روايات

رواية سند الكبير الفصل العاشر 10 بقلم شيماء سعيد

رواية سند الكبير الفصل العاشر 10 بقلم شيماء سعيد

رواية سند الكبير الجزء العاشر

رواية سند الكبير البارت العاشر

رواية سند الكبير الحلقة العاشرة

بكفر الكبير.
في الآونة الأخيرة أحبت الخروج من غرفتها، لا تخشى الحديث مع أحد غريب أو قريب، استمدت بعض القوة من تدريسه لها، جلست أكثر من ساعتين بانتظاره كما قالت لها الدادة فاليوم من المفترض موعد الدرس..
نفخت وجهها بضجر قائلة للدادة :
_ هو في ايه يا دادة زهقت و المسيو اتأخر خالص على الحصة، زهقت عايزة ألعب…
ابتسمت إليها المرأة بحنان مردفة :
_ يا حبيبتي الغايب حجته معاه أصبري شوية، و بعدين هو مش همت الحلوة لسة مخلصة لعب من شوية قبل معاد الحصة عايزة ايه تاني بقى؟!…
أخفضت وجهها بخجل طفولي و هي تفرك كفيها ببعض ثم قالت :
_ مهو بصراحة يا دادة مسيو محمد أتأخر خالص خالص و أنا عايزة أشوفه و نتفرج سوا على الماتش زي المرة اللي فاتت..
قامت من مكانها فجأة مقتربة من الدادة تجلس بجوارها، مسكت يدها قائلة برجاء :
_ عشان خاطري تعالي نروح له في الجنينة بسرعة نشوف اتأخر ليه، عشاني أنا.. ماشي ماشي قولي ماشي بقى بدل ما أعيط..
بقلة حيلة أخذتها المرأة إلى الحديقة لا تعلم إذا كان هو بداخل منزله أم لا، أخذت همت تدق على الباب بقوة مرة و الثانية و الثالثة دون فائدة، توترت و بدأ جسدها بالارتجاف، حاولت إخراج أنفاسها بانتظام إلى أن انفجرت بالبكاء صارخة :
_ هو مش جوا و الا إيه.؟ مشي من هنا خلاص، دادة أفتحي الباب ده نعرف هو فين الله يخليكي…
انهيارها بث الرعب بقلب الأخرى، ضمتها إليها لتهديءمن روعها قليلا إلا أن الأمر ازداد سوءا، لم تجد أمامها حلول لتصيح على الغفير :
_ تعالو بسرعة أفتح الباب ده أحسن الست حالتها وحشة جداً…
دقيقتين مروا مثل الدهر حتى أتى الغفير بمفتاح الشقة، فتح الباب ليجدوا محمد جالس على الأرض يضم جسده المرتجف إليه، يحدق أمامه بشرود تام يرى نقطة معينة و يعيش بداخلها…
اتسعت عيناها بهلع عليه و تركت الدادة مقتربة منه بخطوات بطيئة خائفة، قلبها ينتفض بين ضلوعها، تعالت أنفاسها مع لمسة يدها لخصلاته تبعدها عن وجهه، أشار الغفير للدادة بالخروج من المكان معه منفذا أوامر سند، لم تشعر بإغلاق الباب عليها معه، جلست بجواره فاعلة مثله..
ضمت ساقيها لصدرها ناطرة إليه بأعين منهارة ثم همست بتقطع :
_ هو… هو يعني أنت مالك…. في حاجة بتوجعك؟!…
لا يعرفها أو يسمعها هو بداخل عالم آخر بمفرده شريط حياته يدور أمام عينيه مثل شريط السينما، علم هويته و تذكر كل لحظة مرت بينهما، آه و ألف آه همت حبيبته الصغيرة التي لم يفعل لها حساب بتلك اللعبة الطويلة، ارتجف فكه هامسا بأسمها :
_ همت…
ابتلعت ريقها من نبرة صوته التي عادت بها للخلف و كأنها سمعتها من قبل و هذه ليست المرة الأولى، نبرة حنونة، ناعمة، بها نوع من الحنين مع لذة أصابت سلسلة ظهرها بقشعريرة ممتعة، أشياء غريبة لم تفهمها إلا أنها أردفت :
_ أنا معاك أهو مش بعيد، بس قولي مالك أكيد سخن و خايف من الحقن زيي بس متخافش دي شكة صغننة خالص…
بالتدريج بدأ يعود لأرض الواقع هي الآن معه بين يديه، لا يوجد معه وقت كثير حتى يأخذها من هنا هاربا قبل عودة أخيها، ثأره من السند الذي أتى بسببه لهنا هي ليس لها أي علاقة به…
اعتدل بجلسته مبتسما لها بحنين مشتاق إلى تلك الشفتين لحد الجنون، كل تفصيلة بها تركت جزء بداخله يتمنى لحظة تجمعه بها، رفع يده ليلمس بشرتها قائلا :
_ أنا أخدت العلاج و خلاص بقيت كويس المهم أنتي تبقى كويسة يا حبيبتي…
ضحكت بسعادة مردفة :
_ أنا كويسة بس زعلانة منك فضلت كتير مستنية عشان الحصة و نتفرج على الماتش زي المرة اللي فاتت بس أنت اتأخرت، بس خلاص مش زعلانة لما عرفت إنك تعبان، يلا بينا بقى نروح الحصة…
اتسعت ابتسامته الخبيثة أكثر بتعلقها به، ضم كفها بين كفيه مردفا بحماس لينتقل إليها نفس الحماس :
_ أنا كلمت سند الصبح و قولتله هخرج همت بالليل زي دلوقتي كدة إيه رأيك تيجي نخرج عملك مفاجأة؟!…
بثقة عمياء دون تردد أماءت إليه قائلة :
_ موافقة طبعاً بس استنى أجيب عروستي من فوق…
_ لا لا لا مفيش لها داعي يلا بينا و هنرجع للعروسة بسرعة… يلا يا روحي…..
_____________
عند وعد و سند..
ضحكته هذه تغيظها منذ إغلاق باب الخيمة عليهما و هو لا يفعل شيء إلا النظر لها ثم الضحك و كأنها أحد الأفلام الكوميدية، أغلقت عينيها ثم أردفت في نفسها عدة مرات :
_ اهدي يا وعد اهدي يا وعد و سيبك منه ده مستفز اهدي يا وعد اهدي…
فتحت عينيها ثم ابتسمت إليه بسخرية قبل أن تجلس على هذا الفراش الأرضي و تضع عليها الغطاء مستعدة للنوم، رد إليها نفس الإبتسامة الساخرة و بدأ بفك قميصه عنه أخفت وجهها صارخة :
_ أنت بتعمل إيه يا جدع أنت؟!…
ألقى القميص على الأرض و أخذ عباية مريحة يرتديها كلما أتى لهنا، انتهى من تبديل ملابسه بتعب شديد اليوم أقل ما يقال عنه مرهق و اليوم الأصعب غدا، يرتاح قليلا ثم يأخذ جولته بالمشاكل معها، اقترب من نفس الفراش النائمة عليه جاذبا الغطاء من عليها مردفا :
_ يعني هتاخدي السرير و الغطاء مفيش عندك دم خالص، اختاري السرير و الا الغطا عشان عايز أرتاح….
جذبته منه بغضب، الجو بالخارج ثلج يضرب بكل مكان بالخيمة وضعت على نفسها الغطاء من جديد مردفة ببرود و هي تغلق عينيها للنوم :
_ بقولك إيه شوفلك حتة بعيد عني الجو تلج لو نمت من غير غطا أموت أما أنت ما شاء الله جتة بالكتير أوي هيجيلك برد مش أكتر…
_ بقى كدة طيب….
بلحظة واحدة كانت تحمل هي و الغطاء و تضم الأرض بظهرها لينام هو على الفراش، أرتياح رهيب على هذا الفراش السحري جعله يذهب للنوم سريعا، صرخت، غضبت، فعلت كل ما أتى برأسها إلا أنه لا حياة لمن تنادي…
حاولت أخذ أنفاسها الغاضبة و هي تقوم من على الأرض متجهة إليه، جلست بجواره على الفراش و صمتت هادي، وسيم، حنون، مميز بكل شيء و هو نائم بهذا السلام الغريب على طبعه، أول حب بحياتها و ربما سيكون الأخير، طالما حلمت و تمنت أن تنام معه بغرفة واحدة تحت مسمى الحب و الزواج، تنجب ولي عهده و تكبر وسط قوته و حنانه، أخرجت تنهيدة حارة و أصابعها تتحرك على خصلاته باشتياق لن تستطيع اخفائه أكثر…
مؤلمة تلك الحياة تضعنا دائماً بالطريق الخطأ و تترك لنا حرية إختيار النهاية، يا ليتها بتلك القوة التي تجعلها تنسى من هي و من هو و تنعم فقط بدفء أحضانه، يا ليته يحبها أو على الأقل يرى بها شريكة حياته هو فقط يريد التجربة مثلما فعل كثيراً…
قامت من مكانها تود الجلوس بين الرمال الصافية بعيدا عن الجميع الآن، جلست على الأرض بجوار الخيمة تعد النجوم إلى أن رأت فتاة تخرج من الخيمة المجاورة ترتدي أسود بأسود لا يظهر من ملامحها إلا عينيها تحمل زجاجة من الزجاج و ذهبت إلى خلف الصخور…
دائما تضع نفسها بألف كارثة أخذها فضولها خلف الفتاة لتعلم ما يحدث، كتمت شهقتها و هي تراها تكسر الزجاجة و تحاول قطع شرايينها بها، بسرعة البرق قفزت عليها تأخذ ما بيدها صارخة بذهول :
_ أنتي بتعملي إيه يا مجنونة عايزة تموتي كافرة، و بعدين تعالي هنا مش أنتى العروسة برضو…
ضربتها الفتاة بقوة لتقع بعيدا عنها قائلة بغل :
_ ابعدي عني أنتي مالك و مالي…
قامت وعد من مكانها تنفض ملابسها ثم رفعت رأسها للآخري قائلة بتحدي :
_ لأ ليا طبعا لما أشوف واحدة مجنونة عايزة تموت نفسها يبقى ليه، أنا هصحي كل اللي هنا فورا لو معرفتش كنتي عايزة تموتي نفسك ليه…
سقطت دموع الفتاة بقهر، مهما قالت أو تحدثت لن يشعر بها أحد، وجعها سيبقي لها بمفردها من يعرف وجع النيران غير الغارق بداخلها، اقتربت منها وعد باشفاق شديد ثم ضمتها إليها مردفة بعتاب حنون :
_ طيب بس بطلي عياط صدقيني كل حاجة هتكون بخير، بس قوليلي ايه اللي يخلي بنت قمورة زيك كدة تحاول تموت نفسها و فرحها بكرة مش المفروض دي تكون ليلة العمر…
ارتاحت الفتاة على صدرها مردفة بنبرة متقطعة من كثرة الخوف و البكاء :
_ ليلة العمر عندكم انتوا يا ست هانم لما تاخدي فارس أحلامك و تحققي حلمك و تبقي أخيراً جوا بيته، لكن هنا الموضوع مختلف خالص أنا لا عمري شوفته و الا أعرف حتى إسمه كل اللي اعرفه انه ابن كبير قبيلة هنا بجوارنا و هكون الزوجة التالتة كمان، إمبارح الستات بتوعه كانوا في الفرح و أصغر واحدة فيهم عندها 40 سنه و أنا لسة مكملتش 16 سنة، يعني اد أبويا… أعمل ايه في نفسي بس حاولت أهرب فشلت مكنش ادامي حلول إلا الموت…
قصة مؤلمة و بالفعل لم يشعر بها الكثير إلا أنها شعرت ربما لأنها الأخرى تموت بنيران الهوى و تعلم وجع الغصب أو لأنها أنثى مثلها مرت بلحظات ضعف كثيرة، ابتعدت عنها قليلا ثم رفعت وجهها إليها قائلة بقوة :
_ و إنك بقى تموتي كافرة هو ده الحل اللي وصلتي له؟!.. أنتي شابة صغيرة و لسة المستقبل قدامك كبير ليه عايزة تضيعي كل ده في لحظة جبن و ضعف..
ضحكت الفتاة بسخرية على تلك الطبيبة التي ترى الحياة وردية مثلما تعيشها، أزالت دموعها بأكمام ملابسها ثم قالت بحسرة :
_ شكلك مش فاهمة الحياة هنا يا ست الدكتورة، طبعاً و اللي زيك هيعرف إحنا عايشين إزاي، ازاي و أنتي مرات سند الكبير صعبة عليكي دي، أنا حتى لما حبيت مقدرتش آخد اللي حبيته عشان مش من توبي و لا بص ليا أصلا بص لدكتورة من البندر و جاي بيها يحضر فرحي، شوفتي الخيبة اللي أنا فيها بقى…
ألجمت الصدمة لسانها، هذه الفتاة تقصدها هي و تعتبرها أخذت منها حب حياتها، ابتلعت ريقها ببعض الضيق قائلة :
_ تقصدي سند صح؟!…
أومأت الأخرى بقوة مجيبة :
_ أيوة أقصد سي سند الكبير، من أول ما كملت 14 سنة و عرفت أنه طلق جديد حلمت باللحظة اللي ممكن يحبني فيها و أخرج من القبيلة دي بكل ما فيها، أبقى خدامته و تحت رجله لحد أمبارح كان عندي أمل يقول أنا عايزها وقفوا الفرح ده، بس كله راح لما دخل عليا بيكي يا دكتورة عرفت إني عمري كله راح في الأرض… أظن دلوقتي مش عايزة تساعديني ممكن بقى تسبيني في حالي…
قامت وعد من مكانها مبتعدة عنها عدة خطوات ثم أردفت بقوة :
_ الفرح ده فعلاً مش هيتم أنتي لازم تخرجي من هنا مش تموتي، أنا هتصرف بس روحي على أول الطريق استنيني هناك أوعي تعملي في نفسك حاجة، قولتلك أنتي صغيرة و فرحانة بالراجل اللي كلمته مسموعة و هيخرج بيكي من هنا لكن في الحقيقة معندكيش اي مشاعر له، يلا روحي نفذي اللي قولتلك عليه…
حدقت بها الفتاة بذهول مردفة بتوتر :
_ أنتي… أنتي بعد كل ده عايزة تقفي جانبي، بجد؟!…
أومأت إليها وعد بابتسامة حنونة :
_ أيوة أنتي في مقام أختي الصغيرة يلا بقى قبل ما النهار يطلع وقتها مش هقدر أعمل ليكي حاجة….
_____________
بعد مرور ساعتين…
انكمشت حول نفسها بمقعدها بالسيارة، لم تتوقع بأبشع أحلامها أن يصل الأمر لتلك النهاية على الإطلاق، صدمها برفع كفه عليها لتغلق عينيها مستعدة لأي صفعة ستسقط على وجهها، حاولت مساعدة الفتاة لذلك رسمت عليه المرض حتى يأخذها لأقرب مشفى و هي تضع تلك الفتاة المجهولة بظهر السيارة، ساعة و الثانية على الطريق و تم كشف أمرهما أمام سند الكبير…
طال انتظارها إلى صفعته و لكن لم يحدث شي فتحت عينيها لتجده ينظر إليها بصمت مريب، عاجز عن فعل أي شيء معها و كأنه موقع على جميع أمواله، رفعت أحد أصابعها مشيرة إليه بتقطع :
_ أنا بس أنا كنت عايزة أساعدها…
ضرب عجلة القيادة بكفه عدة مرات صارخا، لا يعلم ما عليه فعله الأن سند الكبير بموقف لا يحسد عليه و من السبب تلك الحمقاء، أخذ اصبعها ضاغطا عليه بشكل معاكس يكاد أن ينقسم بيده :
_ أنتي ست قليلة الأحترام و التربية، بس مفيش عليكي لوم ما أنتي أصلا لا ليكي أهل و لا عيلة واحدة نامت في نفس الأوضة مع راجل غريب أكتر من مرة ممكن تعمل أي حاجة من غير تفكير في العواقب أو الحساب، بس البنت اللي وراكي دي بنت عيلة كبيرة و متربية أحسن تربية أنتي هتكوني السبب في قتلها أدام القبيلة بتاعتها كلها، تربيتك وصلت ليكي إن كل الناس زيك و أنها ممكن تهرب من أهلها عادي، عايزك تخرسي لحد ما أشوف حل في المصيبة دي…
سم قاتل بلا رحمة ضرب بكل جزء منها و مصر على إخراج روحها من بين ضلوعها، ابتلعت تلك الغصة المريرة بذهول غير مصدقة لما تسمعه منه، نظرت بعينيها إلى عينيه بنظرات عتاب واضحة قبل أن تقول بقهر :
_ أنا متربية أحسن تربية أحسن منك أنت شخصيا و أهلي دول أشرف من إن مجرم زيك يحط اسمهم على لسانه بالخير أو بالشر، ربوا و كبروا دكتورة مش قاتل ممكن يبقى معظم ماله من الحرام، أما البنت اللي ورايا دول أهلها زيك و أسوأ منك كمان وصلوا طفلة في سن المراهقة للانتحار عشان عريس متجوز تلاتة غيرها و في عمر أبوها، أنت و أمثالك دمروا البلد بالجهل و التخلف و الجبروت اللي عايشين فيه، بس ربنا منتقم جبار…
يجبر يده للمرة الثانية على عدم ضربها، هي لم و لن تفهم ما فعلته، نيران مشتعلة بس يخشى أن تحرقها، أجابها بكلمة واحدة قبل أن تبدأ الطلقات النارية على السيارة من كل اتجاه :
_ اسكتي…
___________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سند الكبير)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!