روايات

رواية الغزال الباكي الفصل الثاني 2 بقلم إيمان كمال

رواية الغزال الباكي الفصل الثاني 2 بقلم إيمان كمال

رواية الغزال الباكي الجزء الثاني

رواية الغزال الباكي البارت الثاني

رواية الغزال الباكي
رواية الغزال الباكي

رواية الغزال الباكي الحلقة الثانية

مر الوقت على الأم والأخ كالدهر، عيناهما متعلقه عليها ربما في لحظة تفوق وتعود من جديد تضئ حياتهما، لكن غفوتها طالت وتسرب القلق والتوتر وتملكهما، وقف “سند” مثل المكذوب متجهًا نحو الطبيب يسأله عن حالتها، ولماذا لم تفيق حتى الآن؟
توجهان لغرفتها، وتابع مؤشرات الحاله وقال:
– انا عايزكم تتطمنوا الحمدلله كل المؤشرات ممتازة، بس تقريبًا هي اللي بتهرب من عالمها، ومش عايزة تفوق.
– يعني اية يابني معلش فهمني، بنتي ليه مش عايزة تفوق؟
– تقريبا كده يا أمي هي تحت ضغط نفسي قوي، و بتعاني من مشكلة مخلياها رافضه الرجوع للحياة من تاني، عقلها رافض بشده.
– طب والحل؟
– ده متوقف عليها هي، اصبروا ربما تفوق في أي لحظة.
استمع “فؤاد” لكلام الطبيب، وللحظة واحده شعر بتأنيب الضمير تجاها، وانه المتسبب في حالتها، اقترب منها ونادى عليها وقال:
– غزال.. فوقي يا غزال واللي انتي عايزاه هعمله، بس فوقي بالله عليكي.
سمعت صوته وحددت نبرته، فكم اصبحت تبغض هذا الصوت هو وصاحبه، فتحت مقلتيها، ورمقته بغضب وصاحت بصراخ وانهيار قائلة:
– ابعد عني.. مش عايزة اشوفگ… مش عايزة أسمع صوتگ تاني.. انا بكرهگ.. بكرهگ من كل قلبي.. على اد ما حبيتگ.. على اد ما انا مش عايزة المح طيفگ قصاد عيني… مشوه من هنا، ارجوكوا، يارتي كنت مت !!
ليه انقذتوا حياتي…. انا مش عايزة أعيش في دنيا هو فيها…
ظلت تصرخ وتبكي، اخذتها والدتها في احضانها تحاول تهدأتها، لكنها فشلت، نادى الطبيب على الممرضة تعطي لها حقنه مهدئه، بينما وقف اخاها يربت عليها، وحين انتبهت له قالت بوهن:
– طلقني منه يا سند ارجوگ، مش انت سندي واخويا، مش عايزاه، مش هقدر اكمل معاه بعد ما وجعني و كسرني، وهدم ثقتي بنفسي، ارجوگ.
قالت آخر كلامها وغابت عن وعيها من اثر تناول الحقنه، وبعدها اقترب “سند” منه وباغته بلكمه في وجهه اوقعته ارضًا، ثم تقدم وامسكه وتوالت الضربات بكل ما أوتي من قوة، غير مراعي للمكان، وحين تعالت اصواتهما، هرول إليهما الأمن ليفض بينهما الشجار، ويخرجهما خارج المشفى، فصاح فيه “سند” وطالبه بإطلاق سراح اخته وينفصل بكل هدوء، وجاءت اللحظة التي يتمناها “فؤاد” ونطق كلمه الطلاق، فلم يكتفي بذلگ “سند” بل ذهب معه عند المأذون ليطلقها رسمي غيابيًا، ثم رجع لها وجلس بجوار والدته وقص ما عمله، حزنت لحال ابنتها وسوء حظها الذي اوقعها مع أشباه رجلا، لكن إبنها ربت على كتفها وقال:
– متزعليش يا أمي، الحمدلله انها جت على اد كده، انا من الأول مكنتش موافق عليه، عمري ما استريحت له، لكن هي اللي صممت، وادي النتيجة وصلها انها تنتحر وتموت نفسها، احمدي ربنا انها نجيت منها، وربنا يعوضها خير.
– عندگ حق يا سند، ربنا كبير وقادر يرزقها بأحسن منه.
– طب ممكن حضرتگ تقومي معايا اروحگ، هي واخده مهدأ مش هتفوق غير الصبح.
بصرته بحزن ورفعت سبابتها امام ثغرها وقالت :
– ابدا والله ما اقوم ولا ارقد جسمي على فرشتي طول ما بنتي بالشكل ده، روح انت زمان مراتگ تعبانه مع العيال ومطلعين عينيها، ربنا يعينها، وقولها معلش تستحمل بس الواد لحد امه ما تخرج بالسلامة.
– اية بس اللي بتقوليه ده يا أمي، سمية بنت أصول، وعمرها ما هتضايق، ادخلي ريحي انتِ على الكنبة دي، وانا هروح اوصي الممرضة تبعتلگ فرش، وهجبلگ اكل معايا.
– لأ مش هقدر ابلع لقمه في جوفي، روح انت لعيالگ، وربنا يعينگ عليهم.
– حتى لو مش هتاكلي، يبقى جنبگ، لازم تتقوي عشان تقدري تقفي على رجلگ، و نقدر نسندها يا أمي، ولا اية؟
– حاضر يا بني، ربنا يعدي الازمه دي على خير يارب.
– بإذن الله كله هيعدي، وهتبقى ذكرى تفتكرها وتضحگ عليها، غزال انا واثق انها هتقوى وتخرج من التجربة دي احسن الف مره من قبل كده، احنا بس ندعلها من قلبنا وربنا كريم.
– كله خير من عند ربنا، قوم انت شوف حالگ يا بني، عشان متتأخرش اكتر من كده.
تركها و اوصى الممرضة بأن تجلب لها غطاء، ثم ذهب لشراء وجبه طعام وعاود ليطعمها وتحت ضغط منه بعد ان ادعى انه يأكل حتى تتناول والدته القليل، ثم تركها وتوجهه لمنزله، وعندما وصل كان صراخ “شادي” لا يهدأ، هرول مسرعًا نحو زوجته، وجدها تسير لتهدأه، وحين رأته قالت:
– ينفع كده يا سند كل دي مكالمات بتصل بيگ وانت مش بترد عليا؟
نظر لهاتفه فوجوده على وضع الصامت، فعتذر لها وقال:
– آسف معلش مأخدتش بالي انه صامت، كان في حاجة؟ وليه شادي بيعيط كده؟
اخذه منها وربت على ظهره وقبله بحنان شديد، ثم قالت له:
– كنت عايزة اسألگ على نوع اللبن اللي بياخده، الولد يا قلب امه جعان، وانا مش عارفه غزال بتأكله ايه في سنه ده؟
– انا ملقتش هناگ أي لبن خالص، طب اية الحل؟ اوديه لدكتور أطفال يكتبله على لبن، ولا اعمل أية؟
– مش عارفه يا سند، خايفة الولد ياخد لبن صناعي؛ يقوم يرفض لبن امه بعد كده؟
– شكل الموضوع هيطول يا سمية، يعني هنموت الولد، أنا هاخده وانزل بيه الصيدلية اللي على أول الشارع، منها يتهوى والدكتور هناگ يشوفه ويديني لبن ياخده.
– خلاص اللي تشوفه ياحبيبي، ربنا معاه ويشفي امه يارب، هي عامله اية دلوقتي طمني عليها، والله عايزة اروح اشوفها بنفسي، بس مش عارفه اودي الولاد فين؟
رد والحزن كسا وجهه رادفًا:
– كتر خيرگ انگ مراعيه ابنها، وهي ربنا يتولاها برحمته، منهاره يا سمية، منه لله جوزها، حسبي الله ونعم الوكيل فيه، هو اللي وصلها للانتحار، يالا هيروح من ربنا فين.
– لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ربنا يعفو عنها يارب، ويعوضها خير، ومفيش بنا شكر، غزال تعتبر أخت ليا، واشيل ابنها جوه عينيا.
ضمها وقبل جبينها بحب وقال:
– بنت اصول يا سمية، انا قولت لماما نفس الكلام، ان سمية بنت اصول ومش هتقصر، ربنا يكرمگ يارب، هنزل أنا اجيب اللبن، مش عايزة حاجة اشترهالگ؟
– سلامتگ ياحبيبي.
– هما صحيح الولاد فين مشفتش حد منهم؟
– فضلوا يلعبوا مع شادي شوية، ولما فتح في العياط، سابوه ودخلوا يناموا.
هز رأسه بتفهم ثم غادر لأسفل ليجلب للطفل اللبن، و حين استنشق عبير الهواء سبلت عيناه، و غاص في سبات، قام بشراء المطلوب ومعه الزجاجات الخاصه به، ثم عاود لمنزله.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ظل “فؤاد” يسير في الطرقات لا يعرف أين يذهب، مشاعره في حرب ضميره وعقله ينهره بشده لما فعل معها، بينما قلبه يرقص ويدق طبول الفرح لتخلصه منها ولقربه من حبيبته “يارا” للمره الأولى تختلف المعادلة ولكن لكل قاعده شواذ، فـ كان دائما العقل يقف ضد القلب؛ ولكن في حالة “فؤاد” قلبه هو من يقف ضد العقل، لأن قلبه امتلكته امرأه أخرى غير زوجته، ظل في حربه تلگ، حتى وصلت قدماه إلى منزله، صعد وحين انفرج الباب ودخل؛ وجد الصمت و السكون ملئ كل الجدران، حاله من الصمت الرهيب، كأن البيت فقد الروح وبقى بدون روح، هل كانت غزال هي من تجعل للمنزل روح مبهجه؟
أين ترحابها وابتسامتها له؟
لماذا عقله يستخدم اسلوب السيطرة عليه ويذكره بكل ما مضى؟
يذكره باهتمامها له، بتلبية مطالبه بدون أن يطلب، عيناه وقعت على كوب الشاي الذي مازال ممتلئ ولم يرتشف منه اي رشفه، وبجانبه الكعكه التي اعدتها له ولم ينتبه لهما، تذكر كل مره وضعته له مع ابتسامه تشق الشفاه وبكل حب تدعو له ان يتناوله بالهناء والشفاء، ولم يلقي على مسامعها كلمه شكر لمره واحده.
نهض و وقف بجانب مائدة الطعام، فكم من المرات غضب على الطعام، بسبب قلة الملح او زيادته، وهي ترد عليه بكل هدوء وتعتذر، ثم تركض لتعد طعام غيره بمنتهى الرضا وبدون تعقيب؟!
أغمض عيونه وسجن تلگ الذكريات، ثم دخل غرفة نومه، وشاهد ما فعلته بالمرآه، وحالة الفوضى بها، تعجب بشدة، فـ لم يتوقع ان حديثة معها هو من فعل بها كل ذلگ !!
جلس على فراشه وتأثر، استلقى ومدد جسده وصورتها تتبختر أمام مقلتيه، يشتم رائحتها في الغرفة، يشعر بلمسه يداها على ظهره حين كانت تحاول معه لتقترب منه، وهو يرفض ويوليها ظهرة بكل قسوة غير مراعي لمشاعرها، نعم كان يقسو عليها ويحرمها من ابسط حقوقها في الحياة، وهي لم تشتكي يوم او تثور، بل هو الذي كان يثور لاتفه الأسباب، ولم يكتفي بكل ذلگ بل هجر فراشها واصبحت غرفة الاطفال هي ملجئ هروبه منها.
ظل عقله يجلده بسواط من حديد، وحرم عليه النوم، فكان سطوته عليه اشد آلاف المرات من قلبه، ايقن انه اضاعها للأبد، وعند هذا اليقين صرخ القلب واوجفت نبضاته بسرعة توهمه بالجنة التي وعدته بها محبوبته، وان الآتي سيكون افضل مما مضى، تبسم “فؤاد” وقال في نفسه بسعاده:
– ايوه كده احسن، ويارا هتعيشني اللي عمري ما شوفته مع غزال، لازم انسى غزال و امسحها من حياتي، وأعيش بس لـ يارا، وفي اقرب وقت هبيع شقتي دي عشان انسى كل ذكرياتي معاها، واشتري شقة تانيه بذكريات أجمل وأحلى.
توصل لهذا القرار، وقرر أنه سيبلغ حارس العقار ويعرض الشقة للبيع، هاتفه و ابلغه بالمبلغ الذي يريده، وما ان انهى معه، وانتشر الخبر بين السكان على جروب العقار، وعندما علمت جارتها “هناء” شهقت بفزع وتعجبت من زوجها، كيف يتصرف في شقتها وهي ما زالت بالمشفى مريضة، لذا استأذنت من زوجها بزيارتها غدا لتطمئن عليها.
لم تغفى عينان والدة غزال دقيقة، فـ طوال الوقت محدقاها بعيون مترقبه لعلها تستيقظ وتطمئن عليها، لم تجيب لحديث الممرضة لها بأن تستريح ولو قليلا، فكيف لعيون الأم تنام وهي تشعر بأن فلذة كبدها تتألم، ظلت تبكي في صمت حتى أشرق نور الصباح، وفاقت على صوت ابنها يلقي عليها تحية الصباح ويتسائل بنبره قلقة:
– شكلگ منمتيش يا أمي؟!
– ما ينام إلا خالي البال يا سند، طمني شادي عامل اية؟
– اطمني زي الفل، سمية مخليه بالها منه، المهم غزال لسه على حالتها؟
نظرت إليها في حزن وقالت:
– لسه يا بني، مفيش جديد.
– هروح اشوف الدكتور يطمني عليها.
خرج و اثناء خروجه تقابل مع جارتها، فـ القت عليه التحيه و ولجت للداخل وتعرفت على والدتها وقالت:
– انا هناء جارة غزال، حبيت اطمن عليها، عامله اية يا طنط دلوقتي؟
– اهلا يا بنتي، اهي زي ما هيه، من وقت ما فاقت وصرخت في جوزها منه لله، وهي نايمه بعد ما اخدت مهدأ يهديها.
– يا خبر، هو استاذ فؤاد السبب في حالتها دي؟
– ايوة، امال هيكون مين غيره؟ ده اخوها طلقها منه امبارح بعد ما اتحايلت عليه.
حين سمعت اخر جمله ادركت الآن لماذا قرر بيع شقته، لذلگ كان عليها ان تقول ما تعرفه:
– الحمدلله اني جيت في الوقت المناسب عشان اقولك وانبهگ يا طنط تاخدي بالگ قبل الكارثة ما تحصل؟!
حدقتها في خوف وصكت بيدها على صدرها في ذهول قائلة:
– كارثة؟! كارثة اية كفالله الشر يابنتي قلقتيني، هيحصل اية اكتر من اللي بنتي بقت فيه؟
– جوزها أعلن عن بيعه للشقة بتاعة.
وهنا كانت الصدمه تعتلي وجهها، فصكت على وجنتيها هذه المره، في حركة معتاده عليها حين تسمع خبرًا سيئًا وقالت:
– يا نهاري، هي وصلت لحد كده؟! الواطي الدون، قليل الأصل عايز يبيع شقة بنتي بعفشها وحاجاتها وهي حاضنه؟
جاء “سند” وتعجب من حديث والدته فسألها، فأجابت:
– الحق يا سند، شقة اختگ الندل عرضها للبيع لولا بنت الاصول دي نبهتنا، كان حق المسكينة دي راح.
– هو فاكرها سايبه ولا اية؟ وديني لهوريه الوش التاني، وهروح اعمله محضر اثبات حق ملكيتها للشقة بحكم انها حاضنه، ويوريني هيتصرف فيها ازاي؟
– روح بسرعة يا سند على الشقة واستنى لما يخرج وخد معاگ نجار وغير كالون الباب، وحط قفل على الباب.
– حاضر يا أمي، وبعدها هعمله محضر اثبت فيه ان اختي حاضنه للشقة و يوريني هيعمل ايه؟
– ايوة كده، وجمعله هدومه في شنطة عشان ميبقاش له حجه.
– انا الود ودي اولع فيه هو هدومه.
قال كلامه وعيناه تطير منهما الشرار، خرج لينفذ ما يريدة، ولحسن الحظ انه عندما سأل عليه اعلم بعدم وجوده، فكانت فكره جيدة عندما اخذ منه مفتاح الشقة، استجاب للهاتف الذي راوده عمل نسخه منه، والآن جاءت وقتها، بدل كالون الباب، ولم يكتفي “سند” بذلگ بل هاتف ايضًا حداد وتم عمل باب حديدي على باب الشقة ليمنعه من الدخول نهائي، و وضع عليه قفلا عليه، ثم دفع حساب العمال وانصرف بعد ان حمل حقيبة سفر كبيرة واعطاها لحارس العقار ليعطيها لطليقها عند عودته، وانطلق لقسم الشرطة يكتب بلاغًا فيه، ويثبت حق اخته وتمكينها من الشقة عند خروجها من المشفى.
وعاد بعد انتهاء عمله “فؤاد” وعندما شاهد المنظر اصابته الصدمه، وامسگ الباب الحديدي يهزه ويحركه بكل قوة، كمن حبس داخل عرينه ويريد الفرار والحرية، كان صوت زئيره يعلو وهو ينادي على الحارس، الذي سمع صوت زأيره انتفض وصعد له وحين رآه صاح فيه وسأله فقال الاخر:
– يا فندم أنا مليش دعوه، اخو الست غزال هو اللي جه وعمل كده؟
– ومتصلتش بيا ليا يا بني آدم؟
– يا بيه ساعتها اتصلت بيگ كتير لكن المحمول بتاعگ كان مقفول، انا ذنبي اية؟ و اخوها ساب لسيادتگ شنطة هدومگ معايا تحت.
– هي حصلت لكده، ماشي يا سند اما وريتگ مبقاش انا !!
انحدر لأسفل يأخذ الحقيبه، ثم توجه لمنزل والده، وعندما شاهده والده قال له متسائل بلهفه:
– خير يا فؤاد، جاي بشنطة هدومگ ليه يا بني؟
وضع الحقيبه بجانبه وجلس و وجهه مكفهر من الغضب قائل:
– اخو الهانم طلقتي، غير كالون الباب وحط باب حديدي عليه، عشان يمنعني ادخل شقتي، شوفت قلة ادب اكتر من كده؟
ذهل والده مما قال، وتعجب بشده كيف له ان يفعل ذلك؟ لكن راجع حديثه واستوقف عند كلمه طلقتي وقال بصوت مرتفع:
– انت بتقول طلقتي؟ انت طلقت غزال يافؤاد؟
– ايوة طلقتها امبارح.
رد ببرود شديد، وبلا مبالاه، جعلت والده يستشاط غضبًا، فسأله عن السبب، فـ قص عليه ما حدث، نهض والده الحنون والمحب لزوجته، وامسكه بغضب قائل:
– انت أكيد اتجننت في عقلگ يا فؤاد، بقى تطلق مراتگ الست الكومل اللي عمرها ما غلطت فيگ ولا في أي حد يخصگ، وكانت بتعامل الكل بالترحاب، والوجهه البشوش، عشان بس وزنها زاد؟!
اخس عليگ وعلى تربيتگ، عمري ما كنت اتصور انگ تطلع بالحقاره دي ابدا، يا خسارة تربيتي، الحمدلله ان امگ ماتت قبل ما تشوف اليوم اللي ابنها هد بيته وخربه باستهتاره، ذنبها اية المسكينة الراقده في المستشفى دي؛ بدل ما تقف جنبها وتحاول تطيب جرحها منگ، تقوم تطلقها.
قاطعه ورد بعنف لشده هجومه عليه رادفًا:
– انت مالگ مكبر الموضوع كده ليه؟ تكنش هي اللي بنتگ؟! اللي حصل حصل خلاص، انت يا بابا مش حاسس بيا، انا كنت مدفون معاها، دي مكنتش ست، كل يوم كنت بكبر فيه عشر سنين، كرهت العيشه معاها، وبكره هتجوز ست ستها، بس للأسف الشديد كده الشقة طارت ومش هعرف اجيب غيرها، الا إذا انت هتساعدني ؟!!
كان يرمقه بآسى لما وصل له من جحود تجاه ام طفله، الذي تركه دون الانتباه لمصيره؟ كيف اصبح حاله بهذا الشكل الأناني؟ فهو متعجب كل تصرفاته، لا يظن ان الواقف امامه هو من رباه وزرع فيه كل القيم والأخلاق؟
عندما طال صمته استشعر “فؤاد” رفضه فقال في رجاء:
– انت هتتخلى عني يا بابا ولا اية؟
– زي ما انت اتخليت عن مراتگ وابنگ، منتظر مني ايه يا فؤاد؟
قال كلامه بتأثر وحزن، ثم ضرب كفًا بكف ودلف داخل غرفته يبدل ملابسه ليذهب إلى من يعتبرها ابنته، فهو لم يرى منها إلا كل خير منذ معرفته به، وتركه جالسًا يفكر ماذا سيفعل مع محبوبته، ظل يفكر في كل البدائل والحلول، حتى توصل لحل، قام بمهاتفتها وحين ردت عليه أثلج قلبه وبردت كل نيرانه، فقد كان صوتها بمثابة ترنيمة تغنت بها ليتراقص فؤاده، رد بهيام وفرحه:
– وحشتيني يا يويو اوي، عندي ليكي خبر هيفرحگ جدا.
– قول يا فؤش شوقتني.
– انا طلقت مراتي، وبقيت خالي وموريش غيرگ يا روحي.
– انت بتقول اية؟
– اية الفرحة لجمتگ ولا اية؟
– اه طبعًا، اصلگ كنت رافض تسبها عشان ابنگ، اية اللي جد؟
– متشغليش بالگ انتي، اللي حصل كتير اوي، ومش عايز اشغلگ، المهم النتيجة، هنتجوز امتى؟
– اول ما تكتبلي الشقة على طول هنحدد معاد، واعتقد كده ملكش حجة؟
– اااصل… اااصل؟
– اصل اية يا فؤاد؟ انت مخبي عني اية؟
– بصراحه كده اخو مراتي اخد الشقة ومنعني ادخلها، بيقول دي شقة اختي وهي حاضنه.
– نعم يا روح الروح؟ مليش فيه يا عنيا، لما تبقى تحل مشكلتگ تبقى تكلمني يا عنيا؟
تكلمت بلهجة لم يسمعها منها من زي قبل، صدم من ردها!! اين رقتها وحنانها طوال الشهور الماضية؟ لماذا تحولت الآن بهذه الطريقة؟ فقال بتعجب:
– انتي ليه بتتكلمي معايا كده؟ اية اللي غيرگ يا يارا؟ فين حبگ ورقتگ؟
– كان في وخلص يا روحي، معاگ شقة تبقى حبيبي و اشياك في عنيا؛ لكن معكش يبقى ميلزمكش يا روح الروح، خلص الكلام يا عنيا ومعنديش كلام تاني اقوله.
– طب انا عندي حل، اسمعيه يمكن يعجبگ؟
– اوووف بقى قول وخلصني؟
– أنا والدي كبير وعايش في شقة كبيره، وبعد عمر طويل هتبقى شقتي لاني ابنه الوحيد، فـ اية رأيك نتجوز ونعيش معاه؟
– نعم نعم ؟! انت باين عليگ اتجننت وخرفت يا فؤاد، انت عايزني اتجوز في شقة ابوگ وابقى مع الوقت خدامه و ممرضة ليه وليگ، لأ يا حبيبي شوف ممرضة غيري تقبل بالوضع ده، ميحكمش عليا يا عنيا، معطلكش سكتگ خضرا مفروشه بالورد، سلام.
– يارا اسمعيني بس، نتفاهم يابنت الناس؟
لم يجد رد غير انها اغلقت الهاتف في وجهه، ولم تستمع لنبره صوته المترجيه لها، لكنه فاق على حقيقة مؤلمه؛ وهي تغيرها المفاجئ حين علمت انه لن يستطيع شراء شقة ويسجلها بأسمها، احقًا كانت تتدعي الحب والعشق؟ أكانت بارعة لهذا الحد، اوهمته ونسجت خيوطها العنكبوتية حوله؛ حتى يقع مذلولا في غرامها، والآن تتخلى عنه؟!
عقله ذكره كيف كانت “غزال” تعامل والده كأنه اباها، وتسهر على راحته عندما كان مريض، وقامت هي بتمريضة وهي في آخر شهور الحمل، وتحملت كل أوجاعها حتى شفي، ثم عادت لمنزلها، للتو عرف قيمتها، ويا ليته ما علم.. !!
فأن حسرته الآن عليها لا تعد ولا تحصى !!
رمقه الأب ولاحظ عبوسه و الحزن الذي عشش اهدابه، وتأكد مما سمعه منذ قليل وقال بتأكيد:
– باعتگ مش كده؟
رفع بصره وتعجب من قوله، فـ استرسل اباه قائلا:
– وكنت منتظر اية منها غير انها تبيعگ، ومترضاش تقعد مع ابوگ، ده على اساس اني كنت هرضى اصلا بالحل ده؟!
ربنا وراگ ان كان معاگ جوهره ماسة بيضو نورها في الظلام عشان تنور طريقگ، لكن انت بعنجهيتگ وغرورگ ضيعتها من ايديگ، وهتندم عليها العمر كله.
حاول ان يتحدث لكنه قاطعه واكمل قوله:
– هتقول اية؟ جسمها مش كده؟
هل فعلا فؤاد محبش غزال، وكان بس بيدور علي جمال الجسم؟
وغزال هتفضل كده عايشة في الم الذكريات؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الغزال الباكي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!