روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثامن 8 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثامن 8 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثامن

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت الثامن

رواية غوى بعصيانه قلبي الحلقة الثامنة

” رسائل لن تصل لـ صاحبها ”
دعني أتمرد على قوانين الكبرياء تلك الليلة ، وانهزم في ساعة انتصر عليّ الحنين فيها ، وأعترف أنني بكل مرة تلاقينا صدفة كنت أسعد امرأة على وجه الأرض رغم تجاهلي الذي أتعمد إظهاره أمامك ، لكنني أعلنها بكل أسفٍ :
أن قلبي أصبح كبئر مهجور جفت به الماء منذ آخر لحظة ارتوت بها روحي بندى صوتك !
#نهال_مصطفى 🖤
•••••••••
دخوله كان أشبه بعاصفة رملية حجزت ضوء الشمس عن الأرض ، تسمرت “حياة” بمكانها وهي تتفقد لبسها وتستمع لصرخته القوية التي جاءت بنفس السؤال مرة أخرى :
-مين سمح لك تلبسي دا !
انتقل مسار الحوار من الألسن للأعين ، صمتت حياة بمكانها تفكر ما الذي أثار غضبه لهذه الدرجة ، وكيف ستبرر ما فعلته ، وما أهمية الأمر بالنسبة له الذي جعله يبدو غاضبًا لهذا الحد !،
بينما هو سقط في نفس دوامات التفكير ولكن شتان بينهما ، رغم اتحاد الموقف إلا أن زوايا الفكر مختلفة !
رحلت ذاكرة ” عاصي ” إلى ذكرى الفستان الذي ابتاعه لـ زوجته من فرنسا إثر إصرارها المبالغ عليه ، تذكر طلتها وهي تستعرض جمالها أمامه مدللة بما ترتديه :
-أيه رأيك ؟! قلت لك هيطلع تحفه عليا !

 

طالعها بعيونه اللامعة من كثرة الإعجاب وقال بحب :
-أنتِ اللي محلياه دا أولًا ، ثانيًا أنا مش بحب اللون الأسود عليكِ ، شوفي أي لون تاني !
ثم مسح على شعرها الأسود وقال فاصحًا :
-قلت لك قبل ، مش عايز اشوف اللون الأسود غير في شعرك وبس !
استخفت مها بجملته وهي تعارضه ممازحة :
-ولو قُلت لك إني مصممة !
أسهب في مُطالعتها ثم قال ناشدًا :
-يبقى الأمر أمرك ، وقلبي مش عليه يقول غير سمعًا وطاعة !
فاق من سطو ذكرياته التي مر عليها أكثر من ثمان سنوات ، ولكن ما زال قلبه تحت تأثير حبها الذي ظهر في نبرة صوته الخفيضة وهو يطلب منها أن تنزع ما ترتديه :
-قلت اقلعي اللي لابساه حالًا !
تفاقمت نيران موقفه الغامض بقلبها التي مرت أمام أعينها بسرعة البرق ، متذكرة مدى وقاحته ، ثم سنت نصل عنادها واقتربت منه وقالت بتحدٍ :
-ينفع تخليك في حالك ومالكش دعوة بيا نهائيًا !

 

ألقت شرارة العناد في حقل غضبه ، فـ أدى إلى انفجار نيرانه بوجههًا قابضًا على معصمها بقوة مشيرًا على أحد الضُلف :
-هنا مش عايز أيدك تلمسه ، أنت فاهمة !
ثم اعتصر معصمها بقبضته القوية ورجها امامه مُكملًا :
-ولو لقيتك قربتي من هنا تاني هيبقى اخر يوم في عمرك !
عيناه أيقظت فيها شخصية قوية لا تهابه بل تمادت في جداله ومعارضته ، وقفت أمامه شامخة رغم ألم ذراعها قالت له رافضة دون أن تعي أهمية الأمر بالنسبة له :
-تمام ، وأنا مش هغير واللي في بالك مش هيحصل ، وريني هتعمل أيه !
عثت فـ جوفه حربًا أشد من أن يتحكم بها ومن أن تقاومها ، وبدون تفكير شق ما ترتديه لنصفين صارخًا بوجهها :
-حاجات مهـا مراتي خط أحمر !
هنا امتنعت عقارب الساعة من الدوران إجلالًا لما نتج من تحدي العناد أمام جبوش الغضب ، اتسعت عيون حياة بذهول لجرأته ووقاحته ،تراجعت خطوة للخلف وهي تضم طرفي فستانها المقسومة لنصفين ، وتراقبه بأعين العتاب كمن غرس خنجرًا بقلبها ولكنها كانت تعاتبه وتنتظر منه مداواتها .
أما عنه نجاة من سيطرة الذاكرة فـ وقع في مصيدة الجمال التي كانت بسبب تفاصيل امراة ساحرة لم تر عيونه من قبل مثلها ، اقترب نفس الخطوة التي ابتعدتها مشتهيًا لمس ما سطع أمام أنظاره ، فكانت روعة تفاصيلها كحورية خارجة من بحر الخيال يريد حسها حتى يتأكد من حقيقة وجودها ، قرأت لمعة عيونه التي تعلن صراحة عن اشتهائها متناسيًا كل ما مر ، ومعلنًا بأن جوارحنا وليدة هذه اللحظة .

 

بلل حلقه الذي ابتلع ما تبقى من كلمات به ، وتحولت قبضته من التعنيف إلى الاشتهاء وهو يلفها حول خصرها وجذبها بقوة حتى ارتطمت بسياج صدره القوي ، أحست بنيران حارقة تأكل في جدار عنها إثر أنفاسه المشتعلة بالمزيد من قُربها .
تسمرت بين يديه وتشعر بصخور جبال قواها تهوى فوق رأسها وتعلن عن استسلامها في لحظة قادها الضعف ، نجح في تذوق قبلة خفيفة من عنقها ثم أصدر أنينًا من شدة صبابته لها وسألها :
-كام سعرك لليلة ؟!
بدأت تستشعر بمخالف القوة تتمدد بجسدها ، واحتمت بجدار القوة الداخلية التي شُيدت بجوفها وباغتته بدفعة قوية للخلف وهي تصيح بوجهه
-اطلع بره .. بــــــره .
لم يكن يتوقع ردة فعلها ، كما جاء بفعل خارج عن العقل ، أجابته بـ رد فعل خارج عن قوانينه في دستور النساء ،
ومحطمة لجدار كبريائه خاصة عندما اعلنت رفضه لها صراحةٍ ، ظلت تدفعه ناحية الباب بُكل ما أوتيت من قوة واعتزاز لم يقاومه تجبره وتغطرسه الذكوري ، فتحت الباب و أخرجته من الغرفة في لحظة قادها جنون امراة ، بمجرد ما خرج من الغرفة
قفلت الباب خلفه بصخب شديد وأحكمت غلقه بالمفتاح صارخة برفض تام :
– مش عايزه اشوفك تانى ! بني ادم مرعب !
جلست وراء الباب تنتفض وتتلقى خفقان قلبها في راحة يدها ، ورغم خريطة عيونها التي تظل كل من تعثر
علي الاتجاه الصحيح إلا أنها للمرة الأولى التي لا تعرف الي أين تتجه !
ركل الباب بقدمه مزمجرًا بغضب عارم :

 

-والله لاندمك على اليوم اللي قابلتي فيه عاصي دويدار لدرجة أنك هتتمنى الموت ولا هتشوفه !
مالت برأسها على الباب متأوهة بإعياء التيه متسائلة : لماذا بين كل الاكتاف الأمانة لا تسقط رأسها إلا علي الكتف المرصع بالشوك .. كتف بينها وبينه مسافة السماء والأرض ! عن أي رحمة تبحث وهي بين فكي الأسد !
احتدم غيظًا وأحس مخالف عنادها ورفضها القاطع له توغر في صدره ، أخذت اقدامه تأكل درجات السلم كحرد أصيب عصب الإبل فاضطرب خُطاها ، بمجرد ما لمست قدمه الطابق السُفلي اصطدم بــ عالية أمامه تقف كجبل راسخ لم تهزه العواصف وقالت :
-عايزة اتكلم معاك .
تجاهلها متعمدًا
-و أنا مش عايز أشوف وشك .
تمسكت بمعصمه راجيه وبدموعٍ حارة أوقفته :
-هي دي أمانة شهاب دويدار ليك يا عاصي ! نسيت أخر وصية لبابا كانت أيه ، قالك تكون امانها وحمايتها
مش مصدر رعبها وخوفها !
ثم كفكفت دموعها وأجهشت باكية بدموع مفرطة :
-لما بابي توفى و انا لسه كنت راجعة من المدرسة اترميت في حضنك ! ورغم حزني ألا كنت بحمد ربنا على وجودك
أن ليا ضهر بعده .
ثم انتفضت بوهن :
-دلوقتي بقيت سبب تعاستي عمري كله يا عاصي !

 

رمقها بنظرة عتب امتزجت برائحة الحنو ولكن سرعان ما طغى جبروته القاتل عليه وتبدلت نظرته
الحنونة لسيف حاد وهو يخبرها ” لا أحد يتخلى عن الأشياء التي يتوق لها إلا بعد ما يجرحه الحفاظ عليها ”
ثم دنى منها خطوة متبرئًا من ذنبها و تفوه :
-أنت اللي ظلمتي نفسك يا عالية ، مش أنا ، أنا بحاول اصلح !
صرخت بوجهه رافضة اتهامه الصريح :
-كلفت نفسك تركز في الصور دي ولا تعرضها على عشان تظلمني بالطريقة دي ! لا طبعا
وبدل ما تاخد لي حقي من اللي عمل فيا كدا ! جاي تظلمني أنت كمان !
ثم بللت حلقها الذي جف من لهب الظلم و أتبعت
-مجاش في بالك لو للحظة وسط الأعداء الكتير اللي بتحاربك دي ، يكونوا هما السبب ؟!
للدرجة دي مش واثق في تربية أيدك !
لم تنكر ملامحه رضوخها وأحساسه القاتل بظلمها ولكن سلطان عناد لم يكسر له أمرًا ، نصب قامته بفظاظة وقال :
-ومين قالك اني معملتش كل ده ! الموضوع انتهى يا عالية .. واي كلام تاني مجهود منك على الفاضي
رغم ثقل همها والمصيبة التي خرت على رأسها الا انها اعتادت على تجاوزها بسهولة !كمن يعبر طريق فارغ ،
أومأت متقبله قراره ، مستسلمة لموج الأقدار ، واثقة بربها وإيمانها الشديد به.. بأنه لا يأتي إلا بالخير مهما كانت صعوبة الطريق.
وقفت أمامه بنفس قوتها المستمده منها وقالت بعبراتها التي تنخرط من جفونها :

 

-وأنا مش هكسر لك كلمة يا عاصي وموافقة ! عارف ليه .. عشان مفيش مصير هيكون أقسى من اللي عملته فيا !
كل اللي جاي رغم صعوبته بس هنساه وتجاوزه ، بس عمري ما هسامحك يا عاصي وهتعيش عمرك كله متحاوط بذنبي !
ولو بينك وبين الجنة مغفرتي عمري ما هسامحك .. خليك فاكر كده كويس !
يقال بأن العائلة والحُب والصداقة ولدوا من رحم فكرة واحدة ، وهي المأوى والمواساة من وحشة الليل ،بدونهم
يصبح الليل عتمة كسماء بدون نجوم ، ونتحول لكائنات تتخبط بأشجار غابة مرعبة .
القت جمر كلماتها بصدره وانصرفت ملدوغة بنفس النيران وهي تواسي نفسها بنفسها
-يمكن لأول مرة في حياتي بطلت أحاول علشان حاجة، كل ما أبص على الماضي بلاقيني استهلكت عُمري و طاقتي ووقتي في سكك ودروب كلها غلط
رغم اختياري ليها ورغم عشمي فيها، حاولت كتير وكتير أوي ولا مرة اتردلي اللي عملته،
ولا مرة عشمي جيه في محله ولا مرة حد حاول عشاني، كله يتقلب عكسي !
لأول مرة هقف مش هتحرك وهسيب الأمور تمشي زي ماربنا عايز وبكل اقتناع أنا تعبت من المحاولات .
تسمر مكانه كبركان يتوق موشكًا على الانفجار ، وبكل ما أوتي من غضب رج سور الدرج الحديدي حتى أوشك على الانخلاع بيده .. صارخًا كزئير أسد كبلت أقدامه بأصفاد ساخنة
و أخذوا يتناولون اللحم الشهي أمامه ! فما سيكون المصير يا ترى !
******
-شمس ! أنتِ عايزة تقولي حاجة !

 

بد القلق والاعتراض يقاسم معالم وجهها منعكسًا في يدها المرتعشة التي تسقط كل ما تتمسك به وترتبك معتذرة عن أفعالها العشوائية
لذلك أردف تميم جُملته الأخيرة بعد تكرار أخطائها الغير مقصودة ، سؤاله ضاعف حيرتها ما بين اخباره أم لا ، جلست على طرف الأريكة وهزت رأسها نافية
-لا مفيش !
– طيب أهلك بخير ! لو ناقصهم حاجة قولي !
فرت دمعة من طرف عينيها تلقتها بأناملها وأصرت على رفضها
-كلهم بخير !
-طيب الحمد لله ! في ايه بقا .
فكرت شمس للحظات ثم أردفت مموهه محاولة رسم ضحكة مزيفة :
-قرأت رواية بس ، أثرت فيا شوية عشان كدا هتلاقيني مش مظبوطه .. هبقى تمام متشغلش بالك .
رد باقتضاب :
– رواية ايه دي اللي توصلك للحالة دي ؟!

 

فركت كفوفها لتخترع له شيء يقنعه وقالت بشرود :
-هي رواية عن ملكة تايلاند .. نهايتها كانت محزنة أوي .
طالعها باهتمام منتظرًا تلك النهاية التي خرت احزان عيونها لهذه الدرجة وتمتم :
-تمام وبعدين !
تصفدت عيونها بالحيرة وأكملت :
-لما اتقلب القارب بها ، وقفوا الحراس يتفرجوا عليها ،ومحدش فيهم عرف ينقذها !
رفع حاجبه مُتسائلًا :
-ليه ؟
أجابته بوهنٍ :
-لان القانون عندهم بيقول “عقوبة لمس الملكة الإعدام ”
أغمض تميم عيونه مستوعبًا ما قصته على مسامعه وقال بسخرية :
-عمري ما كنت ضد القوانين اللي تحفظ هيبة الحُكام .. بس ضد القوانين اللي تغتال الشهامة والانسانية في قلوب البشر .
اتسعت عيونها إثر ما بداهته وفطنته في ترجمة الموقف والأكثر حدة أنه أهان انسانيتها وجُينها في مواجهة الظلم ، ترقرقت العبرات من مقلتيها ونهضت سريعًا
نحو الشرفة تجفف دموعها ثم ولت وجهها إليه :
-هنبدأ جلسة العلاج الطبيعي النهاردة ، بس لازم حد يساعدنا .

 

تجاهل جملتها و رمي جمر سؤاله برأسها وقال :
-ايه اللي واقف قدامك يا شمس مخليك متتكلميش !
*****
أن تضيق الدنيـا عليك كحبل المشنقة حول روحك ! أن يتلطخ قلبك في دماء الحُزن كحمامة مذبوحـٰة تتلوي حلاوة روح لا أكثر ، أن تشعر بالبكاء يتغربل من جوفگ لا عيونك ، أن يتحول لُعابك للعُاب صبارة احتبست مرارة الأيام بداخلها ، أن تصير أنفاسك دخانَا يزفر حرائقك المتقدة من قسوة الأيام .
تقف حياة أمام المراة تمسح جدار عنقها الذي لامسته أنفاسه الحارقة بقسوة وعنف وهي تطالع عيونها المحمرة من حرارة قلبها المتوهجة إثر تجاوزه وتماديه في أفعاله
وتوبخ الايام والصدفة التي رست بها على شاطئ يديه .. أغمضت عيونها التي لم يغب عنها نظرته وضمته وقربه منها ، ورضوخه أمامها مشتهيًا قربها .
صرخت بمرارة وهي تكمل تمزيق فستانها الذي تطاولت عليه يده حتى صار قطعة قماش متهرئه ملقية أرضًا ..ثم دفنت يديها بوجهها صارخة من صداع رأسها وقلبها في آن واحد .
باتت ترتجف و تتحرك بعشوائية تفتش في الادرج عن شيء لا تدركه وما هو حتى سقطت أعينها على دفتر وقلم ..تمدد يدها وتناولته بلهفة وهي تجلس أرضًا وبأيدٍ منتفضة انتصب القلب
ليغتصب السطور بأهات يعجز اللسان عن الافصاح بها .. ودونت أول جملة جعلتها تتنفس وكتب حبر قلبها
-إذا حل الخريف ، فما هو ذنب الورق ؟!

 

ثم رمت الدفتر بعيدًا واخذت تتلوى وجعًا حول مفرش السرير كمن يتقلب على جمر ملتهب ، لم يختلف حالها عن الحالة التي وصلت لها عالية ! التي أخذت تهذي بضعف كان له مذاق الليمون على الجروح المفتوحة وبصرخة مُلتاعة وبخت نفسها :
-أنت بتعملي ايه يا عاليه ! ما هو اكيد في حل ! لو هربت هيجيبني من تحت الارض !! ولو وافقت ابقي حفرت قبري بايدي ؟! يا ربي ارحمني ؟! عبدك مهزوم من الدنيا كلها .
اما عن شمس أخذت شفتيها تهذيان بأكاذيب مفضوحة حتى استسلمت أخيرا وقالت بقلة حيلة
– عالية في مصيبة لازم نلحقها ؟!
ثم اعتصرت دموعها بعجز وقالت :
-هحكيلك كل حاجة ؟!
*******
” من الصعب أن تجد للحياة رونقًا بعد ما رحل منها من كان يعني لك الحياة بأكملها ”
دارت رحي الحرب بين قلبه الذي اغتالته الايام وعقله المغيب الذي أعلن تمرده على الحياة والأيام والبشر
عازمًا بأن أكل ما سيأتي لم يكن إلا بأمره وبكامل إرادته !
أيقظ استسلام عالية لأوامره الظالمة ورفض حياة لمطالبه التي يشتريها كل ليلة متفضلًا على جنس حواء بأمواله واختياره لهم !
أكثر ما يجره للمقاومة والتجبر أن نفسه ترفض أي هزيمة أخرى لذلك تجده يتخبط ويقاوم الأفعال التي تحيي نبض قلبه من جديدٍ ، وكل شيء يؤدي الي هشاشته وعجزه !يظل يعاند حتى يجد نفسه على متن سفينة الناجيين من رصاص الحياة ! ولكن هل يمكن استغفالها ؟!
أم أنها عنيدة وتصر على هزيمتك بنفس الخنجر الذي رفعته بوجهها !!
طاحت يده بكل الكُتب على سطح مكتبه صارخًا كمن هوى ببحيرة رملية لا نجاة منها !
دخل يسري في تلك اللحظة راكضًا وبلهفة :
-عاصي بيه ! حصل ايه بس لكل ده؟!

 

ركل المقعد أمامه بعنفوان وقال لاهثًا
-تروح لعبلة هانم تبلغها أن اللي ما يتسمى ابن اختها كتب كتابه بكره على عالية !
لم يمنح يسري فرصة للجدال والمناقشة بل خيم على ذاكرته أول أنثى ترفضه وطريقتها المهينة في طرده من الغرفة
فـ زاد وجهها إحمرار بدماء الغضب وأكمل :
-النهاردة عايزك تجهزلي سهرة حلوة !انسى بيها الهم ده ؟!
خضع يسري امتثالا لتنفيذ أوامره وعلى الفور لبي مُجيبًا :
-روق دم معاليك بس ويسري عنده الحل ..
ثم أخذ عاصي “جاكت” بدلته بعنف وغادر الغرفة والقصر كله فلا يطيق وجوده أكثر من ذلك تحت سقف واحد مع امراة هانت ذكوريته !
واشعلت حقلًا من النيران في جوفه ..
******
“مساءً”
-أنتِ وابنك عايزين إيه من عالية ؟
أردف تميم جُملته الاخيرة بفظاظة وقسوة غير معهودة ، استقبلتها عبلة ببرود وهي تقفل علبة طلاء الاظافر وتقول:
– ولا حاجة ؟ عايزين نداري على المصيبة اللي عملتها ونرد اعتبارنا قدام الناس ؟!
ضرب تميم على مسند مقعده المتحرك بجبروت وقال

 

-أنتِ كمان مصدقة الهبل ده عليها ؟! نفسي افهم انت وعاصي بتفكروا ازاي ؟!عمومًا الجوازة دي مش هتم!
دوى صوت ضحكات عبلة في جميع ارجاء الغرفة وقالت باستهتار:
– تميم حبيبي فوق لنفسك ! انت محدش طلب رأيك دا اولا
ثانيا أنت مفيش فى ايدك حاجة تقدر تعملها وأنت عاجز كدة .. ثالثًا وده الأهم عالية خلاص وافقت .
ثم داعبت شعرها بتدلل وأكملت :
-أمك يا حرام محدش كان يسمع لها صوت في البيت هنا .. حتى لما ولدتك ، ولدتك تحت السلم عشان كانت أجبن من أنها تيجي تصحي أبوك من جنبي وتقوله تعالي الحقني بولد .
ثم جهرت بعيون الشر واتبعت محذرة :
-أنا مخلياك هنا بس شفقة لخدمات المرحومة مامتك .. بس لو جالي مزاج ممكن أرميك بره في غمضة عين !
لم تستحى في خلع سترتها أمامه وبقائها بقميص دون أكمام وأكملت بصوت كفحيح الأفعى :
-ابعد عن ولادي يا تميم .. متظنش أنك هنا صاحب بيت !أنت هنا ضيف وضيف تقيل على القلب شوية ، أحسن لك أقصر شري !
برز وجه الحية الحقيقي أمامه فلم يتفاجئ لانه اعتاد الأمر ومراقبته للظلم بل اكتفى ببسمة غير مناسبة لمجرى الحوار بينهم وقال بنبرة بثت الرعب بداخلها :
-طيب خافي ومستهونيش بشخص بيجري في عروقه دم شهاب دويدار !

 

ثم دار بمقعده بعد ما قذف قنبلة تهديدات وتوعده لها وغادر غرفتها تركها تشاجر أثاثها ..
وفي الغرفة الاخرى تجلس شمس مع عالية التي سردت لها حوارها مع عاصي الذي ذيلته بموافقتها
شهقت شمس بـ اعتراض
-مش حل يا عالية !! انت ازاي تعملي في نفسك كده!
استسلمت عالية للأمر الواقع وقالت :
-صدقيني كل الطرق نتيجتها واحدة .. هنا موت وهناك موت .. عندي فضول أعرف المجهول مخبي أيه .
زفرت شمس بحنق ونفاذ صبر من استسلامها وقالت :
-أنت لسه قايلة أنه شخص مش كويس ومش بيحبكم وانه له مشاكل كتير مع عاصي !! يبقى ليه ؟؟!! ليه نرمي نفسنا في النار ، يومين بس والموضوع هيتنسي ومحدش يفتكر البلبلة دي كلها !
مسحت عالية على رأسها وتنهدت بعجز :
-مامي متحمسة مش عارفة ازاي ؟! وكمان أنا حاسة إني فقدت كل قوتي مش عايزة اجادل .
نهرتها شمس برفض:
-ده اسمه ضعف ؟!هو في حد بيجبر حد على الجواز فـ الزمن ده ؟! ده ايه التخلف والجهل ده ياربي !
اتكأت عالية للخلف على مسند الاريكة وقالت بيأس:

 

-تميم فين ؟!بجد يا شمس مكنتيش قولتى له ؟!
-ياسلام ؟! واسيبك بتغرقي وافضل اتفرج ؟!
-أنا غرقانة من زمان ..
ثم ابتسمت برضا وقالت
-في اية بـ تتردد في قلبي مطمناني معرفش ازاي ..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
بس أنا واثقة في ربنا انه مش هيخذلني ؟يمكن عقابهم ليا يكون حرية وابعد عن بيت الرعب ده .
رمقتها شمس بعدم تصديق وغرابة على تبدل حالها:
-أنت غريبة ! يمكن أغرب من أخوكي المجنون اللي تحت ده .
أجابتها عالية بحكمة :
-الغريق بيفضل يطبش في المياه كمحاولة أخيرة للحياة ! لكن أنا مبقاش عندي حياة حتى تستاهل المحاولة ، أنا ماليش مكان وسطهم ياشمس
أنا لا أشبههم ولا هما يشبهوني .. ساعات كتيرة كنت ادعي ربنا ليه متولدتش فقيرة بس في بيت دافيء ومليان حب .. الفلوس اللي بيجروا وراها دي هي اللي جايبه لهم المصايب .
لم تجد شمس طريقة للمواساة سوى معناقتها والترتيب على ظهرها بحنو حتى انخرطا الثنائي في نحيب مكتوم تتصدع له القلوب .

 

*******
“في الطابق العلوي ”
استيقظت حياة بعد ما اخذت قسطًا كافيًا من النوم ثم اتجهت نحو الركن الزجاجي بالغرفة تاركة للماء مهمة غسل ما تراكم على جسدها من همومًا.
انتهت من حمامها الطويل ثم جففت الماء من عليها بمنشفة خاصة به فطبعت رائحته على جلدتها فيلزمها حمامًا اخر لتتخلص من سطوه عليها .. ارتضت بما فُرض عليها
وفتحت خزانته متجاهلة ضلفة زوجته لانها ادركت بارتكابها خطئًا فادحًا عندما لمست شيئًا لم يخصها .. بحست في ملابسه بعشوائية حتى وجدت منامة من الستان خاصة
قربتها من انفها وأوشكت أن تتقئ مرارة ذكرياته القليلة معه.. ورمتها علي الأرض وهي تتطالعها بحيرة ثم استسلمت أخيرًا لها ومالت وشرعت في ارتدائها .. ثم اتجهت نحو المرآة
وبدأت في تصفيف شعرها الذي يغطي ظهرها بأكمله ..
لم تكمل مهمة ضب أوتار جمالها ثم سمعت صوت دق الباب ، انتفضت ظنًا منها بعودته لينتقم .. زحفت نحو الباب بخطوات سلحفية وهي تتساءل:
-مين ؟!
اتاها صوت أنثوي من الخارج و اردف بدلال:
-انا هدير ..

 

سكن خفقان جوفها قليلا وتنهدت بارتياح متلونة بالوجه المبتسم الصارم وفتحت الباب وطالعتها بحيرة:
-مش المفروض الجناح هنا ممنوع حد يخطيه غير اللي بينضفوا !! أيه يا هدير جاية تنضفي أوضة ابن خالتك بنفسك .
جهرت بصوت عالٍ وخطت قبل أن تسمح لها بداخل الغرفة وقالت :
-من أول ما شوفتك قلت دمك خفيف !
ثم أخذت تتجول بالغرفة بفضول متفقدة الملابس المُلقاه وقالت :
-ابقي نادي على أي حد ينضف بدل العشة اللي أنت قاعده فيها .. ده بس عشان عاصي مش بيحب العبث !
اقتربت منها حياة مستمتعة بلعبة الكيد الانثوي التي تتسلى بها وقالت بتفاخر :
-عاصي بيحب أي حاجة مني !حتى ولو كانت عبث !
لم تتبدل ملامح هدير الساخرة بل واصلت مكر :
-وأنا اللي جاية عشان مصلحتك !! صحيح تعرفي عاصي جوزك فين دلوقتي ؟!
اهتزت ملامح حياة للحظات ولكنها لم تمنحها الفرصة للشماته وقالت :
-أكيد جاي !! تلاقيه بس مشغول شوية .
ربتت هدير على كتفها بشفقة مزيفة
-ياحرام !

 

ثم اتجهت ناحية الشرفة وزاحت الستار وأشارت لها على جناحه الخاص بسهراته الدنيئة :
-أومال الانوار اللي هناك دي شغالة ليه ؟
ثم ولت ناحيتها وعقدت ذراعيها أمام صدرها وترنحت قائلة بصوت كفحيح الافعى
-معناها أن عاصي معاه واحدة جوة وسهرته صباحي ؟! يعني هتقضي ليلتك النهاردة وحيدة يا حرام .
ثم اخرجت بعض الأدوية المختصة بإجهاض الحمل من جيبها ورفعتهم أمام أعينها :
-خالتو باعتة لك دول .. تاخديهم بالشفا يا قمر .
صاعق كهربي لجم حياة في قلبها إثر ما القته هدير على مسامعها ، تصلبت أمامه دون ظهور أي رد فعل ، شعرت هدير بنشوة الانتصار
فألقت ما بيدها وسط الفراش وذهبت مختالة الخطى ، ثم توقفت كأنها تذكرت شيء ما :
-نامي بدري متحاوليش تستنيه .. عشان السهر بيجيب هالات سودة !
ثم غادرت متفشية بها والضحكة ترتسم على وجهها بنصر ساحق .. ابتلعت حياة شعور الاهانة الاشبه بالعلقم وطوقت رأسها بكفيها وجلست مطأطأة الرأس على طرف السرير وهي تهذي في سرها
-بني آدم بشع !
لم تعلم ما كم مر على شرودها و ابحارها في محيط الذاكرة حتى رفعت رأسها إثر صوت تالتا وهي تستغيث بها
-انطي ! بليز الحقي داليا .. تعبانة تحت ومش عارفة تتنفس !
وثبت كالملدوغة وهي تستفسر منها:

 

-مالها .
انتفضت تاليا :
-تعالي بسرعة .. ميس نوال اجازة النهاردة وناناه خرجت وانا مش عارفة اكلم بابي !
ركضت مع تالتا نحو غرفتهم الخاصة الكائنة بالطابق السفلي .. أحست درجة حرارتها فوجدتها مرتفعة جدًا ، فتوترت بخوف وركضت نحو المرحاض بللت منشفة صغيرة ووضعتها على جبهتها لخفض درجة سخونتها وقالت بقلق
-تاليا خليكي جنبها .. أنا هروح انادي باباكي .
هرولت حياة بدون تفكير إليه ،لتنجد تلك الصغيرة من قسوة المرض ، قطعت خطاوي السلم في لحظات قليلة ثم أخذت تركض ، بالحديقة الخلفية بلهفة وفزع حتى وصلت أمام باب جناحه الخاص وطرقته بسرعة وبأيدي منتفضة .. انتظرت طويلًا حتى فتح لها الباب بصدره العارٍ وكأس النبيذ بيده ، تسمرت إثر هيئته الوقحة ، ولكنه ترجم صمتها على أنها موافقة صريحة على طلبه صباحًا .. مال صوبها وهمس:
-كان من الأول ؟!
حاولت استيعاب جملته ولا زالت تحت صدمتها :
-هو ايه مش فاهمة !
رمقها بنظراته الجريئة ماسحًا بظهر كفه على وجنتها الناعمة :
-يعني ما اتخلقتش ست تقول لعاصي دويدار لا

 

أدركت اخيرًا ما يشير له ثم دفعته مبتعدة عنه ومعلنة عن اشمئزازها منه وقالتها بصرامة امرأة يخشاه الخوف:
-غلطان ، لأن الست دي واقفة قدامك ، وتحت سقف بيتك ..ومع ذلك مش هتقدر تلمس منها شعرة واحدة ..
ثم دنت منه وأفصحت بتحدٍ:
-أنت لو تعرف أنا شايفاك ازاي هتشمئز من نفسك أوي .
ثم أخذت نفسًا بارتياح وأتبعت :
-بالمناسبة لو كان الموضوع يهمك بنتك بتموت فوق .. لو مش هنعطلك ممكن تلحقها .
اطلقت رصاصة وراء الاخري بجوفه وركضت كالعصفورة أمامه لم يستطع الامساك بها ..
ولكنها ظفرت في دب الحياة اخيرًا بقلب ذلك الديناصور المتحجر من قبل بداية الخلق ،رمي الكأس من يده فتهشم مثلما
تهشم كبريائه على رصيف تمرد امراة لم ير في عنادها من قبل ، ظهرت أمامه تلك الفتاة المأجورة ثم فش غضبها فيها وطردها قبل ما يمنحها الفرصة من تناول ملابسها
ارتدى قميصًا سريعًا دون الاهتمام بقفل ازراره وركض نحو القصر ، لا يعلم لهفة لتعب صغيرته أم لهفة للانتقام منها .. دخل الغرفه فتحاشت النظر اليه جلس بجوار ابنته فوجد درجة حرارة مرضها تفوقت على درجة وهج غضبها .. هتف بسرعة :
-تاليا روحي نادي الدكتورة شمس من اوضة عمو تميم بسرعة .
تجاهلت حياة النظر إليه تمامًا واخذت تبدل المنشفة التي فوق جبينها ثم وضعت واحده أخرى على ساقيها وأخذت تتحسس درجة حرارتها ، ظل يراقبها في صمت بعيون بارقة كنصل السيف تحت أشعة الشمس التي تكشف الشيء على حقيقته ..

 

أتت شمس بسرعة مع تاليا ثم لحقت بها عالية التي تلهفت بفزع علي صغيرها وهي تمسح على رأسها بكفها المرتعش ..انصرف عاصي هاربًا من نظرات حياة
الحادة التي خدشت هيبته وأخذ ينتظر خروج شمس بعد فحصها .
في تلك اللحظة أتت عبلة بعد ما أمرت الخدم بتوصيل مشترياتها الي غرفتها ، فوجدته بالطابق العلوي .. ذهبت اليه بخطوات هادئة قبل ما تأتي بعاصفة نواياها
وقفت بجواره متسائلة
-واقف هنا ليه !
بعد اهتمام اجابها
-داليا تعبانة جوه .
– والدكتورة اللي اسمها ايه دي فينها ؟!
-بتفحصها ..
تنهدت عبلة بعدم اكتراث ثم قالت :
-طيب نستغل الوقت لحد ما نطمن على داليا .

 

رمقها بحجود ثم زفر بضيق منتظرًا ما تخبره به :
-مراد أكد على معاده بكرة .. وانا جهزت كل حاجة ، وهدير كمان تستغل اسمها على الميديا وهتشير صور كتب الكتاب
وكدة نبقي ضربنا المرشدي بمدفع مش برصاصة .
هز راسه موافقًا .. ثم أكملت عبلة حديثها بثقة :
-جهز نفسك أنت كمان ؟!
رفض رفضًا قاطعًا :
-انا مستحيل احط ايدي في ايد اللي اسمه مراد دا ؟!
استندت عبلة علي سور الدرج الملتف وقالت بنبرة أكثر قوة :
-معلش مجبر .. بس مش ده اللي اقصده !
لف انظاره اليها باهتمام منتظرًا تفسير ما تقصده ثم قالت بجزم :
-كتب كتابك أنت وهدير كمان بكرة ، واللي جايبها من الشارع دي مش عايزة أشوفها في بيتي .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!