Uncategorized

رواية البوص الفصل السادس 6 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية البوص الفصل السادس 6 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل السادس 6 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل السادس 6 بقلم يمنى عبد المنعم

التهديد
فُتح باب الحجرة ببطء أخافها أكثر ثم ظهر هو بقامته الطويلة، ونظراته الحادة تجعلها تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها… محدقاً إليها بعبث ماكر، قائلاً بغموض شديد: شوفتي بتوحشيني بسرعة إزاي يا ملوكه….!!!
شيء ما حدث بداخلها عندما هتف بجملته…. جعلها تشعر برجفةً شديدة بجسدها لا تعرف ما سببها هل من الذعر الذي أصابها عند رؤيته… أم أن شيء ما مبهم بداخلها لا تدري كنهه…. حارت فيما انتابها في هذه اللحظات القاسية التي تحياها الآن.
اقترب منها سليم بخطواتٍ ثابتة وواثقةٍ من نفسه كثيراً، وعيونه مسلطةً عليها بتشفي قاتل… تريد أن تختبأ منه لكن أين، فهي المخطأة الوحيدة في هذا الوضع.
وقف أمامها مباشرة، يتمعن بمحياها الممتقع، الذي هرب منه الدم وحل محله الأصفرار والفزع.
قائلاً بعبث خافت: يا ترى وحشك البوص أوي كده زي ما وحشتيني يا ملوكه …. تحجر بصرها عليه بهلع شديد حتى تمنت مرةً ثانية أن تنشق الأرض وتبتلعها… وتختفي من أمامه على الفور.  
كانت ملك تعلم جيداً أنه يسخر منها ويتلاعب بها وبمشاعر الرعب التي تعيشها الآن بداخل قلبها.
ضم سليم قبضتيه مردفاً بدهاء ماكر: آه صح أنا ناسي انك ما بتكلميش وانك خرسا… طب طالما كده بقى ممكن تعبري بإيدك مثلاً أو تبتسمي إيه رأيك يا حلوة.
اتسعت عيونها بصدمةٍ هائلة وخوف، وحاولت أن تبتعد من أمامه… هز رأسه باعتراض قاسٍ من ملامحه قائلاً بصوتٍ أجش: مش أنا يا ملوكه اللي واحده زيك تتجاهله وتبعد عنه كده وبدون ما تستأذن… بس هعذرك المرادي وبس، علشان يمكن متعرفيش مين هوه البوص.
لم تستطع مواجهته من كثرة الريبة التي تشعر بها بداخلها… أطرقت ببصرها أرضاً علها تهرب من كلماته التي تحمل في طياتها التهديد والوعيد كثيراً.
دقق النظر في ملامحها المفزوعةٍ بسببه، فضحك بمكر مستهزءاً بها…. مردفاً بقوله الحاد والآمر: بالراحة كده هتنزلي ورايا على تحت علشان ناوي نتسلى أنا وانتِ كتير أوي مع بعض.
دخل أحد رجال أدهم الصاوي عليه في غرفة مكتبه بشركته، مسرعاً وقبل أن يقوم بتوبيخه لدخوله عليه هكذا دون إستئذان… باغته بأنفاس لاهثه قائلاً بصوتٍ متقطع : مصيبة يا أدهم باشا مصيبة…
نهض أدهم من مقعده عاقداً حاجبيه بصدمة قائلاً باهتمام: مصيبة إيه انطق بسرعة…. جف حلق الرجل ونطق بصوتٍ أجش: حريق في المخزن الكبير وكل البضاعة اللي كانت موجوده فيه ولعت.
جحظت عيناه بقوةٍ كبيرة قائلاً بذهول وعدم تصديق: امتى ده حصل انطق….أسرع الرجل يتحدث بحذر: من شوية كده.
شل تفكيره في هذه اللحظة وهو يقف في مكانه لا يعرف لماذا رسمت هذه الصورة بالتحديد في مخيلته… لوجه شخص يكرهه بشدة ويكون عدوه اللدود في نفس الوقت…
لا يوجد سواه من يستطيع فعلها معه هو وحده… فليس هناك شخص آخر يقوى على فعلها…. إنه البوص… ليس غيره من يتجرأ ويفعل به ذلك.
تنفس بعمق هذه المرة واحتقن وجهه بشدة من الغضب قائلاً للرجل بلهجة آمرة: تعالى ورايا بسرعة…
تحجرت عيناه على محياها الباكي ثم ضغط بعنف أشد على شعرها، فتعالت صياحتها تستغيث بمربيتها دون فائدة… 
ضيق عاصي عيونه بتفكير قاتل قائلاً لها بعصبية: معنى كده انه مش أول مرة ييجي يكلمك ولا إيه… انطقي وقوليلي الحقيقة كلها بدل ما هخلص عليكِ دلوقتي.
ترك شعرها بغتةً وأزاحها خلفها على الأريكة بكل قوته، شهقت فريدة برعب ثم اومأت برأسها بسرعة تتنفس بصوتٍ مخنوقٍ متقطع قائلة بهلع:حا…حاضر ها… هقولك على كل حاجه بس صدقني.
احمر وجهه بغضب صارخاً بها بعنف:- انطقي يا فريدة بسرعة أنا صبري نفد خلاص من عمايلك السودة.
ابتلعت ريقها بصعوبة…. ولم تستطع أن تواجه نظرات عيناه النارية قائلة له بتوتر: هوه….هوه… بقاله فتره كده… يعني…. يعني… من بداية السنة وهوا بيضايقني.
ضيق عاصي عيونه وقطب حاجبيه ونار الغضب تتأجج بداخل قلبه قائلاً بعصبية: معنى كده انه بقاله تلات شهور بيكلمك يعني مش أول مرة… مش كده.
حدقت به بهلع وهي تنكمش في مكانها على الأريكة تضم جسدها النحيف بذراعيها… تريد الفرار منه لكن إلى أين وهو يحاصرها ببصره الذي يريد خنقها ودفنها إلى الأبد.
انثنى عاصي نحوها مستنداً بكلتا قبضتيه على الأريكة بجوارها يحاصرها بذراعيه غاضباً…. هامساً بصوتٍ قاس: إيه مالك خايفة مش بتتكلمي ليه.
انكمشت أكثر على حالها تتراجع مستنده بظهرها إلى الأريكه ترفع قدميها فوقها برعب قائلة بخفوت متلعثم: يا أبيه… أنا…أنا عُمري ما هرد عليه مهما عمل.
أمسكها فجأة من ذراعها بعنف لاعناً بداخله هذه اللحظات الذي يريد محوها من حياته للأبد.
قائلاً ثورة: وليه مقولتليش من البداية إنه بيضايقك… ها… ولا لازم أعرف بنفسي كل حاجه… زي هروب ملك مثلاً كده.
أغمضت أهدابها بقوة من تمعنه إياها بطريقته القاسية تلك… هامسة من وسط شفتيها بنبرة مرتعشة: خف…خفت لتفهمني غلط… وأعملك ما…. مشاكل معاه.
شدد قبضته بقوةٍ أكبر حول ذراعها… وثورته الداخلية تريد أن تنفجر بوجهها هامساً بصوتٍ غامض: حلو…. أوي كلامك ده، وأنا بكده فهمتك صح… لما خبيتي عليه مش كده يا ست هانم.
انطلقت دموعها الراجية من جديد ودقات قلبها تئن من الوجع قائلة بلوعة: صدقني يا أبيه أنا مبكلموش أبداً ولما بيحاول بس يقرب مني… بمشي وبسيبه و…. قاطع عبارتها بنظراتٍ غاضبة تريد حرقها. 
قائلاً بصوتٍ جهوري:- زي النهاردة مش كده يمسك إيدك وسحبك معاه على عربيته…. امتقع وجهها بشدة من معنى كلماته الذي يريد إفاهمها وإيصالها إياها بطريقةً غير مباشرة.
مستطرداً بانفعال قاتم: إنتِ عارفه كان ممكن يحصلك إيه لو كان أخدك معاه…. شحب وجهها عند تخيلها لهذه النقطة بالتحديد…. فاندلعت من عيونها نظرات الأسف التي لا تستطيع قولها على لسانها.
جز عاصي على شفتيه حتى أدماهما بغيظ شديد قائلاً بنبرة هادرة: انطقي وقوليلي عارفه كان ممكن يحصلك إيه ولا لأ لومكنتش لحقتك وجيت في الوقت المناسب… بسبب غبائك اللي كان ممكن  يوديكي في داهية.
لم تقوى على إجابة سؤاله الغاضب الذي يريد خنقها بسببه…. فقبض فجأة على شعرها مرةً أخرى صارخاً بها بقسوة: ده يتغطى بعد كده بطرحه مفهوم ولا لأ.
صرخت من شدة قوته عليها وهو سيقتلع شعرها من جذوره مردفاً بنبرةٍ قوية: وخصوصاً إني نبهتك كذا مرة قبل كده… إنك تقوليلي على أي حد يضايقك…. لكن مفيش فايدة فيكِ… كل مرة معاناتي معاكِ بتزيد بسبب مخك الغبي ده….. يالا قومي امشي من وشي قبل ما أتهور عليكِ أكتر من كده. 
سرت قشعريرة باردة في جميع أنحاء جسدها بعد هذا التهديد الصريح… وانتفض قلبها بفزع، ونهضت من مكانها راكضة بقدمين متعثرتين حتى أن أحد القدمين.
كادت تنزلق أرضاً منها رغماً عنها لكنها تفادتها بصعوبة مستندة إلى الحائط بجوارها ثم صعدت إلى حجرتها وقلبها يئن بمزيج من الحزن والوجع.
نطق البوص عبارته الأخيرة بعبث تام جعلها تريد الهرب منه لكن إلى أين المفر….؟ هذا ما حدثت به نفسها بعتاب مرير.
مردفاً بقوله الخبيث: وطبعاً مش باللبس ده…!!! ثم صمت برهةً يتأملها بسخريةٍ تامة وعلى جانب شفتيه ابتسامةٍ ناعمة مملوءةً بالدهاء المبطن… متابعاً بنفس لهجته: أكيد إنتِ فاهماني يا حلوة مش كده.
قال كلماته تلك ثم غادر الغرفة في لمح البصر كما جاء من منذ قليل كأنه يهددها وينصرف….
كل هذا تذكره في تفكيرها المتذبذب، بعد أن تهاوت ملك على الفراش خلفها بعدم استيعاب تتساءل… ما هذا الرجل المجهول الذي أوقعت نفسها في طريقه…
لا تعرف ما الذي حدث كأن ما يحدث معها ليس سوى ذنب شقيقها الأكبر عاصي…. الذي تركته هاربةً منه بمحض إرادتها.
هامسةً لنفسها بهلع: وبعدين يا ملك في المصيبة اللي وقعتي نفسك فيها دي من ساعة ما هربتي من أخوكِ.
كانت تريد البكاء من جديد لكن دموعها أبت أن تنهمر من عيونها لهذا شل تفكيرها عن القيام بما يطلبه منها.
أثناء ذلك أتت الخادمة برسالة منه بورقةٍ صغيرة مطوية، وناولتها إياها في يدها ثم تركتها مغادرة الحجرة سريعاً دون أن تبادلها حرفاً واحداً.
 فتحتها بقلبٍ متردد وقرأت رسالته المختصرة هامسة بصوتٍ يرتجف:- أنا مش هفضل مستني كده كتير يا ملوكه.
سقطت الورقة منها على الأرض بيدٍ منهارة… شاعرة بنبرته المملؤةً بالعبث والخبث معاً…. قائلة بهلع: ده بيهددك يا ملك بطريقة غير مباشرة.
اتجهت إلى الخزانة الموجودة بالغرفة بقدمين ثقيلتين… لترى أي الثياب التي ستناسبها هذه اللحظة.
وقفت أمامها تتطلع إليها حائرة بعد أن فتحتها تفكر ماذا عليها أن ترتدي من هذا الكم الهائل من الثياب… مدت يدها بتردد وانتقت ثوباً أنيقاً ومحتشماً في ذات الوقت بسبب تلميحاته الغامضة المبطنة لها.
انطلق رنين هاتف فتحي المتواصل فرمقه بضيق، وحانت منه إلتفاته إلى التي تجلس بعيداً عنه في فراشها قائلاً باهتمام: أيوه يا بوص سامعك كويس.
صمت ينصت إليه جيداً قائلاً: حاضر يا بوص بكرة بالليل إن شاء الله هكون عندك أنا و….. ثم ابتسم بشراسة مخيفة.
مغلقاً الهاتف بعدها ومحياه يملأه الغموض، تأملته سهر بريبة فمنظره لا يُنبؤ بالخير بل بالشر الذي يتغلغل بداخل عينيه.
لم تقوى على التحديق  به كثيراً، فأشاحت ببصرها بعيداً، تلعن بداخلها كل لحظة تمر به معه.
شعر فتحي بما يستعر في نفسها من ناحيته فتجاهله قليلاً حتى يأتي الطبيب المعالج لحالتها.
مر خمس دقائق عليهم وانصت السمع لطرقات ثابتة على الباب، هب فتحي من مكانه مسرعاً نحوه.
لكن سهر تراجعت بالفراش متأهبة لأي شيء سيحدث فيما بعد من ذلك الشخص الذي أهل بقامته المتوسطة الطول، مرتدياً نظارته الطبية ذات ملامح بشوشة.
قائلاً بهدوء: مساء الخير يا مدام سهر، ضمت قبضتيها بقوة تقبض بهما غطاء الفراش بطريقةً نبهت فتحي لما ستفعله.
جعله هذا يتأهب لما ستقوم بفعله من وجود ذلك الطبيب، اقترب من السرير، كي يكون جاهزاً لأفعالها البغيضة الحمقاء.
اتسعت عيونها بشراسةٍ مفاجأة قائلة بغضب: اطلع بره مش هتعالج أنا كده كويسه ومش محتاجاك ولا محتاجه أي حد.
ابتسم لها الطبيب بهدوء يتجاهل قولها قائلاً بثبات: ومين اللي قال إنك مش كويسه أنا يا دوب هنقعد مع بعض كل كام يوم تلت ساعة ومش هيحصل أي حاجه مني تضايقك أبداً.
هزت رأسها رافضة وبشدة لما يتفوه به قائلة بنبرة منفعلة: بقولك مش هتعالج ولا عايزة أقعد لا معاك ولا مع غيرك افهم بقى.
زمجر فتحي هذه اللحظة وحاول ضبط أعصابه جيداً من الغضب الذي بدأ ينتابه بسببها، فأمسك الطبيب على مرفقه برفق يمنعه من الأنفعال عليها.
قائلاً بهدوء: من فضلك يا فتحي اطلب للمدام كوباية عصير ليمون علشان يهدي أعصابها.
أزاحت بيدها بغتةً الكوب الكبير المملوء بالمياه بجوار الفراش، فتهشم أرضاَ بقطعاً صغيرة متناثرة.
صارخه بعنف: قلت اخرجوا بره مش عايزة أشوف حد ولا عايزة اتعالج إنتوا إيه مش بتفهموا.
اشتعلت النيران داخل عيون فتحي وصرخ بها بانفعال: سهر اتعدلي كده بدل ما أوريكي أنا هعمل إيه إذا مسمعتيش الكلام.
ملأ الخوف جسدها من منظره الشرس زاحفةً إلى الفراش خلفها مرةً أخرى، متذكرة ما يفعله بها عندما يتملكه الغضب قائلة برهبة: حاضر… حاضر هسمع الكلام.
حدجه الطبيب بلوم بما تفوه به وأرعبها هكذا فقال له فتحي بضيق: هيه مش هتسمع كلامك غير بكدة، عند إذنك هطلبلها العصير. 
غادرهم فتحي ساخطاً على رؤيته لها هكذا وهي تدمر نفسها أمامه قائلاً لنفسه بحنق: ماشي يا سهر إن ما مشيتك على هوايا أنا مبقاش فتحي الدهشان.
وقف أدهم الصاوي أمام عمار الفيشاوي قائلاً بثورة: يعني إيه مش هتقف معايا ضده…. هوا كان لعب عيال ولا إيه من البداية.
زفر عمار بتوتر قائلاً بارتباك: أنا فكرت كتير ولقيت نفسي هخسر من ورا عملية زي دي كتير أوي وأنا مش ناقص خسارة… فاتنازلت قبل ما يخلص عليا وعليك.
ابتسم أدهم بغضب ساخر قائلاً له بحدة: عايز تفهمني يعني إن إللي عملته ده علشان خايف عليا منه…. ولا من السيد الوالد علشان خايف يقطع عنك المصروف.
اتسعت عيني عمار بحدة وسخط قائلاً بحنق: أدهم يا صاوي أنا مش عيل صغير علشان تكلمني بإسلوبك ده… ثم ان البوص مش أي حد ومحدش يقدر ياخد منه مناقصه هوا عايزاها.
ضم أدهم قبضتيه بانفعال مبطن قائلاً بغضب مكتوم: بس ده مكنش كلامك معايا هنا من يومين… إيه اللي حصل علشان تغير رأيك بالشكل ده.
نهض من مقعده وواجه بغضب مماثل قائلاً بعصبية: اللي حصل اني فقت وهوه كمان جالي بنفسه هنا وهددني وانت عارفه ساعة ما بيهدد بينفذ على طول… ثم انك لسه ملسوع منه دلوقتي…. ومحروقلك المخزن…. وبعدها يبقى المصنع فهمت أنا اقصد إيه.
احتقن وجه أدهم هامساً بغضب: كل ده مش هيخليني أستسلم له…. تنهد عمار بضيق ووضع كفه هلى كتفه قائلاً بهدوء حذر: تستسلم بمزاجك بدل ما تستسلم غصب عنك.
اكفهر وجهه أكثر مغادراً الحجرة دون أن ينبس ببنت شفه… فزفر عمار بعد انصرافه الغاضب قائلاً بنفاذ صبر: ربنا يسترها من البوص.
مدت ملك يدها بتردد تطرق باب حجرة مكتبه الذي يجلس بها منتظراً إياها فهذا ما أبلغتها به الخادمة…
فتح سليم الباب متأملاً لمظهرها قائلاً بهدوء مفتعل: شاطرة بتسمعي الكلام…. ولا أنا ناسي إنك مبتسمعيش مش كده يا خرسا.
هرب الدم من وجنتيها وعلىَ الاصفرار وجهها مردفاً بود مصطنع: بس مش ده اللبس اللي كنت عايزه يا قطة.
اتسعت عيونها بصدمةٍ كبيرة وهي تحاول فهم مغزى حديثه… وودت لو فرت هاربة من أمامه…. بدلاً من العبث الذي يبدو بحديثه وفي ملامحه.
تنهد بخبث قائلاً بعبث: إدخلي هسامحك بس المرادي علشان تعرفي إني حنين أوي وبالذات مع الحلوين اللي بيسمعوا الكلام.
تجمدت في مكانها لا تريد الحراك… فابتسم مستهزءاً بجانب شفتيه…. وانحنى مقترباً من وجهها قائلاً بهمس ماكر: متخافيش مش هاكلك دلوقتي يا ملوكه.
ثم انطلقت ضحكاته الشرسة جاذباً إياها برفق لتجلس بالقرب منه على منضدة صغيرة قائلاً برقة أخافتها: اقعدي بقى هنا يا جميل علشان نتسلى سوى.
ما أن قال جملته هذه حتى ارتفعت دقات قلبها تصم آذانها بقوة…. وسرت قشعريرة قوية في جميع أنحاء جسدها وهو ينثني نحوها…. شاعرةً بأنفاسه الحارة أمام وجهها وقد أمسك بيده قلماً وبكفه الآخر ورقتين قائلاً بدهاء: دلوقتي بقى هنبتدي نتسلى بمزاج عالي أوي.
ظل أدهم الصاوي يخطو بخطواتٍ غاضبه داخل مكتبه في المساء… لا يعرف ما الحل مع تصرفات البوص التي جعلته يخسر اليوم بضاعة كثيرة بالملايين.
قائلاً لنفسه: يا ترى هتعمل إيه دلوقتي معاه …ومش هتعرف تاخد حقك منه بالقانون حتى…. هتروح تقولهم إيه بضاعة فاسدة اتحرقت. 
زفر بحدة متابعاً: وحتى اللي كنت هتحط إيدك في إيده خذلك وسابك لوحدك ضده…. طب والعمل دلوقتي إيه يا أدهم بعد كل ده.
أبدلت فريدة ثيابها وتمددت في فراشها… حزينةً من أجل ما حدث منذ يومين مع ابن عمها عاصي.
بعد أن أخرجها منبه هاتفها من هذا الشرود الطويل لذكريات ذلك اليوم…. الذي ألهاها عن مذاكرتها.
قائلة لنفسها بحزن: أنا عارفه ان كل اللي بتعمله ده من ورا قلبك وعارفه كويس أوي انك خايف عليا… لكن عُمرك ما هتحس بيه أبداً ولا باللي جوا قلبي من ناحيتك.
شعرت بأنها ستبكي فجذبت الغطاء لفوق رأسها تختبأ تحته من صوته الغاضب الذي تسمعه إلى الآن… في آذانها.
طرقت زينب عليها الباب قائلة بتردد: فريدة حبيبتي انزلي اتعشي… فلم ترد عليها.
اندهشت قائلة: معقولة تكون نايمة دلوقتي…. لما أدخل أشوفها كده…. استغربت في نفسها عندما وجدتها متدثرة بغطاؤها على رأسها.
فهمست لنفسها بحزن: يا ترى فيكِ إيه يا بنتي… اتغيرتي أوي بعد ملك ما سابت البيت…
انصرفت بعدها من الغرفة وهبطت مرةً أخرى عائدة إلى المطبخ.
جلس عاصي على المائدة متجهم الوجه قائلاً بصوتٍ متحشرج: يعني منزلتش فريدة… من اوضتها علشان تتعشى.
فقالت له بطيبة: أصل لقيتها نايمة يا بني فاسيبتها… زفر عاصي بحدة وهو ينهض من مقعده قائلاً:خلاص  مش هاكل دلوقتي يا دادة لما تبقى تصحى.
ودت زينب أن تقول له يأكل لكنها لم تستطع، فوجهه غاضباً ينبىء بالكثير عن ما بداخله.
صعد عاصي هو الآخر إلى حجرته موصداً الباب خلفه بقوه قائلاً لنفسه بغيظ غاضب: أنا عارف كويس أوي انك مش نايمة يا فريدة ودي مش أول مرة تعمليها معايا، بس المرادي إذا كنت هسكت فهسكت بس علشان أنا مش ناقص مشاكل وكفاية اللي أنا فيه.
جلست فريدة في سريرها تمسح دموعها بعد  انصراف زينب قائلة لنفسها بوجع: سامحني يا أبيه مش هقدر أقعد أتعشى معاك بعد  كل اللي حصل النهاردة… أنا تعبانة وانت مش حاسس باللي أنا فيه…
ملك بس اللي كانت بتحس بيا وبتواسيني ساعة ما كنت بتقسي عليه ولغاية دلوقتي مطمنتنيش عليها زي ما وعدتني.
أجبر سليم ملك على تناولها للقلم والورق الذي بيده هاتفاً بها بنعومةً خبيثة: بهدوء كده يا حلوة تمسكي القلم والورق وتقولي كل حاجه عنك بالحرف الواحد…. يا اما إن مخبرتنيش بكل اللي أنا عايزه أعرفه …هزعل وانتِ عارفه كويس أوي ان البوص زعله وحش أوي يا أموره.
جحظت عيناها وانتفض جسدها وقلبها من الخوف الشديد من قسوة تأمله لها الذي يحتوي على الكثير من التهديد…فأومأت برأسها بسرعة بالموافقة.
هز رأسه قائلاً برقة مزيفة: أيوه كده شاطرة يا ملوكه مش بقولك هنتسلى أوي مع بعضينا.
بُهت وجهها قائلة لنفسها: نهارك اسود يا ملك… ده مين ده اللي وقعتي في طريقه وهتخلصي منه إزاي ده…. وياترى هيصدقك بعد كل ده….. ربنا يستر.
عدلت القلم والأوراق فوق المنضدة وبدأت تكتب بخط مرتعش… وعينيه مصوبةً عليها بتفكير عميق، وهو يجلس خلف مكتبه واضعاً قدمه فوق الأخرى… يتابعها ويترقب تصرفاتها.
قاطعه صوت رنين هاتفه…حدق بشاشته فكان رقم أحد رجاله فتحه، قائلاً بغموض: ها عملت إيه…. جاءه صوت الرجل قائلاً باهتمام: كل حاجه اتنفذت يا بوص زي ما انت عايز متقلقش.
تنفس بعمق ساخر قائلاً: تمام أوي…. طب ويا ترى ارتفاع حرارته كام دلوقتي… ابتسم الرجل لمزاح سليم الماكر قائلاً: أكيد عالية يا بوص.
زفر وهو يضحك قائلاً بدهاء: علشان يعرف كويس مين هوه البوص، يمكن يحرم وقتها يحاول يقف قصادي.
كانت ملك تحدق بالأوراق والتي لم تكتب بها شيئاً إلى الآن… حائرة ماذا عليها أن تكتب وهي في هذا الوضع المؤسف.
تنهدت بيأس وعيونها على القلم بيدها… ففاجئها سليم بضرب كفه على المنضدة بجوارها قائلاً بغضب: مبتكتبيش ليه…. ولا تكوني مستنيه عزومه ها.
شعرت برجفة الخوف تجتاح جسدها من جديد….فأمسكها من شعرها قائلاً بصرامةٍ حانقة: أنا لغاية دلوقتي ساكت ومشفتيش لسه الوش التاني فاكتبي أحسنلك هديكي عشر دقايق مهله وبس مفهوم.
جحظت عيونها بهلع والم…. وحبست عبراتها بسبب الرعب من قسوة نظراته لها… ومن هذا التحذير الواضح.
اومأت برأسها سريعاً بالموافقة… فتركها سليم قائلاً بغلظة: لما أشوف هيه عشر دقايق مفيش غيرهم.
تركها وجلس بالقرب منها… أما هي فقد شرعت في الكتابة بيد مرتعشة… بدايةً من اسمها بالكامل وسنها ومن أين أتت بالضبط، وحارت هل تبلغه أنها قد أنهت دراستها العام الماضي أم  لا.
رمق سليم ساعة يده فوجد أنه قد تبقى دقيقتين ولم تنتهي بعد من الكتابة فقال لها بضيق: خلاص ولا لسه فاضل دقيقتين بس.
أسرعت بالباقي تكتبه قبل أن ينفذ صبره، وضعت القلم فوق الأوراق عندما انتهت من كتابتها…. هب من مكانه وأمسك بالأوراق والقلم بين يديه، متمعناً به باهتمام كبير. 
تجمدت ملك بمكانها خائفة من ردة فعله على ما تقرأه عيناه، حاولت أن تبتعد وتركض تختبأ منه لكن نظرةً واحدة لوجهه تكفي أن تجعلها تشل في مكانها دون حراك.
وزاد شعورها هذا عندما أدار بصره إليها مقترباً من وجهها تلفحها أنفاسه الخبيثة المصحوبة بكلمات غامضة، وغاضبة… يريد أن يفتك بها بكل قسوته.
قائلاً بخشونة: إنتِ مفكراني عيل قدامك هصدق الكلام الأهبل ده اللي إنتِ كاتباه…. ثم صمت برهةً يقرأ تعابير وجهها مردفاً بغلظة قاسية: شكلك كده فعلاً عايزة تتربي من جديد لغاية ما تفوقي لنفسك كده، وحظك النحس بقى وقعك في طريق البوص سليم الأنصاري.
جلس فتحي بالقرب من سهر بعد أن استسلمت للنوم المبكر بعد أن أتمت جلستها العلاجية لأول مرة على يد الطبيب الذي سيتابع علاجهامن الإدمان.
قائلاً لنفسه بسخط:- ياترى هيوديكي تفكيرك لغاية فين يا سهر…. أذيتي نفسك وسمعتك كتير أوي لدرجة إن كرهت نفسي بسببك…. وأنتِ متستاهليش لحظة تفكير واحده.
أسند برأسه على مسند المقعد وراءه، مغمض العينين عله يُخمد النيران المستعرة بداخله…… عائداً بذاكرته إلى الوراء عندما رآها أول مرةٍ منذ اثنى عشر سنة.
قائلاً لنفسه بضيق:- مش مسامحك ياسهر وعُمري ما هنسى اللي عملتيه فيه وفي نفسك…
يتبع..
لقراءة الفصل السابع : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية المؤامرة للكاتبة منة محسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!