روايات

رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل الرابع 4 بقلم آية العربي

رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل الرابع 4 بقلم آية العربي

رواية عشق بين هشيم مشتعل الجزء الرابع

رواية عشق بين هشيم مشتعل البارت الرابع

رواية عشق بين هشيم مشتعل الحلقة الرابعة

عجيبٌ أمر تلك الأقدار ، وكأنها تسخر منّا ، تحمل بين طياتها أحلامنا وآمالنا وعلى حين سهوةٍ تلقي بهما فجأة في وجهنا كالصفعة القاسية .
فنبقى محاصرين بين أمرين أفضلهما مر ؛ أنفرح لتحقيق الحلمِ أم نتألم من أثر الصفعات .
بقلم آية العربي
نزعت فتيل قنبلتها وألقتها عليه فوقف يطالعها بذهول ، للحظة واحدة ترجم عقله حديثها على أنها صادقة وأنه هو الكاذب هنا .
عندما نضع أحدهم في مكانةٍ عالية ونصنع له عرشاً من أجنحة الملائكة ونراه دائماً بعين منقاة من الشوائب والأخطاء ونصدق كل ما يتفوه به دون جدال ستكون الصدمة على قلوبنا قاسية لن نحتملها .
أثقلت الصدمة لسانه فلم ينطق ، فقط يطالعها منتظراً أن تصحح جملتها وتخبرهم بحقيقة الأمور ولكنها وقّعت على إثبات حقارته وقذارته وسحقت شهامته وسمعته الطيبة بين الناس .
استمع فارس إلي اعترافها الذي يؤكد حديثه وتعجب منه ولكنه لم يفكر كثيراً بل انتفض يردف بتشفي وثقة أمام الحضور :
– أهو يا جابر بيه كيف ما قولنا ، دلوك لينا عندك حق جمال ، طلعت بتك هي اللي راحت له بكيفها .
نهض رامي يتجه نحوها فاحتمت في جسد والدتها ولكنه نزعها يلقيها أرضاً بقسوة بلغت الحناجر وانهال عليها بالضرب المبرح في جسدها الذي انكمش وعاد لوضع الجنين ، ودت حقاً لو لم تخلق أبداً .
كان يقف يطالع ما يحدث بصمت ، مقيداً ببقايا صدمته في اتهامها الباطل .
وقف جابر واتجه له فظن الشيخ وصالح أنه سيمنعه عنها ولكنه خالف ظنهما حين بدأ يدفعها بساقه هو الآخر في ساقيها وجذعها حتى أوشكت أنفاسها على الانقطاع فلم يعد يحتمل صالح ما يراه حيث لغى عقله وتحدث قلبه منتفضاً :
– كفاية ، أني طالب يدها على سنة الله ورسوله .
تلك الكلمة لم توقفهما حيث صمت آذانهما لذا أسرع الشيخ عبدالله يقف حائلاً بينهما يحاول سحبها من ضرباتهما ونجح بصعوبة وساعدته شريفة في ذلك بعد أن تحرك قلبها وهي ترى ابنتها على وشك الموت .
تحدث الشيخ بنبرة قوية يبثها في رأسيهما المتصلبتان :
– هتقتلوها يا ظلمة ، خافوا ربنا فيها يا معدومين الضمير .
وقف جابر يطالعه بغضب وأنفاسه مهدرة وكذلك رامي الذي تتصارع أنفاسه بعنفٍ وحقدٍ واضح فعاد الشيخ يتابع بصرامة :
– هتقتل بتك يا جابر وتشيل ذنبها طول عمرك وسيرتك تبقى على كل لسان في البلد ! ، هي دي حكمتك ؟ .
التفت يطالع رامي وتحدث معنفاً :
– وانت هتفضل لاغي عقلك إكدة كتير ؟ ، معتفكرش مرة واحدة صُح كيف الخلق ؟
التقط أنفاسه ونظر نحو صالح الذي يقف في موضع لا يحسد عليه فقال له :
– سمعهم طلبك مرة تانية .
سحب شهيقاً قوياً يقوي به حاله ويدعم به جرأته ، كان يتمنى طلب يدها ، كان هذا أعلى مراتب أمنياته وسقف أحلامه ولكن ليس بتلك الطريقة ، ليس بتلك الخيبة ، ليس هكذا أبداً .
رفع رأسه عالياً بينهم فهو على يقين ببراءته وتحدث ثابتاً أمامهم :
– أني طالب يد بنتكم على سنة الله ورسوله .
نظر له جابر بغضب وازدراء ثم نظر نحو الشيخ الذي يوميء له داعماً طلب صالح ، الأمر استغرق معه عدة ثوانٍ ليجلس بعدها على مقعده ويتنفس بعمق ثم أردف بجمود وقسوة :
– من دلوك ماليش بنات ، مخلفتش بنات واصل ، ولادي هما عادل ورامي بس وأملاكي كلها هتتقسم عليهم بس ، وهي تغور تتجوزه ولا تنقبر معاه ملناش صالح بيها واتحرم عليها البيت ده رجليها تخطيه .
عن أي آلام تتحدثون ، أي آلام توازي آلام روحها وقلبها وفؤادها الآن ، أولم يشعروا ولو بذرّةِ شفقةٍ على حالها ؟ ، لمَ أنجبوها إذاً ، لم قررا تربيتها إن كانا سيتبرءان منها هكذا ؟ ، ألهم البنين وللقهرِ البنات ؟
عاد يتابع بجمود وهو ينظر نحو عادل الذي يجلس متحفزاً وبرغم شدة غضبه إلا أن ما فعلاه رامي ووالده جعلانه يهدأ قليلاً ، تحدث جابر بنبرة قاسية مهينة :
– قوم هات مأذون دلوك يكتب كتاب الجوز دول على بعض خليهم يغوروا من إهنة .
وقف عادل يوميء وتحرك نحو الخارج وفي طريقه تعمد أن يدفع صالح دفعةً قويةً فاختل توازنه وكاد يسقط ولكنه أسرع ينهض مجدداً ويرمقه بنظرة باتت لا تخشى شيئاً حتى أبعد عادل نظره عنه وغادر مندفعاً نحو الخارج .
꧁꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
بعد وقتٍ
انتهى المأذون من كتب الكتاب بعد أن حضر عمدة البلدة وإثنان آخران من شيوخها ليكونا بمثابة إشهار لهذا الزواج بناءاً على رغبة الشيخ عبدالله .
زواج عاجل وحزين شهد عليه شيوخ البلدة ليكن رسمياً وقانونياً وبرغم هذا فهو لن يكون حقيقياً يوماً ما .
من الآن وصاعدا أصبح بينه وبينها جداراً صلباً شيدته هي باتهامها له بعد أن حطمت سمعته وكرامته أمام الجميع .
تنكمش في جسد والدتها خارج المجلس تبكي على ما حدث في ليلة لم يسطع ضحاها بعد ، آلامها لا توصف وبرغم كل ما حدث إلا أنها أكثر الموجودين فرحاً .
لقد نجت ، حتى لو على حساب سمعتها وسمعة هذا الصالح ولكنها نجت ، حتى لو لم يعد في جسدها مكاناً سليماً ولكنها نجت ، نجت من تلك العائلة الظالم أفرادها ، ستبتعد ، مهما كانت الصعاب التي ستواجهها مع هذا الصالح فمؤكد لا تعادل ما رأته هنا .
تحدث عمدة البلدة بترقب والعديد من علامات الإستفهام والشكوك تدور في رأسه :
– طيب يا جابر بيه ليه الجواز الصامت ده ، كنا حضرنا حفل كَبير يليق بعيلة السيوفي !
تحدث بجمود وملامح وجه مكفهرة :
– ولا حفل ولا زفت يا حاج عرفة ، المهم دلوك من بكرة الصبح البلد كلها تعرف إن التنين دول اتچوزوا بليل ، كيف وليه بقى محدش ليه صالح واصل .
أومأ العمدة دون نقاش وتحدث وهو يستعد للنهوض هو ومن أتوا قائلاً :
– اللي تشوفه يا چابر بيه ، عن اذنكوا هنمشي إحنا بقى الوقت اتأخر ، تصبحوا على خير .
غادروا ولم يتبقى سوا الشيخ عبدالله وصالح وفارس مع عائلة جابر ، تحدث الشيخ عبدالله بنبرة لينة هادئة متسائلاً :
– عايز تقول حاچة يا صالح يا ولدي ؟
نظر له صالح بصمت ، نظرة تخفي الكثير ولكن اللسان معقوداً والعقل مشتتاً والقلب مدمياً بينما غضب جابر ورد بلذاعة وحدة :
– يقول إيه يا شيخ ؟ ، يالا خليهم يغوروا من إهنة هو وال*** اللي راحتله بكيفها ، وزي ما قولت من شوية ، ينسوا الدار إهنة وينسوا عيلة السيوفي واصل .
لم يعد يحتمل المزيد من كلمات الإهانة فهو طيلة حياته لم يمس أحدهم كرامته وإن فعل فلن يكون رحيماً ولكن الآن ليس من الحكمة الاشتباك مع هؤلاء أبداً ، ليبتعد من هنا وليكن لكن مقامٍ مقال .
تحرك على الفور يغادر المجلس تحت أنظارهم الحاقدة والمتوعدة من رامي وعادل بينما دلف جابر إلى داخل فيلته حيث تجلس زوجته وابنته .
نظرت له شريفة بتوتر وكادت تتحدث لولا يده التي ارتفعت لتحذرها ثم أردف بجمود كأن قلبه نحت من صخرٍ قائلاً :
– قومي غوري من إهنة ، عشيقك واقف برا مستنيكي يا *** ، يالااا غـــــــــوري .
ابتعدت عن والدتها التي وقفت تطالعها بشيءٍ من الحنو ، لا تعلم لمَ نطقت ابنتها بهذا الكلام وهل حقاً بينها وبين هذا الفقير علاقة ؟ ، نظرت لزوجها وتحدث :
– اصبر يا جابر ، على الأقل لما اطلع اچيبلها هدومها وحاجتها تاخدها معاها .
رفع إصبعه محذراً يردف :
– ولا قشاية حتى ، ولا أي حاچة هتاخدها من البيت ده ، ولولا العيبة كنت قلعتها اللي لبساه ده ، خليها تروح للي اختارته ووسخت سمعة العيلة معاه يچيبلها اللي هي عايزاه .
وقفت وردة وبدأت ترفع رأسها ثم نظرت لوالدها بعيني لامعتان تحملان ذنباً سيصاحبه دائماً ، تخبره بسودوياتها أنه ظلمها وستسترد منه حقها سواءً كان بيدها أو بدوارة الأيام ولكنه كان مغيباً لا يريد ولا يرى سوى ما سمعه سابقاً لذا تحرك يقبض على ذراعها ويجرها بعنف نحو الخارج قائلاً أثناء جره لها :
– كمان ليكِ عين تحطيها في عيني يا بجحة ، يالا من إهنة .
خرج ودفعها من أعلى درجات السلم نحو صالح الذي يقف خارجاً فاصطدمت به وكادت تسقط لولا يده التي ثبتتها بجواره .
رفع نظره يطالع جابر وهو يطالعهما ثم تحدث بمغزى قبل أن يغادرا :
– هنغور من إهنة يا جابر بيه متقلقش ، ومهنخطيش الدار دي واصل ، بس افتكر كويس طلعتنا من إهنة كيف كانت .
استشاط غضباً ونزع السلاح الذي كان معلقاً على كتف الغفير الذي يجاوره وصوّبه نحوه يردف بجمود :
– مبقاش غير الرعاه يهددوني في قلب بيتي ، يمين عظيم إن ما أخدتها ومشيت دلوك لاكون مفرغ البندقية دي في نفوخكوا إنتوا الجوز .
ارتعبت وردة من تنفيذ تهديده ونظرت نحو صالح تتوسله للمرة الأولى قائلة بوهن وهي تحاول دفعه للخارج :
– أبوس يدك يالا نمشي .
بالفعل تحرك معها ، لم يكن ليبقى هنا بعد ما عاشه خلال هذه الساعات القليلة ، غادرا وتركا تلك العائلة ولن يعودا لها أبداً .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
في منزل محمد رشيد
ما زال يسعل إلى الآن ويتألم من جذعه ، لم يرد إخبار صالح لأنه يعلم العواقب جيداً ولكنه لم يعد يحتمل .
كان قد وصل صالح ووردة إلى أرضه بعد طريق قضاه صامتاً كأنه يمشي بمفرده ، عقله لم يتوقف لثانيةٍ عن التفكير في ما حدث وفي تلك الليلة التي طالت كأن الشمس لن تشرق بعدها .
حالها ليس أفضل من حاله ، هي الأخرى تسير بقدميها تتبعه وعقلها متزاحماً بالأفكارِ وعلامات التعجب ، ولكن شيئاً عميقاً عندها يشعر بالراحة ، تخطو نحو هذا المكان الذي أرادت الإنتماء إليه .
وصل خارج منزله ولكنه أسرع للداخل حينما سمع أنين وسعال والده .
دلف عنده فوجده ينحنى ويسعل بشدة ويبصق الدماء من فمه في قطعة قماش بيضاء فانتفض صالح وجحظت عيناه وهو يسنده متسائلاً بفزع :
– مالك يابوي ؟ ، إيه اللي حُصل ؟
لحقته وردة للداخل ووقفت تطالع هذا العجوز المتألم بعجز ورأفة وهي ترى الدماء تنزف من فمه ، لم يكن منها سوى أن تقول بعجلة :
– خلينا ناخده ع المستشفى يا صالح ، شكله تعبان قوي .
لم ينظر نحوها ولكنها محقة وبالفعل اصطحبه للخارج وتحركت معهما ولكنه أوقفها بحديثه قائلاً بنبرة حزينة ومشتتة دون النظر نحوها :
– خليكي إهنة ، اقفلي على نفسم كويس لحد ما نرجع .
تنفست ولم تعترض بل أومأت وعادت تخطو للخلف وتطالعهما إلى أن غادرا ثم أغلقت الباب ودلفت تنظر حولها بتعجب وحسرة ، عقلها لا يستوعب بعد كل تلك الأحداث فمنذ عدة ساعاتٍ فقط كانت تتمدد في غرفتها وتتحدثت مع رفيقتها ، أين هي الآن وأين الماضي القريب ؟ .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
بعد وقتٍ في المشفى تمدد محمد على فراش الفحص ويقف فوق رأسه الطبيب الممارس يسأل صالح عن حالته .
طوال الطريق وهو يحاول معرفة ما حدث مع والده وكيف تدهورت صحته هكذا فجأة ولكن محمد التزم الصمت خوفاً عليه ، حتى أنه غير دفة الحديث بعد أن سأل عن تلك الفتاة وأخبره صالح بمَ حدث كاملاً بأسلوبٍ عاجلٍ اثناء مجيئهما .
تحدث الطبيب الممارس بترقب :
– الحاج محمد لازم يعمل إشاعة على الكلى ونعرف إيه اللي حصل معاه .
أومأ صااح فتابع الطبيب :
– هيكون تحت ملاحظتنا هنا يعني مش هيروح النهاردة .
– أهم حاچة عندي يرتاح من الوچع ده ، طمنا يا دكتور الله يطمنك ولو محتاچ يروح مستشفى المحافظة أوديه .
تحدث الطبيب بتروي كي يهدأ من ذعر صالح وتشتته :
– مالوش لزوم خالص ، احنا هنا هنعمل اللازم .
تنفس صالح بقوة ثم نظر بحزن لوالده الممدد ليعود للطبيب متسائلاً :
– طيب مافيش أي حاچة تسكن وچعه ده وميكونش ليها تأثير على حالته ؟
أومأ الطبيب وتحدث وهو يخطو تجاه خزانة الدواء قائلاً وهو يحضر المسكن :
– متقلقش هيبقى كويس .
وقف صالح يتطلع لوالده الذي يحاول التحدث بكلمات متناثرة بسبب السعال ولكن انحنى صالح بالقرب من فمه ليسمعه فوجده يقول :
– روّح إنت يا ابني علشان بت الناس اللي في الدار ، مينفعش تنام لواحدها أول مرة إكدة .
اعتدل صالح يتنفس بقوة ويربت على يد والده ولم يجيب على حديثه ، كان قد انشغل عقله لثوانٍ عن تلك الوردة التي مازال لا يستوعب كيف أصبحت زوجته قبل شروق شمس اليوم الذي كان يظن فيه أن لقاؤهما مستحيلاً .
أعطى الطبيب الإبرة المسكنة ل محمد وتحرك ليرى حالة مجاورة ووقف صالح يتابع والده بعيونٍ يملؤها الحنين .
بعد وقتٍ قليل بدأ محمد يستكين قليلاً وخف سعاله ونظر لابنه متسائلاً بقلق وبنبرة واهنة :
– مقولتليش يا ولدي ، الناس دي عملولك حاچة ؟ ، وكيف يعملوا في بتهم إكدة ؟
تحدث صالح وهو يتذكر طريقتهم المهينة له ولابنتهم قائلاً :
– الظاهر إكدة يا حاج محمد الموضوع كيف ما كانت الناس بتقول إن جابر السيوفي بيفضل الولاد عن البنات ، وده اللي حُصل قدامي ، في ثانية اتبرى من بته بعد ما قالت اللي قالته ده ؟
تساءل محمد بالسؤال الذي ودّ صالح لو يعلم اجابته حقاً قائلاً :
– وهي ليه قالت إكدة يا ولدي ؟ ، ليه إنت تنجدها منيهم وهي تتهمك اتهام باطل زي دي وتسوء سمعتك بين الخلق .
أغمض عينيه وتنفس بضيق ، لم يحن وقت الأسئلة بعد ولكن من المؤكد سيعلم ، هذا ما لم يفهمه ، هل خافت من عقابهم لها فاحتمت به ؟ ، ولكن كيف تحتمي به وترميه باتهامٍ باطلٍ ومؤذي كهذا في نفس الوقت ؟ ، عقله لا يستوعب .
تحدث يوميء مؤكداً :
– هعرف يابوي ، لازماً اعرف السبب في اللي قالته ده .
تنهد محمد وبدأ يتثاوب لذا قال :
– طيب يالا ارجع ع الدار إنت ، وتعالى لما النهار يطلع ، مينفعش تسيبها لواحدها في الدار يا ولدي ، يالا عاد .
التفت صالح فوجد الطبيب والممرضات بالقرب منه يبدو أنهم يمرون في الليل بين الحالات ، قلبه لا يود ترك والده هنا دونه ولكن شهامته لا تقبل ترك تلك الوردة بمفردها في منزله .
زفر صالح ونظر لوالده نظرة متفحصة فأومأ له محمد وبدأ يغفو فاضطر صالح للانسحاب بعدما أوصى الممرضة عليه ورحل عائداً إلى منزله .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
لم ولن تغفو ، حتى أنها تجلس كما تركاها منكمشة على نفسها .
خائفة ضائعة حزينة مشتتة تشوبها الصدمة ، اختارت أكثر الأمور غرابة لتنجو من قسوة وجبروت وتسلط عائلتها ، برغم أنها لا تعلم عن هذا الصالح شيئاً ولا تعلم كيف وثقت به ولكن كان هو حبل النجاة الوحيد حينها .
لو تم اكتشاف اعتداء هذان عليها ربما كانت الآن بين الأموات أو زوجة لأحدهما وكلاهما موت لذا فهي نجت بحياتها بتلك الحيلة التي تعلم جيداً أنها متدنية ولكن لم يكن هناك بديلاً .
من المؤكد سيعود ويسأل لمَ اتهمته وهو منقذها ، حينها ماذا ستجيبه ! ، هل تخبره بأنها أرادت أن تنجو بحياتها على حسابه ؟ .
رأسها يكاد ينفجر من شدة الأفكار المتلاحقة وجسدها يإن ويشتكي من الضربات المبرحة التي تلقتها ، تريد النوم ولكنها خائفة وقلبها يرتجف ويتألم .
سمعت صوتاً في الخارج يقترب فانتفضت مذعورة وبدأت تبحث عن شيئٍ حولها تحتمي به فلم تجد سوى سلاح جز الأرض يرتكز معلقاً خلف الباب فأسرعت تلتقطه ووقفت تتمسك به بيدٍ مرتعشة وتترقب دخول من بالخارج .
دلف صالح منزله ذو الإضاءة الخافتة فأسرعت تخطو باتجاهه وفي يدها السلاح حتى وصلت إليه وكادت أن تهجم عليه لولا يده التي أوقفتها فتجمدا مكانهما ونظر كل منهما للأخر بصدمة .
كانا قريبان جداً من بعضهما ، كانا شبه متعانقان ، ينظران لعينيهما بعمق ، بصمت ، بتساؤلات عدة .
تحمحمت وابتعدت تخفض رأسها ويدها وتلقي بالسلاح بعيداً مردفة بنبرة ضائعة :
– أني فكرت حد غريب .
تنفس صالح ودلف يغلق الباب ثم تحدث بنبرة جعلها جادة قوية :
– يبقى تتأكدي الأول بدل ما تقتلي صاحب الدار ويبقى ذنبه في رقبتك مرتين .
ها هو يبدأ القذف بالكلمات التي سيكون وقعها عليها مؤلماً ومؤنباً .
تحركت نحو الأريكة وعاودت الجلوس عليها بصمت فاتجه يخلع حذاؤه وتحرك يجلس مجاوراً لها ويتنفس بعمق ليبدأ استجوابها ، طوال طريقه يجهز حاله لهذا الحديث ولكن اصطدامها به وعيونها بعثرتا كل ما نواه لذا فهو يعاود ترتيب الكلمات داخله .
كانت تعلم وأرادت الهروب من أسئلته حتى لو مؤقتاً لذا أسرعت تسأله :
– والدك بخير ؟
نظر لها متعجباً ، تتعامل وكأن الأمور بينهما جيدة ، وبرغم ذلك أومأ ثم دون مقدمات وما زالت عيناه معلقة عليها تساءل بثبات :
– عملتي ليه إكدة ؟ ، قولتي ليه كلام تاني غير الحقيقة ؟
توترت نظراتها لذا أبعدتها ، لا مفر من الهروب ولا مفر من المراوغة لذا بدأت تفرك يدها وتجيب بسؤالٍ آخر قائلة بتوتر :
– كلام إيه ؟
لم تزد الأمر إلا سوءاً حيث شعر بالضيق وظهر ذلك في نبرته التي أصبحت أكثر قوةً وهو يردف محذراً :
– اسمعي يا بت الناس ، مراوغة مش عايز ، دلوك هتقولي ليه قولتي بين الخلق إنك جيتي إهنة بكيفك ومقولتيش اللي أصحاب أخوكي عملوه .
يجردها من كل محاولاتها في الهروب ، بماذا ستجيبه ، يضغط عليها بأسئلته وينتظر إجابتها ، طال صمتها وزاد غضبه لذا قال بنفاذ صبر وغضب :
– انطقي عاد ؟ .
انتفضت من نبرته العالية لذا ارتدت قناع القوة لا تعلم كيف وكشرت عن أنيابها قائلة باندفاع :
– قلت اللي قلته وخلاص ، حاسبني بقى واعمل اللي إنت عاوزه ، كنت عايزهم يموتوني يعني ؟
مثلما توقع تماماً ، أنقذت نفسها باتهامه ، لثوانٍ كاد أن يلتمس لها العذر ولكنه تذكر سمعته وكرامته لذا عاد لجموده ، أومأ عدة مرات وتحدث بجمود وثقة لم تصل للغرورِ وهو يقف :
– حظك إنك وقعتي في راجل يمكن أول مرة هتقابليه ، بس خديها مني كلمة وكلمتي وعد ، حقي هاخده منك ومن عيلتك كلها ، والعقد اللي بيني وبينك ده مالوش أي معنى عندي ، إنت إهنه ضيفة لحد ما ربنا يحلها من عنده .
تركها وتحرك لغرفته ، نار قلبه مشتعلة ، هل هذه هي التي أحبها بل عشقها ؟ ، هل هي حقاً ؟ ، لا مستحيل تلك لا تشبه هذه أبداً ، هو أحب وردة ذات القلب الطيب والعيون السوداء التي كلما تعمق فيهما رآى بياض قلبها ، أما هذه فلم يرى في عينيها شيئاً ولا يريد أن يرى .
تمدد على فراشه ليحاول النوم قليلاً قبل أن يذهب لوالده ، يجاهد ليغفو ويريح عقله ولكن هيهات .
أما هي فانكمشت على حالها واستكانت قليلاً ، لم يعد الخوف من ضمن مشاعرها بعدما أتى ولكن مؤكد الحزن والألم أصبحا رفيقيها الدائمين .
جاهدت لتغلق عينيها وتنام بعد تلك الليلة الموعودة وبالفعل غفت بعد دقائق نسبةً لوهن جسدها .
꧁꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂
صباحاً
استيقظت على صوته وهو يتحدث عبر الهاتف قائلاً :
– معلش يا محمود ، تعالى بس خد بالك من الأرض والغنم لحد ما اطمن على أبويا .
– ………
– يعني قدامك كتير ؟
– ……..
– خلاص يا محمود أول ما تخلص تعالى على الأرض ، المحصول المفروض كان يتجمع النهاردة بس لازماً أروح لأبويا ، شوف هتخلص إمتى وتعالى .
أغلق الهاتف وتحرك من غرفته للخارج ، ألقى نظرة عليها ، تستند على الأريكة وتحتمي بالغطاء الذي دثرها به بعد أن غفت فجراً حينما نهض ليصلي ورأف لحالها سراً .
تحدث وهو ينظر نحو الباب الذي ينوي الخروج منه قائلاً بنبرة جادة تخفي حنينه ببراعة :
– كل حاچة هتحتاجيها هتلاقيها عندك ، وأظن مافيش داعي أقولك كيف تحمي حالك بعد ما هچمتي عليا بالجزارة امبارح .
نطق الأخيرة ساخراً ليغادر بعدها على الفور وتتبعت هي أثره بتنهيدة قوية .
رفعت الغطاء الذي لاحظته وتعجبت من وجوده ولكن نفضت رأسها ثم نهضت واتجهت تبحث عن الحمام لتغتسل وتبدأ يومها الأول في هذا المنزل .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
وصل صالح المشفى ودلف على الفور نحو الغرفة التي يحتجز بها والده .
وجده كما تركه فألقى عليه السلام ثم تحدث وهو يقف عند رأسه متسائلاً :
– عامل إيه دلوك يا حچ ؟ ، حاسس بوچع تاني؟
تحدث محمد الذي استيقظ منذ قليل بنبرة هادئة بعدما سكنت حالته :
– أني بخير يا صالح ، چاي بدري إكدة ليه ؟ ، كنت خلصت اللي وراك وچيت .
تنهد وجلس على مقدمة الفراش ثم تحدث بجدية :
– متقلقش ع الأرض ، أني كلمت محمود ، هيخلص اللي وراه ويروح ، خلينا دلوك نطمن عليك .
تنهد محمد وأومأ ثم تساءل بترقب :
– ومرتك كيف دلوك ؟
نظر لوالده بتعجب ، تلك الكلمة جديدة كلياً على مسامعه ، زوجته ؟ هل يسخر منه والده ، تلك الوردة التي تمنى رعايتها واحتضانها باتت قريبة جداً منه وبرغم ذلك بينهما برزخاً صلباً يصعب فكاكه ، عن أي زوجة يتحدث ؟ .
زفر صالح وتحدث وهو يلف وجه يبدو أنه يخشى أن يقرأ والده ما تخبأه عيناه لذا قال :
– الأمور بخير يا حچ محمد ، أني هروح أشوف الدكاترة چُم ولا لسة .
نهض وتحرك للخارج ليرى أو ليهرب لا أحد يعلم .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
اغتسلت وردة بالمياه الدافئة التي أراحت جسدها المكدوم والذي تشبح باللونين الأزرق والأحمر معاً .
لم تجد ما ترتديه سوى جلباب صالح بعد بحثٍ ليس بالقليل ، جلباب بدى كبيراً وطويلاً عليها ولكن ليس باليد حيلة .
نظرت للجزار وتنهدت ، تفكر هل يمكنها جمع المحصول الذي سمعته يتحدث عنه ؟ ، ربما لو وجدت آلة كهربائية كان الأمر سهلاً ولكن لتجرب حظها .
التقطته من مكانه وتحركت للخارج بترقب وتوتر تنظر حولها ، ولحسن الحظ لا يوجد أحدٌ هنا ، الأرض الخضراء والمحصول الذهبي والسماء فقط .
مكان جميل وهادئ يبعث داخلها الراحة التي لم تجدها في قصر السيوفي .
تنفست بقوة وخطت نحو الأرض لتبدأ جمع محصول القمح الذهبي الرائع فهى على علمٍ مسبق بالطريقة الصحيحة لجمعه

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية اضغط على : (رواية عشق بين هشيم مشتعل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!