما وصولوا إليه بعد أن علم بأن هند عادت للمنزل .. خرج سالم جابر مع المهندس يتحدث معه، وانضم إليهم مرحب بموسى وأردف باقتضاب :
البيه اشتغل كام ساعة وعايز يرتاح
عقد مرتضى جبينه باستغراب متسائلاً بعدم فهم:
هيروح فين ؟! ما كان حد فينا اخده وجهزنا ليه أكل ورجع يكمل لحد بليل
: مرداش، قال هيروح المسجد يصلي ولو شاف أنه يقدر يكمل هيجي يإما هيروح لحد قريبه يبات ويجي بكره
دوى صوت سعد الغاضب وهو يمسك عامل من تلابيب ثيابه يشتبك معه .. هرع سالم والباقية يفصلوا بينهما، عندما نجحوا في ذلك وبخ سالم أخوه بعنف :
شايف أن ده وقت تفاهتكم
أشار سعد على العامل وصاح بحنق :
سبني يا سالم أنت متعرفش بيقول ايه
نظر الشاب إليهم بخوف وردد بارتباك :
أنا مقولتش حاجه كلهم بيتكلموا، مليش دعوه
حدجه سالم جابر بحده متسائلاً بجمود :
بيتكلموا بيقولوا ايه؟؟
: في ناس شافوا الريس محمود بيجري ورا بنت المعلم الصغيرة ومسكها ضربها في الشارع
“حسناء” همس يعقوب باسمها بتوجس وصدمة طاغية!!
؛***
في نفس الوقت هبطت صباح ومعها ناديه يقفوا في وجه محمود الذي عاد بعد أن أبدل ثيابه، وقف بوقاحة يطلب رؤية مروه، وكأنها حق مكتسب بأسلوبه المتملك .. حدجته ناديه بغضب وقالت بحده:
بقا تمد ايدك على بنات عمك وأخواتك يا بجح
تجاهل محمود سابها وأردف بإصرار :
عايز اتكلم معاها كلمتين وهمشي يا مرات عمي
رفعت صباح حاجبيها باستغراب مغمغمه بضيق:
وأنت تتكلم معاها بمناسبة ايه، لا أنت أبوها ولا أخوها ولا جوزها
واسترسلت بتهديد :
والله يا محمود لو مامشيت لكون مكلمه عمك ومبلغاه بعمايلك
تهديدها ما هو إلا إنذار لا قيمة له بالنسبة إليها، فلم تتواصل مع عمه لأن هاتفه مغلق، لكن القلق الذي ظهر على وجهه محمود هو المطلوب إثباته كي لا يستهين بهن في غيابه .. في الأعلى ارتدت نجاة حجابها وقالت وهي تهبط عندما ارتفع صوت محمود :
أنا هنزل وانتو كلموا عمكم جابر يجي
وقفت مروه في النافذة تستمع إليه يوبخها مبرر فعلته، وأنها تحتاج إلى التأديب من جديد لِلسانها السليط !! شعرت بنيران ملتهبة تلتهمها من برودة أعصابه لجرأته في المجيء مرة ثانية، يوجه إليها الإهانة وكأنه يؤكد استخفافه بتماديه بقلة أدبه .. تفاقم غضبها وحسمت القرار في الثأر الآن :
ماشي أنا هعرفك مين محتاج يتربى
اعترضت أمل طريقها قائلة بخوف :
استني بس يا مروه مش ده اللي إحنا اتفقنا عليه، محمود لو مسكك المرة دي مش هنعرف نبعده عنك وهيشوط فينا كلنا اصبري لبكره ننفذ اللي خططناله
: بلا تخطيط بلا زفت دا ليه عين يجي تاني بعد اللي عمله وربنا ما أنا سيباه ابن رحاب
ابتعدت من أمامها وولجت إلى غرفة والدتها تبحث عن مبتغاها .. نظروا الفتيات إلى بعضهن لثوان لن يتركوا اختهن تواجه ذلك الأرعن وحدها، ولن يسمحوا إليه بأن يتخطى حدوده معهم بعد الآن،
وكأنها حرب ضد عدو واحد يريد أن يبطش بأحد أفراد المنزل، وزعت خيريه المقشات وأدوات التنظيف التي لديها يد خشبية متينة تساعدهم، وخرجت حسناء من المطبخ تمسك بخاخة ترج محتواها بقوة مردده بخبث:
من حظه ونصيبه ميستناش التخطيط اللي خططناه
؛؛؛؛
لسوء حظه الذي أرسله إليهن مجددًا لم يرحل بعد منتظر أن يرى مروه بإلحاح شديد .. كانوا يخططوا لشيء آخر يشفي غليلهم بالانتقام منه، ومن الواضح أنه على عجلة بإخراج وحوش بنات عمه، هو من أرغم الفراشات على التحول إلى نسور جارحة..
صمت محمود عندما وجد حسناء تتقدم إليه بانكسار، فدارت نجاة تأمرها بحزم :
ادخلي جوه ومحدش فيكم يطلع
هزت رأسها بهدوء وقالت وهي ترمق محمود :
هسأله سؤال واحد وهدخل
تطلع إليها بسخرية فسألته بجمود :
أنت كنت في وعيك باللي عملته ؟؟؟؟
: في وعي ولو مختفتيش من قدامي مش هتكون ايدك بس اللي انكسرت
تحولت تعابيرها المنكسرة وهي ترفع يدها تنثر محتوى البخاخة في عينيه مباشرةً :
يبقا تستاهلها
صرخ محمود متألمًا ووضع يده على وجهه، فرك عينيه بعنف وصرخاته تتعالى في الإرجاء بصخب .. توسعت مقلتي صباح مما تراه وسألت حسناء بصدمه :
أنتِ رشيتي ايه ؟!
: شوية شطة على شوية مايه يستهلوا عنيه
قالتها باستخفاف وصراخ محمود يزداد وهو يدور بانفعال، حنيها خرجوا الفتيات واستغلوا فرصة لن تعوض كي يتمكنوا منه .. أولاً أفسحوا المجال إلى مروه التي كانت أول ضربة تسقط على ضهره منها، ومن ثمّ انهالوا عليه بالضرب حتى ركع على ركبتيه وتكور يحمي نفسه من ضرباتهن، في البداية ودت صباح أن تمنعن فوعظتها نجاة بأن تتركهن يثأرن منه بطريقتهن وقالت بتشفي :
بنات إعاقة لا، عاهة لا، إصابة خطيرة برده لا، على خفيف وابوكم لما يرجع هيسويه
فُتحت البوابة الحديدية على مصرعها إثر دفع مرتضى والشباب عندما استمعوا إلى أصواتهن الغاضبة .. تجمدوا محلهم غير مستوعبين المشهد؟!!!! هم من جاؤوا للدفاع عنهن بقلق من تهور محمود، لكن الوضع ربما أختلف عما ظنوه .. أولهم كان مرتضى وجواره الثنائي سالم، تبعًا موسى ويعقوب وعامر وسفيان فقد قدموا ليطمئن كل واحدًا على حبيبته،
كان المشهد كالآتي محمود راكع يصرخ وهو يفرك عينيه والفتيات يتلفوا حوله كل واحدة تمسك عصا تثنى عليه بالضرب بعنف ظاهر في حركاتهم، توقفوا بغتةً عندما لاحظوا دخول الشباب، فظهر صوت محمود وهو يقول بغضب جلي دون أن ينهض أو يفتح عينيه :
وربي ما أنا سايبكم
مالت حسناء بجزعها تنظر إليه دون أن ترد وعندما حاول فتح عينيه نثرت من البخاخة على وجهه مردده بتبرم :
أنت لسا فيك حيل
هنا لم يتحمل وافترش الأرض من النار التي ألهبت وجهه، ضرب بيده الأرض غير متحمل الألم وهو يصيح بصوت جهوري .. ألقوا ما في أيديهن وبدأت كل واحدة تهندم حجابها وثيابها بهدوء، فهمس سفيان بخشية :
أنا خايف
أضاف يعقوب بعدم تصديق لِما فعلته صغيرته المشاكسة:
هي رشت ايه في وشه
لم يتحرك أحد سوى مرتضى الذي اقترب بضع خطوات وهو يرمق محمود بصدمه ثم التفت للشباب متسائلاً بذهول :
هما قالوا مين بيضرب مين ؟؟!
ظهرت صباح وهي توجه حديثها إلى سالم عبده :
معلش يا سالم حاولت مع البنات يسكتوا لما عمهم يجي ويتصرف مع أخوك لكن مردوش يسبوا حقهم
: ايه ده ؟؟ هو أنا اتأخرت!!!
التفوا جميعًا ليجدوا ساره تقف خلفهم تحدق بمحمود، نظرت للشباب مردده بهيام :
ايه الحيره الحلوة دي
أشارت على محمود مسترسلة بملل :
لو مكنش قدامي شغل كنت فضيت ليكم
تحركت هند تقف أمام المنزل وصاحت بغضب جلي :
بنات المعلم سالم مش ملطشة ولسا متخلقش اللي يفكر يجي على واحده فينا
رد عليها سالم عبده متسائلاً باستنكار :
واحنا اللي هنيجي عليكم يا هند ؟!
: أخوك عملها وخلاص يا سالم
هتفت مها بحنق ثم استكملت باقتضاب :
واهو أخد اللي فيه النصيب
بدأ محمود يحاول الوقوف وهو يهدر بغضب :
لو عملتي ايه مش هسبيك يا مروه لو حكمت هقلتلك
وعلى حين غرة فتح عينيه المكسوة بالاحمرار الشديد، ارتعبت حسناء من هيئة المخفية وقبل أن تبعد عنه قبض على رسغها بعنف ولقربها منه لويٌ يدها خلف ظهرها.. صرخوا الفتيات بزعر واستعدا للهجوم عليه مرة أخرى، لكن يد يعقوب كانت الأسرع وقبض على تلابيب ثيابه يسحبه منها، كادت أن تقع حسناء أرضًا لتمسك محمود بها، اسندها بيده الأخرى ينتشلها من يده وسدد ضربة قوية برأسه في وجه محمود ثم دفعه لسالم ومرتضى يكملوا الحفلة التي أقيمت على شرفه…
لم يتدخل سالم عبده في الدفاع عن أخيه وظل يقف يحدق به وهو ينال ضربًا مبرح من مرتضى وسالم جابر، ولو لم يرى تكفلهما به لتدخل وساعدهم .. ركضت نجاة تعانق حسناء بخوف وهي تراقب صباح تحاول فصل محمود عن الشباب فقد سكن الأرض بلا حركة، لجئت إلى سفيان وعامر ويونس بأن يدفعوا سالم ومرتضى بعيدًا عنه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة:
بس هتموتوا بعض
قالتها بحسرة ثم تقدمت إلى سالم عبده :
خُد أخوك وامشي قبل ما حد يموت التاني يا سالم
نظر إليها بجمود ودار يغادر البهو دون أن يلتفت إلى أخيه.. شدد عامر على ذراع سالم جابر وموسى يقف أمامه مرددًا بضجر :
يابني خلاص مفهوش نفس
: أتأكد أنه مات الأول
تحرك يعقوب باتجاه محمود ومال يتفحصه لثوان، ومن ثمّ حمله فوق كتفه وخرج به إلى منزل عبده الذي صعق عندما رأى ابنه يلقى أمامه غارق في دمائه ..
شهقت ساره بإعجاب متمته بانبهار :
شاله اوبح ولا كأنه شوال قطن
حدجتها حسناء بحنق فقالت ساره بلؤم :
لو يلزمك اشيل ايدي منه
لو أن نجاة ذهبت مع ناديه وصباح تهدأ مرتضى وسالم، لكانت ردت عليها وجعلتها تفهم ما إن كان يخصها أم لا .. ولج يعقوب وهو يشير إلى سالم بحنق:
روح لعمك عبده لأنه جاي ورايا
أدرك سالم أن عمه سيأتي يحدث ضجة كبيرة قبل أن يفهم ما فعله محمود، وربما يصدر منه رد فعل غير حكيم لبنات عمه وهو منفعل .. هندم ثيابه وخرج متجه إلى عبده بعجلة، قدمت مها كوب ماء إلى مرتضى يغسل يده من الدماء بعد أن رفض الدخول للمرحاض لاعتقاده أن محمود سيعود،
وكأنه متغيب في عالم آخر لا يوجد سواها به، لفت انتباهه المضادة التي الملفوفة حول يدها … فصل الخطوات بينهما وأمسك معصمها برفق يتفحصه تحت نظراتها المندهشة، ابتلعت حسناء لعابها بتوتر وقد اعتقل لسانها عن الحديث، أرادت أن تسحب يدها برفق من كفه فشدد عليها متسائلاً بأهمية :
بتوجعك ؟؟!
لم تجيبه واخفضت رأسها باستحياء، لم تنتبه نجاة لشيء غير الاطمئنان على ابنتها فهتفت بقلق :
لازم تروح المستشفى وتعمل أشعة
ابتسمت صباح بلطف وسحبت يد حسناء منه فلا يصح أن يتحدث معها من الأساس ولا يجوز لمسها، ولكنها تفهمت موقفه من نظراته الشغوفة اتجاه صغيرتهم ويتوجب عليها ارشاده بأسلوب محنك ، قالت بامتنان وهي تقف قباله :
تشكر يا يعقوب، مرتضى هياخدها ويطمن عليها
تسأل مرتضى باستغراب:
بس أنا عايز أعرف ليه عمل كده ؟؟!
: كان بيضرب مروه ومش عارفين نبعده عنها فدلقت براد الشاي فوقه
توسعت أعين مرتضى بصدمة، وتطلع يونس إلى مروه بذهول !! فأخفضت رأسها بحرج ثم ولجت للداخل، كاد أن يذهب مرتضى إلى منزل عبده هو الآخر فأمسكته صباح مردده بقلق :
رايح فين مش قولت هتاخد حسناء للمستشفى
لم يستمع إلى حديثها وحاول المغادرة، اعترض يعقوب طريقه مغمغمًا بحكمة :
كفايا اللي هو فيه سيبه لما يفوق ويبقا يتظبط تاني
واستكمل باقتصار :
روح أنت المستشفى وأنا هرجع المصنع مع سعد لحد ما ترجع
أشار مرتضى إلى حسناء بأن تلحقه مع مها لحين مجيئه بالسيارة، فقال عامر إلى يعقوب وهو ينظر إلى خيريه:
١٠ دقائق وهحصلك
رمقه بتهكم فنظر عامر إلى سفيان :
روح يا سفيان معاه
: ٥ دقايق وهحصله
رددها سفيان وهو يتجه إلى أمل، فتطلع عامر إلى موسى الذي أردف باستهجان :
هي جات عليا يعني
عقد يعقوب ذراعيه يتأملهم بسخرية فهتف عامر بتودد :
ربع ساعة وهنحصلك كلنا
وقف كل منهم مع رفيقته، ودخلت ناديه ونجاة بينما رحلت صباح لمنزل عبده علها تطمئن برحيل سالم جابر من هناك، لم تترك ساره المجال إلى يونس باللحاق بيعقوب ووقفت معه تسأله عن صلة القرابة وتتعرف عليه … أدام يتفحصها بثبات دون أن يتفوه فقالت بخجل :
سيفان متبصليش كده
رمش بأهدابه متمتم بذهول طاغي :
أنتِ أمل!!! لا مش مصدق عيني بجد
ضحكت بخفة وقالت ببراءة :
لا متقلقش أنا الاتنين
على الجهة الأخرى هتف عامر بإعجاب :
لا بس ايه مسكة المشقة القمر دي
أخفت بسمتها مردده بزهو :
اومال لو شوفت مسكة السكنية بقا
: ربنا يكفينا شركم
بجوارهم مال موسى يقلص المسافة بينهما مغمغمًا يغازلها:
بقا المهلبية يطلع منها كل ده
انكمش بين حاجبيها مردفه بكدر :
بقولك ايه مش فايقه لروقانك خالص يا موسى
: لا أنا مبهور
رددها بتفاخر متجاهل ضيقها، زفرت هند بملل من عدم استياءه ثم همست بسأم :
ولسا هبهرك
أومأ مؤكدًا وهو يتأمل وجهها بحب :
أنا انبهرت والل كان كان
أبعدت وجهها للجهة الأخرى تنظر إلى إخوتها هامسه بفتور:
وأنا نفسي اعيط
رمقها بجدية متسائلاً بدهشة :
ولما تعيطي هتنحل ؟! لو هترتاحي عيطي بس دموعك غاليه عندي ومفيش حاجه تستاهل زعلك
ضحكت بخفة مردده بتهكم :
كلامك حلو يا موسى بس مش هيغير الواقع
: مش عايز أغير الواقع، عايز اعيشه معاكي بحلوه ومُره
لن تحتاج إلى التصنع لجلب انبهار شخص يحبك، ستشعر بأنك مثالي لا بديل لك في عينه، سترى كم أنت جميل في مرآة غرامه، لن تعاني في صحبته المؤنسة وتحل عليك الرحابة برفقته … خجلت من أن تنظر إليه وهي تشعر به يحدجها بثبات، سألته بنبرة منخفضة متعجبة :
ليه شايفني كده؟؟! فيا ايه زيادة ولا مختلف!!
ابتسم ورد عليها بعاطفة بالغة في لهجته :
في مقولة قريتها مرة من زمان بتقول ” إننا حلوين في نظر اللي بيحبونا، وكل واحد بيشوفنا على قد الحب اللي شايله لينا ” تخيلي بقا انا شايفك ازاي بـ حبك اللي معشش جوه قلبي
تهدجت أنفاسها من حديثه الذي اذاب جليد مشاعرها، ارتكبت بشكل ملحوظ وكي تهرب من قيود الغرام وحصار كلماته المعسولة هتفت بتلجلج :
بفكر أقفل المصنع باللي فيه لحد ما بابا يرجع، مش قادرة أوصل لحل غير أني اعتذر لكل الناس اللي مفروض تكون استلمت
احترم إرادتها في تغير مجرى الحديث بينهما فلا يريد أن يضغط عليها، يكفيه أن يُظهر حبه بكل الطرق المتاحة معها متأكد أن اليوم الموعود سيأتي قريبًا :
طيب ما تعملي كده
: خايفه المكن يبوظ لو استنى من غير ما يتفحص
هز رأسه بهدوء وسألها مستفسرًا:
قصدك ممكن يتلحق بضرر أقل دلوقتي
حركت رأسها بحيره فاستكمل مقترح فكرته:
بسيطة اعتذري وأخري استلام الشحنات وركزي على تصليح الآلات والعدة كلها
زفرت بقلة حيلة وتمتمت بتذمر :
معنديش طاقة، أنا محتاجه بابا
ضحك بخفة على هيئتها الطفولية في التذمر والتي تتناقض تمامًا مع تلك المرأة القوية التي كانت تقف بشموخ وشراسة منذ قليل :
متقلقيش أنا جنبك لحد ما يرجع
واسترسل بلطف :
وكمان ما شاء الله سيفان وعامر ويعقوب غير ولاد عمك ومرتضى كل دول موجودين حواليكم
صاح عامر يناديه بملل لعدم رده، فاستأذن منها وغادر معهم للمصنع .. ثم ولجت هند تتصل بمها للاطمئنان على حسناء لحين تبديل خيريه ومروه ثيابهم ليذهبوا للمصنع،
لم تمل نجاة في محاولات مهاتفة المعلم سالم الذي ارسل رسالة نصية قصيرة يطمئنهم على أحواله لعدم قدرته على الاتصال عليهن لسوء شبكة الاتصال في المكان الموجود به ….
؛*********** بقلم حسناء محمد سويلم
بعد صلاة المغرب اندفع عبده لمنزل جابر وهو يهدر بحنق:
لا وصباح جايه في وسط داري تهددني وابنك داخل زي الطور الهايج
رد جابر عليه بنبرة مرتفعة مماثلة :
ابنك غلطان من ساسه لراسه ويستاهل يا عبده، وعلى فكره أنا لو كنت موجود محدش كان ضربه غيري مش ابني بس وانت غلطان علشان ساكتله
قطم شفتيه بقهر من تصرفات المعتوه ابنه وغمغم بكدر:
ولا سكت ولا زفت معرفش هو راح فين داهيه، اتنيل راح المستشفى وبعدها مرجعش
واستطرد بحده :
وبعدين هو وانا جايلك تقطمني بكلامك
هز جابر رأسه باستياء قائلاً بتوجس من القادم :
ده كلام إنما لما أخوك يرجع متلومش حد
انتفض من جلسته يصيح بامتعاض:
جابر أنا مش ناقص، يكفي البت اللي اسمها ساره ماشيه في البلد للي رايح واللي جاي تحكيله ابني انضرب من بنات عمه ازاي، وشي بقا في الأرض والراجل اللي عندي اتعلم عليه من حريم
بفخر وزهو على تعابير وجهه، عقب جابر بكبرياء:
بنات بمية راجل
: لا دا أنت عايز تشلني
رددها عبده بغيظ فأردف جابر بجمود:
هو مش محمود اتخانق مع خليل قبل خطوبة سمر عشان قال كلمة ضايقتها ؟! زعلان ليه ما اللي ترضاه على بنتك أرضاه على بنات أخوك !!
ارتفعت نبرته متمتم بسخط :
يبقا لما سالم يرجع يعمل اللي عايزه فيه وأنا مقدرش أتكلم لأنه يستاهل بس بناته ميضربوش ابني ويكون نكته في وسط البلد، مش ابن المعلم عبده اللي يكون مسخرة البلد يا جـابر
: أهو بقا وخلصنا وهيتكمل عليه لما عمه يرجع
حدجه بضيق ودار يرحل فأوقفه جابر وهو يهتف باقتضاب :
يستحسن تراضي مروه وحسناء قبل سالم ما يرجع يمكن يخف عنه بدل ما مسخرة البلد تكون هو بحق وحقيقي
؛*************
ضربت على صدرها بهلع مردده بعدم تصديق:
يانصبتي ضرب بنات عمه !!!
أكد معتصم الحديث المتداول بين الأهالي بفضل ساره :
بيقولوا وشه مفهوش حته سليمه من اللي عملوه فيه
عقب صبري باستهجان وهو يحتسي كوب العصير ببرود:
أهو كلام وهما يقدروا على راجل
ابتسم معتصم بتشفي وقال بشماتة :
اتلموا عليه بعصيان خالي، أنا شوفت منظره وهو مرمي في الأرض على تلفون ساره غير أنها ملحقتش تلقطه لأن سالم ومرتضى قاموا بالواجب بعد كده
نهضت دولت متجها إلى غرفتها :
أنا هقوم اروح أشوف ايه اللي بيحصل دا اتهبل ده ولا ايه، ربنا يسترها لما سالم يرجع
قلدها صبري بسخرية مردفًا باستهزاء :
متنسيش تسلمي على خطيب طليقة ابنك بالمره
تسمرت محلها لبرهة ثم عادت تجلس في مكانها بوجه عابس، نظر معتصم إلى والده بتعجب ولكن لم يتدخل لوجود محمد بينهم .. منذ عقد قرانه على ريهام وكل وقته يقضيه معهم لحين إتمام زواجهم، أوشك العمال من الانتهاء من تصميم الأثاث كما اختارته ريهام، بعد رحيل هانم تبدل حال محمد بشكل كبير، قدم كل أمواله ليكون شريك مع معتصم في ورشة الرخام الخاص به، وترك المجال لريهام لاختيار كل ما تريده في منزلهم الجديد، لا يهمه فراق هانم وإخوته بقدر اهتمامه بالاقتراب من ريهام وعائلتها ..
؛************
يوم شاق وطويل مر ببطئ شديد، ثاني يوم على غيابه وكأن عامين مروا عليهم .. طلبت صباح من جابر بأن يدعو الشباب لتناول وجبة العشاء في حضوره، قصت هند إليها كم بذلوا جهوداً متعبة طيلة اليوم، لم يستريح أحدهم وعملوا بهمة مع العمال وانجزوا الكثير لم يعتقد أبدًا أن ينتهوا من كل تلك المهام في يوم واحد …
على الرغم من حزن صباح على الخسارة التي تعرضوا إليها، إلا أن سعادتها البالغة بظهور نوايا هؤلاء الشباب في محنتهم تطغوا على خسارتهم، شعرت بالأمان والطمأنينة بذهاب الفتيات للمصنع في وجودهم، حتى وإن أفسد محمود ذلك النسق وخرج عن السرب بفعلته المتهورة، لن يُحكم على المجموعة لأجل فرد أرعن،
: منور يا بني
رتب جابر على كتف يونس يرحب به، فابتسم يونس بهدوء وغمغم بتلقائية :
دا نورك يا خالي
دخل مرتضى يفتح باب المجلس، وأخذ الصواني المحملة بأطباق شهية يضعها بينهم بمساعدة سعد .. انتبه يونس على كلمات جابر وهو يقول بأمر:
اعمل حسابك هتجي تبات مع سالم
: لا أنا شنتطي عند عامر من الصبح
أمره بحزم ينهي النقاش:
تعالى انهارده وابقا روحله بكره، الأيام جايه كتير
لو علم إبراهيم بأنه في القرية لكان جاء بغتةً يدمر ما تبقى له في قلوب أخواله، لجوئه لكذبة ذهابه مع صديقه للإسكندرية لأنه يخضع لعملية جراحية تفي بالغرض تلك المرة وربما في المستقبل يبتكر أكاذيب مختلفة، أو يستاء والده فكرة إبعاده عن هنا ….
جلس جابر واتبعه الثنائي سالم ويونس وسفيان وعامر، ومقابل لهم موسى وسعد ومرتضى ويعقوب الذي مال يهمس بصوت منخفض :
هو الدكتور قالك ايه ؟!
مضغ مرتضى الطعام متسائلاً بعدم فهم :
قالي أنا!!؟ مقليش حاجه
: مـرتـضى
هتف باسمه بجمود، ضحك مرتضى دون أن ينظر إليه كي لا يلفت الانتباه إليهما :
ما أنت اللي بتلاوع في السؤال، على العموم الأشعة ظهر فيها التواء في المعصم
واستكمل بخبث :
دا حتى سأل عليك كتير طول الطريق
وضع يعقوب الملعقة من يده ورمقه باهتمام :
هو مين ؟؟!
دار برأسه يحدجه بمكر متمتم غامزًا :
الـدكتور يا يعقوب
أشار إليه بأن يعود يكمل طعامه مبتسمًا بعبث .. انتبه على سالم جابر وهو يهتف باقتصار :
بقولك هتأخر بكره شويه، هعدي على نيره اطمن عليها
نظر مرتضى إليه مرددًا بمزاح :
علشان سليم بس
عقب يونس بتذكر :
مبروك يا سالم يتربى في عزك، هي متأخرة بس الوقت مش مناسب من الصبح
ابتسم بعفوية وقال بفرحة عارمة:
عقبال عندكم كلكم بس في ظروف أحسن
صاح جابر بنفاذ صبر :
بس أنت هو مفيش كلام على الاكل
؛؛؛؛؛
في الداخل وضعت ناديه صينية طعام صغيرة تكفي حسناء على الطاولة ثم طلبت من أمل بأن تصعد بها للأعلى ونبهت عليها بأن تتأكد من تناول حسناء وجبتها قبل أن تأخذ الدواء وتعود للنوم ..
بينما جلست نجاة مع هند وخيريه في مكتب والدهم يراجعوا ملفات ما تفييدهم في حصر طلبات التسليم المتأخرة، بجوارهم مروه ورحمه يحسبوا كم الخسائر المادية وتكلفة إصلاح المعدات .. كانت معهم مها ولكنها خرجت بناءً على إشارة صباح:
أول جوزك ما يخلص عشا تقوليله أنكم تباتوا هنا
عقدت بين حاجبيها باستغراب :
ماشي، بس اشمعنا ؟؟!
: محمود عارف أن ابوكي مش هنا وسايق علينا الهبل
فهمت مها مقصد والدتها وخوفها من رجوع محمود أمر طبيعي .. وفي كل الأحوال الطابق الأرضي يجعل مرتضى على راحته وكذلك إخوتها لا ينشغلن بوجوده،
؛**************
: في يومين
همس يتحدث مع نفسه بشرود :
كل اللي حكيته في يومين
جاء صوت أحدهم من هاتفه :
لو عايز يا معلم نطربق الدنيا على محمود أنت تؤمر
: لا
قالها بتفكير ومن ثمّ سأله مستفسرًا :
متأكد إن حسناء كويسه ؟!
: كويسه بس دراعها اتجبس أسبوعين وبعد ما رجعت من المستشفى الريس مرتضى نزلها البيت وراح المصنع مع الست مها
صمت لبرهة وقال بصرامة :
تعرف تجيب الصور اللي بتقول إنها مع ساره
: اجبها، لكن ساره بتقول إن الريس سالم ومرتضى استملوا محمود من ايد الريس يعقوب وملحقتش تصوره
أمره بوجوم قبل أن يغلق المكالمة :
ابعت الصور، وركزا مع البنات سيبوا محمود براحته خالص
؛********

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى