روايات

رواية حياة نور الفصل الأول 1 بقلم سارة أسامة نيل

رواية حياة نور الفصل الأول 1 بقلم سارة أسامة نيل

رواية حياة نور الجزء الأول

رواية حياة نور البارت الأول

رواية حياة نور الحلقة الأولى

استند شعاع الشمس على زاوية الغروب لــ يلتقط أنفاسه المتطايرة خلف الأفق، يحاول التهيئة وقبول السكون وكأنه لم يستطع.
وبهذا التوقيت تحديدًا افترشت الأرض العشبية الخضراء وسط الحقول والأشجار، الإرهاق والتعب بادي على صفحات وجهها الذابلة بعد يوم شاقٍ ومليء بالعمل، تارة بالحقول وتارة بـ بيت شيخ البلدة.

تنفست بعمق وهي تحاول جمع شتاتها المفرق بين الماضي والحاضر وما يتمناه قلبها.
نظرت إلى قدميها المتورمة من كثرة الوقوف والعمل، ترقرق الدمع بأعيونها، وانحدرت دموعها من نهر عينيها الأزرق.
عادت بذاكرتها منذ سبع سنوات مضت، حيث بُدلت الأحوال وتغيرت حياة نور للأبد.

– فلاش بااك –

أسفل شجرة التوت التي تقبع بجانب ساقية الماء، والتي تدور دون توقف لـ رفع الماء ودفعه إلى المنحدرات والجداول الصغيرة لتصل من خلالها الماء إلى الحقول …. أخذ يراقب حركة الماء بترقب وصمت معبق بالشوق لـ رؤيتها وإشباع عينيه منها بعد إفتراقهما لعشرون يومًا…
فقد كان يعُد الأيام والساعات والدقائق ليصل إلى هذه الدقيقة بالتحديد، ينتظر إطلالة نوره، وشعاعها الذي يتخلل بداخله ليستمد منه مخزون الأمل كي يستطيع المواصلة والبعد عنها هذه المدة الثقيلة على قلبه.

انفرجت أساريه عندما رأها مُقبلة إليه بثوبها الأزرق المماثل لزرقة عينيها، وحجابها الأبيض الذي زادها جمالًا فوق جمال.
عينيه متلهفة لرؤيتها والشبع من طلتها، لكنه ردع ذاته وأجربها على غض البصر.

وقفت أمامه بإبتسامة واسعة والهواء يداعب بشرتها النقية
بادلها الإبتسامة بإبتسامة رزينة، قائلًا وأعيونه تفيض حبًا:-
– عاملة أيه يا “نور”، وأخبارك؟

قالت في حياء يغلبه الشوق:-
-أنا كويسة وبأفضل حال.
وتابعت قائلة:-
– الحمد لله على السلامة يا “علي”، دي كلها غيبة.

أخذ أنفاسة بهدوء وقال:-
– غصب عني يا “نور”، إنتِ عارفة الجامعة والظروف فمش بقدر أنزل ألا كل عشرين يوم.

رددت بنبرة ضعيفة يشوبها الحزن:-
-ربنا يوفقك ويسدد خطاك يارب.

نبرتها الحزينة أصابت قلبه، فأشار لها وجلسا سويًا تحت شجرة التوت.

– خلاص هانت يا “نور” وهتدخلي الجامعة أهو، وأنا بس أخلص كمان سنتين على ما تكوني مشيتي في الجامعة شوية وأخدتي على النظام، وهبيع حتة الأرض إللي أبويا هيدهاني ونتجوز بيها وأخدك ونقعد في مصر ونمشي من هنا.

شردت نور قليلًا ثم هتفت بنبرة حزينة:-
– أنت في كلية طب يا “علي” ومش هينفع كدا، يعني لو هنتجوز بعد سنتين هيكون باقي لك سنة، الأمور مش هتكون سهلة زي ما إحنا مفكرين

جعد جبينه ونظر لها بتعجب مردفًا:-
-أيه إللي غير كلامك يا نور، ما هو ده إتفاقنا، وبعدين بدل ما تروحي مصر وتبقي لوحدك، وطبعًا عمي مرزوق مش هيوافق على حاجة زي دي، فتكوني معايا في شقتنا.

هبطت دمعاتها الحبيسة، ونظرت له بحسرة هامسة:-
– مش كل حاجة بتمشي زي ما إحنا عايزين يا علي.

فزع عندما رأي دموعها وحالتها الحزينة، واختلج قلبه شعور سيء يُنوه لحدوث شيء ما،
ليتسائل بقلق:-
– في أيه يا نور … مالك؟ وأيه حالتك دي؟

انفجرت في بكاء مرير، وارتعش بدنها وقد احمر جلدها بسبب البكاء وقالت:-
– أبويا رفض إن أكمل تعليمي، وقالي معندناش بنات بتدخل جامعة، وكفاية عليا كدا وإن لولا أمي الله يرحمها ما كان دخلني العلام.. ووو..

توقفت بتردد واضطراب لتُثير الرعب بقلب هذا الذي ينتظر حديثها على أحر من الجمر..
حثها على مواصلة الحديث قائلًا بترقب والتوتر قد بلغ منه:-
– كملي يا نور، وقفتي ليه؟، وأيه كمان..

غرقت في البكاء أكثر فأكثر، وشهقاتها تمزق القلب، لـ تقول من بين شهقاتها:-
-أبويا عايز يجوزني يا علي، مش عايز دا خلاص قرر من غير راجعه وحدد كل حاجه، أعمل أيه..؟

صدمة شلت جميع أعضائه، ومعضلة لم تكن بالحسبان، حبيبته، حب طفولته، و مراهقته وشبابة وشيخوخته، نور حياته … ومشكاته المنير..
كيف لها أن تكون لغيره!!
حتى بخياله لا يستطيع تصور هذا..
سقطت الورود البيضاء التي كان يحملها لـ تتلوث بالوحل المنتشر من حولهم.

ابتلع ريقه بقلق ونظر لها بأعين مُتسعة، قال بصوت متحشرج جاهد لخروجه:-
– لا … لا يا نور مش هيحصل، مستحيل أسمح له … مش هيحصل يا نور.
ومش هتكونِ لحد غيري.

ازداد بكائها وشهقاتها، وقد باتت لا تدري ماذا ستفعل؟!
– طب أعمل أيه يا علي، أنا بجد مش قادرة، قولي اتصرف إزاي، أنا بموت بالبطيء يا علي!

حاول تمالك أعصابه ليهدئها وكي يصل لحل لتمزق فؤادهم هذا
أضاءت بعقله تلك الفكرة لـ يقول مسرعًا بتلهف:- -جه في بالي فكرة.

نظرت له بتلهف واستنجاد
لــ يُتابع حديثه:-
– طالما هو عايز يجوزك يبقى أتقدملك واتجوزك أنا.

قالت مسرعة:-
– طب هو هيوافق يا علي، وبعدين أنت لسه في رابعة وقدامك تلت سنين؛ هتقدر إزاي.-

ضرب يده بعنف بجزع الشجرة وقد تلفت أعصابة، وقال بصوت مرتفع بعض الشيء:-
– زي ما يحصل يا نور، المهم تكونِ معايا وتكونِ ليا، محدش يقدر ياخدك مني
نور لـ علي ….. وعلي لـ نور

وقفت بقلة حيلة تائهه، وقلبها يؤلمها بشدة، لن تستطيع المقاومة فقالت برعب:-
– أبويا مش هيرحمني يا علي، إللي بتقوله ده مش بالساهل، أنا خسرتك وكمان حياتي ادمرت، وخالتي عطيات مش هتسيب أبويا ألا لما يدمر حياتي على الأخر؛ هي بـ لسانها قالتلي _مش هسيبك توصلي للي إنتِ عايزاه، ولا هخليكِ ترتاحي في حياتك_، دا حال إللي أمه ميته، الدنيا بتلطش فيه؛ الله يرحمك يا ماما لو كانت عايشة مكنتش سمحت بإللي بيحصل ده..

آلامه قلبه لـ رؤيتها هكذا، يعلم أن طريقهم لن يكون سهلًا بسبب إنغماس بلدتهم بالعادات القديمة، وصلابة قلوبهم؛ فأكثر الأباء هُنا _إلا من رحم ربي_ على قدر وافر من الجهل وبلادة العقل.

فماذا سيكون حال قرية نائية في أرياف جارفة،
هُنا ليس للأنثى أحقية الإختيار أو التعلم.
هُنا تُلبي الأوامر دون إعتراض.
هُنا لا يُسمع سوى ثلاثة حروف “نعم” لجميع ما يُملى عليهم.
يتوجب عليها فقط العمل بالحقول، وخدمة زوجها وأولادها دون أحقية الإعتراض على شيء، أو إبداء رأيها بشيء.

«تلك البيئة التي نشأت بها “نور” فتاة تبلغ من العمر سبعة عشر ربيعًا، ترعرعت وهي تُشيَّد أحلام عالية بهمة وإصرار بدفعة والدتها الحبيبة التي دائمًا ما كانت الداعم لها، لكن قد هدم الجهل جميع ما شيدته، وما رسخته والدتها قد انتهى عقب وفاتها، فوالدتها الحبيبة كانت بمثابة واقي الرصاص التي كانت تحتمي من قسوة العالم خلفه…»

نفسها البيئة التي نشأ بها “علي”؛ شاب يبلغ من العمر اثنان وعشرون عامًا، بـ عامه الرابع من كلية الطب البشري، كـما كان يتمنى، إلا أنه لم يتذوق من تلك البلدة ولم يؤذى بقدر ما أُذيت”نور”، والفضل في هذا يعود لـ حنكة والده العاقل.
وبالرغم من هذا فقد طاله الضرر وليس أي ضرر، فقد أذوه بـ نور عينية ومشكاة حياته، فقد مزق الجهل كل ممزق.

اقترب منها حتى توقف خلف كتفيها المتدلية ليس له الحق بعد أن يحتضنها مُهدئًا من ذعرها، وقال بصوت حانِ مُطمئن مغلف بالقوة:-
– إهدي يا نور عيني، أنا مش هسيبك أبدًا ومحدش هيقدر ياخدك مني لو هضحي حتى بالكلية نفسها.

نظرت له بصدمة، وهزت رأسها نافية:-
– لا طبعًا يا علي؛ دا حلمك وتعبت أربع سنين وفي الأخر تضيع إللي بنيته… لا طبعًا أنا موافقش بحاجة زي دي.

ردد بإصرار:-
– ومستعد أضحي بـ عمري كله يا نور عيني مش الكلية وبس.

تعلقت عيناها بخاصته بـ حب وألم وخوف من الفراق، وقالت بتخبط:-
– أنا خايفة يا علي، طب افرض بابا موفقش؟

استدار لـ يعطي لها ظهره، ونظر للاشيء مرددًا بقوة:-
– يبقى مش قدامنا ألا حل واحد.

تسائلت بترقب:-
– وهو أيه.؟!

– الهــــــروب…

٠•☆☆☆☆☆•٠

أفاقت من شرودِها على صفعة قوية على إحدى وجنتيها جعلتها تسقط في هذا الطمي الرطب المتواجد حيث الحقول، وتلطخ وجهها الملائكي كما تلطخت حياتها بالآلام…

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حياة نور)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!