Uncategorized

رواية البوص الفصل الرابع 4 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية البوص الفصل الرابع 4 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الرابع 4 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الرابع 4 بقلم يمنى عبد المنعم

الغامض و المقهورة
ممسكاً إياها بقبضته القوية من مرفقها بعنف شديد صائحاً بها بانفعال: قوليلي إنتِ مين ومين اللي بعتك ليه علشان تراقبيني وتتجسسي عليه يا مجرمة….
اتسعت عيونها بصدمةٍ عارمة لا تدري لماذا يتهمها هذا الأتهام الخطير، نفت عنها هذه التهمة الموجهة إليها بسرعةٍ كبيرة وهي تهز رأسها باعتراض على كل حرفٍ تفوه به.
زفر سليم بقوة يحدجها بنظراتٍ قاتمة، مبهمة ثم ناولها من جيب سترته ورقة صغيرة وقلم لتكتب عليها اسمها…. كما أشار لها بذلك.
قائلاً لها بعصبية: أمال إزاي عرفتي طريقى….ها، لما قابلتيني وانتِ واقفة بتراقبيني بالليل وتعرفي أنا بعمل إيه..
ثم صمت برهةً يراقب محياها الخائف والمزعوج مستطرداً بقوله الساخط:- معنى كده مفيش غيره، ان في حد بعتك مخصوص علشان تتجسسي عليا وتعرفي كل تحركاتي وتبلغيه بيها أول بأول.
تألمت ملك بشدة من هذا الاتهام المجحف بحقها ومن موضع قبضته القوية التي تؤلمها… انسالت دموع الظلم من بين مقلتيها لا تعلم كيف السبيل إلى تصديقها والخروج من هذه الورطة التي وضعت نفسها بها.
انتفضت الورقة بيدها الأخرى والقلم فأسند سليم لها الورقة لتكتب عليها اسمها بضيق وسخط… فكتبت اسمها بخط متعرج من إمساكه إياها بهذه الطريقة، دون أن يفلتها من قبضته.
أختطف البوص منها الورقة وقرأها وأدخلها مرةً أخرى إلى جيب كنزته بحنق.
غاضباً منها عندما تركز بصره هذه المرة…على عِبراتها المنهمرة على وجنتيها جاذباً إياها من معصمها بعنف ناحية صدره.
 قائلاً بعصبية:- إنتِ مفكرة نفسك لما تعيطي وتنزلي الدمعتين دول هتضحكي عليه بيهم…. لأ فوقي دنا البوص يعني مش هرحمك فاهمة.
إزادت دموعها كثيراً من الذعر والألم التي تحياهم الآن وهزت رأسها سريعاً نافية عنها كل ما هو منسوب إليها… وأشارت له بيدها الأخرى بأن يتركها لحال سبيلها تغادر المكان دون أن تتحدث عنه لأي شخص كان وهذا وعد منها.
ضحك سليم عندها بشراسة مستهزءاً بها… فهي بالتأكيد لا تعرفه ولا تعلم عنه كيف سيتصرف معها لهذا تمعن بغموض في محياها الهادئ هذا.
قائلاً بصوتٍ خفيض كالفحيح:- شكلك كده متعرفيش مين البوص ولا هيعمل فيكِ إيه.
ثم دفعها بقسوة فتعثرت إلى الخلف وسقطت أرضاً…. شهقت من الألم التي تعرضت له للتو جراء قوته وغضبه الساخط عليها، منحنياً صوبها متابعاً كلماته بتشفي: إصرخي حلو أوي … إنتِ لسه شوفتي مني حاجه ده لسه الحلو كله جاي…!!!
اعتدل سليم في وقفته قائلاً بعصبية: ابراهيم… أتى مهرولاً إليه خائفاً من قوة صوته قائلاً بحذر: نعم يا بوص.
ضم شفتيه بحدة شديدة قائلاً بحزم: بسرعة تجيب أكل غير ده ومعاه كوباية عصير…. ثم صمت بعض الوقت مردفاً بغموض خبيث: واتوصى أوي يا ابراهيم بكوباية العصير خليها فريش… دي مش لأي حد دي لملوكه.
بوغتت فريدة به يفتح باب حجرته فارتطمت بصدره بقوة من إثر صدمتها فلم تتوقع منه ذلك…. تلاقت عيونها الخائفة، والمترقبة لتصرفاته… بعيونه التي تحدجها بنظراتٍ نارية.
سرى بجسدها رجفة ذعر وتيبس في مكانه لا تقوى على الحراك، فجذبها من ذراعها فجأة بعنف وأدخلها لغرفته موثقاً الباب وراءها.
فزادها هذا رهبةً منه وهو يلصق ظهرها به بقوة مما أشعرها بألم في ظهرها… مقترباً منها بنظراتٍ مهددة.
قائلاً بعصبية مفرطة: شكلك كده حنيتي لعقابي، ومش هترتاحي غير لما أفرغ كل اللي جوايا عليكِ يا فريدة.
هرب الدم من وجنتيها وغاص قلبها بين قدميها من شدة رهبتها منه قائلة له بنبرة مرتجفة:- أنا…أنا بس عايزة… عايزة… بترت عبارتها عندما ضغط على ذراعيها بكفيه القويتين قائلاً بغضب: عايزة إيه انطقي… 
جف حلقها على الفور من نظراته القاسية التي تندلع من عينيه كاللهيب الحارق يكاد يلتهم كل ما هو أمامه في الحال.
قائلة بنفس النبرة: كنت… كنت… عايزة أطمن عليك بس، ضغط بيديه بعنف أكبر على ذراعيها، مُزيداً إياها من إلصاقها بالباب…. توجعت على إثره.
قائلاً بانفعال: اتألمي يا فريدة يمكن تحسي بالنار اللي انا فيها… حاولت أبعدك لكن لأ راسك ناشفة ومش راضية تسمعي الكلام من أول مرة.
تحجر بصرها على محياه الحاد والغاضب منها قائلة بألم: أنا حاسه بيك يا أبيه علشان كده أصريت إني أتكلم معاك…. وآسفه علشان مسمعتش كلامك.
قطب حاجبيه بحنق وزاد تجهم وجهه صائحاً بها: وانا أعمل إيه بأسفك دلوقتي ها فهميني… بعد ما هربت ملك ومعرفش هيه فين وياعالم هلاقيها ولا لأ… واشمعنى انتِ يا فريدة اللي هتحسي بيه ها…
أغمضت عيونها غير قادرة على استيعابها لعذابه الآن من أجل شقيقته… شعرت بخطؤها الجسيم في مساعدة ابنة عمها على الهرب من شقيقها الأكبر عاصي.
مجيبةً إياه بصوتٍ مخنوق: اطمن يا أبيه أكيد هتلاقيها مع الوقت، تركها بغتةً وابتعد عنها عابس الوجه لا يريد رؤيتها ولا رؤية أي شخص الآن… وقد أولاها ظهره قائلاً بحزم مقتضب: فريدة اخرجي بره الأوضة بسرعة.
لم تنفذ كلماته أيضاً هذه المرة، عكس ما عهد منها دائماً، انما جازفت بنفسها مرةً أخرى، مقتربة منه ببطء…. لامست بطرف أناملها برقة على كتفه.
قائلة بحذر وارتباك:- أبيه عاصي أنا موافقة أنك تطلع كل عصبيتك فيه أنا وتعاقبني كمان إذا كان ده يريحك…. لكن أرجوك سيبني معاك لغاية ما تهدى.
لمعت الدموع بعينيها وهي تراه حزيناً ومهموماً لأول مرة هكذا في حياتها معه، والتفت إليها مواجهاً إياها بغضب كبيرقائلاً بغيظ منفعل: نفسي أعرف إنتِ عايزة مني إيه ها… شكلك محتاجه تضربي علشان تسمعي الكلام وتعرفي ان مش ههدى غير لما ألاقي ملك أختي.
طفرت عبراتها رغماً عنها قائلة بوجع: أنا راضية بكل ده إذا كنت هترتاح…. همَ بصفعها بعنف على وجنتها بالفعل… لكن يده توقفت بالهواء قابضاً إياها بقوة…
تعلقت ببصرها على يده المرفوعة نحوها بذعر، متجمدة في مكانها دون حراك، والتي كادت أن تلطمها بقوة على وجنتها….
صارخاً بها: قلتلك اسمعي الكلام يا فريدة واخرجي برة وكلمة زيادة منيش عايز.
انهالت دموعها أكثر وركضت بالفعل باتجاه غرفتها… موصدة الباب خلفها بانهيار تام… وصوت بكاؤها يعلو لا تعرف إذا كان هو السبب…. من قمة غضبه الذي وصل إليه اليوم، أم من الرعب بنذور أيام قادمة سوداء اللون.
ستُسبب لها فزعاً لم تلقاه من قبل علي يد من أهدته قلبها دون مقابل…. كل هذا كانت تتذكره فريدة عندما استيقظت في صباح اليوم التالي…. في وقتٍ متأخر بعض الشيء عن ميعادها المعتاد يومياً… بعد عدم انتظامها بالنوم طوال الليل.
وهي لا تزال في فراشها لا تريد الخروج من غرفتها خشيةً من مواجهته مرةً أخرى…. لكن لا شيء ما بداخلها، جعلها تتراجع عن استسلامها للمكوث هنا بحجرتها طوال اليوم مقررة بحسم…. بأن عليها أن تفر من هنا وبسرعة إلى كليتها.
استيقظت المرأة الذي قام فتحي بتقييدها في الفراش، على صوت دقات منبهاً من جوارها بعد أن قام فتحي بتشغيله بجوار أذنها بقوة…. قائلاً بتشفي: صباح الخير… أكيد نمتي كويس مش كده….!!!
تأملته سهر بهلع شديد فهي تخشاه منذ أن شاهدته أول مرة مع سليم وكان يوصيه عليها في ذلك الوقت بإسلوبٍ غريب لم تفهمه إلى الآن.
قائلة بنبرة مرتعشة: فو…. فو…. فكني يا فتحي أرجوك، ارتفع أحد حاجبيه بسخرية قائلاً بغلظة: عايزة تروحي فين…. ولا تكوني عايزة تهربي مرة تانية.
هزت رأسها بألم وتأوهت من كثرة هذه القيود على جسدها ويديها قائلة بوهن: أقسملك مش ههرب تاني منك، ولا هروح عند أي حد وهسمع كلامك بالحرف بس فكني ومش هتسمعلي صوت كمان.
تطلع إليها وهو يضع المنبة في مكانه بجوار الفراش قائلاً بخشونة: حاضر هفكك بس بقى نظير كده هنقضي اليوم كله مع بعض هنا.
بُهتت سهر قائلة بعدم فهم: يعني إيــه كلامك ده، اقترب منها وهو يبتدأ بفك الحبال من حولها قائلاً بغموض: يعني هنقعد طول اليوم سوا هنا يا إما خليكِ زي ما أنتِ.
هزت رأسها سريعاً بالموافقة رغم خوفها من وجوده بمفردها معه قائلة بلهفة وقلق: موافقة… موافقة ما دام هتفك الحبال دي.
ابتسم فتحي بسخريةٍ كبيرة قائلاً بخبث: أيوة كده بتبقي أحبك وانتِ مطيعة…!!! حدقت به بدهشة من قوله الأخير وشردت بملامح وجهه وهو يتابع عمله في فك الحبال من حولها.
تأوهت من ألم جسدها من هذا الوضع طوال الليل قائلة لنفسها بتعب: أخيراً بقيت أتحرك براحتي…. قاطعتها نظراته العابثة بها قائلاً بتهديد: ياريت بقى مسمعش صوتك لغاية ما أجبلك الأكل.
هزت رأسها بطاعة عجيبة لم يعتادها منها من قبل وخرج من الغرفة وتركها وأغلق الباب خلفه بالمفتاح.
قابله الرجل بالخارج قائلاً له: الدكتور ساعتين وجاي…. أوما برأسه بهدوء قائلاً له: وانا هفضل معاها متقلقش وعيني عليها طول الوقت.
أفاقت ملك هي الأخرى من اغماءتها عند الظهيرة في ثالث يوم لها مع البوص…. شاعرةً بصداع في رأسها… فتحت عينيها تتلفت حولها بصدمةٍ كبيرة.
إذ وجدت نفسها بفراش وتير وغرفة أنيقة المظهر، شديدة الأتساع، جحظت عيناها في محجريهما عن آخرهما.
نهضت جالسة في الفراش بفزع متسائلة بداخلها تساؤلاتٍ عديدة بعقلها… منها ما الذي أتى بها إلى هنا في هذه الغرفة….
رفعت كفها على جبهتها محاولةً يائسةً منها لتتذكر أي شيء… لمحت صورة على مسافةً منها في إطار ذهبي اللون حديث الطراز… موضوعة على منضدة صغيرة.
فهبت من الفراش سريعاً باتجاهها، امسكته بتوتر… فاتسعت حدقتيها بذهول تام قائلة لنفسها بفزع: دي صورة البوص.
هنا تداعت كل ذكريات أمس سريعاً إلى ذاكرتها وتذكرت كل ما حدث منذ البارحة… إلى أن تناولت كوب العصير وارتشفت منه عدة رشفات بأوامره وتحت عينيه الحادة. 
ومن وقتها لم تعد تتذكر ما حدث معها بعد ذلك… قاطع شرودها هذا صوت صرخاتٍ غاضبة بالأسفل…. فأسرعت بترك الصورة في مكانها واتجهت إلى الفراش مرةً أخرى.
متدثرة بالغطاء إلى رأسها خوفاً من ملاقاته من جديد، إذا كان هو بالفعل من أتى بها إلى هنا.
تجهزت فريدة بالفعل للذهاب إلى كليتها هرباً من غضبه أكثر من ذهابها لدراسة محاضراتها رغم تحذيره لها بألا تذهب إلى أن تقل له حقيقة هروب شقيقته.
هبطت بالأسفل فلم تجد أحداً ما في طريقها… اجتاحها شعور بالأطمئنان لهذا أسرعت راكضة خارج المنزل.
انتبهت إليها زينب وجاءت لتلحق بها…. توقفت في مكانها ولم تناديها حتى، عندما لمحت فريدة تسرع الخطى في الطريق قائلة لنفسها بتردد:- معقول يكون عندها محاضرة بدري أوي كده.
أخرجها من شرودها هذا على صوته الغاضب هاتفاً بها:- دادة زينب أنا بتكلم معاكِ مبترديش ليه.
تطلعت إليه بتوتر قائلة بتردد:- خير يابني في حاجه…!!!!
تأفف عاصي وهو يمسح بقبضته على وجهه بنفاذ صبر قائلاً بضيق:- فريدة فطرت ولا لسه.
ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة بحذر: لا يا بني فريدة خرجت دلوقتي علـــ… قاطعها بنظراته الغاضبة مسرعاً هو الآخر خارج المنزل خلف من تعصي أوامره لأول مرة اليوم.
هرولت فريدة للحاق بكليتها دون الألتفات إلى الخلف خوفاً أن يكون وراءها من تهرب منه.
سار بجوارها وهي تمشي سريعاً بجانب الطريق… سائق عربةٍ للأجرة طالقاً صفيراً من فمه قائلاً بدهاء:- ما تيجي يا جميل أوصلك للمكان اللي انت رايحه.
ارتجف قلبها بقوة بين جنبات صدرها من الرعب فحثت خطاها أكثر على المضي قدماَ في خطواتها.
لكن السائق لم يستسلم وزاد من سرعة سيارته للحاق بها واعترض طريقها بغتةً… توقفت فريدة في مكانها بفزع شديد.
ثم عادت أدراجها سريعاً للوراء متداركه ما ورطة به نفسها الآن، إذا بها ترتطم بظهرها من الخلف بصدر قوي لأحد الأشخاص المقبلين نحوها.
سرت رعشة في جميع أنحاء جسدها من الهلع… وحاولت الأبتعاد عنه سريعاً كارد فعل طبيعياً منها… ففوجئت به يتمسك بها بقوة بقبضتين قويين وهو ينحني نحوها هامساً بغضب حاد:- ده جزاة اللي بيخالف أوامري.
تشبثت ملك بالغطاء بقوة عندما شعرت باقتراب أحدهم صوب الحجرة وجسدها ينتفض تحته بشدة.
استمعت إلى صوت مقبض الباب وهو يُفتح بهدوء نوعاً ما… فزاد ارتعاد جسدها وارتفعت دقات قلبها كالطبل.
أغمضت عيونها بقوة كي توهم الشخص الذي تجرأ ودخل عليها هكذا دون استئذان بنومها، اقترب من الفراش متأملاً لها بغموض… رغم عدم ظهور وجهها فهي تكسي جسدها بالكامل بالغطاء.
كاد أن يمد يده نحوها لولا رنين هاتفه الذي يمسكه بقبضته الأخرى، تأمل هاتفه بضيق ثم فتحه هاتفاً بقوله الغاضب: أيوه يا ابراهيم كل ده تأخير.
تصبب جبين الرجل بالعرق خوفاً قائلاً بقلق: أنا آسف يا بوص… كنت بنفذ تعليماتك بالحرف.
ذم سليم شفتيه بحدة قائلاً بحنق: طب قولي بسرعة عملت إيه….؟ زفر الرجل بتوتر قائلاً بتردد: بصراحة يا بوص لغاية دلوقتي معرفتش عنها أي معلومة ولا هيه تبع مين فيهم.
ضم قبضته بقوة بالهاتف كاد أن يسحقه بها هاتفاً بصوتٍ غاضب: إزاي يعني متعرفش عنها حاجه…. أنا هديلك كمان فرصة يومين غير كده انت عارف كويس إيه اللي ممكن يحصلك.
وقبل أن يجيبه ابراهيم كان قد أغلق هاتفه بحدة قائلاً لنفسه بتوعد: ما هو مش أنا اللي يضحك عليه…. دنا البوص.
كل هذا كانت تنصت إليه ملك وارتعاد اطرافها بجسدها يزيد مع سيل كلماته الغاضبة، فقد تأكدت الان أنها بالفعل في نفس المكان الذي يقطن به.
قائلة لنفسها برعب:- ياربي هعمل إيه دلوقتي، ده أكيد مش هيسيبني لحالي أبداً، يارتني ما هربت منك يا أبيه عاصي، أنا اللي جبته لنفسي ووقعت نفسي في طريق واحد مجرم زي ده.
قاطع سليم شرودها هذا هاتفاً بها بتهديد: إذا كنتِ مفكرة نفسك ذكية فا مش عليه كل ده أنا متأكد إنك صاحية، بس على العموم مش هتفضلي نايمة على طول يا قطة.
نفضت ملك عنها الغطاء بترقب لكل شيء حولها، وتنهدت بارتياح بعض الشيء هامسة بصوت مرتعش: الحمدلله إنه خرج بسرعة وبدون ما أقابله.
هبت من الفراش تتأمل المكان حولها قائلة بضيق: أكيد جايبني هنا علشان أكون تحت نظره لأبلغ عنه بكل الجرايم اللي شفتها.
زفرت بحرارة وهي تحدج ثيابها وشعرها المشعث قائلة لنفسها بقلق: إيه ده منظري بقى عامل ليه كده دنا محتاجه حمام بسرعة.
بحثت بالغرفة على مرحاض فوجدت باب مغلق فتهلل وجهها وهرعت إليه وفتحته ودخلت فاتسعت عينيها بانبهار فقد كان هو المرحاض المنشود التي تمنت وجوده الآن.
قائلة لنفسها بفرحة: أخيراً حمام ومايه سخنه ثم صمتت برهةً متذكرة شيئاً ما متابعة:- طب واللبس ياترى فيه هنا لبس ولا لا.
خرجت تبحث بالخزانة الموجودة بالغرفة عن أي شيء ترتديه عندما تستحم… فوجئت بعدة ثياب منوعة ما بين الطويل والقصير كل ما تتمناه وجدته.
كست الفرحة وجهها لكن استوقفت نفسها قائلة: طب معقول مسموح ليه بإني ألبس أي حاجه ولا صاحبة اللبس ده هتزعل.
تنهدت بيأس مشجعة نفسها على مد يدها وأخذ فقط ما سترتديه إلى أن تنظف ثيابها فقط.
تناولت ما أرادته من ثياب لها…. ثم ركضت نحو المرحاض مرةً أخرى… خرجت بعد قليل ووقفت تشعر بانتعاش شديد بعد أن نظفت جسدها جيداً من الأتربة التي كانت عالقةً بها وبشعرها.
وقفت أمام المرآة تنشف شعرها المبتل… وأمسكت بفرشاة الشعر تمشطه جيداً، جلست على الفراش تفكر كيف ستخرج من هذا المأذق التي جعلت نفسها تتورط به.
تيبس جسد فريدة بين يدي عاصي… فقد عرفته من قبل أن يُحدثها بهمساته الغاضبة والتي توحي بما يدور بخلده من ثورة اتجاهها.
أما السائق عندما رأى عاصي يتمسك بها هكذا…. ارتبك للحظات وأتى ليقود سيارته هارباً منه.
فإذا بعاصي يباغته بضربةٍ قوية لفكه من النافذة التي بجواره، اتسعت عيني السائق بصدمة…. وجاء ليفتح الباب الذي بجانبه كي يواجهه.
عاجله عاصي بغلق الباب مسرعاً بقدمه بعنف على أطراف أصابع يده…. أطلق الرجل صرخة مملؤةٍ بالألم.
ولم يستكفى بهذا العقاب فقط جذبه من شعره من زجاج النافذة…. ولكمة ثلاث لكمات متتالية في فكه ولم يتركه إلا وهو فاقد الوعي.
وقفت فريدة تحدق به بوجه شاحب… وضربات قلبها تعلو بقوة من الفزع التي عاشته ومن هذا المنظر….هزت رأسها برعب من اقترابه منها بخطواتٍ مهددة… مليئة بأشياء كثيرة بداخله.
تراجعت وهرولت عائدة إلى الخلف… من حيث أتت لكن عاصي لم يتركها ترحل إلا خطوتين واختطف معصمها بقبضةً قوية كاد أن يسحقه في كفه.
حاولت نزعه لكن دون جدوى فانهمرت دموعها من الخوف… لمح دموعها التي تنهمر فصرخ بها قائلاً بحدة: وفري دموعك دي لبعدين قدامي من سكات مفيش كلية النهاردة.
لم تقوى على الرد عليه وأخرسها الذعر الذي يعتريها مما جعلها تستقل سيارته بسرعة، وهو يفتح لها الباب ويزيحها بقسوة بالداخل.
قاد عاصي عربته إلى المنزل بسرعة أكبر مما أعتادت عليه معه، ظلت على صمتها الخائف منه… لكن هو كان صمته من الخارج فقط.
وداخل قلبه كالنار التي تتآكلها الحمم من جهتين لامفر منهما… من ناحية شقيقته التي فرت هاربة منه، والثانية بسبب التي تتجاهله ولم تستمع لأوامره هذه الأيام وتعلم جيداً ما يعانيه ورغم ذلك تعبث معه ومع ظروفه الحالية.
توقفت السيارة أمام المنزل، ولم تمهله فريدة الوقت الكافي لينظر إليها…. بل هبطت تركض مسرعة ناحية المنزل.
هرول عاصي وراءها… منادياً عليها بصوت منفعل: فريدددة استني عندك، كادت أن تتوقف لكن الهلع الذي بداخلها جعلها تريد الفرار إلى حجرتها.
وجدت زينب تخرج من المطبخ متسائلة عن هذا الصخب، بوغتت بفريدة تتمسك بظهرها تحتمي بها قائلة برعب: خبيني يادادة أرجوكِ عاصي هيموتني النهاردة.
اتسعت عينيها بعدم تصديق لما يحدث، فاعاصي قد أتى وعلى ملامحه الغضب يتحدث عن حاله.
قائلاً بعصبية: فريدة تعالي هنا ومتحاوليش تهربي مني، هرب الدم من وجهها وهي تتحامى خلف زينب قائلة بتردد: طب اهدى الأول وأنا اجيلك.
قبض بقسوة على قبضتيه قائلاً بنبرة يشوبها التحذير: تعالي يا فريدة بدل ما هخلص عليكِ منيش ناقص مشاكل.
تحركت زينب بناءً على رغبته بذلك، على الجانب الآخر لتظهر الأخرى بوجه باهت وقلب ينتفض بقوة… أشار عاصي لها بالأقتراب ثم أشارلزينب بالعودة للمطبخ من جديد.
وقفت بالقرب منه لا تريد ولا تقوى على التطلع إليه…. من شدة الفزع التي تحياه على يده.
قائلة بتوتر: أنا آسفه يا أبيه… هز رأسه باعتراض هاتفاً بها بصوتٍ هادر: ادخلي قدامي على المكتب.
تحركت بخطواتٍ بطيئة ناحية مكتبه…. دلف وراءها صافقاً الباب خلفه بقوة مقترباً منها بسرعة غاضبة.
فرفعت ذراعها أمام وجهها من الرعب قائلة بتردد: أنا آسفه مش هعمل كده تاني أرجوك سامحني.
فوجئت به يمسكها من شعرها بقوة وهو يلفه حول يده فصرخت من الألم الذي انتابها من جراء امساكه لها بهذا الشكل الرهيب.
شعرت بأنفاسه النارية أمام وجهها قائلاً بغلظة: نفسي أعرف إنتِ إيه بالظبط من إمتى وانتِ بتمشي على الكلية كده بمزاجك وأنا مانعك أساساً عنها من امبارح…. عجبك كده السواق المجرم ده …. اللي الله أعلم لولا إني لحقتك في الوقت المناسب كان حصلك إيه منه.
انهمرت عباراتها بغزارة شديدة قائلة بألم: أنا آسفه يا أبيه أرجوك صدقني مقصدش.
صاح بها بعصبية: هوه أناقص يا فريدة ليه مش بتقدري اللي أنا فيه، بكت بقوة هذه المرة قائلة: مقدرة يا أبيه مقدرة بس أرجوك شعري هيتقلع في إيدك.
أزاحها على الأريكة خلفها بقسوة قائلاً بانفعال: انتِ السبب لكل ده وأنا حاسس إنك ورا اللي عملته ملك.
اتسعت عيناها عند هذا الإتهام الباطل، فأسرعت تدافع عن نفسها بتردد: لا يا أبيه لا أرجوك صدقني أنـــ…. قاطعها وهو ينحني نحوها.
هامساً بصوتٍ كالفحيح: أنا مش هسمحلك تهربي مني يا فريدة فاهمة زيها أبداً…. وعلشان تعرفي كمان، أنا مش مصدق ولا حرف من اللي قولتيه امبارح، وأحسن لك دلوقتي اطلعي على إوضتك من قدامي يالا…. قبل ما ارتكب جناية دلوقتي.
أتت الخادمة بفنجان من القهوة وقدمته إلى البوص بتردد قائلة بخفوت: اتفضل القهوة يا سعات البيه.
ضيق عينيه بشرود قائلاً لها بهدوء أرعبها: عارفه إن أي حد أخد خبر عن البنت اللي فوق دي أنا هعمل فيكِ إيه وقتها.
جف حلق انتصار ودق قلبها بتوتر شديد قائلة بذعر متلعثم:- عا…عا..رفه يا بيه.
لاحت في نظراته لها تهديد… فهمته هي على الفور فأسرعت تقول: عايز حاجه تانية مني يا سعات البيه، أجابها كأنه لم يسمعها قائلاً بلهجة يشوبها التحذير: وإياكِ تساعديها في يوم من الأيام ولا تكلميها كلمة واحده.
شعرت بالخوف يستشري في جميع أنحاء جسدها قائلة بنفس التلعثم:- حا…حا…ضر يا بيه.
زفر بحرارة وهو ينفث دخان سيجارته بالهواء قائلاً بلهجة آمرة: المطلوب منك انك تجبيلها أكل وبس وولا كلمة تانية معاها مفهوم…. اومأت رأسها بالأيجاب فتابع قائلاً: روحي يالا وديلها أكل وزي ما قلتلك من غير ولا حرف.
هزت رأسها بطاعة وانصرفت من أمامه بأطرافها التي ترتجف من الوقوف أمامه.
فهي تهابه من ما تسمعه منه وما تشاهده ولا تستطيع أن تتفوه بأي حرف إلا وستعرف جيداً نتيجة ما اقترفته في نفس اللحظة.
فتحت انتصار الباب ثم دخلت متمسكة بالصينية بيديها مملؤةً بطعام كثير… هبت ملك من فراشها عندما لمحتها تدخل إليها.
تجدد لدى الأخيرة الأمل بأن تساعدها هذه الخادمة على الهروب من هنا… لكن الأمل  لم يلبث إلا وأن تبخر بالهواء وذهب مع الريح فانتصار الخادمة وضعت لها الطعام على المنضدة وتركتها ورحلت مغلقةً الباب خلفها.
انزعجت ملك من تصرفات الخادمة قائلة بضيق: أكيد قايلها متتكلمش معايا… وتنفذ المطلوب منها وخلاص.
حدقت بالطعام شاعرةً بالجوع الشديد… وهمت بتناوله لكنها ضبطت نفسها نحو رغبتها المُلحه للطعام بسبب ما رأته بعينيها قائلة لنفسها: إوعي يا ملك تاكلي منه ده أكل بفلوس حرام.
وضعت يدها على بطنها من ألم الجوع التي تشعر به…وهي تبتعد عن المنضدة وعيونها مصوبه ناحيته بحسرة فمنظر الطعام شهي للغاية لكنها لا تستطيع تناوله.
فقد رباها شقيقها من مال حلال ولن تقوى على فعل ذلك…. تدثرت بالغطاء تتلوى من كثرة الجوع.
لدرجة بأن شفتيها الورديتين قد جفت… أثناء ذلك استمعت إلى صوت الباب يُفتح فتماسكت أمام الخادمة التي دخلت بنفس الهدوء…. لكن الأمتعاض لاح على محياها عندما شاهدت بأن الطعام مثلما وضعته لم يُمس بعد.
اعتدلت ملك لتحدثها محدقةً بها بتساؤل غريب فهمته انتصار… لكنها لن تستطيع أن تجاوبها على أي شيء..
عادت الخادمة أدراجها مرةً أخرى صوب الباب مغادرةً الحجرة صافقة له بضيق… دون أن تبلي بالاً لها… ولم تأخذ الصينية بل تركتها موضوعة مثلما كانت في مكانها.
تأففت ملك بضيق من تصرفاتها اللامبالية لها قائلة: حتى الخدامة كمان منطقتش… حاسه ان كده تُهت أكتر ولا عارفه راسي من رجليه بس أعمل إيه أنا السبب في اللي أنا فيه.
تأملت الطعام مرةً أخرى تحاول إمساك نفسها عنه بسبب شدة الجوع…. شاعرةً بأنه يناديها لتأكله من شدة جماله.
أخرجها من شرودها الكثير هذا آخر شخص تتمنى رؤيته في ذلك التوقيت المجحف بها…. حتى شعرت بأن باب الغرفة كاد ينكسر في قبضته وهو يُفتح….
يتبع..
لقراءة الفصل الخامس : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية المؤامرة للكاتبة منة محسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى