روايات

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الخامس 5 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الخامس 5 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الجزء الخامس

رواية صدفة لم تكن عابرة البارت الخامس

رواية صدفة لم تكن عابرة الحلقة الخامسة

“وعُمري ما أشكي من حُبك، مهما غرامك لوعني”
_أم كلثوم
*************************
_” إيه دا ؟؟! أنــتَ ؟؟!”
نطقتها “هنية” مستنكرةً تواجده بأسرته أمامها بل توهمت أيضًا أن كل ذلك ماهو إلا وحي خيالها من كثرة إلحاحه، بينما “رائف” تقدم البقية وهو يقول بنبرةٍ باردة أثارت استفزازها:
“الله يبارك فيكي يا حماتي…مش حماتي برضه ؟؟؟”
ضحك “خليل” وهو يقول بودٍ:
“يا سيدي مستعجل على إيه ؟؟ إن شاء الله هتبقى حماتك، اتفضلوا يا جماعة”
أشار لهم بالتقدم بينما “مصعب” وقف ببلاهةٍ ثم حرك رأسه عدة مراتٍ لا يصدق ما يراه أمامه، ثم دلف للداخل بعدما انسحب من أمام الجميع نحو الداخل لشقيقته التي وقفت تُتمم على مظهرها أمام المرآةِ بفتورٍ دون ذرة حماسٍ.
التفتت لتوأمها تسأله بتعجبٍ:

 

“مالك مِـبلم كدا ليه ؟؟؟ هو فيه حاجة ولا إيه ؟؟ العريس مجاش”
حرك رأسه نفيًا ثم أضاف بذهولٍ لازال مُسيطرًا عليه:
“جِــه برة…..تعالي يلا”
عقدت ما بين حاجبيها ثم قَلبت فمها بتعجبٍ و استأنفت الاتمام على مظهرها لتتفاجأ بقول أخيها مندفعًا:
“مـنة !! هو أنتِ متعرفيش مين العريس اللي جاي ؟؟؟”
انتبهت له و نصبت نظرها عليه من خلال المرآة وهي ترى صورته المُنعكسة وقد انكمشت المسافة الواقعة بين حاجبيها، فيما تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“طب يلا علشان تقدمي الحاجة للناس، كدا غلط”
تحركت خلفه نحو المطبخ تمسك الصينية المعدنية الذي يعتليها العصير و قوالب الحلوى الصغيرة، بينما “مُصعب” تقدمها في السير وهي تسير خلفه بخجلٍ فطري بعدما نكست رأسها للأسفل تهرب من النظرات التي بالطبع تكون موجهة نحوها، ثم اخفضت جسدها حتى تضع ما تمسكه على الطاولة تهرب بنظرها من هؤلاء الغُرباء، بينما “رائف” اندفع يمسك الصينية وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
“عنك أنتِ….تسلم ايدك”
هل هذا صوته حقًا أم أنها تتوهم ذلك ؟؟ رفعت رأسها نحوه بسرعةٍ كُبرىٰ وحينما أبصرته أمامها رمشت ببلاهةٍ و فرغ فاهها حتى أوشكت على الترنح بما تمسكه، لكنه ضغط على الصينية بكفيه وهو يقول هامسًا بمشاكسىةٍ:
“بالراحة يا عروسة….مش عاوزك تكسفينا قدام الناس كدا”
نظرت له من جديد بدهشةٍ بينما “خليل” قال بنبرةٍ ضاحكة:
“يا بنتي سيبي الحاجة مالك متخشبة كدا ليه ؟؟ معلش يا رائف متفاجئة يابني”

 

حينما تحدث والدها و أدركت هي ما يصير حولها، تركت الصينية ثم ركضت نحو الداخل تهرب من الجميع، فانتشرت الضحكات على رد فعلها الغريب، بينما “مُصعب” جلس بجوار والده مُبتسمًا لهم، فيما ظلت والدته مدهوشةً بالأجواء حولها.
مال “رامز” شقيق “رائف” الأكبر على أذنه يقول هامسًا:
“ما تتكلم يابني….هنفضل ساكتين كدا ؟؟؟”
حرك رأسه نفيًا ثم قال بنبرةٍ خافتة:
“اتكلم أنتَ علشا لو فتحت بوقي هَـعُك الدنيا، اتفضل يا كبير”
رفع “رامز” حاجبيه مستنكرًا وهو ينطق بتهكمٍ:
“يا راجل ؟؟ من أمتى الأدب دا؟”
نظر “رائف” في وجه “هنية” فوجد الوجوم باديًا على وجهها، لذا قال بخبثٍ تقطر من حروفه وهو يهمس لأخيه:
“إن كان ليك حاجة عند الكلب؟”
وكزه “رامز” ثم حمحم بخشونةٍ وقال من بعدها بطريقةٍ رسمية:
“مساء الخير يا أستاذ خليل و آسفين طبعًا لو كنا لغطبنا الدنيا أو جينا في وقت مش مناسب”
رد عليه “خليل” بنبرةٍ عملية:
“عيب يابني متقولش كدا، البيت بيتكم طبعًا تنورونا في أي وقت، مش كدا يا ست أم رامز؟؟”
ردت عليه “كريمة” بطيبتها و ودها الدائم:
“الله يكرم أصلك يا أستاذ خليل، ونعم الجيران و الأصدقاء، دا شرف لينا طبعًا أننا ننول معرفتكم”
ارتسمت البسمة على الأوجه، بينما “رامز” استأنف الحديث بقوله:
“طب يا عمي بعد إذن حضرتك طبعًا، وبما إن رائف أخويا الصغير و أنا بعتبره ابني الكبير، أنا بطلب من حضرتك إن شاء الله أيد الآنسة مـنة ليه، قولت إيه ؟؟”

 

نظر “خليل” في وجه زوجته ليرى الوجوم و الضجر باديان عليها، لذا ابتسم لهم وهو يقول بودٍ:
“قولت اللي فيه الخير يقدمه ربنا إن شاء الله، أنا لو لفيت الدنيا كلها مش هلاقي لبنتي أحسن من رائف، راجل يعتمد عليه و الناس كلها حتى طوب الأرض نفسه يشهد للست كريمة بتربيتها ليكم”
ابتسم “رائف” براحةٍ تشكلت على معالم وجهه، بينما “كريمة” قالت بطيبةٍ و حبٍ كعادتها:
“ربنا يعلم يا أستاذ خليل إنها غلاوتها من غلاوة رنا بنتي، و وعد مني لو ربنا تمم بخير تتشال فوق راسي، و أنا اضمنلك إن محدش يقدر يزعلها أبدًا، حتى رائف نفسه”
ابتسم لها بمجاملةٍ وهو يقول:
“متأكد من كدا يا ست أم رامز، احنا عشرة عمر من أيام الحج فكري الله يرحمه، و والد رائف كان طول عمره راجل حقاني و الناس كلها تشهدله”
سأله “رائف” بثباتٍ يحاول اخفاء لهفته:
“طب يعني كدا حضرتك موافق يا عمي ؟؟ أنا شقتي موجودة الحمد لله و هبدأ اوضبها و عندي السوبر ماركت بتاعي و الحمد لله الرزق حلو فيه، لو حضرتك ليك طلبات عرفني و إن شاء الله رقبتي سدادة المهم تكونوا مرتاحين وهي قبل أي حد”
نظر له “خليل” وهو يقول:
“لو عليا موافق طبعًا يابني، بس الأصول أني أعرف رأيها هي، نسأل صاحبة الشأن مع أني متفائل بكل خير”
قال حديثه ثم نظر لابنه قائلًا:

 

“مُصعب ادخل هات أختك”
تحرك “مُصعب” من المكان ثم توجه لغرفة شقيقته التي وقفت مصدومة مما حدث، حيث كانت تقف أمام المرآةِ مشدوهة أو لربما ما حدث هو من وحي خيالها أو تمنته هي، لكن ابتسامته و مشاكسته لها كانت حقيقية.
فُتح باب الغرفة و طَلَّ منه “مُصعب” مُبتسمًا وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
“منة يلا علشانـ…..إيه دا مالك؟؟”
تعجب من مظهرها المصدوم و بلاهتها وهي تقف أمام المرآةِ وحينما اقترب منها و أدارها لتقابله سألها مندهشًا:
“أنتِ زعلانة ليه ؟؟”
ردت عليه بلهفةٍ:
“مش زعلانة…. أنا مستغربة يا مصعب، اللي برة بجد دا رائف؟؟ ولا أنا اللي عاوزاه يكون رائف ؟؟”
كان التخبط باديًا على صوتها و كلماتها، بينما هو ابتسم لها ثم سألها بنبرةٍ هادئة:
“أنتِ عاوزة إيه يا منة ؟؟”
رفعت عيناها له وهي تقول بصدقٍ:
“عاوزاه يكون رائف”
ربت على رأسها وهو يقول:

 

“وهو رائف اللي برة يا منة”
ابتسمت له بينما هو قال بمرحٍ:
“يلا علشان كدا الناس هتفهم غلط، تعالي معايا علشان بابا عاوز يعرف رأيك”
حركت رأسها موافقةً بحماسٍ ثم سارت خلفه على استحياءٍ تخفض رأسها للأسفل حتى وقفت أمامهم في الخارج فسألها “خليل” بنبرةٍ هادئة ثابتة:
“منة ؟؟ رائف جاي طالب إيدك للجواز، موافقة ؟؟”
رفعت عيناها نحوه ثم نظرت لـ “رائف” فوجدته ينظر لها مُترقبًا على الرغم من ثباته و هدوئه إلا أن عينيه نطقت بكامل لهفته، لذا نطقت بخجلٍ:
“موافقة…”
تنهدوا بارتياحٍ و ابتسم “رائف” ابتسامته الصافية و خاصةً حينما تدرج وجهها بحمرة الخجل وهي تفرك كفيها معًا، لذلك قال “رامز” بصوتٍ مُبتهجٍ:
“طب على خيرة الله، نقرأ الفاتحة بقى إن شاء الله”
وافق والدها و كذلك البقية بينما هي جلست بجوار شقيقها ترفع كفيها معًا تقرأ الفاتحة تحاول الهروب من نظراته المصوبة نحوها، بينما هو ثبت انظاره عليها ولم يقو على محايدة بصره بعيدًا عنها، في حين تم الانتهاء من قراءة الفاتحة قال “مُصعب” بمرحٍ:
“يلا علشان الصورة تنزل و افضحكم انكم قريتوا الفاتحة”

 

سأله “رائف” بتعجبٍ:
“أيوا يعني أعمل إيه مش فاهم؟”
رد عليه بضجرٍ زائفٍ:
“تقعد جنبها يا رائف علشان الصورة، صحصح معايا كدا”
زفرت “هنية” بضجرٍ و قد لاحظها “رائف” لذلك سار حيث مقعد “هنية” المجاور لمقعد “منة” وهو يقول بثباتٍ بعدما ابتسم لها باستفزازٍ:
“عن اذن حضرتك يا حماتي، هقعد هنا علشان اتصور معاها”
رفعت “هنية” حاجبها، فيما اقترب “مصعب” يسحبها من يدها ثم دفع “رائف” وهو يقول بنفس المرح:
“اقعد يلا يا عم خلينا نصوركم علشان انزلها”
جلس “رائف” بجوارها على المقعد الملتصق بمقعدها، بينما هي ازداد خجلها أكثر فهمس لها بنبرةٍ هادئة:
“يا مراحب بالصُدف…طالما الطُعم في البحر اتحدف، بصراحة أنا رميت الطُعم صح”
حاولت كتم بسمتها وهي تضع كفها على فمها، فيما قال هو بمراوغةٍ يشاكسها:
“يا سلام…هو دا الكلام”
التقطت لهما الصورة سويًا وهو ينظر لها بينما هي تضحك بخجلٍ، و أخرى و كلٍ منهما ينظر للأخر مُبتسمًا.
**************************************************

 

رحل “رائف” بأسرته بعد المباركات و التهنئات و الاتفاق على موعد الخِطبة وسط الترحيب من قِبل توأمها و والدها، و بعد رحيلهم جلست أسرة “خليل” مع بعضها و الراحة باديةً على وجوه الجميع عدا بالطبع “هنية” التي بدا التبرم واضحًا على معالم وجهها.
تحدث “خليل” بنبرةٍ ظهرت بها الراحة:
“الحمد لله كدا اقضي الإجازة و أنا مرتاح البال و متطمن، الواد رائف دا طول عمره جدع”
سألته زوجته بسخطٍ:
“هو دا العريس يا خليل ؟؟ بتكدب علينا ؟؟ البيه جايبك من السفر علشان يتقدملها و تحطوني قدام الأمر الواقع ؟؟”
حرك رأسه موافقًا باستفزازٍ ثم قال:
“آه يا هنية، الواد كلمني و قالي على اللي عملتيه و كان باين أنه متضايق جدًا، حرام عليكِ، ليه يا شيخة كدا ؟؟ اعتبري ابنك مكانه”
ردت عليه بثباتٍ:
“علشان الدنيا مش مضمونة يا خليل، عاوزة آمن مستقبلها بحياة و راجل يعيشوها مرتاحة، مش عاوزاها تتبهدل علشان تعيش، ولا مستني لما يتغرب زيك و تفضل عايشة لوحدها ؟؟ طب أنا استحملت هي هتستحمل؟؟”
رد عليها هو بحمود:

 

“أنا سافرت لما الدنيا ضاقت بيا هنا يا هنية، لما المصنع طرد العمالة الزايدة و سني كبر، هجيب شغل منين اصرف عليكم ؟؟ الأرزاق دي بتاعة ربنا، و أنا مكانش عندي مصدر دخل حتى يقضينا يوم واحد، لكن رائف شاب محترم و بيراعي ربنا في رزقه، عنده محله و بكرة يكبره اكتر و يبقى اتنين، كفاية أنه شاري بنتك و عاوزها، و الراجل الشاري عمره يا يبيع أبدًا”
التفت لابنته بعد حديثه مع زوجته يسألها بنفس الجمود:
“بت !! هي كلمة يا آه يا لأ، عاوزاه ولا لأ ؟؟؟”
ردت عليه بخجلٍ:
“عاوزاه….عاوزاه يا بابا”
تحدث بنفس الطريقة بقوله:
“يبقى خلاص بقى ملكيش دعوة بأمك و كلامها، طالما عايزاه يبقى حياتك أنتِ وهو تمشوها سوا مع بعض، و أنا عارف أنه محترم”
حركت رأسها موافقةً ثم دلفت للداخل بعدما نظرت لوالدتها، بينما “مصعب” قال بحنقٍ:
“بصي يا ماما علشان أنا هفضل زي اللي بيغني لناس مبتسمعش و فاكرينه عبيط، بس من الأخر كدا الاتنين شكلهم حابين بعض، و كفاية أني أشوف أختي مرتاحة مع واحد زي رائف دا، على يدك و كل حاجة قصادك، زفت الطين كان عامل ازاي، لو يوم بس كلمها عِدل يجراله حاجة، صوت عالي و زعيق و أوامر كأنه كاسبها في البخت بروح أمه، و كل ما أجي اتدخل تمنعيني، دلوقتي لو اتداخلتي بينهم أنا اللي هتصرف، و ساعتها بقى أنا هقوله جواز علطول و إن شاء الله تعيش مع أمه فوق، بس هبقى واثق إنها مرتاحة، الراجل مش بفلوسه و تعليمه ولا شغله، الراجل بحنية قلبه و ازاي يحتوي بنت الناس

 

اللي معاه، حتى لو كان طبعه صعب و عصبي، بس كفاية أنه يقدرها و ساعة الزعل يقدر يفهمها، مش واحد مستنيها تصالحه علشان واثق إنها كدا كدا عاوزاه ؟؟ دا مش راجل، دا كدا محسوب على الصنف غلط، أظن كلامي واضح”
تحرك من أمامها فيما قال “خليل” بتهكمٍ:
“عيالك كبروا و دماغهم اتنورت يا هنية، فكرة الطبقات و الأسياد و العبيد دي اتلغت من زمان، مصعب قالي إنه كل ما كانت تنزل مع ماجد كانت بترجع مجروحة منه، بنتي مش قليلة علشان واحد يحسسها إنها أقل منه، إذا كان مهندس و معاه شهادة عالية يبقى على نفسه”
صمتت “هنية” عن الكلام بعدما تم كشف ما قامت بمداراته حتى لا تعترف بخطأ نفسها في حق ابنتها، لكنها في النهاية سارت خلف حديث المُجتمع و أكاذيبه و عاداته المشوهة و خاصةً في حق كل ما يَخُص المرأة.
**************************************************
في شقة “رائف” كان يجلس مُرتاحًا بجوار شقيقه على الأريكة بعدما بدل ثيابه بأخرى بيتية، و أمامه الطعام يأكل منه بشهيةٍ واسعة و راحةٍ حتى وكزه شقيقه وهو يقول بضجرٍ:
“خلاص أكل هتموت !! بتاكل في أخر زادك ؟؟ عينك ثابتة على التلفزيون و ايدك شغالة، ركز بقى”
زفر “رائف” ثم ترك الملعقة بعدما ابتلع مافيها و ألقاها في الطبق الفارغ وهو يقول بضجرٍ:
“مش طافح يا رامز سديت نفسي، خلاص يا عم”
وزع “رامز” انظاره ما بين الطبق و بين “رائف” الذي أمسك زجاجة المياه يرتشف منها حتى نزلت فارغة فقال “رامز” بسخريةٍ:
“لأ فعلًا نفسك مسدودة باين من غير حلفان يا جدع، تعالى كُلني”

 

خرجت “كريمة” من الداخل تقول بنبرةٍ ضاحكة:
“ما تسيبوا ياكل يابني، هو لما بيفرح بياكل بنفس مفتوحة، دا بقاله يومين موقف الأكل و الشرب من التفكير”
رد عليها “رامز” بتهكمٍ:
“ليه إن شاء الله ؟؟ عروسة زي أي عروسة، وافقوا خير و بركة، موافقوش ابننا مفيهوش غلطة و فيه كتير يتمنوه و أنتِ عارفة كدا”
ردت عليه هي بخبثٍ:
“الحب و سنينه بقى، يلا”
تجاهل “رائف” حديثهما حتى سأله شقيقه باهتمامٍ:
“هما لو كانوا رفضوك تاني كنت هتزعل ؟؟ الموضوع مش مستاهل”
رد عليه مُقررًا:
“لأ كنت هزعل علشان هتصعب عليا نفسي، واحدة أنا عاوزها و مش عارف أشوف غيرها، أول مرة لما اترفضت أنا متأثرتش أوي علشان اتقالي إن غيري سبق و فتح الموضوع، لكن دلوقتي كنت هعرف إن الموضوع مرفوض علشاني أنا كـ رائف مش علشان الظروف، على العموم كل حاجة مترتبة و جاهزة و ربك مقدر كل شيء”
ربت أخيه على كتفه ثم قال:
“ربنا يجبر بخاطرك و يناولك اللي اتمنيته يا رب، إن شاء الله”
ابتسم له “رائف” وهو يقول:
“اتمنيت نجمة من نجوم السما”
**************************************************

 

في الأسفل أمام محل “رائف” جلس ذلك الشاب الذي يُدعىٰ “مودي” بدلًا من “رائف” حتى يقوم بالبيع مكانه يضع هاتفه في مقبس الشحن و هو يلعب عليه، و خصلاته الكثيفة المموجة “كيرلي” قاربت على الدخول في عيناه وهو يَسب الفريق الذي يلعب أمامه ، فاقترب “باسل” من المحل وهو يقول مُتعجبًا:
“مساء الخير يا كابتن ؟؟ أومال فين رائف ؟؟ مش هنا ولا إيه؟”
انتبه له الشاب ثم أردف مفسرًا:
“لأ والله هو مش هنا، كان عنده حاجة ضرورية النهاردة علشان كدا أنا هنا مكانه، ممكن شوية و ينزل، خير ؟؟”
سأله باهتمامٍ:
‘”حاجة إيه يعني ؟؟ أنا قريبه و كنت عاوزه ضروري”
ابتسم له “مودي” وهو يقول:
“كان بيخطب يا سيدي عقبالي اخلص ثانوية عامة و اخطب أنا كمان، أو عقبالك يعني”
سأله “باسل” مستنكرًا:
“بيخطب ؟؟ بيخطب مين ؟”
_”الآنسة منة بنت الأستاذ خليل اللي ساكن تحتيهم، خير برضه؟”
كان ذلك قول “مودي” مُفسرًا له من هي العروس، بينما “باسل” اتسعت عينيه بدهشةٍ وهو يقول:
“مـنـة ؟؟؟ أخت مُصعب ؟؟”

 

حرك رأسه موافقًا ثم قال:
“طب ما أنتَ عارفهم أهو تاعبنا معاك ليه ؟؟؟ هي دي ياسيدي”
حرك “باسل” رأسه موافقًا ثم تحرك من المكان، بينما “مودي” نظر في أثره بتعجبٍ وهو يقول:
“الراجل دا عبيط ولا إيه ؟؟”
عاد “باسل” إلى بيت والده مُجددًا فوجد شقيقه يجلس بجوا والده، بينما هو جلس شاردًا دون حتى أن يُلقي عليهما التحية، فسأله والده:
“مالك داخل ساكت كدا ليه ؟؟ شكله هزقك و قل منك، قولتلك كبر و سيبك منه”
ابتسم له بسخريةٍ وهو يقول:
“أنا مشوفتوش أصلًا، البيه كان بيخطب، خلاص خد الورث و ظبط حياته و بيتجوز بحقنا، احنا الأحفاد العصب و هو ابن البنت و يورث كمان، و واخد أحسن محل تمنه دلوقتي مليون جنيه، و احنا حالنا واقف”
سأله “فكري” بسخطٍ:
“وهو مش جدك اللي عمل كدا و كتب المحل و الشقة لعمتك ؟؟ هنفضل كتير في الحوارات دي؟”
تدخل “كرم” والده يسأله:
“خطب مين بقى المحروس بسلامته ؟؟ مش كان مبيفكرش في الحاجات دي ؟؟؟”
أجابه “باسل” مُتهكمًا:
“خطب منة بنت خليل”
انتفض “فكري” من موضعه وهو يقول بنذقٍ مندفعًا:

 

“إيــه ؟؟ حتى دي كمان خدها؟؟”
ابتسم “باسل” ساخرًا وهو يقول:
“آه…عارف ليه ؟؟ علشان هو ناصح و دماغه حلوة، كنت مستني إيه علشان تروح تخطبها”
جلس “فكري” من جديد متقهقرًا على المقعد، بينما “كرم” قال بسخريةٍ:
“تبقى في إيدك و تقسم لغيرك، بس رائف خد كتير اوي، فضل متبت جنب أبويا قبل موته لحد ما لحس مخه وخلاه يمضي و يكتبلهم الحاجة، حتى لما جيت أجوز باسل، مرضاش يساعدني و قالي رامز أحق علشان يتيم”
حديثه أشعل لهيب الحقد بداخل أنفسهم كعادته، لذلك قال “فكري” بضجرٍ:
“هو مش أنتَ كنت اتقدمت لأبوها وهي صغيرة و قالك لما ييجي وقتها دي لسه في أولى جامعة، دي كلمة اتعهد بيها، يبقى أنا أولىٰ بقى”
سأله “باسل” بضجرٍ:
“أنتَ عبيط ياض ؟؟ ماهي اتخطبت بعد كدا و أكيد جالها عرسان كتير، جاي بعد إيه تتكلم؟”
زفر بقوةٍ فيما أضاف “باسل” متابعًا:
“أنا هتصرف متقلقوش”
**************************************************
في اليوم التالي في الصباح المُبكر قبل أن ينزل “رائف” لمحل عمله اقتربت منه والدته تربت على كتفه وهي تقول:
“ينفع تروح تجيب العيش بقى علشان طول اليوم امبارح ضهري بيوجعني و مش هقدر أقف يا حبيب ماما، ينفع ؟؟؟”
رفع حاجبه الأيسر بغموضٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:

 

“ماشي يا كريمة، علشان خاطر بس أنا مبسوط، استغلي فيا براحتك بقى”
ابتسمت له ثم رفعت كفيها تقول بتضرعٍ:
“يا رب احفظهولي و فرحني بيه”
ترك كوب الشاي ثم أخذ الحقيبة البلاستيكية و البطاقة التموينية ثم رحل من أمامها بعدما غمز لها.
نزل من شقتهم ليقابلها على الدرج بعدما أغلقت الباب فابتسم وهو يقول بمشاكسىةٍ:
“المفترض أني نازل بعد شروق الشمس، محدش قالي أني هقابل القمر هنا”
ابتسمت له بعذوبةٍ ثم قالت:
“نازل تفتح دلوقتي ؟؟ بدري عن كل يوم يعني”
رفع البطاقة وهو يقول:
“ربنا ما يحكم عليكِ !! حكم القوي على الضعيف، رايح الفُرنة أجيب عيش”
ابتسمت له بينما هو سألها و كأنه انتبه لتوه:
“قوليلي صحيح هو انتم معندكوش بطاقة عيش ؟؟ عمري ما شوفت فرد منكم في الفرنة، طنط هنية بتاكل توست ؟؟”
سألها بسخريةٍ بينما هي ضحكت رغمًا عنها ثم قالت:
“لأ يا سيدي، بتاكل عيش زينا كلنا عادي، بس أنا بجيب العيش من فرنة تانية، ليا هناك واسطة”
ابتسم بسخريةٍ وهو يقول:
“يعني يرضيكي خطيبك يروح الفُرنة و الستات تفضل تعاكس فيه ؟؟؟ خديني معاكي يا ستي”
حركت رأسها موافقةً ثم أضافت بضجرٍ:

 

“تعالى معايا يا رائف، و عدي نهارك على الصبح، لسه بنصطبح”
رد عليها هو بتهكمٍ:
“تصطبحي إيه هو أنا سيجارة قصادك ؟؟”
زفرت في وجهه ثم تحركت من أمامه بينما هو ابتسم رغمًا عنه ثم تحرك خلفها حتى خرج من البيت خلفها وهو يسألها بتعجبٍ:
“وهي الفرنة دي فين بقى ؟؟”
ردت عليه بتفسيرٍ:
“في ضهر الحضانة اللي بشتغل فيها، بسيبلهم البطاقة و الفلوس و أنا راجعة باخد منهم كل حاجة”
سألها بنبرةٍ جامدة:
“وهي الواسطة دي من رجالة الفرنة ؟؟”
التفتت له تسأله ببرودٍ:
“إيه غيران ؟؟؟”
_”آه طبعًا، هو أنا روسي قصادك لابس جيبة ؟؟ أنا دلوقتي خطيبك”
كان ذلك رده عليها بضجرٍ فيما ابتسمت هي ثم قالت:
“اتطمن يا رائف، اللي بتعامل معاها هناك دي ست، حفيدها في الحضانة معايا و هي كتر خيرها بتتعامل لحد ما أخلص”
تنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“ماشي…. ماشي يا منة”

 

تحركت من جديد وهي تبتسم بسعادةٍ لم تقو على إخفائها، فطريقته تلك إن أوحت بشيءٍ فهي توحي بحبه لها.
وصلت هي أولًا وهو يتبعها حتى تقابلت مع المرأة التي تعمل في المخبز، فرحبت بها تلك المرأة و هي تقول:
“يا صباح الهنا و النور !!”
ابتسمت لها “مـنـة” وهي ترد عليها التحية و الترحيب، بينما هي مدت يدها بالبطاقة الخاصة بها وهي تقول بمرحٍ:
“هتعبك بقى معلش البطاقة بتاعتنا أهييه جهزيلي العيش، و دي بطاقة تانية تبعي برضه”
سألتها المرأة بنبرةٍ ضاحكة:
“بطاقة مين دي ؟؟؟”
_”دي بطاقة جير….”
قبل أن تكمل جملتها حمحم “رائف” بخشونةٍ فقالت هي بترددٍ:
“خطيبي … بطاقة شقة خطيبي”
شهقت المرأة بفرحٍ ثم قالت:
“ماشاء الله ربنا يحفظكم، لايقين على بعض أوي ربنا يسعدكم”
ابتسمت لها “منة” بينما “رائف” رد عليها ممتنًا بقوله:
“متشكر جدًّا، ربنا يكرمك إن شاء الله و يوسع رزقك، معلش بقى هنتعبك معانا”
ردت عليه بودٍ:
“لا تعب ولا حاجة، كل الدنيا تهون علشان خاطر ست البنات”

 

حرك رأسه موافقًا و انتظر لمدة دقائق قليلة حتى خرج أحد الشباب الصغار من المخبز يمسك بالحقائب البلاستيكية وبداخلها الخبز ثم وضعهم على الطاولة الحديدية حتى امسكهم منه “رائف” فقالت المرآة:
“ألف هنا وشفا على قلوبكم، هتسيبي العيش هنا برضه يا استاذة منة ؟؟؟”
قبل أن تنطق و ترد عليها، تدخل “رائف” يقول بنبرةٍ هادئة:
“لأ أنا هاخده معايا، روحي أنتِ شغلك و ملكيش دعوة بقى”
بعد مرور دقائق ابتعدا كليهما عن المخبز فسألته هي دون مقدمات:
“رائف ؟؟ هو أنتَ اتقدمتلي ليه ؟؟ مش قادرة اتجاهل اللي حصل، عاوزة اتكلم معاك”
حرك رأسه موافقًا ثم وقف أمام الروضة التي تعمل بها و قال:
“هنتكلم كتير….بليل إن شاء الله هننزل أنا و أنتِ و نتكلم مع بعض علشان أنا عاوز أقولك حاجات كتير….تمام كدا ؟؟”
ابتسمت وهي توميء له ثم قالت:
“تمام….هستناك”
_”يبقى هو دا الكلام…. عن اذنك بقى هروح أوصل العيش و أفتح المحل، عاوزة حاجة ؟؟”
حركت رأسها نفيًا فيما تحرك هو من أمامها بعدما ودعها، لتنظر في أثره ثم تنهدت بعمقٍ و قالت:
“أنتَ إيه حكايتك معايا ؟؟”
**************************************************

 

في منتصف اليوم بعد غروب الشمس صعد “رائف” شقته يبدل ثيابه، حتى قام بتديل مظهره تمامًا و ارتدىٰ قميصًا باللون الأسود على بنطال من خامة الجينز و حذاء رياضي باللون الابيض ثم ارتدى ساعة يده و تمم على مظهره و خصلات شعره ثم قام بنثر عطره، تمم على هيئته ثم ابتسم برضا و خرج من غرفته و هو يقول بصوتٍ عالٍ:
“أنا نازل يا ماما، عاوزة حاجة؟؟”
اقتربت منه بعدما خرجت من الداخل و ما إن ابصرته قالت بفرحةٍ:
الله أكبر، ربنا يحفظك، دا إيه العسل دا كله و الشياكة دي يا واد ؟؟؟ عيني عليك باردة”
ابتسم لها وهو يقول:
“خارج معاها أول مرة في حياتي، فلازم تعرف أنه بمزاجي اتشيك و بمزاجي ألبس تيشيرتات الكورة اللي بلبسها دي”
حركت رأسها موافقةً فيما أرسل لها قبلةً هوائية ثم خرج من الشقة يتوجه نحو شقة “خليل” ففتحت له “هنية” تطالعه بتبرمٍ، فابتسم لها باستفزازٍ وهو يقول:
“ازيك يا حماتي ؟؟ منة فين؟؟”
ردت عليه بسخطٍ:
“جوة….هتيجي أهيه، ولا مش قادر تستنى ؟؟”
أجابها ببرودٍ لا مُتناهي:
“لأ بالعكس أنا ممكن استناها العمر كله من غير ما أزهق، و ممكن يبقى العمر كله قليل كمان”
زفرت هي في وجهه فأتى زوجها من خلفها يقول بمعاتبةٍ:
“جرى إيه يا هنية ؟؟ معقول سايباه يقف على الباب كدا ؟؟ اتفضل يا رائف يا حبيبي أدخل”
رد عليه “رائف” بثباتٍ:

 

“تسلم يا عمي، بعد اذنك بس قول لمنة يلا علشان ننزل، مش عاوز آخرها برة، كفاية ثقتك فيا”
خرجت “مـنة” من الداخل ترتدي بنطالًا فضفاضًا باللون الثلجي من خامة الجينز و فوقه كنزة صيفية “شميز” باللون الأسود و حجاب رأسها باللون البيج و الحذاء باللون الأبيض.
ابتسم هو عند رؤيته لملابسها تتشابه مع ملابسه، فيما اقتربت منه تبتسم له وهي تقول:
“مش معقول الصدفة دي..غريبة”
تنهد بعمقٍ ثم قال:
“مفيش حاجة اسمها صدفة، كل حاجة محسوبة بالمللي، يلا؟؟”
تحركت معه بعدما ودعت والديها ثم نزلت خلفه حتى خرج هو من البيت و هي خلفه، فانتظر حتى جاورته و سارت بجواره بخجلٍ.
بعد مرور دقائق توقفت سيارة الأجرة “اوبر” أمام المحل الخاص به، فأشار لها بقوله:
“الكابتن وصل أهوه، يلا”
سألته بتعجبٍ:
“طب ما كنا نروح مواصلات وخلاص، ليه يعني أوبر ؟؟”
رد عليها بسخريةٍ:
“يعني أول مرة أخرجك معايا ابهدلك في المواصلات ؟؟ طب خليها من المرة التانية حتى”
ضحكت على سخريته ثم ركبت أولًا وهو بجوارها ثم قال بمرحٍ:
“إن شاء الله رحلة سعيدة تتبسطي فيها، اتمنى يعني”
ردت عليه بوجهٍ مبتسمٍ:

 

“هتبسط إن شاء الله، أتمنى يعني”
نظر كليهما للأخر مُبتسمًا، حتى اخفضت رأسها بخجلٍ تهرب من نظراته و هو ضحك رغمًا عنه.
بعد مرور بعض الوقت توقفت سيارة الأجرة أمام أحد المحال التجارية الخاصة بصناعة الاكلات الشهيرة و التي انتشرت في الآونة الأخيرة.
دلفت هي أولًا وهو خلفها، فسألته بتعجبٍ:
“صدفة إنك تجيبني هنا ؟؟ ولا عارف أني بحب آكل هنا ؟؟”
رد عليها مُبتسمًا:
“قولتلك مفيش صدفة، بس عارف إنك بتحبي المكان هنا و بتحبي أكل Bazooka، ساعة عيد ميلادك لما مصعب عمله هنا”
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له بينما هو تحرك من المكان يطلب الطعام لهما، فتنهدت هي بعمقٍ خاصةً أنه يهتم بكل ما تفضله هي حتى و إن كان غير متعمدًا لذلك.
عاد لها بالطعام وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
“جيبتلك الكيس المستفز بتاع الأكل، رغم أني بكرهه بصراحة”
ردت عليه بنبرةٍ خافتة:
“أقولك على حاجة ؟؟ أنا كمان بكرهه أوي، بس المضطر بقى”

 

بعد تناولهما الطعام مع بعضهما كأول مرةً تجمعهما سويًا حتى وجد نفسه ينخرط معها في شتى المواضيع، و هي كذلك شعرت بالألفة معه و كأنه لم يكن يومًا عنها غريبًا، شعورٌ تختبره للمرةِ الأولىٰ في حياتها، على الرغم من تجربتها السابقة إلا أنها تشعر للمرةِ الأولىٰ أنها تشعر، تبدو كمن عاد له بصره بعد سنواتٍ من العمى و فقدان البصر.
انهيا تناول الطعام ثم خرجا من المكان يسيران على أقدامهما، فسألها بنبرةٍ هادئة:
“تركبي تاكسي ؟؟ و لا نروح؟؟ ولا نتمشى شوية ؟؟”
تنهدت بعمقٍ ثم قالت بحماسٍ:
“ياريت نفضل نتمشى، أنا بحب التمشية أوي، و كنت قربت أكرهها”
رد عليها هو مُبتسمًا:
“التمشية دي لغة من لغات الحب، أصل أنا لو بكره حد مستحيل أمشي معاه، هتلاقيني بركب علشان ميجمعنيش بيه طريق واحد، لكن لو بحب حد ممكن أوصل معاه للمريخ عادي جدًا”
ضحكت له ثم قالت:
“أنا بحب اتمشى أوي خصوصًا لو الجو حلو زي كدا، تحس أنك طير في السما، أنا بحب الحرية أوي، و سبحان الله محكوم عليا بالسجن طول عمري”
توقف عن السير وهو ينظر لها منتبهًا، فيما عادت تنظر له و أكملت:
“أنا كنت مسجونة و لسه زي ما أنا مسجونة، مش بعرف أقول حاجة و مش بقدر أعبر بمشي ورا التيار و خلاص، صدقني أنا كنت قربت أكره حياتي”
جلس على الطريق ثم أشار لها تجاوره و هو يقول:
“طب بما إنك طير حر بقى، تعالي اقعدي هنا و طز في الكل”
ابتسمت له ثم اقتربت تجلس بجواره و تنهدت بعمقٍ فسألها هو باهتمامٍ:
“مالك يا منة ؟؟ أنا مزعلك؟؟ ولا ماكنتيش حابة إنك تخرجي معايا؟؟”
حركت رأسها نفيًا ثم نظرت له وهي تقول بصدقٍ:
“بالعكس….أنا مرتحالك أوي لسبب أنا معرفهوش و حاسة إنها صدفة غريبة إنك تطلع جارنا و تسكن معانا في نفس البيت، بس أنا بحترمك جدًا يا رائف”
ابتسم بهدوء ثم قال:
“وجودي في البيت دا مكانش صدفة علشان أكيد ربنا كاتبلي اجي البيت دا و أشوفك فيه، و أكيد برضه رزقي متقدر و محسوب علشان كدا ربنا رزقني بالمحل دا و اللي تمنه عالي، و أكيد برضه مش صدفة إني أصاحب أخوكِ، كله مش صدفة، ربنا سبحانه وتعالى خلق كل حاجة بحساب، بدليل أننا هنتحاسب على كل حاجة”

 

سألته هي بعدما اقنعها بحديثه:
“رائف لما أنتَ عارف أني رفضتك من المرة الأولى، فضلت حاطط أمل فيا ازاي ؟؟ مكرهتنيش ؟؟”
رفع عيناه نحوها و حينما تقابلت نظراتهما قال بنبرةٍ هادئة:
“معرفتش….حاولت والله بس معرفتش…. عارفة الست لما قالت عمري ما أشكي من حبك مهما غرامك لوعني ؟؟ أهو أنا دا حالي، تعرفي أني حاولت انتقم منك علشان رفضتيني ؟؟”
تلاشت بمستها و انعقدت ملامحها، فيما تنهد بعمقٍ ثم قال:
“كنت هاخد صورك اركبها على صور بهايم و بقر، علشان أكيد اللي ترفضني دي بهيمة”
رفرفت بأهدابها لا تتخيل مدى صراحته و لربما وقاحته أيضًا، بينما أضاف هو:
“لامؤاخذة يعني، بس بجد لو زي ما كنت فاكر إني اترفضت علشان ظروفي يبقى تفكير سطحي، الغريب أني مقدرتش أشوفك سطحية أبدًا”
تنهدت بعمقٍ ثم قالت:
“أنا مش كدا و تفكيري مش كدا أبدًا و معرفش الحكمة أني أقابل ماجد دا قبلك، بس كفاية أني كنت بخاف منه، مش برتاح معاه، شخص مؤذي نفسيًا، أنا اللي خلاني اوافق عليه إني كنت عاوزة أهرب من كلام الناس و كلام ماما، و الهمز و اللمز عليا وعلى سني، و أني قربت على التلاتين ولسه قاعدة جنب أمي، وافقت عليه رغم إن مكانش فيه إشارة واحدة بس تطمني ليه، صدقني أنا كل الغلطات اللي في حياتي كوم و غلطتي أني وافقت عليه دي كوم تاني، كنت هحكم على نفسي بالاعدام للأبد”

 

تنهد هو بعمقٍ ثم قال بحكمةٍ تدل على عمق تفكيره:
“الحكمة إنك تقابليه إنك تاخدي درس تفرقي بين الوحش اللي زي ماجد و بين الحلو اللي زيي كدا”
ضحكت على حديثه، فأضاف هو متابعًا حديثه:
“تاني حاجة أنتِ غلطك كان كبير في حق نفسك قبل الكل يا منة، مش علشان أهرب من كلام الناس أرمي نفسي في النار، كدا كدا الناس مش بتسكت و محدش بيقتنع بحاجة، هتبثبتي لمين ؟؟ لحد أصلًا فاضي سايب حياته و مركز في حياة الناس ؟؟ مش منطقي أبدًا، روح حقق الانجازات دي أنتَ و متصدعناش، إنما أنا أوقف حياتي علشان كلام ناس لو ناموا بدري ساعتين كلنا هنرتاح منهم ؟؟ أوافق على جوازة زي حكم الاعدام علشان الناس متقولش عليا عانس ؟؟ طب ولما ترجعي بيت أهلك هيبقى حلو و أنتِ مُطلقة ؟؟ مش صح أبدًا أني اهتم بكلام الناس، لأن من الأخر لو حد كان مهتم؛ كنا كلنا خلينا من الهم”
نظرت له باستحسانٍ على رغم من أن حديثه يبدو كما العِتاب، إلا أن طريقته هادية لينة جعلتها تبتسم له وهي تسأله بسبب حكمة تفكيره:
“رائف هو أنتَ خريج إيه؟؟”
_”خريج تـشيجارة”
قالها بطريقةٍ مرحة ساخرة جعلت ضحكتها ترتفع أكثر من السابق، فيما قال هو:
“خريج تجارة شعبة تسويق”
ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة:
“باين عليك على فكرة، أنا كنت حاسة إنك خريج تجارة فعلًا”

 

ضحك رغمًا عنه وهي الأخرى، فسألها بنبرةٍ هادئة:
“مبسوطة ؟؟”
نظرت له ثم حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له، و في تلك اللحظة صدح صوتٌ من خلفهما بكلماتٍ لم تكن عابرةً:
“و عمري ما أشكي من حُبك مهما غرامك لوعني…لوعني….و عمري ما أشكي من حبك مهما غرامك لوعني….لكن أغير…أغير من اللي يحبك و يصون هواك أكتر مني”
نظر لبعضهما البعض بدهشةٍ، فيما سألته هي بلهفةٍ:
“دي أكيد مش صدفة صح ؟؟”
حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
“أكيد مش صدفة…ولو صدفة مش هتكون صدفة عابرة أبدًا”
**************************************************
أسفل البناية توقفت سيارة الأجرة ثم نزل منها هو و هي معه، وبعد رحيل السيارة قال هو بنبرةٍ ضاحكة:
“أظن كدا أنا وجبت بما فيه الكفاية و رجعتك بدري ١٠ دقايق، فلو تقضيهم معايا هنا هكون شاكر لأفضالك أوي”
ردت عليه بنبرةٍ ضاحكة:
“طب ما نطلع أحسن و تثبت حسن نيتك لبابا ؟؟ مش كدا أفضل ؟؟”
أشار لها مستحسنًا بقوله:

 

“أنتِ صح ؟؟؟ يلا علشان اعرف بعد كدا اتكلم بعين جامدة”
صعدت هي أولًا و هو خلفها حتى توقفا أمام شقتها، فطرق هو الباب مبتسمًا وهو يقول بنبرةٍ خافتة:
“الخوف مش من الحج خليل، الخوف من الحجة هنية”
فتح الباب لهما في تلك اللحظة فتلاشت بسمتهما عند رؤية من قام بفتح الباب الذي نظر لهما شزرًا، فيما نظرت “منـة” أمامها بدهشةٍ، على عكس “رائف” الذي رفع حاجبيه وهو يقول بتهكمٍ:
“على حد علمي أنا مخبط على باب شقة الاستاذ خليل، معرفش أني خبطت على زريبة بالغلط”.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صدفة لم تكن عابرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى