Uncategorized

رواية أتحداك أنا الفصل الثامن 8 بقلم أميرة مدحت

 رواية أتحداك أنا الفصل الثامن 8 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل الثامن 8 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل الثامن 8 بقلم أميرة مدحت

اللامبالاة التي أنا عليها الآن لم تُهدي إليَّ بالمجان، بل بمواقف كلفتني عمرًا بأكمله.
ثلاثة أيام مرت بدون أيّ أخبار جديدة، تجنبت لقائــه، ولا تزال الصدمـة تعتريهـا، معنى ذلك أن خلال أيام ستنتهي، حياتهـا هنا ستنتهي، أغمضت عيناهــا وهي تتنفس بعمقٍ، محاولة أن تهدئ تمامًا، ولكن لا تعلم لمَ تحترق روحها بتلك الطريقة، هبت «لينا» واقفة فجـأة وهي تتحرك نحو خارج غرفتهــا، لتصطدم بـ«مراد» واقفًا أمامهـا يعقد ساعديه أمام صدره الضخم، تنفست «لينا» بحدة وهي ترمقه بنظراتٍ غاضبة قبل أن تشيح وجهها بعيدًا عنه متوجه نحو غُرفة الرياضة.
تصلبت ملامح «مراد» تمامًا وأشتعلت عيناه بلهيب أسود مخيف، قال بلهجة هادئة لكن أمتلأت بنبرة الحزم الذي لا يقبل الجدل:
-فاكرة كدا هتقدري تبعديني عنك؟!.. ماشي يا لينا، هنشـوف.
سحب نفسًا عميقًا وهو يتجه بخطواته الثابتة نحو صالة الرياضة، أستمع إلى صوت أقدام، وتأتي الجلبـة من الداخل، ففتح الباب وهو يجوب ببصره الحـاد نحو المكان، ليراهـــا موليـه ظهرها، تركض بسُرعة عاليـة أعلى اللعبـة الشهيرة الماشيـة، وقد بدأ يتعرق جسدها بـ غزارة، فـ كان مُكيف الهواء مُغلقـًا، شعرت «لينا» بوجوده فقامت بخفض سُرعة اللعبـة تدريجيًا حتى توقفت، ألتقطت أنفاسـها ثم نظرت إليه وهي تسأله بجفاء:
-نعم، عايز إيــه؟!..
وكأنها أطلقت سراح الغضب الكامن بداخله فدبت العاصفة بملامحه دون أن يهتم بإخفائهـا هذه المرة وهو يقول بصوتٍ خافت لكن يثير الرجفة:
-إنتي فاكرة بإللي بتعمليه ده، أنا هسيبك يا بنت الصاوي؟؟..
عيناها اليوم فاقدت لبريقهما.. فاقدتين للحياة.. شعر بشيء قابع في حنجرته من الشعور بها، هناك وتر كهربائي وصل بينهما يجعله يشعر بإختلاجتها بوضوح، فتابع بصوتـه الخافت يملؤه الشراسة:
-فاكرة إني هسيبك؟؟..
ظلت «لينا» متصنمة في مكانها، حجرًا في حنجرتها يتثاقل، النيران في عينيها تشتعل غضبًا، حتى قالت أخيرًا بهدوء:
-زي ما قولت قبل كدا، طريقي أنا تحديدًا هو الموت، وبذات بعد العملية الكبيرة، لو أنا عايشة النهاردة، بكرا هموت يا مراد، وأظن إنت عارف ومتأكد من ده.
أرتفعت نبضات قلبـه فجأة بخوفٍ، فهي في نظر العالم، أكبر مجرمة أرتكبت الكثير من الجرائم في حق الوطن، ويعلم حق المعرفة أن حياتها ستنتهي بعد تلك العملية الكبرى، أتسعت عينا «مراد» للحظةٍ قبل أن تعودا لبرودهما وهو يقول بصوتٍ خطير:
-ولغاية ما يجي اليوم ده، تتعاملي معايا كويس، إحنا بنكمل بعض في شغلنـا ده، وكلهـا عملية واحدة ونرتاح، وقتهـا إبقي أتعاملي بالطريقة إللي تحبيهـا.
عم الصمت داكن مشحون بينهما.. وعيناهما في حربٍ يائسة، إلى أن قالت “لينا” أخيرًا:
-مش هتلحق يا مراد تشوفني بعد العملية الجديدة، كله خلاص هيكون.. أنتهــى.
تصلب فك «مراد» وارتجفت عضلة في خده إلا أنه لم يتحرك إنشًا بينما «لينا» تكمل:
-أظن إنت عرفت السفر بكرا بليل، هنسافر اليونان، عشان نتفق على العملية، ياريت بقى تسبني أستعد ليهـا، وتسبني في حالـي.
وكأن كلماتهـا أصابت قلبـه بألم قوي، لم تتغير ملامح «مراد» وهو ينظر إليها، إلا أن عينيه ألتمعتا ببريقٍ أكثر قسوة، دنى منها عدة خطوات حتى وقف قبالتهـا، رفع يده يبعد خصلات شعرها المتمردة من على جبينها وهو يهمس بصرامة دون أن يرفع صوتك:
-تأكدي يا لينا إني مش هسيبك، لو سبتك.. يبقى هسيبك وإنتي ميتـة، تمام؟!..
ظلت تنظر إليه بصدمة وهو يبادلها النظر إليها بهدوء، ليخفض عيناه أمام نظراتها القاتلة في تعبيرها القوي، ودون أن ينتظر ردهـــا، أولى لها ظهره ثم سـار نحو باب الغرفة يلج إلى الخارج تاركًا إياهـا في صدمة من كلماتــه.
*****
يوم وآخر، حتى أتى وصل كل من «مراد» و«لينا» إلى آتينــا في اليونان، هبط إلى الأسفل بخطوات ثابتة، شاب بمنتصف العقد الثالث من عمره، وسيم الملامح، قوي البنية، إبتسم لهم «روكــــان» بسمة جذابة وهو يتحدث باللغة العربية وكأنه يتقنهـا:
-حمدلله على السلامة.
أنتبه كل من «مراد» و«لينا» على صوته الأجش، واللذان بمجرد وصولهما إلى آتينا أصطحبهمـا شخص ما من المطار حتى إلى قصر «روكان»، والذي كان على الطراز اليوناني الأصيل الفاخر، تحفة فنية بحق، فنان من أبدعها ورسم تفاصيلهـا، تقدم «روكان» نحوهما لتنتقل أنظاره من «مراد» إلى «لينا» وألتقط كف يدهـا الحر منحنيًا نحوه يُقبلـه برسمية وودّ قائلًا بصوته الجذاب بلكنة الإنجليزية:
-مرحبًا أنستي الجميلة.
أشتعلت النيران بعيني «مراد» يجز على أسنانه بغيظ، ثم أعتلى أحد المقاعد الشاغرة وأسند ظهره عليهـا بإرتياح، وكذلك «لينا» التي وضعت ساقها فوق الأخرى بثقة، جلس «روكان» قبالتهم، وهو ينظر لهم بثباتٍ قائلًا:
-بما أن آريان، لسه موصلش، فـ يشرفني أستضيفكم في بيتي المتواضع لحين وصوله.
ثم وجه أنظاره لـ«لينا» وهو يقول ببسمة خبيثة:
-لينا، أنا عاوزك كمان شوية في موضوع.
تجهمت تعبيرات وجه «مراد»، وأظلمت عيناه بطريقة مخيفة قاسية وهو يدرك جيدًا معنى بسمتـه وكلمتـه الأخيرة، وجه أنظراه المُظلمة نحوها ليرى ردة فعلهـا، وجدهـا تبتسم له بهدوء وهي تومئ برأسهـا، أغمض عينيه يكاد يعتصرهمــا وبركان من الغضب بداخله يشتعل يود كثيرًا أن يحرق العالم بأكمله، مع حرقة قلبه التي أزدادت بعد موافقتهـا.
*****
بعد قليل، دخل «روكان» وهو يطوق خصر «لينـا» التي إبتسمت له بكل هدوء خبيث، وعيناهـا تلتمعان بشكلٍ مغري، ظلت تنظر إليه طويلاً بملامح مرتخية واهنة، قبل أن تهمس برقة معذبة:
-قبل أي حاجة، لازم أتكلم معاك شوية.
إبتسم وهو يقربها منه أكثر ليقول بصوت خافت أجش:
-قولي يا لينا، أنا سامعك.
تنهدت بحرارة قبل أن تسأله بشك:
-هو إنت فعلًا إنت إللي بعت الراجل عشان يقتلني في مصر؟؟..
أتسعت إبتسامتـه وهو يجيبهـــا:
-كنت عارف إنك هتسألي السؤال ده، تفتكري إني ممكن أضحي بعميلة زيك، وبجمـال زي ده؟!.. أبقى مغفل يا بيبي.
ضحكت بخفة وهي تضع يده على صدره ثم قالت بصوتٍ ناعم:
-مش يمكن تعمدت تعمل ده، لما هربت ونزلت مصر؟؟..
صمت قليلًا قبل أن يقول بجدية:
-لينا، إللي عاوز يأذيكي هما عايشين معاكي في نفس المكان، ده غير متنسيش إنتي أهم عميلة عندنا، فأكيد العصابات التانية خايفين على مصالحهم من قوتك، فنفسهم يخلصوا منك، ولما إنتي بتلحقي نفسك بيحاولوا يوقعوا بينـا، أظن إنتي جربتي ده قبل كدا، مش كدا؟!..
برقت عينا «لينا» وهي تستقيم قليلاً لتقول بشك:
-هو قالي الكينج عاوز ده، ومفيش كينج غيرك يا روكان.
قربهـا إليه بشدة وهو يقول مؤكدًا:
-أنتي عارفة كلمتي يا لينا، لو عاوز أقتلك، مش هتبقى بالطريقة دي، هتبقى أشرس وأظن إنتي متأكدة من ده، كفاية كلام.
قال كلمته الأخيرة وهو ينحني كي يُقبلهـا، ولكن وضعت أصابعها على شفتاه مبتسمة له بنعومة قائلة:
-مش لازم نشرب الأول، ولا إيـه يا روكان؟!..
هتفت بإسمه بطريقة مغرية وهي تسبل جفنيهـا، فأومئ برأسه وهو يرخي قبضة يده على خصرهـا، تنفست «لينا» بعمق، وهي تتحرك نحو الطاولة الصغيرة، التي بهـا زجاجة من الخمـ..ر، وكأسين، نظرت من طرف عينيهـا نحوه لتجده يقوم بفك أزرار قميصـه، فبخفة يد أخرجت زجاجة صغيرة جدًا.. سريعة المفعول، وسكبتها بداخل الكأس، ثم أخفتهـا جيدًا، ثم فتحت زجاجة الخمـ..ر وسكبتها بداخل الكأسين، شهقت بصدمة حينما شعرت يطوق خصرها من جديد، فحاولت الإبتسام وهي تمد بيده بالكأس الخاص به هاتفة بدلال:
-تؤتؤ، نشرب الأول.
زاد حماسـه وهو يبتسم لها بجاذبية، لتشعر بنفور من إقترابه منها بتلك الطريقة، وما أن تجرع المشورب، حتى قربهـا إليه وهي تحاول عدم التجاوب معه، بدأ يحرك يديه بجرأة على جسدها، ويُقبل عنقهـا، تجعلهـا تقشعر ويُصيبهـا النفور أكثر والإشمئزاز وقبل أن يقبل شفتيهـا، تراجعت للخلف وهي تهمس له بهمسٍ مغري:
-إستنى الأول أغير هدومي.
بلع ريقه بصعوبة لتتحرك بخطى ثابتة نحو المرحاض، ما أن أغلقت الباب حتى أصابهـا الغثيان، أندفعت بجسدهـا تتقيء بعنف، دوار عنيف هاجم رأسهـا وهي تحاول التغلب على حالتهــا، أخرجت كل ما في جوفهــا، ثم أسندت جسدها على الحائط بإجهاد، لم تشعر بدموعهــا الحارقة التي أنهمرت بغزارة، ولا بالوقت الذي مر.
*****
في مصر، ركضت «دينا» نحو هاتفهـا الذي يصاحبه رنينٍ صاخب، تناولته من على الأريكة تنظر لأسم المتصل بضيق لتتبدل نظراتها على الفور إلى سعيدة وهي تبتسم ببهجة، ضغطت على زر الرد وهي تضعه على أذنها هاتفة بعشق:
-«أدهـــم».
سمعت رده من على الجهة الأخرى قائلًا بلهجة يملؤها السعادة:
-عيون أدهم، وقلب أدهم كله، إيه أخبارك؟!..
جلست على الأريكة وهي تجيبــه:
-تمام الحمدلله، وأنت طمني عليك وعلى الشغل؟؟..
ترك القلم وهو يتنهد مُجيبًا بهدوء:
-الشغل تمام يا حبيبتي، خلاص هانت، قريب هفتح الفرع الجديد، وإللي طبعًا أخوكي شريك فيه معايا، وبالنسبة إيه أخباري، فأنا تمام.
صمت لحظةٍ قبل أن يقول بإبتسامة جادة.. شغوفة:
-عندي ليكي خبر حلو.
هتفت «دينا» بلهفة:
-إيــه، إيه قولي يا أدهم بسرعة؟..
-وصلت ليا أخبار بأن أخوكي هيرجع قريب خلاص، هيكون انتهى من العملية دي نبدأ حياتنا بقى.
أنتفضت «دينا» من مكانها وهي تصرخ بسعادة:
-الله إنت بتتكلم بجد؟؟.. يا فرحة عمري أخيرًا، ده كدا فرحتين، مراد هيرجع، وإحنا هنتجوز.
قال «أدهم» بغيظ مكتوم:
-الله يسامحه، بسبب العملية جوزانا أتأجل أكتر من مرة، والله لو حصل إيه المرة الجاية لأخطفك وأتجوزك يا دينا.
أتسعت إبتسامتها وهي تقول بخجل:
-لأ إن شاء الله مش هيحل حاجة، المهم أن خلاص يا أدهم، هانت يا حبيبي.
-معاكي حق، هانت.
*****
في صباح يوم التالي، أغتسلت «لينا» أكثر من مرة وهي لا تزال تشعر بقبلاته على عنقهـا، خرجت من المرحاض لتجده مازال غائصًا في النوم، زفرت بإرتياح قبل أن تبثق عليه بكل غل، أبعدت خصلات شعرها عن وجهها وهي تتحرك بخطى سريعة نحو الباب لتخرج من غرفته.
حاولت أن تتماسك وأن لا تبكي مرة أخرى، ركضت نحو غرفتهــا حتى وصلت إليهـا وما أن دخلت وأغلقت باب غرفتها، وجدت فجأة من يلثم فمها ويشل حركتها كليًا لتصرخ بصوتٍ مكتوم، تلوت بإنفعال لتتصلب في مكانها بخوفٍ وهي تستمع إلى صوت «مراد» القائل بلهجة قاسية مخيفة.. مخيفة جدًا:
-نمتي معاه يا لينا، نمتي معـاه؟!.. طلع بمزاجك يعني، أنا النهاردة مش هسيبك، يا هاخد إللي أنا عايزهُ منك يا هقتلك.
يتبع…..
لقراءة الفصل التاسع : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى