روايات

رواية خطايا بريئة الفصل السابع عشر 17 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل السابع عشر 17 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء السابع عشر

رواية خطايا بريئة البارت السابع عشر

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة السابعة عشر

لم أُحبك يومًا لأن أيامي تجري بشكلٍ جيد، أو لأن في حياتي فراغًا بشكل أو بآخر. أحببتك بأكثر أيامي إحباطًا، أحببتك بمُنتصف يأسي، وفي إزدحام يومي، ومن بين جميع أفكار عقلي..كنت أنت دائمًا حيلتي الوحيدة التي أتمسك بها لأنجو من هلاك أفكاري.”

———————-

ودعته بنظرات تفيض بمكنون قلبها لعله يشعر بها ويشاركها إياها ولكنه كان ثابت بشكل حقًا احبطها وجعلها تظن كونه متلبد المشاعر غافلة أنه يجاهد ذاته من أجلها،

فكانت تسير بخطوات بطيئة وهي ساهمة تستعيد تلك اللحظات الرائعة التي كانت بها برفقته داخل رأسها لولآ صوت أبيها الذي أجفلها:

-كل ده تأخير يا بنتي

أنتبهت لحديثه ونظرت لموقع جلسته على ذلك المقعد الوثير بزوايا الردهة وردت بنبرة آسفة وهي تسير نحوه:

-اسفة يا بابي الوقت عدى بسرعة ومحستش بيه

تنهد “فاضل” وقال بحنو:

-هدومك مبلولة من المطر طبعًا مش هتبطلي بقى العادة الغريبة دي، أنتِ خلاص كبرتي

نفت برأسها بمشاكسة وجلست على أحد المقاعد بجواره قائلة:

-لأ أنا مش هكبر ابدًا

قهقه “فاضل” وشاكسها:

-ازاي بقى ده انتِ بقيتي عروسة وبعدين افرضي اتجوزتي جوزك يقول ايه جوزناه عيّله

رفعت “ميرال” منكبيها وأخبرته بنفس النبرة المشاكسة التي جعلت أبيها يشعر بالسعادة كونها استعادت بسمتها ومشاكستها من جديد:

-طب لعلمك بقى يا سي بابي أنا مش هتجوز غير راجل بجد يعرف يحتويني بكل حالاتي، ويشاركني فيها كمان، أصل انا مش عايزة راجل ينتقدني ويقلل من أي حاجة بعملها بالعكس عيزاه يبقى فخور بيا و بأتفه انجازاتي

لتتنهد تنهيدة حالمة وهي تتذكر ذلك المتلبد صاحب البندقيتان وتضيف:

-والاهم من كل ده يكون بيحبني

ربت “فاضل “على كتفها وقال بحنو شديد داعيًا:

-ربنا يصلح حالك يا بنتي و يكرمك بالزوج الصالح… عارفة يا “ميرال” أنا نفسي اشوفك مبسوطة وعندي أستعداد اعمل علشانك أي حاجة في الدنيا بس أشوف ضحكتك دي على طول

اتسعت بسمتها وقالت وهي تنهض تميل عليه و تحتضنه:

-ربنا يخليك ليا يا بابي وميحرمنيش منك

=ده ايه الحب ده كله؟؟

قالتها “دعاء” متهكمة وهي تنضم لهم، لتخبو بسمة “ميرال” وتقول وهي تخرج من احضان ابيها:

-تصبح على خير يا بابي

احتدت نبرة “دعاء” وقالت متهكمة من تجاهلها لها في الآونة الأخيرة:

-إِذا جاءت الملائكة فرت الشياطين ولا ايه يا “ميرال”…

حانت من “ميرال” بسمة ساخرة وأخبرتها وهي تتخطاها كي تصعد لغرفتها:

– لو تقصدي نفسك بالشياطين فعندك حق …تصبحي على خير

نظرت “دعاء” لآثارها بغيظ وقالت بحدة لزوجها:

-عجبك كده … خليك مدلعها ومقويها

هز “فاضل” رأسه بعدم رضا وأخبرها بدفاع قوي نابع من عاطفته الأبوية:

– دي بنتي الوحيدة اللي طلعت بيها من الدنيا يا “دعاء” ومعنديش أغلى منها علشان ادلعه

=يوووه بقى… ما أنا كان نفسي اجبلك بيبي و اتحايلت عليك ألف مرة نروح للدكتور سوا نعرف المشكلة فين وانت اللي مش راضي

أغمض” فاضل “عينه بإنفعال من إصرارها المقيت التي لا تكف عنه وقال بحدة قبل أن ينسحب هو أيضًا ويصعد لغرفته:

-احنا اتكلمنا كتير في الموضوع واخدنا في قرار نهائي واظن ان ده كان واحد من شروطي قبل الجواز وانتِ وافقتي عليه ياريت بقى تقفلي السيرة دي ومتتكلميش فيها تاني

دبت الأرض بقدميها وزفرت بقوة وهي تنظر لظهره وهو يبتعد عنها، فرغم أنها تملك سُلطة عليه و تتمكن بسهولة من إقناعه بأي شيء إلا أن ذلك الأمر فشلت به فشل ذريع فكلما تطرقت لهذا الأمر يرفض رفض قاطع دون سبب مقنع بالنسبة لها و رغم عطائه السخي معها إلا أن هيأ لها شيطانها أن تطمع في المزيد، لتهمس بعيون تلمع بوميض الخبث:

-مش هيأس يا “فاضل” ومش هخلي بنتك تكوش على كل ده لوحدها

—————————-

أما عن صاحب القلب الثائر التي أنهكته تلك المتمردة فقد كان يسير بها إلى تلك الاريكة القريبة كي يضعها عليها بشكل مؤقت لحين استبدال ملابسها تحسبًا لعدم بل الفراش وقبل أن يضعها قال بأهتمام:

-هنادي ماما تساعدك

نفت برأسها التي تستقر على صدره بوهن وبعيون مغلقة وهي تتشبث به أكثر دليل على رفضها مما جعله

يتنهد بعمق ويقول وهو يجلسها برفق دون أن تحل هي يدها عن عنقه:

-أنا مش هعرف اتصرف

نفت هي مرة أخرى وكادت تجهش بالبكاء وتزوم بطريقة جعلته يشعر بالضيق من تيبس رأسها فما كان منه غير أن ينسل من بين يدها ويذهب كي يحضر ملابس جافة لها، وقبل أن يباشر بالأمر أغلق إضاءة الغرفة كي لا يشعرها بالحرج فيما بعد، ولكن كان الأمر ليس بيسير عليه مطلقًا فنعم العتمة كانت تخيم على الغرفة وتحجب رؤيته ولكن ماذا عن شعوره بها تحت يديه وماذا يفعل بتلك القشعريرة التي اجتاحته فكان الإرتباك يسيطر عليه وحتى أنفاسه اضطربت حين داهمته الكثير من الأفكار ، ولكنه كان يجاهد كي لا تخور ارادته نحوها لدرجة انه انهى ما يفعله بوقت قياسي ونهض بعدها يضيء الإضاءة مرة أخرى زافرًا بارتياح وهو يغلق عينه بقوة كي يستعيد رباط جأشه ويحملها مرة أخرى كي يضعها على الفراش وحين فعل دثرها جيدًا بالغطاء وقبل أن يقرر أن يبتعد عن هالتها باغتته هي وتمسكت بيده الممسكة بحافة الغطاء، تصلب جسده من فعلتها و وقف يتناوب نظراته بين يدها الممسكة بخاصته وبين عيناها التي بالكاد تكاد تفتحهم، ودون أن يصدر منها شيء وجد نفسه يطمئنها وكأنه يعرف ما تود قوله:

-هغير هدومي علشان اتبلت وارجعلك

افلتت يده وهزت رأسها بحركة ضعيفة واغلقت عيناها وغفت من شدة وهنها بينما هو تنهد تنهيدة مثقلة بالكثير وغادر إلى غرفته كي يبدل ثيابه، وحين عاد لغرفتها من جديد و جد والدته تجلس بجوارها وهي تتمتم بالدعاء لها بصدق نابع من صميم قلبها، تحمحم هو وأخبرها بهدوء وهو يرمق تلك التي تسقط في سبات عميق:

-بقت أحسن

أومأت” ثريا” وأخبرته بصوت خفيض كي لا تقلقها:

-السخونية نزلت شوية الحمد لله بس كان نفسي أأكلها حاجة تسند قلبها وهي يا حبة قلبي غرقانة في النوم ومش هاين عليا اقلق منامها واصحيها

هز رأسه بتفهم وقال:

-إن شاء هتبقى احسن لما تصحى ليدلك مؤخرة عنقه ويقول بنبرة رغم ثباتها إلا ان “ثريا” تيقنت ما يغوص بها من قلق يحاول أن يخفيه:

-تقدري تروحي ترتاحي يا ماما انا هقعد جنبها

كانت تعلم أن ابنها يجاهد ذاته من أجل تلك الغافية ولذلك لم تعترض بل وافقت قائلة:

-ماشي يا حبيبي ولو احتجت حاجة نادي عليا

ابتسم بسمة عابرة وأومأ لها، لتتركه والدته و يجلس هو على المقعد بجانب فراشها ينظر لها أثناء نومها بنظرات عميقة وبتنهيدات حارقة يستغرب تلك البراءة التي تشع من ملامحها الآن وتنافي أفعالها فمن يراها بتلك الهيئة الملائكية ينخدع بها مثله تمامًا.

وأثناء شروده ومداهمة أفكاره تململت هي بوهن وسعلت عدة مرات قائلة بضعف:

-عطشانة

هب واقفًا وملأ كوب من الدورق الذي يعتلي الكومود وناولها إياه

ولكنها حاولت ان تعتدل وفشلت، جلس بجانبها ومد ذراعه خلف ظهرها يرفع جسدها قليلًا كي يدعم جلستها بيد وباليد الآخرى قرب كوب الماء من فمها لترتشف هي منه وعيناها الواهنة معلقة عليه وإن أنتهت وضع الكوب على الكومود وسحب يده من خلف ظهرها كي يمددها من جديد ولكن كان لها رأي آخر فقد مالت برأسها على صدره وتشبثت بكتفه وقالت بنبرة متعبة شديدة الأحتياج:

-خليك جنبي

تجمدت نظراته من طلبها ورد بنبرة هادئة نسبيًا خالية من أي لين وهو يظن أنها حيلة آخرى من حيلها الملتوية للتأثير عليه غافل كون أحتياجها صادق غير مصتنع:

-ارتاحي يا “نادين” أنتِ تعبانة ومش في وعيك

لم تستوعب حديثه وكانها بعالم آخر ولم تعي لشيء سوى قربه فقد رفعت نظراتها المسبلة الواهنة التي بالكاد تفتح وأخذت تنظر له بطريقة جعلته يلعن تحت انفاسه المضطربة فهو يعلم أنها ستلقي بثباته عرض الحائط وخاصةً أن ذلك الخائن بين أضلعه مازال يتأثر بها و يطعن به من أجلها؛ فحقًا كان الوضع مربك وخاصةً عندما صدر منها تلك الهمهمات الخافتة التي تتوسله بها و وخزت قلبه فنعم، يعشقها، بل مهوس بها رغم بشاعة افعالها ولكن عزة نفسه وكبريائه كرجل أقوى من رغبته ومن ارادة ذلك اللعين الذي يود أن يتبرأ منه لذلك دفعها عنه برفق وقال بنبرة ثابتة جاهد كي يتقنها:

-مش عايز…

كانت هي رغم وهنها وكونها ليست بكامل وعيها إلا أنها أصرت عليه وترجته بضعف من جديد وكأنها كغريق يتعلق بـ طوق نجاة:

– خليك علشان خاطري

تعلقت بُنيتاه الثائرة بعيناها وهو يقسم انه لن ينخدع مرة أخرى وحاول بكل ما اوتي من قوة ان لا يضعف ويظل يقاوم تأثيرها عليه ولكن تفاقم الأمر وزاده ارتباك حين همست بأسمه بتلك الطريقة التي تعبث بثباته بعدما مدت يدها تحاوط خصره :

– “يامن” ….خليك

تثاقلت أنفاسه وطلب منها بإضطراب وهو يحل يدها قبل أن يفقد سيطرته:

-“نادين”…انتِ مش في وعيك

لم تستوعب حديثه وكأنها بعالم آخر بين الوعي ولا وعي فقد مالت أكثر وأكثر حتى أختلطت انفاسها المحمومة بأنفاسه وهمست من جديد:

-متسبنيش انا محتجاك

أغمض عينه بقوة وزادت وتيرة أنفاسه حين ثبتت هي جبهتها على جبهته ولامست شفاهه مما جعله لم يستطيع الصمود أكثر امامها فقد فر ثباته وتلاشت عزيمته وتوارى عقله وما يحويه من غضب لدقائق وهو يشعر بشفاهها الدافئة تتحرك بنعومة على شفتاه. تقبله قبلات سطحية متقطعة وبين كل واحدة وأخرى كانت تهمس بأسمه راجية.
ودائمًا وابدًا عندما يتعلق الأمر بها لا يضمن ذاته فكيف الصمود أمام هالة فتنتها، ليجد ذاته يلبي رغبتها ولكن على طريقته فقد جذبها إليه من مؤخرة رأسها وتناول شفاهها الدافئة بنهم وبطريقة قاسية وكأنه يود أن يؤلمها كما آلمته حين خذلته ولكن عندما شعر انها تألمت أخذت قبلته تهدا فتباطأت حركة شفاهه جعلتها تذوب وهي مغيبة تحت وطأة هيمنته عليها، ليجذب جسدها له بتملك شديد و يغرس يده بين خصلاتها وأخذ يتلمس بأنامله فروة رأسها بحركات ناعمه لتتعلق بعنقه وتتشبث به بقوة وكأنها تخبره بطريقة ما أن لا يبتعد مما جعله يتعمق بقبلته أكثر فأكثر وكأن شفتيها هو ترياقه الوحيد؛ فكانت لحظات مميزة غاصو بها في أنهار جارفة من المشاعر.
فقد شعر هو بناقوس الخطر يدق عقله ويخبره أنه سيفقد سيطرته إن استمر الوضع أكثر لذلك ابتعد عنها بأنفاس مضطربة بالكاد يستطيع تنظيمها واستند بجبهته على منحدر أنفها ثم مرر إبهامه على شفاهها قائلًا بتحشرج وهو يرى تبعثرها:

-بتعملي فيا كده ليه حرام عليكِ؟

لم يصدر منها شيء مما جعله يتفهم ما أصابها ليجذب رأسها تتوسد صدره العريض ويسند ظهره للخلف ساحبها معه يحاوطها بيد وباليد الآخرى يمررها بين خصلاتها القصيرة بحركة مطمئنة جعلتها تغفى من جديد بين يده بينما هو كان لا يصدق كل ماحدث للتو وظل يكرر المشهد برأسه لعدة مرات إلى أن غلبه سلطان النوم هو ايضًا.

———————

صباح يومً جديد داخل الحرم الجامعي

كانت تخطو بخطى واسعة نحو كافتيريا الجامعة كي تجلب أي شيء يساعدها على التركيز في بادئ ذلك اليوم العصيب المليء بالمحاضرات ولكن اوقفها صوته :

– أنسة” نغم “

توقفت ترمقه بنفور ظهر بَين على ملامحها وهدرت بجدية شديدة :

– أفندم

تحمحم “طارق” بحرج من جديتها الزائدة وسألها :

– كنت هسألك على “نادو “أصل من فترة حصل مشكلة وكلنا قلقانين عليها

جعدت ما بين حاجبيها وهي تضم كُتبها واستفسرت بقلق:

– مشكلة ايه ؟؟؟

= طب ممكن نقعد واحكيلك اللي حصل

– أسفة مش بقعد مع حد اتكلم وخلصني

أخبرها “طارق “بما حدث ولكن بالطبع أخفى الجزء الذي يخصه فمنذ ما حدث وهو يكاد يجن و يحاول التواصل مع “نادين” بشتى الطرق لكن بلا جدوى حتى انه توصل به الحال إن يمكث أمام منزلها لعله يلمحها فقط ولكن كافة محاولاته باءت بالفشل

وكونه يعلم أن جميع أفراد شلتهم لا أحد يكترث لها ولا يجرؤ للذهاب لمنزلها خوفًا من ردة فعل ذلك الغبي ولذلك لم يكن أمامه غير الشيخة” نغم” كما يطلقون عليها:

– هتساعديني نطمن عليها

نظرت له شذرًا من أعلاه لأخمص قدمه وقالت بجدية شديدة :

-أكيد أنتو اللي اقنعتوها تخرج معاكم وبسببكم حصل كل ده

نفى برأسه قائلاً:

-لأ…أنتِ فاهمة غلط

قاطعته هي بنبرة آمرة وهي ترفع سبابتها بتحذير:

– مش عايزة اسمع حاجة وابعدوا عنها “نادين” مش شبهكم …وانت بالذات ملكش دعوة بيها” نادين” مكتوب كتبها وجوزها بيحبها وصدقني كل اللي بتعمله ده مفيش منه فايدة

هز رأسه يسايرها وهو يدعي البراءة :

– صدقيني مفيش حاجة بيني وبينها بس هي زميلتنا ولازم نطمن عليها…ارجوكِ بلاش تفهميني غلط

زفرت بنفاذ صبر وأخبرته قبل أن تغادر :

-كنت بتمنى اكون فهماك غلط بس للأسف نواياك فضحاك وباينة في عينك…

نفخ أوداجه وزفر بنفاذ صبر مما جعلها تخبره بحدة وبذات النبرة الآمرة:

– ياريت تطلعها من دماغك و تدور على حد شبهك

لتغادر هي تاركته يجلس على اقرب مقعد ويخرج هاتفه وينقر على شاشته إلى أن توصل لشيء بعينه، لتنمو بسمة آملة على محياه ويصر أكثر على ما برأسه فلن يبتعد مهما كلفه الأمر وحتى إن ضاقت به السُبل فا هو يملك بين يديه دليل قاطع كونها تخصه هو.

————————

رفرفت بأهدابها الكثيفة وأفرجت عن سوداويتها ببسمة حالمة أفترت عنها شفاهها قبل أن تشعر بشيء يعيق حركتها و بأنفاس دافئة تداعب جانب وجهها، مالت بنظراتها قليلًا لتجده يغط في سبات عميق بجانبها و يدفن أنفه بين خصلاتها جحظت عيناها وتعالت وتيرة انفاسها عندما لاحظت ما ترتديه واتت ومضات متقطعة من ليلة أمس أمام عيناها، لتشهق بخفوت و بصدمة عارمة فكم ظنت انه حلم ليس أكثر، لتلعن ذاتها وتلعن كل شيء، تقسم أنها لا تعلم ما أصابها ولا تعلم لمَ طلبت منه أن يظل بجانبها حتى مبادرتها لا تجد لها تفسير بتاتًا كل ما تعلمه أنه يشتتها ويجعلها تتأرجح بين أنتقامها وذلك الشعور الغريب التي إلى الآن تستنكره…فكانت شاردة تسترجع كل ما حدث بوجه يشتعل لا تعرف هل من خجلها أم غضبها غافلة عن حبات قهوته التي كانت تشملها لبضع ثوان قبل أن يتحمحم بنبرة صوته المميزة المتحشرجة بعض الشيء بسبب نومه:

– أنتِ كويسة

نظرت له ببهوت وهي مازالت ساهمة ليمد انامله يتحسس جبينها ويقول بارتياح حاول ان يخفيه عنها:

-مفيش حرارة

ليعتدل بنومته ويسألها بثبات وهو يتعمد أن لا يتطرق لمَ حدث بينهم كي لا يخجلها:

-حاسة انك احسن

ابتلعت غصة بحلقها وردت عليه بأخر شيء توقعه منها وهي تجلس نصف جلسة:

-هو أيه اللي حصل انا مش فاكرة حاجة

تعمدت أن تتصنع جهلها مما جعله

يجعد حاجبيه ينظر لها يظن انه يهيء له ما سمع ولكن لكونه يعلمها تمام المعرفة تفهم أسباب ادعائها.

لم تنتظر حتى رده واستأنفت وهي مطرقة الرأس كي تغير سير الحديث بنبرة مازالت تحمل لمحة من ذلك التمرد اللعين:

-أنا عارفة إن اسبابي عمرها ما هتقنعك…بس عايزاك تعرف ان مكنش قصدي أأذي مامتك

يعلم أن لا فائدة منها فرأسها يابس ولن تتغير على أي حال، ولكن شيء ما بداخله كان يخبره أن يوجد سبب خفي وراء أفعالها وترفض البوح به، وحتى إن باحت فذلك لم يغير شيء فخطئها فادح بالنسبة له مهما كان أسبابه وبالطبع يصعب عليه أن يمرره بتلك السهولة فإن كانت تظن أن تقاربهم ليلة أمس سيؤثر عليه ويجعله يتغاضى فحتماً هي مخطئة، فقد تنهد بعمق وهو يشملها بطريقة مبهمة لم تستشف هي منها شيء إلا حين تفوه قائلًا:

-وفري اسبابك لنفسك علشان مستحيل اصدقك تاني ولو كنتِ فاكرة إن بطريقتك دي هتخلينى نرجع زي الاول فأنتِ غلطانة…

رفعت سودويتها المشتتة له وإن كادت تتفوه مدافعة عن ذاتها باغتها هو بصرامة وبنبرة ثابتة وهو يوليها ظهره ويجلس على طرف الفراش ويسند مرفقيه على ساقيه:

-قراراتي مش هرجع فيها…

لتعترض هي بتمرد وبنبرة اندس بين طياتها لمحة من العتاب الخفي:

-بس أنت عاقبتني ومديت أيدك عليا لأول مرة واظن ده كفاية علشان تثبت سُلطتك عليا…

زفر حانقًا وأخذ يفرك ذقنه ثم التفت ينظر لها نظرة مبهمة أربكتها وجعلت عيناها تغيم وهي تبحث عن دفء عيناه ولكن لم تجد شيء غير الجمود الذي جمد أطرافها حين قال وهو يهب واقفًا دون أي لمحة تهاون واحدة:

-مش أنتِ اللي تقرري وأي حاجة صدرت مني نحيتك فكانت رد فعل منطقي لمصايبك أنا عمري ما كنت همجي معاكِ وطول عمري بحترمك وعمري ما فكرت اهينك بس انتِ اللي أضطرتيني لكده وخرجتني عن شعوري

ذلك أخر شيء تفوه به قبل أن يغادر تاركها تنظر لأثره بملامح بائسة حزينة بسبب تبريره للأمر حتى أنه لم يمهلها وقت كافٍ ليستمع لردها التي عجزت عنه فكان من المفترض أن تثور عليه لتوها لتعنيفه لها وتنقم عليه أكثر ولكن شيء ما بداخلها كان يود شيء أخر، حقًا لا تعلم ما أصابها فهي مشتتة ضائعة لا تعلم أين الصواب أتتمرد عليه من جديد وتنقم عليه وتظل تتمسك بهواجس عقلها أم تنصاع لأنين قلبها و تصرخ بكل صوتها وتطلب منه أن يغفر لها خطيئتها، حقًا هي في حالة صراع ترثى لها ولكن يا ترى متى ستتوقف تلك الحرب الطاحنة التي تفتك بها.

——————-

أما عنه فقد اقنعها بصعوبة بالغة أن لابد من العودة وقطع عطلتهم لأسباب تخص العمل فقد تعذر عليهم التواصل معه لذلك لجئوا ل “يامن” بالنيابة عنه وأخبره بضرورة حضوره لمقر الشركة، نعم كذب عليها ولكن ليس أمامه خيار أخر فقد وعدها أن يعوضها فيما بعد ورغم انها غاضبة منه إلا انه لم يلقي لها بال الآن فكان كل ما يشغله هو الآخرى التي تجرأت على فعل ذلك به، وهاهو يصل تحت بنايته للتو ويتوعد لها أشد الوعيد حتى انه صفع باب سيارته وأخذ يدك الأرض تحت قدمه، و حين فتح باب شقته بمفتاحه زعق بهياج شديد:

-ررررررهف أنتِ فين يا هانم
ررررررررررهف

لم يأته رد مما جعله يستشيط أكثر ويخطو نحو غرفتها ولكن لم يجدها ليخطو نحو غرفة أطفالة وهو يزعق بأسمائهم أيضًا ولكن بلا جدوى فكان كمن أصابه نوبة هلع لتوه حين أخذ يبحث في كل أنش بالشقة ولم يجد لهم أي أثر، هاجس عابر اتى برأسه وكم تمنى أن يكون كاذبًا ولكن لسوء نكبته لم يجد أثر لأغراضهم ايضًا .تنبأ عقله أن من كان يستخف بقدراتها قد تركته وبكامل إرادتها لا والأنكى أنها سلبت منه أطفاله وكافة ماله، وحينها تصلب جسده وجحظت عيناه بصدمة عارمة غير مستوعب أن “رهف” المنكسرة، الضعيفة خاصته استطاعت أن تتركه فطالما كان يثق في قلة حيلتها ولكنها حقًا افحمته بفعلتها

التي لم يتوقع حدوثها في أسوء كوابيسه، فما كان منه غير أن يعدو للخارج وهو يقسم أنه لن يدعها تتخلص منه بتلك السهولة وتسلبه كل شيء فلابد أن يجدها مهما كلفه الأمر.

———————

-صباح الخير يا بنتي

قالتها “ثريا “وهي تدلف لغرفتها وبيدها صينية الطعام،

في بادئة الأمر استغربت “نادين” كونه لم يوصد الباب كعادته ولكن “ثريا “اوضحت لها وهي ترى نظراتها مُسلطة على الباب:

-متقلقيش مش هيحبسك تاني أنا حلفت عليه وهو وعدني

لتستأنف وهي تجلس مواجهة لها على الفراش وتضع الطعام أمامها:

– والله يا بنتي كان على عيني انا غُلوبت معاه بس أنتِ عارفاه على أد حنيته على أد ما زعله وِحش ولما بينشف دماغه مفيش حد بيعرف يقف قصاده

كانت” نادين” تطالعها بنظرات مشدوهة تستغرب أنها تحدثها دون أن تبدي سوءها من فعلتها، ولكن” ثريا “أخبرتها وهي تدس بفمها ملعقة الحساء:

-أنا عارفة انك غلطانة وغلطتي في حقي بس أنا مش هعاتبك دلوقتي انتِ دلوقتي في مِحنة ولازم ابقى جنبك …هستنى لما تشدي حيلك علشان تعرفي تقنعيني بأسبابك…

ابتلعت ما بفمها وقالت وهي منكسة الرأس بحرج:

-مكنش قصدي أأذيكِ أنا…

قاطعتها “ثريا “وهي تدس قطعة من لحم الدجاج بفمها:

-قولتلك هنتعاتب بعدين… المهم دلوقتي انك تاكلي علشان تاخدي العلاج و تشدي حيلك

أومأت لها “نادين” بطاعة لم تكن ابدًا من شيمها، وهي تحاول جاهدة أن تتغاضى عن أفعالها الحانية التي توقد تلك النيران المتأكلة بضميرها .

———————-

– بتقولي ايه يا “نادين”معقول ؟

هدرت بها “نغم” بتعجب بعدما ذهبت لزيارتها ولكن بالطبع لم تخبرها أن “طارق” هو من حثها على ذلك، لتؤكد “نادين”:

-بقولك انا اللي بادرت وخليته يبوسني يا “نغم” أنا مش عارفة عملت كده ازاي أنا مكنتش في وعي وهو استغل تعبي

تنهدت “نغم” وأخبرتها بعقلانية:

-يا بنتي ده جوزك … هو اه مش مستحب لكن يحل ليه وبعدين بلاش تقولي استغل ضعفك وتعبك هو ممكن مشاعره اللي خلته يعمل كده انتِ عارفة انه بيحبك وبعدين ده راجل يا “نادين”وليه طاقة بلاش تظلميه ما انتِ بقالك سنين عايشة معاه في بيت واحد عمره ما فكر يلمسك من غير إرادتك

لتتذمر هي بعدم اقتناع :

-يووووه بقى مش عارفة انا من ساعتها وانا هتجن

= اهدي يا “نادين” واحمدي ربنا انه ماقتلكيش بعد عملتك السوده دي

تنهدت”نادين” وأخبرتها وهي تمرر يدها في خصلاتها:

-بس هو مقصرش معايا ودغدغ العربية والتابلت وخد التلفون ومد ايده عليا ده حتى ما أعتذرش بعديها ولا هان عليه يقول أنه غلطان

لتجيبها “نغم” بكل واقعية:

-هو فعلًا غلط وضرب الزوجة حرام شرعًا بس كمان عدم طاعتك ليه ومخالفة أوامره حرام …

وبعدين خليكِ واقعية شوية واعرفي أن أي راجل مكانه كان عمل كده متنسيش اننا في مجتمع شرقي والرجالة فيه دمها حامي

هزت “نادين” رأسها وتلك المتمردة بداخلها تتولى الرد عنها:

-بس ده مش مبرر مقنع بالنسبالي…كان يقدر يعاقبني بألف طريقة إلا انه يمد ايده عليا

زفرت “نغم” بقوة وأخبرتها و هي تعكس الأمر وتوضح الصورة لها:

-وأنتِ كمان كان في ألف طريقة علشان تكسبيه بيها… بس انتِ كنت بتستهتري وبتعاندي لمجرد العند…وهو كان بيتحملك وبيطول باله عليكِ

تقدري تقوليلي ايه اللي كان غصبه غير انه بيحبك و اوعي تقوليلي فلوسك ….فلوسك دي ملهاش قيمة قصاد كبريائه كراجل ولا قدام أذية امه بسببك أنا لغاية دلوقتي مش قادرة اصدق انك عملتي كده

لوحت “نادين” وعارضتها:

– يوووووه بقى أنتِ متحاملة ليه عليا… قولتلك مكنتش عايزة أَأذيها… شكلي انا اللي غلطانة إني حكتلك من الاساس وبعدين يا شيخة “نغم” لو انا وِحشة كده مصحباني ليه ما تقطعي علاقتك بيا وتريحي نفسك

نظرت لها “نغم” نظرة معاتبة لأبعد حد وردت بعقلانية وهي تكاد تنهض و تنوي المغادرة :

-عارفة أنا كل مرة أقول أيه اللي مصبرني عليكِ ومخليني أصاحبك لغاية دلوقتي رغم كل البلاوي اللي اعرفها عنك …بس بقول يمكن ربنا عايزني أفوقك يا “نادين “وابقى مرايتك اللي اعريكِ قدام نفسك…انا نفسي تبطلي تتحاملي عليه وعلى الست الطيبة اللي ربتك هما مش سبب نكبتك يا “نادين” وملهمش دخل بالأفكار اللي في دماغك

زفرت “نادين” بضيق وغامت عيناها وهي تتمسك بذراعها تمنعها قائلة بندم حقيقي :

– آنا آسفة يا “نغم” والله مش قاصدي أزعلك أنتِ عارفة إني مش برتاح غير ليكِ…لتفر دمعاتها وهي تسند ظهرها على جذع الفراش وتقول بتشتت وضياع طفلة فقدت أبويها ولا تعلم أين سبيل آمانها :

– انا مش عارفة مالي متلخبطة وتايهة علشان خاطري بلاش تزعلي مني ….انتِ معاكِ حق ….وانا عارفة بس غصب عني بلاقي نفسي بعاند ……بكره تحكماته بكره سُلطته عليا ……فكرة أنه مفروض عليا دي بتخليني عايزة اهرب ….وأخرج عن المألوف ديمًا…وحتى لما بعاند معاه كان بيكسرني ويفرض سُلطته عليا وعمره ما سأل نفسه انا بعمل كده ليه… انا موافقاكِ على كل حاجة بس هو سبب نكبتي فعلًا هو و الست الطيبة اللي انتِ تقصديها سبب موت أمي ….لتشهق ببكاء مرير وتضيف بنبرة مختنقة تدمي القلب:

-الست دي كانت اقرب واحدة لأمي ومع ذلك غدرت بيها و ضحكت على ابويا وطمعت فيه لنفسها واتجوزته لو مكنتش هي عملت كده مكنش زمان امي موتت نفسها…ومكنش زمانها سابتني ولا اتخلت عن حياتها

فرت دمعات” نغم” بتضامن معها وقالت وهي تجلس من جديد بجانبها ولكن تلك المرة تحاوطها وتربت على ظهرها قائلة بمواساة:

-ده قدرها وآجلها كده وربنا سبحانه وتعالى قال: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)

ادعيلها بالرحمة وأنسي كل اللي فات وابدأي صفحة جديدة مع نفسك وبصي لحياتك من منظور تاني متفضلش طول عمرك باصة وراكِ علشان عمرك ما هتيجي خطوة لقدام

اومأت لها من بين نحيبها لتشدد “نغم ” على احتضانها وتمسد على ظهرها وتظل تحفزها على العمل بنصيحتها غافلين عن تلك التي استمعت لجزء كبير من حديثهم دون قصد، فقد نخر الألم قلبها وتثاقل عقلها بالذكريات المريرة وقررت ان تخالف وعدها ل “غالية” فلامجال من أخفاء الأمر أكثر طالما الأمر ينغص عليهم صفو حياتهم فلابد أن تخبرها بكل شيء وتدعو أن يسامحها الله كونها ستنقض وعدها

———————

كان يعلم أنها لن تلجأ إلا لها ولذلك كان يطرق على باب شقتها زاعقًا ما أن فتحت له:

-هي فين….

جعدت “سعاد” حاجبيها وادعت جهلها:

-انت بتزعق ليه، ايه الهمجية بتاعتك دي

أزاحها عن طريقه وهدر غاضبًا:

-أنتِ لسة شوفتي همجية ده انا هفضحكم واخلي اللي ما يشتري يتفرج عليكِ انت وبنت عمك

تأهبت “سعاد” بعدائية وهدرت بشجاعة لطالما كانت تميزها:

– اعلى ما في خيلك أركبه ولو فاكر أني هخاف من واحد زيك تبقى غلطان…

جز على نواجذه وصاح بغيظ:

-لأ لازم تخافي علشان أنا متأكد مليون في المية ان ده من تدبيرك أنتِ، مراتي أضعف من أنها تعمل حاجة زي كده من نفسها

حانت من “سعاد” بسمة متهكمة وأخبرته بتشفي واضح وهي تربع يدها على صدرها:

-صدقني لو في حد ورا قرارها ده فهو أنانيتك وقهرك ليها

لم يعجبه حديثها بالمرة حتى ان معالم وجهه تقلصت وهدر بعروق مشدودة وبعيون يحتلها الغضب وهو يلوح بيده امام وجهها ساخطًا:

– أنا مش ناقص مواعظ وحكم من جنابك… وبعدين ده انا اوديها في ستين داهية دي سرقتني وخطفت ولادي

رفعت “سعاد” حاجبيها وهدرت بغيظ شديد وهي تلوح بيدها امام وجهه دون أن تهاب غضبه:

-“رهف” مش حرامية ومحدش بيخطف ولاده …انت اللي …..

كادت “سعاد” أن تسبه وتفش غليلها منه ولكن “رهف” قاطعتها بعدما خرجت لتوها من احد الغرف و استمعت لجزء من مشادتهم:

-“سعاد” كفاية لو سمحتي

كبحت “سعاد “رغبتها بصعوبة بالغة عنه، فكان هو جاحظ العينين يستنكر ما كانت تنوي أن تتفوه به، وما أن صدر صوت “رهف” اختصر المسافة بينه وبيها بخطوتان وجذبها من ذراعها هادرًا:

-عجبك الفضايح دي وقلة القيمة ماشي يا “رهف” بقى انا يتعمل فيا كده…

شهقت “سعاد”وقالت بدفاع مستميت وهي تندفع نحوه:

-انت اتجننت عايز تمد ايدك عليها كمان

ليرد هو متجبرتٍ:

– دي مراتي واكسر دماغها لو خرجت عن طوعي

جذبت “رهف “ذراعها من قبضته وقالت بنفاذ صبر:

– كفاية بقى… ياريت تتكلم بأسلوب احسن من ده علشان نوصل لحل

ترك ذراعها و ولاها ظهره يمرر أنامله بخصلاته بطريقة فوضوية كي يهدأ، بينما هي طلبت من “سعاد” بعيون راجية:

– سبيني معاه يا “سعاد” لو سمحتي

كادت أن تعترض “سعاد” فهي تخشى ان يؤذيها ولكن “رهف” طمئنتها بعيناها وحثتها على تركها، لتنصاع لها قائلة بنبرة عدائية وهي تشمله بنظرة تحذيرية:

-تمام انا هجيب حاجات من السوبر ماركت قبل ما الولاد يرجعوا من المدرسة… عشر دقايق ومش هتأخر عليكِ

أومات لها”رهف”، وحين غادرت هدر هو بنبرة غاضبة للغاية:

-سحبتي الفلوس كلها ليه ؟؟

أجابته بنبرة ثابتة عكس ثورة دواخلها:

-وايه المشكلة هو مش أنا وأنت واحد وأنت دايمًا تقولي خدي اللي انتِ عايزاه…

جز على نواجذه و صرخ بإنفعال :

-رررررررررررررهف بلاش استفزاز وديتي الفلوس فين؟ وازاي في البنك محدش رجعلي ده انا هوديهم في داهية

وضحت وهي ترفع منكبيها ببرود تعمدته و استفزه بشدة :

-هما نفذوا تعليماتك انت نسيت انك أنت بنفسك قولتهم ينفذوا كل أوامري و ميرجعوش ليك.

جذبها من ذراعيها الاثنين بعنف وصرخ أمام وجهها وهو يأرجحها بين يده :

– انتِ مخططة بقى لكل حاجة…

أد ايه أنتِ خبيثة…أنا ازاي كنت مخدوع فيكِ!!

نفضت يده التي تعتصر ذراعها وقد تخلت أخيرًا عن دور الثبات التي تدعيه وهدرت موضحة بكل ثقة:

– انا مش خبيثة…دي فلوسي وفلوس ولادي وانا أخدت حقهم…

زئر بقوة من استفزازها وتناول أحد المزهريات القريبة وقذفها بالحائط خلفها مماجعلها تنكمش وتحمي رأسها كردة فعل تلقائية منها.

ليثور هو وكأن عقله يرفض الاستيعاب بعد:

-أنا مش قادر أصدق ازاي يجيلك الجرأة وتعملي كده … اكيد ده تخطيط “سعاد” هانم بنت عمك هي اللي عصتك عليا وخلتك تسرقيني

رفعت جانب فمها هازئة من اتهامه، وحقًا أصبحت تمقت دور الضحية التي يتقمصه وكأنه ملاك و لم يخطئ مطلقًا فسابقًا كانت تتركه يتحامل عليها ويعلق عليها كافة اخطائه وينسبها لها ولكن الأن قد زالت تلك الغشاوة التي تحجب رؤيتها ولن تسمح له أن يؤذيها أكثر لذلك رشقته بنظرات متخاذلة كي تذكره بفعلته وردت بنبرة مفعمة بالثقة:

-أنا مش محتاجة حد يعصيني كل الحكاية إني عرفتك على حقيقتك

-ومالها حقيقتي بقى يا هانم مش عجباكِ دلوقتي علشان قررت اعوض النقص اللي أنت مش عارفة تكمليه بزوجة تانية

كفى … حقًا اكتفيت… ذلك ما صرخ به عقلها وجعلها تهاجمه بحديثها بشراسة قتالية فاجأته كثيرًا وجعلت نيران غضبه تتأجج أكثر:

-النقص في دماغك وفي رجولتك مش فيا.

جز على نواجذه من اهانتها و وهدر من بين اسنانه وهو يربت على وجنتها بشيء من القسوة و بطريقة مستخفة:

-احترمي نفسك أحسنلك انا بس عامل اعتبار أنك حامل ومش عايز اتغابى عليكِ…خليكِ عاقلة يا “رهف” ورجعي الفلوس وارجعي بيتك ويا دار مادخلك شر

تراجعت برأسها لتبتعد عن مرمى يده بملامح متقلصة نافرة و لوهلة أخذت تتأمل وجهه بنظرة مطولة وكأنها تراه لأول مرة. شعر بالريبة من نظراتها وضيق قاتمتيه وهو لا يستسيغ ردود أفعالها التي تجرأت للتو وانفجرت به قائلة بكل ثقة وهي تتعمد أن تنظر داخل عمق عينه بتحدي بائن وكأنها أرادت أن تكشف الستار عن تلك القناعات التي تبدلت بداخلها بفضله:

-انت عارف ايه مشكلتك أنك حد تفكيره محدود عمره ماعرف ازاي يرضى باللي ربنا قسمه له، ده غير انك كنت بتضغط عليا بكل قوتك وأنت عارف إني هتحمل… كنت بتستغل حبي ليك وإن مليش حد غيرك وبتستقوى عليا… ونسيت أن ليا طاقة وكنت دايمًا بتتحامل عليا وتطلعني مذنبة لغاية مخلتني فعلاً اصدق اني حد وِحش وميتعاشرش… خليت ثقتي في نفسي معدومة من كتر ما بتنتقدني وتعدل عليا حتى ولادي مسلموش من أذاك وتصرفاتك أثرت بالسلب على نفسيتهم وسلوكهم

لتتناول نفس عميق مثقل بالكثير وتضيف وهي تهز رأسها ببسمة ساخرة تحمل الكثير من الخذلان:

-وكأن كل ده مكنش كافي ليك علشان تأذيني و دوست على كرامتي بجزمتك واتهمتني بالنقص علشان تروح تترمى في حضن واحدة تانية و معملتش حساب لأي حاجة غير انك ترضي غريزتك وبس… والمفروض إني اتحمل برضو وأصبر علشان مليش غيرك…. لأ ….انا بعترفلك انا السبب كنت مغيبة وخليتك تستغل نقط ضعفي و اديتك الفرصة أنك تطعن انوثتي وتدوس عليا لكن دلوقتي انا فوقت واتشالت الغشاوة من على عيني و مستحيل اسيبك تاخد حقي وحق ولادي وتضيعه على واحدة تانية… بأكدلك بعلو صوتي لهنا…. ولأ…. وألف….. لأ كمان…… أنا مش هرجع قرش واحد ليك …وعمري ما هرجع بيتك تاني ولو كنت طلبت الطلاق مرة عمري ما هتذللك تاني وهعرف ازاي اخلص منك

كانت تتحدث بتشنج و دفعة واحدة وبنبرة رغم ثباتها ولكنها كانت محملة بالألم والخذلان بين طياتها فكل انش بداخل هشيمها يحفزها على الصمود حتى عيناها كانت أبية ترفض أن تذرف الدموع هدر من أجله فيكفي ما فاضت به في الأيام السابقة ونعت به حظ قلبها فكانت في صميمها تقرر أن تثأر لكبريائها وتتخلى عن لين قلبها وتتحلى بالقوة التي كانت تتوارى دائمًا خلف رداء الطاعة والولاء له فيبدو أنها كانت تدخرها ليوم كذلك كي تواجهه بما كان يغوص بقلبها ويثقل خفقاته حد العناء.

حديثها كان متحدي له و مهين لكبريائه كرجل ولذلك صرخ بها بهياج شديد وبجبروت مقيت سيندم عليه:

-عمرك ما هتعرفي تخلصي مني و اسمعي بقى… طلاق مش هطلق وهسيبك كده زي البيت الوقف وغصب عنك يا “رهف” لازم ترضي بالأمر الواقع.

نفت برأسها برفض قاطع وبعيون متحدية، وما إن كادت تعترض باغتها هو:

-بلاش تتسرعي وفكري في ولادك وعلشان خاطر العِشرة اللي بينا هطلع معاكِ جدع و هديكِ مهلة تهدي وتشيلي الافكار المسمومة دي من دماغك وفي ظرف يومين أتنين تكوني رجعتي بيتك ومعاكِ الفلوس يأما إقسم بالله ليكون ليا تصرف عمره ما هيعجبك ابداً

اجابته بإصرار وبكل ثقة دون أن تفكر حتى بوعيده وكأنها خططت لشيء آخر يردعه:

-مش هرجع أنا مستحيل اعيش تاني مع واحد زيك

زمجر من جديد بنفاذ صبر وهو يحكم قبضته على ذراعها بغضب أعمى وشيطانه مازال مُصر كونها أضعف من تلك القوة التي تدعيها وأهون من ذلك الإصرار المقيت:

-هوريكِ الحقير ده هيعمل ايه؟

لما تنزلي ولادك وميرجعوش لحضنك تاني و وقتها وحياتك لهخليكِ تبوسي رجلي علشان ترجعيلي تاني

عند ذكر ابنائها احتل الخوف عيناها و شعرت بغريزتها الأمومية تنهش بها وتحثها على شيء ترتعب أن تضطر له ليصدر صوتها مهزوز بعض الشيء حين قالت:

-متقدرتش تاخدهم….

صدر من فمه صوت ساخط كعادته عندما يستخف بشيء وهسهس أمام وجهها:

-لأ اقدر وهتشوفِ ازاي هقنع الدنيا كلها انك حرامية وقليلة الأصل و ولادك ساعتها هما اللي هيتبرو منك ويستعرو أن أنك أمهم واحدة شبهك

نفت برأسها بعدم استيعاب وصرخت به:

-انت ازاي حقير كده

غضبه أعماه على الأخير من تطاولها معه فكان يشعر بغلّ وغيظ شديد جعله لم يتحكم بردود فعله حين دفعها بكل غلّ واسقطها على تلك الأرض الصلبة القاسية التي ما إن ارتطمت بها صرخت صرخة مدوية من شدتها جعلت “سعاد” التي كانت تتسلق درج البناية بروية تهرع لها… وما إن فتحت باب الشقة و وجدتها طريحة بالأرض صرخت به ودفعته بقوة خارج منزلها قائلة بعدائية شديدة:

-منك لله يا حيوان … اطلع برة ومتورناش وشك تاني

(ميراكريم)

حانت منه بسمة متجبرتة وصدر من فمه ذلك الصوت الساخر الذي يشتهر به وهسهس بوعيد قبل أن يغادر:

-همشي … وهما يومين بس يا “رهف” وتنفذي اللي قولت عليه أحسن ما هوريكِ الحقير اللي مش عجبك ده هيعمل فيكِ ايه

ذلك أخر شيء تفوه به قبل أن تدفعه” سعاد” دفعة أخيرة خارج باب شقتها وتغلق الباب بوجهه بكل قوة جعلته يستشيط أكثر وأكثر وهو يغادر بخطوات واسعة يتأكلها الغضب.

بينما هي كانت مازالت طريحة بأرضها حين هرولت لها “سعاد” قائلة بنبرة نادمة متحسرة على ما أصابها وهي تحاول أن تساعدها كي تنهض:

-مكنش لازم اسيبكم سوا بس أنتِ اللي اصريتي

لم تعقب بل كان وجهها يشحب تدريجيًا وهي تشعر بمغصة قوية ببطنها لتثني ساقيها وتحتضن أسفل معدتها بذراعها وكأنها تواسي ساكن احشائها على الصمود مثلها ولكن هو كان له رأي أخر.

فقد قطمت شفاهها السفلية بقوة وأغمضت عيناها و هي تشعر بالألم يزيد رويدًا رويدًا

وحينها تفسد جبينها بالعرق و انهمرت دمعاتها بقهر لا مثيل له وهي تشعر بأنسلاخ قطعة من روحها.

لتصرخ صرخة ممزقة نابعة من أعماق أحشائها التي يبدو انها حتى هي رفضت أن تحتفظ بشيء يخصه .

لتغمغم بقهر وبنبرة مرتعشة واهنة من شدة الألم:

-اه ه ه ه ه ه ه ه ه ألحقيني يا”سعاد”….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!