Uncategorized

رواية تربنتينة كاملة بقلم ابتسام محمود (جميع الفصول)

 رواية تربنتينة كاملة بقلم ابتسام محمود (جميع الفصول)

رواية تربنتينه بقلم ابتسام محمود الصيري
رواية تربنتينة كاملة بقلم ابتسام محمود (جميع الفصول)

مقدمة الرواية

المقدمه
كل منا يتميز بشخصية أمام الناس… لكنه يوجد بداخله خصال بقدر ما لا تظهر أمام الجميع… مثل السادية، الحقد، الطيبة، الغباء، الجهل …. إلخ
ولكنها إن زادت عن الحد؛ تصبح فوق المألوف الطبيعي فيصبح الإنسان شاذ عن المجتمع الذي يعيش فيه، لذا يجب على كل إنسان دفن الخصال السيئة والسيطرة عليها، الخصال التي هي ضد تقاليد مجتمعنا و تعاليم ديننا؛ حتى نحيا بحياة مؤقتة كريمة بين الناس لا نضر و لا نضر… حتى ننعم بحياة أبدية في الجنة “وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون”.
هيا بنا نتعرف على بطلتنا؛ التي قابلتها بحت صدفة في هذا المجتمع المليء بالعجائب.

الحلقة الأول 

الفصل الأول
#للكاتبه ابتسام محمود الصيري
في إحدى قاعات الأفراح الفخمة، تقف فتاة تحتضن روايتها بحب، تنظر إلى كل شئ من حولها بعين غاضبة، مترددة الدخول، تحركت بخطى بطيئة تلوم نفسها التي وافقت على الحضور، حتى ترضي ولدتها، تتحرك وهي تغتال روحها لهذا الذنب الشنيع، حدثت نفسها بصوت هامس:
– كيف لي أن آتي لحضور مثل هذا الفرح اللعين؟ الذي لا ينقصه الا الخمور، كيف لي أن أغضب رب العباد بالتواجد في هذا المكان، وارتكب هذا الإثم من أجل أن أنول رضاكي يا أمي؟.. أتمنى أن يسامحني ربي، ويغفر لي هذا الخطأ.
برغم من تأنيب ضميرها، تقدمت ودلفت للداخل وهي تزفر أنفاسها بقوة، تسير برداءها الزهري الطويل، مرتدية حجابها الأبيض وبداخله ورود زهرية تزيد من جمالها، صافحت كل من في الحفل بحياء شديد، عيناها تنظر لأسفل، لم ترفعهما قط، ليس لأنها مخطئة، لكنها تغض البصر، جلست بجوار والدتها بهدوء، فأردفت والدتها بهمس، وهي تضع يدها اليسرى على ثغرها وعيناها تراقب جميع من حولها:
– ده اللي وصيتك عليه يا ايلا.
– ماما أنا خديجة مش ايلا.
أجبتها ابنتها بوقار واحترام، فرفعت والدتها مقلتيها تتفحصها بوجوم، وجزت على أسنانها، وداخل مقلتيها عتاب، لكنها أردفت بابتسامة مستعارة:
– اهلا اهلا خديجة، ماخدتش بالي.
*****
يجلس شاب بملامح مصرية، على طاولة أخرى في وسط مجموعة من الفتيات، يضحك بقوة ضحكة تبرز اسنانه اللؤلؤية، تجعل كل الفتيات من حوله يعجبون به، ظل يتبادل الحديث معهم بوقاحة يطلق عليها جراءة، نهض من مجلسه عندما رأى خديجه التي أسرته بوقارها، اقترب منها بابتسامه جذابه:
– مسا مسا على أحلى مديرة.
كان يقولها لمديرته، لكن عيناه كانت تتشبث بأبنتها، ابتسمت لهذا الموظف المشاغب دائماً مع كل من يعمل معه، لكن الجميع يتقبله ويحبه لشخصه المرح والطموح.
تحمحمت ثم زردت ريقها، بعد أن لحظت تطلعه الزائد لإبنتها تقول:
– دي بنتي عائش..
قبل أن تنتهي والدتها من حروف الاسم، وكزتها بجانب خصرها متفوه بهمس:
– خديجة يا ماما.
– احممم، بنتي خديجة.
فور ما تمعن في النظر عليها بتركيز، شرد في ملامحها الرقيقة؛ وجدها فتاة بسيطة، لاتضع أيا من لمسات التجميلية، تستر نفسها من أعين الناس، صوتها كالليل يسرق العالم بهدوئه مع شعاع القمر، بسط يده يسلم عليها، لكنها اخبرته باستحياء وهي تحرك أصابعها على بعضها بخجل:
– بعتذر لحضرتك، مش بسلم على رجالة.
ابتسم رغم احراجه أمام الجميع، ارجع شعره للخلف مرددًا بابتسامة أعجاب:
– ولا يهمك يا آنسة خديجة… آنسة صح.
– احممم، أممممم.
أجابته بدون أن ترفع عيناها نحوه، وأخرجت بالكاد صوت من حنجرتها فقط، بدون أن تفتح شفتيها، فرد عليها بفرحة:
– آنسة، وأكيد مش مخطوبة؛ لأني مش شايف دبلة في إيدك اليمين، وقلبك كمان بيقول إنه خالي، صح؟
عضت شفتها السفلى بخجل، من كثرة حديثه، جعلتها تنطلي بالون الابيض خالي من الدماء، ثم اومأت برأسها تأكد له ظنونه، قلبه تراقص من الفرحة كالطفل الصغير الذي يفرح بلعبة كان يحلم بها طوال حياته، برغم كثرة الألعاب المبعثرة أمامه في كل إنش حوله.
انسحب وهو يحمد ربه على إعطائه أجمل حورية على الأرض، ستنير حياته بالتأكيد، وعد نفسه أنه سيتغير من أجلها.
بعد فترة إنتهى الحفل، لم تتزحزح أعين زين من عليها، تراقب حراكاتها وسكناتها طوال مدة الحفل، يلاحقها أينما كانت لحظة بلحظة، وحينما وصل بيته، ظل ينادي بصياح:
– مامااااااا، دعواتك هلت على راسي، فينك يا ست الكل.
– وبعدين معاك يا ولد في الدوشة دي؟
قالتها بحنان امرأة كبيرة، ملامح وجهها أصابها الزمن بالإنكماش، لكن مازالت تبدو جميلة؛ بسبب طيبة قلبها وروحها؛ التي تربت على كل حزين يلجأ إليها.
– ابنك اخيراً هيترقى من ولد لعريس، عشان تعرفي بس إني مش عنيد ومش متهور ولا طايش، أنا اهو اقتنعت بكلامك معايا الصبح.
ضاقت عين ولدته باستغراب، أكمل حديثه بتوضيح، وهو يضع كف يده خلف ظهرها المنحي قليلا، قائلا بمزاح، بتقليد صوت أمه العجوز:
– عايزني أبطل أقول يا ولد؛ يبقى لازم تترقى وتتجوز.
ثم أزاد بجديه وهو يسمك يداها التي تخللتها خطوط الزمن:
– وده طبعا لما لقيت بنت الحلال اللي تناسبني وتناسبك.
جحظت عيناها وفتحت فاها متحدثة بفرحة عارمة:
– هتتجوز !
هبطت دموعها، وهي تفتح ذراعيها بحنان، رمى رأسه على صدرها الدافئ يخبرها وهو يمسح دموعها:
– بكره هنروح نتقدم لأجمل وأرق بنت في العالم كله، كنت فاكر كل البنات شمال، بس الحمدلله يا أمي ربنا بعت ليا بنت أخلاق ورقة وجمال، كل حاجة حلوة فيها، فرحتي بيها متتوصفش.
ربتت على ظهره وهي تبتسم ابتسامه ذو مغزه، رفع رأسه من حضنها، فأبلغته بلوم:
– بس أفتكر اللي كنت بتعمله في بنات الناس مكنش شوية.
– أمي أنا مضربتش واحدة على ايدها.
قالها باقتناع وكان يفتح يده في الهواء، ويرفع حاجبه الأيمن بتبرير، أجابته بهدوء مخادع وهي تتحسس ذقنه بيدها اليسره:
– الغاية… لا تبرر الوسيلة، أما كل ولد يعمل زيك، تقدر تقول نجيب لسيادتكم منين بنات أخلاق واحترام؟! ولا ساعتها نفصلهم بالسنتي.
احتدت ملامحه بغضب لفظاظة حديثها:
– أمي !! بلاش نتكلم في الماضي، أنا هخطب بكرة، وفي أقرب وقت هتجوز.
– ربنا يسعدك يابني، بس قلبي مش مطمن.
– لا عايزه يطمن ويرتاح كمان؛ لأن دعواتك يا ست الكل بتلازمني دايما.
ربتت على كتفه وذهبت تحضر له العشاء
****
مضى قمر البارحة، وأشرقت شمس اليوم بخيوطها الذهبية الخلابة، ذهب زين إلى عمله بوجه سعيد، عندما وصل إلى مقر عمله دخل إلى مكتب مديرته، والدة خديجة قائلا بمشاكسة:
– مديرتنا الغالية الكبيرة أووي أووي، ومشرفانا في كل حته، كنتي إمبارح زي القمر، بنات الفرح كله كانت هتتجنن منك.
نزعت نظارتها الطبية، وتركت قلمها على مكتبها، ورمقته بعبوس مصطنع تخبره:
– زين واضح أوي أن ورا كل المقدمة دي طلب، اتفضل قول… ولا أقولك أنا، خالك اللي اصلا مش عندك من الأساس مات للمرة الألف ولازم تحضر الدفنه صح، ولا مخلصتش شغلك ومحتاجني إني مطلبش منك النهاردة اي تقرير.
أطلق عنان ضحكاته المشاغبة، وهو يهز رأسه يمينا ويسارًا ويبلغها بتوضيح وهو يمسح طرف أنفه:
– بنتك.
– نعم يا خويا!
قالتها بحده وهي تقف وتضع كلتا يداها على مكتبها بقوة، أجابها بتوضيح:
– أقصد عايز أخطب بنتك.
– اها الكلام على كده، يبقى حضرتك تشرف البيت وتتكلم مع أبوها، تمام.
بعد ما انتهت مما تفوهت به، حدقت عيناها بصدمة:
– بنتي!! مين فيهم؟
– خديجه يا مديرة.
تحمحمت وهي تحاول تخرج صوتها، بقول:
– تمام.
– تمام واحده بس، ده تماااااامات كتير اووي.
وقبل أن ينصرف، أخذ منها ميعاد في الثامنة مساءً، وفي الوقت بالتمام، يقف هو وأمه أمام أعتاب منزلهم يقرع على الباب، نهض والدها يفتح لهما، وبداخل صدره قلق وتوتر، وبعد التصافح دخلوا يجلسون، عرفه بنفسه وقام بالتقدم لخديجه، كان الأب حالته على ما لا يرام، فلاحظ الضيوف تصبب حبيبات عرقه، وتهتهته في الحديث، لكنهما تجاهلا الوضع، المسيطر على والدها واختها الكبيرة ايضاً ، بعد نقاشات كثيرة قامت الأم تأخذ رأي ابنتها في الجواز من زين، وتطلب منها أن تسلم على والدته، فتقول خديجة وهي تلعب بأناملها بإحراج:
– موافقة عليه مادام بابا موافق، لكن أطلع وأسلم ده مستحيل.
تأففت من عنادها وإصرارها على ماتفكر به، فتحاول إقناعها:
– يابنتي بلاش تتعبي قلبي معاكي، زين هيبقى جوزك.
– إيه اللي بتقوليه ده، لايمكن طبعاً اطلع، وعشان يكون في إعتباركم، معنديش خطوبة والكلام الفارغ ده، جواز على طول.
– جواز !!
رفعت رأسها كالملكه بشموخ وقالت بتأكيد:
– أيوة جواز.
خرجت من غرفتها تمسك رأسها؛ يكاد أن يكون وضع بداخلها قنبلة نووية سوف تدمرها إرباً، تنظر للجميع وهي ترسم ابتسامة مستعارة تبلغهم:
– هي موافقة ؛ بس بنتي عندها تحفظ ديني شوية، وطالبة جواز على طول.
أسارير الفرحة لمعت في عين زين ووالدته، فيرد بسعادة:
– طبعاً موافق، شوفوا المعاد اللي يناسب حضراتكم.
– خليها في حدود شهر.
نكزت والدة العروس زوجها، تخبره بصوت مهموس:
– شهر إيه ! إحنا ناقصين فضايح.
ثم نهضت على الفور تمسك كتاب سرقته في الصباح من غرفة ابنتها ونظرت عليه نظرة سريعة، ثم رجعت تجلس مكانها، تردف بصوت يسمعه الحاضرون:
– خليها بعد ١٥ يوم كده هيبقى معاد مناسب ليها جدا.
بعد الخوض في جميع التفاصيل رحل زين ووالدته إلى منزلهما، قائلة أمه بتعجب:
– غريبة، أول مره أشوف حد يجوز بنته بالسرعة دي، دي حتى البت مطلعتش تسلم علينا.
– أكيد مكسوفة يا أمي، هي متدينة جدا، ولما تشوفيها هتحبيها، وأكيد الجواز بسرعة من واحد وقح زيى أكيد أفضل من الخطوبة.
قال أخر جملة وهو يضحك بقوة، لوت شفتيها لليمين واليسار بسخرية “أيوه زي ما عملتوا كده بالظبط”:
– طبعاً، ده أنت ممكن تفقدها التزامها، وتبخر كلام ربنا من عقلها، وترجع تقول، اووو طلعت زيهم مستحيل اتجوز واحدة سلمت نفسها ليا.
أطلق عنان ضحكاته من قلبه مرددا بمكر:
– والله أنا غلبان، وفكرتك عني غلط في غلط، واهو ربنا تاب عليا بفضل دعواتك.
– ربنا يصلح حالك يابني، سبني بقى أقوم أكتب كل لوازم الفرح.
مسك يدها يسألها، بعد أن شرد بعقله كالطيور المهاجرة التى تسافر مسافات بعيدة ولا تقف ابدا:
– الغريب اللي هموت وأعرفه، ليه أمها بصت في كتاب وبعدها قالت لينا ميعاد الفرح.
تبسمت وهي تضع يدها على شفتها بإحراج قائلة:
– يادي الكسوف، بس يا ولد هتفهم بعدين.
– والله ماهسيبك، حتى لمحي أنا زي إبنك برضو.
– أكيد مسجلة فيه ميعاد ميعاد… يادي العيب، أبعد عني يا قليل الأدب، بكره هتبقى مراتك وتبقى تعرف اللي عايزه تعرفه منها.
قالتها بتلعثمت وهي تفكر كيف تقول له، فرد عليها بجرائه:
– قصدك يعني العذر الشهري.
القت عليه وسادة صغيرة وذهبت من أمامه .
جلس بأريحية يفتح فاهه بابتسامة محدثا نفسه:
– أهم شئ تبقى ليلة بيضة وبفيونكة من أول يوم.

الحلقة الثانية 

الفصل الثاني
#الكاتبه ابتسام محمود الصيري
مرت الأيام كالسهم، خديجة مصرة على رأيها، لم تخرج لتقابله، وكل هذا يزيد في اشتعال رغبته الرجوليه نحوها، وفي نفس الوقت يمدح نفسه على اختيارها.
كانت أمه تجلس معها ويتحدثون مع بعضهما لبعض كثيرا، حتى خطفت قلب والدته أيضا.
وفي ذات يوم قامت خديجة تبحث داخل غرفتها عن روايتها؛ التي انشغلت عنها من يوم تقدم زين لها، لكنها لم تعثر عليها،كأنها تبحث عن أبره في كوم قش، بعد فقدان الأمل توجهت إلى والدتها تقول بتساؤل :
– ماما، رواية “إلى الله أقرب” كانت في أوضتى، ومش لقياها، تعرفي مكانها؟!
أغمضت عينيها بنفاد صبر، وردت عليها باقتضاب:
– لا.
تأففت وهي تتطلع المطبخ تبحث عنها قائلة:
– ماما لو سمحتي دوري معايا، عايزة أخلصها قبل ما اتجوز.
– يا عائشة ولا خديجة أنتي، متصدعنيش روحي دوري عليها بره براحتك .
قالت كلامها ثم رحلت من أمام وجهها.
لم‏ تيأس خديجة وظلت تبحث عنها حتى وجدتها يبتلعها مقعد ضخم بداخله، تهلل وجهها فرحًا، دخلت غرفتها ذات الأثاث الهادئ المرتب، أطفأت الأنوار واضاءت نور صغير، واستلقت على أريكتها المفضلة تقرأ بتمعن وتركيز، كل كلمة تمس قلبها، وتسيطر على عقلها، مرت ساعات كثيرة وهي تغرق داخل أعماق أحداث روايتها، وأعلن القمر انسحابه بهدوء، أمام بزوغ الضوء الخافت الذي يكاد أن يأمن للشمس طريقها؛ التي تشرق بمولد يوم جديد، استيقظت والدتها جهزت طعام الإفطار، والجميع جالسون في اماكنهم ماعدا ابنتها، القلق سيطر عليها، فتقول وهي تمشط بعينها الصاله:
– محدش شاف زينه.
– يالهووووي عليكى، خديجة خديجة.
قالتها أختها سينا، وهي تولول، أغمضت والدتهما عينيها بنفاذ صبر، وتجيبها بضيق ظاهر:
– أي حاجة يا زفتة، المهم هي فين؟
– في الأوضة بتاعتها بتقرأ رواية.
– رواية!!! يالهوي يالهوي.
انتفضت من مكانها عندما أجابتها سينا وهي تتناول الطعام، ذهبت مهرولة متجهه إلى غرفة خديجة تفتح الباب بعصبية قائلة:
– أنا مش عارفة آخرة الروايات اللي بتقريها دي، حرام عليكي ارحمي نفسك الروايات أكلت دماغك.
– ماما عايزه حاجه مني؟
أجابتها بهدوء ورزانه، فأطلقت ولدتها الكلام كالسهم:
– سيبي الزفت اللي في إيدك .
– ماما نفسي أفهم هوايتي مزعلاكي ليه؟! لو حضرتك محتاجة حاجة اتفضلي قولي.
وضعت يدها أعلى رأسها؛ حتى تهدئ نفسها، ثم تقول:
– اه محتاجة فرحك بعد بكرة، ممكن تقومي ننجز شوية حاجات؟
– حاضر، بس أنا باقي صفحتين وأخلص الرواية، ممكن لما أخلصها أجيلك ؟
جحظت عيناها بدهشة قائلة:
– أنتى يا مفترية لحقتي تخلصي الكتاب.
ثم اقتربت منها تأخذ الكتاب من يدها و تبلغها بحدة:
– الكتاب ده مش هتشوفيه تاني، اخلصي نشوف اللي ورانا، أنتي لو بتذاكري زي ما بتقري، كان زمانك من الأوائل.
– ماما ممكن تهدي، ولو القراية مضايقكي اووي أنا مش هقرأ تاني، أنا بتاعتك وملك إيدك لحد ما عريسي ياخدني، أصل مقدرش على زعلك ولا غضبك مني يا ست الكل.
قالت خديجة كلماتها وهي تقترب منها تحضنها بقوة، ربتت على ظهرها بحنان:
– ربنا ميحرمني من عقلك، ولا كلامك اللي بينقط شهد، يلا يا حلوه قدامي.
أخذ الكتاب من بين يدها بابتسامه مشاغبه وتحرك رأسها لليسار وهي تهزها بالموافقه، ثم وضعت روايتها داخل حقيبة يدها المفضلة، وظلت لا تفارق والدتها وأختها حتى أتى موعد الزفاف، الذي أصرت على أن يكون داخل دار مناسبات بأحد الجوامع الشهيرة، طلت بفستانها الأبيض كالفراشة الودودة التي تخطف أنظار الجميع، برغم بساطة جمالها الخالي من أدوات التجميل، كانت ابتسامتها لا تفارق وجهها، وعندما جاء موعد كتب الكتاب، قال والدها:
– أكتب يا مولانا مؤخر صداق مليون جنيه.
حدقت والدة زين عيناها بصدمة وهي تبلغ إبنها:
– مليون إيه يا ولد اللي بيقول عليه؟!
ابتسم بحب وهو يتطلع أميرة قلبه:
– إنشالله عشرين مليون، أن مش ناوي اطلق مهما يحصل.
– حلو أووي اكتب يا مولانا زي ما قال.
قالها والدها الذي ما انفك أن اقتنص ما تفوه به، فجحظت أعين الحاضرين حتى المأذون الذي قال:
– عشرين مليوووووون جنيه! أنت متأكد يابني؟
اومأ برأسه زين وعيناه تبحلق بخديجة، وفجأة أفاق وهم يسجلون أسمائهم بالعقد، زوى ما بين حاجبيه باستغراب وهو يقول:
– أيلا مين اللي بيتكتب كتابي عليها يا جدعان، أنا عايز اتجوز خديجة.
– قلبي كان حاسس فيه لعبة من الأول ، أحمدك يارب إن الحقيقة اتكشفت قبل ما تدلق شبه الجردل.
قالتها والدة زين؛ التي تستشيط غضبا من ابنها الذي يوافق على كل شئ، فأخبرتها والدة خديجة بتلعثم:
– أيلا هي خديجة يا جماعة متقلقوش.
– أُمال.
قالها زين المندهش، فأبلغته بتوضيح أكثر:
– هي بتحب اسم خديجة أكتر، لأنها بتحب ستنا خديجة عليها السلام، صح يا خديجة.
هزت خديجة رأسها وعلى وجهها ابتسامة صافية.
– وماله أيلا، خديجة، مش فارق معايا الأسم ، المهم الشخصية اللي قدامي دى اللي هتجوزها.
– طبعا.
هكذا كان رد والدها، فأكدت والدتها ب:
– أُمال.
نهض زين أمسك يداها لأول مره بعد كتب الكتاب، شعر بملمسهما كملمس الأطفال الناعم، ثم نظر لسحر عيناها اللتان سرقته لعالم آخر من أول ثانية.
وبعد انتهاء مراسم الزفاف الإسلامي، أنصرف العروسين إلى عش الزوجية، انصبغت وجنتاها عقب دلوفهما باب المنزل بحمرة الخجل، توجهت إلى غرفتها بدون أن تنظر إليه، أو حتى تتحدث معه، فقال وهي تغلق الباب خلفها:
– وانتي من أهله يا قلبي.
أصبح يتحرك كبندول الساعة إيابا وذهابا، واوقاتا يترك عند باب الحجرة، لأنها ترد بقليل من الكلام ولا تسمح لنفسها بفرصة التعرف عليه، مر يوم، يومان، ثلاثة، ولا زال الوضع كما هو، جعلت “الفأر يلعب داخل صدره” وبدأ شيطانه يصور له الكثير، اعتلاه الغضب من كثرة التحجج وهروبها منه، عزم المواجهة والتحدث معها؛ حتى يتجرد من كل شكوكه، نهض يقرع الباب بهدوء على عكس ما بداخله:
– ممكن تفتحي نتكلم؟
– عايز ايه؟
قبض معصم يده الأيسر بقوة، وهو يكتم أنفاس غضبه الحارقة، أجابها بغموض مريب:
– ما أنا قلت… مش إشكال…. أقول تاني، عايز نتكلم مع بعض.
تتعتعت وهي تقول:
– ات فضل.
انفجرت نيرانه، اردف ببعض من فيضان الغضب، الذي بدأ يسري داخل عقله، ويسكن صدره:
– لا بقى دي مش عيشة، افتحي الباب.
– اتفضل قول اللي عندك.
حاولت ضبط أنفاسها المرتبكة وهي تجيبه، من كثرة خوفها من نبرة صوته، فأبلغها بوجوم:
– طيب افتحي بقى… لكسر الباب على راسك.
اصابها الهلع، ففتحت الباب جزء صغير، فدفعه بيده ودخل، انتفض جسدها وهي تقول:
– اتفضل قول… عايز تقول ايه؟
رمقها بوقاحة وهو يضع يده على خصرها الصغير يجذبها إلى جسده القوي الضخم بالنسبه لها:
– عايز نكون زي اي حد لبس فيونكه وعرسته لبست فستان أبيض.
ابتلعت لعابها، وهي تحاول الإفلات من بين برثان يده بهلع:
– أيوه إزاي يعني؟
لم تقدر على إبعاد يده المتمسكة بها كالطفل المتمسك بلعبته الجديدة، وظل يتطلعها ولم يعطها ردا، فأعادة بتلعثم واضطراب:
– ما تتفضل قول…
أجاب بهدوء مخادع يشبه مكر أوس:
– لا ما هو يوم زي ده بنقلل من الكلام… وبنكتر من الأفعال.
صفعته على وجهه من شدة فظاظة كلماته بالنسبة لها وتقول بحدة:
– اطلع بره.
بسرعة البرق وبدون تفكير منه، أمسك ذراعيها معاً يهزهما بعنف وبكل غضبه المشحون الذي كان يكتمه داخل صدره، أطلق صراح كلماته كالطلقات، الذي خرجت من رشاش متعدد به مئات طلقه كلهم بنفس القوة، فأصابت الهدف بلا شك من لذعاتها:
– ماكونش أنا صايع على بنات مصر كلها، وأنتي تيجى دلوقتي، تقوليلي أطلع بره، بنت أنتى لو طلع اللي في دماغي صح، هطلع عليكى البلا، وهخليكى تكرهي أنك جيتي على وش الدنيا.
توقعاتكم❤️

الحلقة الثالثة

الفصل الثالث
#الكاتبه ابتسام محمود الصيري
جحظت عيناها من صعوبة كلماته، فتحت ثغرها تخبره بصدمة:
– انت بتقول ايه! احترم نفسك يا حيوان، اوعى تكون فاكر عشان انت زبالة فالكل شبهك، انا الحمدلله صاغ سليم.
تركها وهو يتفحص جسدها بشهوة، ويعلن بهدوء مريب:
– حلو أووي وريني بقى الصاغ.. وأنا اللي أقرر.
– أنت فعلا إنسان همجي، طلقني.
أجابته وهي تحاول الإبتعاد عنه بالرجوع للخلف، وتضع يداها حول جسدها، فيرجع لثورته الذي كان عليها وهو يقول كالثور الهائج:
– انتى هبلة في نفوخك، ولا فاكرة نفسك هتعرفي تقرطسيني.
– ولا ده ولا ده.
أجابته بسذاجة قبل أن تتخطاه وتخرج هاربة إلى حجرة أخرى، وأكملت حديثها كالمهرة الهائجة قبل أن تغلق باب الغرفة بإحكام :
– المشكلة فيك أنت يا مريض.
رفع حاجبيه بدهشة، ثم زفر أنفاسه وهو يقبض يده ويخرج غضبه بالحائط.
حينما أغلقت الباب، أرادت تحطيم كل شئ، لكن عيناها وقعت على كتب مرصوصة بإتقان، اقتربت من الكتب تشفي غليلها بالقراءة، أمسكت ثلاثتهم، ظلت تقلب صفحاتهم؛ حتى أخذها فضولها أن تقرأ رواية من نوع جديد جدا عليها، لم تفكر أن تقرأ رواية مثل هذا النوع من قبل، جلست تفتح صفحاتها وفضولها سرق وعيها داخل أحداثها، وظلت تقرأ صفحة تلو الأخرى، حتى اندمجت معاها وأصبحت فوق سحابة تشاهد كل ما بداخلها أمام عيناها بصورة “ثري دي”، وفجأة تسمع صوت زوجها المتأجج المشتعل يهمهم ببعض الكلامات باستشاطة مفرطة، وضعت حجابها وفتحت الباب دون أن تصدر أي صوت، واقتربت منه بخطوات نملة متوجهة تحت أرجل فرس بري هائج رأته يرمي كل الوسادات و الأشياء التي أمامه وبجانبه، لم يشعر بوجود من خلفه، بسبب خطواتها التي كانت تربت على الأرض بحنان، حتى اطلقت صراح ضحكاتها الرنانة من منظر غضبه الذي يشبه غضب الأطفال، فنظر إليها:
– إيه عجبك المشهد؟
– جدا
– طيب تحبي أعملك فيديو إتش دي؛ عشان تحتفظي بيه ونشوف دايما ضحكتك.
جلست بأريحية وهي تهز رأسها وعلى شفتيها ابتسامه، ضحكاتها وملامحه الرقيقه أرجعت روحه المرحه، ابتسم بخبث مشاكس وهو يردف:
-لا واضح ان الاوضة دي سرها باتع وهواكي جه عليها.
أومأت برأسها وهي ترفع حاجبها وتعض شفتها السفلى، وقف قبالتها وأردف وهو يضع يده على وجنتها:
-يعنى ينفع اللي حصل من شوية.
هزت رأسها يميا ويسارا بلا، فقال وهو يحرك أنامله حول جسدها، يعزف سنفونية جديدة قام بتلحينها للتو على أوتار لم تمس من قبل:
– طيب ما انتى حلوة أهو، كان إيه لزومه وجع القلب اللي كان من شوية.
لوت شفتيها بدلال مدروس، رد بتهكم وهو يقف مستقيما يخبرها باعتذار:
– بعتذر عن اسلوبي معاكي من شوية اتمنى انك تنسي اللي حصل.
أومأت برأسها وهي تضحك بميوعة، مال عليها يحملها وخطا خطواته اتجاه غرفته المظلمة؛ التي لا يكاد من ظلمتها أن يرى أصابع يده متحمسا، لا يجد وقتا لإضاءة مصباح؛ حتى ينعم بنوع جديد من الفتيات الخجولات؛ التي لم يمر عليهم قطار شبابه من قبل، ولينعم بحياة جديدة بشرع الله عز وجل.
مضى الوقت لا يعلمون كم من الساعات والدقائق قد مر، وضعت رأسها على صدره العريض، حيث وقع نظرها على روايتها الموضوعة على الوسادة جانب رأسه، مدت يدها تناولتها وقرأت منها صفحة واحدة تنظف خيالها من كلمات الرواية التي قرأتها من بضع ساعات؛ حتى سحبتها مقلتيها إلى نوم عميق، استيقظت على من يضع يده على وجنتها اليسرى بحنان قائلا بهمس:
– صباحية مباركة يا قمر، عايزك تخلصي كل الأكل ده عشان نجهز الشنط ونلحق الطيارة.
– صباح النور، هو احنا هنسافر؟
– هوديكى مكان تنسي نفسك فيه.
ابتسمت وهي تنهض، فوضع يده على خصرها:
– تؤتؤ، هتروحي فين وتسيبي اكلك؟
– هدخل اخد شور عشان أجهز الحاجة.
– متشغليش بالك بحاجة يا قمر، كلي وانا هحضر كل حاجة بنفسي، وأهو بالمرة أختار الهدوم اللي هتلبسيها بمزاجي.
قالها وهو يغمز لها بوقاحة، نظرت للأسفل بكسوف، أشار لها قبل أن ينهض أن تأكل طعامها، ثم ذهب لتجهيز الأغراض، بعد أن تناولت وجبة فطورها قامت بأخذ حمام دافئ وعندما خرجت وجدته قد قام بتجهيز كل شئ، أمسكت كتابها ونظرت فوجدت أنه لايوجد به غير صفحة واحدة متبقية من صفحاته، فشرد ذهنها إلى الرواية التي قرأتها بالأمس، التي لازالت تتأثر بكلماتها، فتوجهت إلى الغرفة المقابلة أخذتها ووضعتها داخل حقيبتها بجوار روايتها، انصرف العروسان سويا إلى المطار بين كلماته الجريئة ، ونظراتها الخجولة ، حتى استقلا الطائرة وأمسكت روايتها؛ التي ما لبثت أن قرأت من صفحتها الأخيرة حتى النصف، أخذها من بين يديها يتناقش معها فيما يخص حياتهما المستقبلية، كانت ترد عليه بهمسات وبكلمات بسيطة؛ استقرت الطائرة مطار شرم الشيخ.
ذهبا إلى الفندق ودخلا غرفتهما يتسامران ويضحكان، واندمجت معه في الحديث حتى قال لها:
– ممكن تلبسي البكيني ده.
دق قلبها بسرعة من فرط خجلها، وتدفق الدماء إلى وجنتيها، ثم خفضت بصرها إلى الأرض، وضع أنامله أسفل ذقنها يرفع رأسها قائلا:
– إيه لزوم الكسوف ده كله، هو حد هيشوفك غيري.
– زين لو سمحت ممكن متتكلمش في الموضوع ده.
– لا أفهم فين المشكلة من إني أطلب من مراتي تلبس بكيني ليا؟!
قالها وعلى شفتيه شبه ابتسامة، منتظر أن تجيب عليه، لكنها فضلت صمتت وهي تغمض عيناها وتجز على أسنانها، فأردف هو:
– اوعي ترجعي لحالة الصمت والكلام الفارغ بتاعك ابوس ايدك… لو سمحتى اتكلمي وفهميني؟
– المشكلة جوه دماغك، وبتفتكر أن العالم كله شبهك.
لم يتوقع انها ترجع لحالة ثورتها، تماسك وتماثل بالبرود وهو يربع يده فوق صدره يبلغها:
– مالها دماغي يا ست الحاجة.
– شمال.
اجبته بدون احتياج لتفكير، فهي لم تتعود على هذا الكلام، ولم تخبرها ولدتها على كل عذا حلالا لزوجها، هز رأسه بهدوء وهو يرمش بعينه ويقول:
– ايه علاقة دماغي دلوقتي باللي بقولهولك.
-على فكرة لو فضلت تطلب مني حاجات قليلة الأدب هقول لماما وهطلق.
قالتها بملامح غاضبه حمراء، فلوح لها بيده قائل:
-بصي أنا عايزك تقولي لأمك، أصل بصراحة عندي شوية دم ومحروج اكلمها بنفسي، ها تحبي اطلبلك الرقم ولا تطلبيه انتى.
أشارة بالسبابه نحو الباب تقول:
-اطلع بره.
– هو انا هطلع من الجنة، سايبلك السويت كله تتمرمغي فيه براحتك، أوعي تقلعي الطرحة للميكروييف يشوف شعرك.
– اطلللللع.
صرخت وهي تقول حروفها، فابلغها بهدوء ومسكنه وهو يضع يده على صدره:
– أنا الحق عليا اللي بوعيكى.
– بره بره.
عوج شفته بسخرية، وتركها وهو يغلق الباب خلفه بقوة، جعلت أركان الفندق تهتز مع قلبها البكر، فهي فتاة ليست لديها أي خبرات بالحياة، تحتاج التناقش معها بهدوء؛ حتى تقتنع بالأمور، ليس بلوي الذراع والحدة.
فكرت كثيرا فينا صدر منها، اقتنعت أنها مخطئه، قامت حتى تنزول وهمت أن تعتذر عن ما بدر منها نحوه دون قصد، لكنها حينما اقتربت منه، رأته يتحدث مع فتاة وسمعته يشكو للفتاة منها، ولم يكتفي بهذا، بل سمعته يسترسل في الحديث يتذكر معها الليالي الحمراء؛ التي كانا يقضيانها سويا بعقد عرفي، لطمت على وجهها وصعدت راكضة إلى غرفتها تبكي بحرقة، فلم تجد غير صديقتها تشكو لها عبر الهاتف بدأت حديثها بالنحيب:
– جوزي طلع سافل وبيطلب مني حاجات عيب ولما رفضت نزل قابل واحدة يشكيلها مني، وقال ايه، طلع كان متجوزها عرفي، أعمل إيه يا سهى في الحيوان ده.
كانت سهى تقف بين عملائها في العمل، غطت وجهها بكسوف وقالت بهمس بعد أن تحمحمت:
– زي ايه؟
– عايزني انا البس بكينى، متخيلة وقاحته وقلة أدبه.
دق جرس الغضب داخل عقل سهى، وقالت من تحت أضراسها:
– اقفلي معايا شغل، ربع ساعة وأكلمك.
أغلقت خديجة الهاتف تحدث نفسها وتبكي بضيق، لم تجد شئ تخرج به غضبها إلا حقيبتها، أمسكتها بغيظ، ثم قذفتها على الأرض، فوقعت عيناها على الكتب التي تناثرت منها، نهضت لتمسك الرواية التي سبق وأن قرأت منها عدة صفحات، حتى هدأت نوعا ما، وتعمقت داخل الرواية، أفاقت على صوت رنين هاتفها أمسكته ثم ضغط على زر الإجابة وتسمع صديقتها التي تقول:
– أول بعتذرلك لأني كان معايا عملاء، وثانيا بقى تعاليلي هنا، كل الفرح ده عشان جابلك حتة بكينى وطلب منك تلبسيه ياللي تتوكسي، ما تلبسي أمه ياختى واسعدي جوزك، حد يلاقى دلع وهنا وميدلعش انتى اللي زيك حلال فيه جوزي؛ اللي عمره مفكر يجيبلي قلم جاف حتى، بصي يا قلبي إلهي تتوكسي أكتر ما إنتي موكوسة.
كانت عيناها محدقه بالحائط وفي حالة ذهول، أغلقت الخط بوجه صديقتها، ورمقت الهاتف بوجوم، ثم تحول نظرها إلى ما تمسكه بين يديها، طوتها وهي تميل تأخذ حقيبتها وتضع الرواية داخلها، وتمسك “البكينى” سبب كل هذه المشاكل، بدأت تتحرر من ثيابها، وترتديه وتلبس عليه شال شفاف، وتضع على شفتيها ووجنتيها بعض لمسات من مساحيق التجميل ولأول مره، وبعد الانتهاء من كل شئ تفعله حدقت نفسها بالصورة المعكوسة لذاتها، وتأكدت أنه لا ينقصها أي شئ، تقدمت نحو باب الغرفة تفتحه وتتبختر بخطوات أنثى واثقة من نفسها، نظرت لتجد زوجها لكن لفت نظرها بعض الشبان يلعبون كرة يد، فدخلت لعبت معهم بمهارة جعلت كل من يستقر الشاطئ ينظر إليها؛ حتى زوج الغفلة، الذي أنزل نظارته الشمسية يتفحص تضاريس جسدها من الخلف، قام على الفور تقدم نحوها لينضم لفريقها يلعب معها وهو يتغزل رشاقتها وجمال جسدها.
توقعاتكم ❤️

الحلقة الرابعة

الفصل الرابع
#للكاتبه ابتسام محمود الصيري
وحينما انتهى من اللعب، التفت ينظر على وجهها بابتسامة:
– مش مصدق عيني، والله بقالي نص ساعة بكذب نفسي، وبقول استحالة إن القمر يطلع الصبح.
قلعت نظارتها الشمسية التي تكاد أن تبتلع نصف وجهها، ثم وضعت يدها اليسرى على خصره ترمقه بعينها لتصيب عينه، وتجيبه بإنهاك:
– طب وكده صدقت.
ركز ببصره يتفحص تلك الملامح الكامنة تحت ستائر مساحيق التجميل، يكذب الصوت الذي تسمعه أذنه، إنه صوت زوجته التي لم يراها دون الحجاب من قبل وفي تلك اللحظة ضم حاجبيه بدهشة، وانهار جبل ثقته بها، أمسك يدها بضيق، ثم هاج بها صارخا:
– أنتى إزاي تنزلي كده بالزفت اللي لابساه ده من الأوضة؟!
– بيبي مقدرتش على زعلك، نزلت أصالحك بيه.
قالتها بدلع وهي تضع يداها حول رقبته، كان برودها مثل الحطب الذي يزيد تأجج النار داخله، فيقول وهو بنفس حالته:
– تصالحينى! طب أنا اللي هقولك كلمتك، أنتى شكلك تعبانه في نفوخك، في واحدة محترمة ترفض تلبس لجوزها وهما لوحدهم وتقول أنت بتقول كلام قليل الأدب، وتنزل عادي قدام الخلق تعرض جسمها، راح فين إلتزامك اللي كان من ساعة؟ اللي هو برضو كان غلط.
– هو أنت مش بيعجبك حاجة خالص.
أبلغته الجملة بعصبية مفرطة، وتركته وذهبت إلى غرفتهما.
صعد ورائها كالبركان الذي انفجر للتو، ظلا ينهرون بعضهما البعض وكل منهما يرمي اللوم والعتاب على الآخر، حتى أنهى حديثه بقول:
– أعملي حسابك هنرجع القاهرة بكره.
ثم أنصرف من أمامها، وترجل يجلس في كافيتيريا الفندق يخرج هاتفه من جيب بنطاله يحدث صاحبه، يسرد عليه ماحدث، أجابه برزانه وهدوء:
– مش ممكن تكون خام أووي ومش عارفة تتصرف إزاي وعملت كده عشان ترضيك.
رد عليه بصوت مبحوح حزين، لا يرغب في البقاء معها بعد إنهيار كل شئ داخله، حتى آماله وأحلامه، غرقت في قاع البحار المظلمة، فتتهد وقال بنبره يغلفها الحزن واليأس :
– كنت فاكر حياتي هيتصلح حالها بعد الجواز… الظاهر كده اللي عملته زمان بيطلع عليا.
– ما أنا قولتلك يا صاحبي، خاف من دعوة مظلوم وكنت بتستهر، وبصراحة أنت عملت كتير وتستاهل اللي بيجرالك.
– عايز أطلقها.
نطقها بأندفاع شديد، وقلبه ينفطر داخله، أردف صاحبه ساخراً من فعلته:
– تطلق! وأنت معاك ياللي تنشك في لسانك عشرين مليون جنيه؟
أهدى كده وفكر بالعقل، جرب أتكلم معاها، واهو تاخد عليها ثواب، وربنا يغفرلك شوية من ذنوبك الأطنان.
وضع يده يمررها علي رأسه، حتى يهدأ الثوران الذي يشتعل بداخله، ثم زفر انفاساً عاليه وقال بضيق ونبره مخنوقه :
– يا محمد أصعب حاجة الواحد يتعامل مع واحدة غشيمة.
– عارف بس جرب.
– طب لو محصلش.
– ندخل على الخطة التانية.
– واللي هي أية ياناصح؟
– هتعرفها في وقتها.
******
كانت تجلس خديجة على أرضية الشرفة، تنظر إلى القمر الذي كان يسحب خيوط ضوئه، عندما انتهت من آخر سطور روايتها “إلى الله أقرب” أمسكت الهاتف تحدث زوجها تسأل عنه، لكنه لم يجيبها وألقى الهاتف بغضب فور ظهور إسمها على الشاشة، نهضت تصلي فرضها قبل شروق الشمس، وظلت تجلس على سجادتها تدعو الله وتستغفره.
نظر زين على الساعة وجده الوقت المناسب للصعود إليها؛ حتى يرحلون من هذا المكان الذي تلفت فيه أخلاق زوجته الملتزمة، فتح باب الغرفة وجدها ترتدي ملابسها الفضفاضة وتجلس تدعو الله لها و له، دخل قلبه السرور والحب من جديد، وجلس بجوارها يقول بهدوء والدموع تلمع بعينيه:
– إوعي تعملي كده تاني.
نظرت إليه باستحياء قائلة:
– وأنت إوعى تزعقلي كده تاني، فهمني غلطي بشويش.
– معلش يا قلبى والله مقدرتش أمسك نفسي.
– خلاص إنسى، صافي؟
– صافي مين دي كمان؟!
ضحكت بصوتها الرنان، ضحكتها؛ التي سحرته، وقالت :
– صافي يالبن، مش عارفها.
– اااه، حليب ياقشطة أنت.
قالها وهو يضع يده حول خصرها مبتسما، ثم يمسك حقيبتهما، ورحلا من المكان، عقب وصولهما المنزل، أدخلها البيت واطمئن عليها ونزل ليلاقي صديقه، لم تجد شيئا تفعله فتذكرت الرواية ؛ التي أخذتها من على أرفف مكتبه، قامت بالبحث عنها داخل حقيبتها وبدأت في قراءتها بصوتها جهرًا حتى تستمتع بقراءتها أكثر، الجمل التي تتكون عقب الكلمات التي تخرج من ثغرها بمثابة رصاصات حية من سلاح حديث، تخرج تعرف لتصيب الهدف بدقة بالغة، تصيب قلبها المستهدف بقوة، لم تأخذ وقت طويل في قراءتها ونهضت تحدث زوجها لتعرف مكانه، أجابها بدون تردد وانتظرها حتى تصل، واندمج في الحديث مع صديقه، لفت إنتباه محمد فتاة ممشوقة القوام ترتدي ثياب جلدي يبرز تفاصيل جسدها، تضع مساحيق التجميل بكثرة، تحمحم أثناء اقترابها منهما، استدار زين يشاهد ما تتطلع عليه عيون صديقه، فوجدها كالنهر الذي يفيض من كثرة ماءه، نعم هي تفيض أنهار أنثوتها الطاغية على أعين الناظرين جميعهم، سحبت كرسي لتجلس عليه، لتصبح ثلاثتهم على نفس الطاولة، تقول وهي تمضغ علكة وتلف خصلة من شعرها حول سبابتها اليمنى، وترفع حاجبها:
– شكلنا مابقيناش قد المقام.
– لو إنتى مش قد المقام، يا قمر هيكون مين؟
رد عليها وهو يأكلها بعينة العسلية، إقتربت بنصفها العلوي عليه تخبره:
– كل بعقلي حلاوة يا ولا، أمال بتبص على غيري، وبتتجوز ليه؟
قالت آخر جملة وهي تهز كتفيها بحركة لا إرادية جعلت نهديها يهتزان على إثرها، فنظر زين عليهما، فوضعت أناملها تحت ذقنه تبلغه وهي ترفع وجهه إلى وجهها:
– عينك ياعينا لمها شويه، هتتخرق جوه، بصلي كده ورد أتجوزت عليا ليه؟
– عين فارغة وهبل.
قالها وهو يركز النظر على ساقها الأيمن، لكن فجأة قام مفزوعا، كالذي لدغته أفعى سامة، أمسك ذراعها لتنهض ويجرها خلفه وعلى وجهه ضجر، قالت وهي تتألم بدلع ودلال:
– آه آه إيدي.
إلتفت إليها بأنفاس متقاطعة، و صفعها على وجهها؛ حتى يخرسها ولا ينفجر أمام الجميع، كان محمد يجري خلفه حتى يخلص المسكينة من براثن الوحش، لكن زين منعه أن يقترب ونهره بقوة عندما رفض الابتعاد، صعد سيارته بعد أن ألقاها داخلها، عدلت جلستها وهي تظبط هندامها الذي أصبح مبعثرا، رمقها بنظرات حارقة وهو يتحرك بالسيارة، لم تبالي لهيئته العصبية، وأخرجت قلم أحمر شفاه تمرره على شفتيها المثيرة، جعلت بركان غضبه ينفجر، فأمسك هذا القلم وألقاه خارج السيارة، نظرت عليه شزرا وأخرجت علبة لتزيين الخدود “رچاچو” تكيل منه وتضع على وجنتيها، أخذها منها بضيق، فأخرجت مسحوق يوضع فوق الجفون “ايشادو”، لكن هذا المرة أخذ حقيبتها وهو يقول بحده:
– إيه الشنطة منفدة على التسريحة؟!
وضعت أناملها على صدره تحركهم بإغراء:
– مكنتش عصبي كده يا زيزو، حصلك إيه من بعد الجواز؟!
رمقها بذهول وأردف من بين أسنانه:
– يا بنت الهرمة، اللي حصلي كله من تحت راسك.
تشير على نفسها وتمط شفتها السفلى للأمام تجيبه:
أنا ! ده حتى أنا الوحيدة اللي مقدرش على زعلك ابدا يا زيزو.
ضحك بسخرية وهو يضرب كف على كف:
– هو إنتى هتقوليلي يا طاهرة.
– حياتي أحبك وأنت حافظني، هات بوسة بقى.
قالتها وهو يقف أمام منزل الزوجية، ترجل من سيارته ثم فتح لها باب السيارة وأمسك يدها وهو يرمقها بتعجب شديد وأردف بنبرة جنونية:
– بت أنتى هتجنيني.
داخلا المنزل فتقول وهي تلوح يدها:
– ولا أجننك ولا تجنني يا دلعدي، وانجز بقى قبل ما مراتك تطب علينا.
فتح عينه كينبوع قد انفجر لتوه، ورد عليها بنبرة جديدة خالية من الهدوء:
– لا ده أنتى شكلك تربنتينة على الآخر.
– أي حاجه تطلع من شفايفك العسل دي أحبها، تعالى بقى.
قالت كلماتها وهي تقترب إليه بجرأة شديدة لم يرها حتى على أحط واحدة ممن عرفهم أو عليها من قبل، صدها عنه وقال بصوت حاد:
– إنتى واعية ومركزة، للي بتقوليه ولا شاربة حاجة؛ عشان أفهم في اليوم الملون ده.
تضحك بميوعه وتقترب منه مرة أخرى وتضع كف يدها على وجنته اليسرى تتحسس لحيته الخفيفة:
– طبعا شاربة.
– أنا بقول كده برضو.
قالها وهو يسحبها إلى المرحاض، فترد عليه وهي تسحب يدها، وتقاوم المشي معه:
– شاربة من نار حبك، ما تيجي ياولا أعرفك على المنهج الجديد.
– لا أنا حافظه وزي الفل، بس شكلك إنتي اللي هتندمي أول ما تفوقي من اللي بتقوليه.
دوت رنين ضحكاتها المكان قائلة:
– طيب يالا ونندم إحنا الإتنين سوا.
أغمض عينيه بنفاد صبر ثم رد بتهكم:
– خديجة فوقي؛ لأني مش هينفع أتكلم معاكي وانتي بالحالة دى.
أردفت بصوت “غازية” حاد تنتوي على الشجار:
– خديجة مين ياعنيه، أنا شوشو.
تجمد وجهه ثم نظر إليها بعين استغراب، حدث نفسه بصمت:
– هو ممكن الخال اللي في رجلها يخلق منه أربعين وفي نفس المكان، طب أتأكد إزاي إنها مش هي، حتى طريقة كلامها مش هي ولا نبرة صوتها، الحركات لا تمس ليها بصلة، الوش منقض عليه تنين ولا ليه معالم.
كان يحدث نفسه بصمت، لكن عينه وشفتيه ويده يعبرون عن ما يقوله داخله، وأخيرا زفر أنفاسه الحائره، ثم وضع رأسها تحت صنبور المياه؛ حتى ينهي شكوكه، لم يصدق عينه من حقيقة تلك الفتاة، فهي بالفعل خديجة، ظل صدره يعلو ويهبط بسرعة طوربيد؛ حتى قال روحي وأنت …..
لم يتجرأ على إكمال كلمته ورفع يده يفرقع سبابتيه و إبهاميه و يحرك فكيه يسارا ويمينا، وبعد لحظات، خرج من المنزل؛ حتى لا يفقد أعصابه، لكن هذه المرة أوصد باب الشقة بالمفتاح وذهب إلى منزل صديقه؛ حتى لا يجن بمفرده من كثرة التفكير، لكن صديقه عندما فتح له الباب قال:
– إيه خلصت على المزة، وافتكرت دلوقتي إن ليك صاحب؟
جلس بتعب مضني يقول:
– والنبي نقطني بسكاتك.
شعر محمد بشئ غريب من نبرات صاحبه، نهض يحضر شئ حتى يشربه، فيقول زين بتساؤل:
– إلا قولي يا محمد، هو ينفع واحدة شمال تمثل الإلتزام عشان تتجوز؟!
لم يعطيه أي رد، فتركيزه الآن منصب على القهوة التي يراقبها حتى لا تخدعه و تقوم بالفوران مثل كل مرة، لكن الذي فار هذه المرة هو زين، فنهره بقوة أفزعته جعلت القهوة تنسكب على أعين النار المسطحة، فأمسك محمد قطعة فاكهة ألقاها عليه وهو يقول:
– خضتني.
– ماتنطق هو أنا جاي أكلم نفسي.
– بص جنان مش عايز، مش أنت قلت نقطني بسكاتك
– حصل.
– مادام حصل بتوجع قلبي ليه؟!
– لما أكلمك رد، ممكن؟
– ممكن وليه لا، فهمني حصل إيه الأول؟
– أصل … أصل… طب وأنا أقولها إزاي ؟
– قول إيه اللي حصل يا عم خلص…..!
أمسك زين رابطة جأشه وقال كلماته:
أصل اللي جت الكافيه و إحنا قاعدين دي تبقى…..مراتي.
– نعم؟!
– وربنا زي ما بقولك كده.
قبض ما بين حاجبيه وأردف باستغراب:
– هي دي الفضيلة والأخلاق الرفيعة!
– أنت هتحسرني على حالي، كنت خلاص هطلقها بس افتكرت سحبة لساني يوم كتب الكتاب، كان عقلي فين ساعتها؟
– بص يا مان ولو عايز تطلقها، ميفرسشي ست غير ست زيها.
شرد بذهنه في خطة نهض يقول:
– بس لاقيتها.
وتوجه ناحية الباب ليغادر منزل صديقه، ثم أخرج هاتفه يتفق مع شخص ليقابله، بعد وقت وصل و صعد منزله، وهو يمسك يد بنت ترتدي حليه قصيرة وعليها قميص يفصل جسدها، دخل يبحث عن زوجته بعينه، لم يجدها، فدخلا يجلسون على الأريكة و بدءا يتبادلان الحديث،
تخرج خديجة على صوتهما المرتفع تقول بغضب:
– إيه ده، في البيت بتاعنا كده عادي؟!
رمقها بنظرات لا مبالاة وأبلغها ببرود:
– لو مش عاجبك إمضي إقرار تنازل عن كل حقوقك وأنا أطلقك.
طلاق ايه؟، أنا قصدي في بيتنا كل ده عادي ومن غيري اخس عليك يا ولا.
صدمته بردها الغير متوقع، قبض معصم يده، يكاد أن يتدفق الدماء من عينيه و أذنيه من كثرة الغيظ، انصرف هو والفتاة و توجه لصديقه بعد أن رحلت الفتاة، يقول بثورة:
– طلعت سافلة وعاجبها الموضوع.
أجابه بمكر ثعلب:
– لا كده ندخل على الخطة الثالثة، أعمل اي حاجة عكس مبادئها.
– والشمال دي هيكون إيه عكس مبادئها؟
– ادخلها بقى من سكت السجادة وأفضل قولها حرام وحلال هتزهق منك و تقولك طلقني.
– أنت صح بس خلينى عندك انهاردة بايت أفكرلها في حاجه لوز.
– بيتك ياصاحبي.
مر الوقت كالدهر على زين وهو يفكر في شئ حتى يجعل زوجته تطلب الطلاق بنفسها.

الحلقة الخامسة

قبيل الإنتهاء من الرواية التي تمسكها بين يديها بتملك، نظرت إلى السماء الصافية المتلألأة بها النجوم التي جذبها منظرها فغاصت في بحور جمالها، وجعلت تتأمل في قدرة الله عز وجل، لكن عندما ابتلعت السماء القمر داخل كبدها، نظرت للرواية وأردفت آخر جملة، سردها الكاتب بمهارة تمس القلوب، “أن أبواب الله مفتوحة، لا يغلقها في وجه تائب، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر”.
” والأمل بالله في المغفرة والتوبة، سيظلا داخلنا؛ حتى اخر زفر لأنفاسنا”.
فقد كانت الرواية تناقش قضية مهمة، وختمها الراوي بالعلاج الصحيح، والنهاية السعيدة.
أغلقت عينيها بعد أن أدت فريضتها وانتهت باستغفار الله ذو الجلال والإكرام، ثم توجهت لفراشها الخالي، استنشقت عطر زوجها الذي يستحوذ على الوسادة؛ فحضنتها تفكر، وتفكر حتى أخذها إلى مدينة الأحلام التي فيها كل شئ مباح.
مر الوقت حتى أتى نور النهار المليء بالحيوية، وبعد أن أصبحت شمس الظهيرة حامية وحارقة، صعد زين منزله هربا من لهيب الشمس، فتح باب الشقة بغضب، ومشط البيت بعين حمراء، بحثاً عنها، فلم يرها، توجه إلى غرفتها فيقول بضجر:
– فيه واحدة تنام لحد دلوقتي، النوم ده كله حرام.
فتحت عينها بفزع وهلع ترد عليه:
– و هو اللي يصحى حد كده مش حرام.
– ده أسلوبي مش عاجبك كل واحد يشوف طريقه.
ردت عليه بنبره هادئة :
– ادخل خد دش وفوق، وبعدين نتكلم.
رمقها بتحقق وهو يدخل الحمام، أراد أن يأخذ وقت يفكر جيدا، ماذا يجب أن يقوله لها؛ حتى يدمر علاقتهما.
تدخل هي الغرفة الصغيرة تخرج له منشفة، وعيناها تقع على باقي الروايات؛ التي أخذت من ثلاثتهم رواية من قبل، تسحب واحده أخرى بدون أن تقرأ اسمها ، لكنها قرأت أول سطور بها، أصابها الدهشه والغليان من وصف الكاتب الجبار، أغمضت عينها وافتتحتها بوهن تقول:
– احنا لازم نطهر البلد من الإرهاب والخونة، مصر هتفضل صامدة وقوية لحد يوم الدين.
وتغلق الكتاب وتحتفظ به، وتذهب لزوجها تعطيه المنشفة، أخذها يضعها حول خصره ويخرج ينظر على التلفزيون ويردف:
– التلفزيون ده حرام.
نظرته بنظرات حماسية وقالت بصوت مرتفع:
– الله ينور عليك أنت صح.
رفع حاجبه الأيسر بذهول، وأمسك ما قابلته يده يقول:
– والكوبايه دي كمان حرام.
تناولت من قبضة يده الكوب، نظرت اسفلها؛ وجدتها تصنع خارج مصر فانكمش وجهها بغضب قائلة:
– الله عليك يا زين، إحنا لازم نقاطع أي منتج مش مصنوع في بلدنا، بلدنا هتفضل فخر.
– والأكل ده كله تبذير وحرام.
أشار إلى الطعام الذي لم يأكل منه شئ بعد، فتوجهت تلم كل ما يفترش السفرة وهي تصفق وتصفر وتخبره:
– صح كل البذخ ده حرام، ده فيه ناس مش عارفة تاكل حتى اللقمة.
نظر إلى الطعام وهي ترفعه شزراً ووضع يده على عينه ويقول بنبرة هامسة:
– وإن واحدة تربنتينة زيك تفضل على ذمة واحد زيي حرام.
كاد أن يبكي، فكل شئ يقوله تأيده عليه وبشدة، طرق بين جدران عقله فكره، لم تتقبلها أنثى عاقلة إطلاقا مطلقا وأبلغها بثقه وغرور:
– أنا هتجوز.
– صح إحنا لازم نؤمن ونروج لتعدد الزيجات، إيه رأيك نعمل ثورة للمطالبة بتعدد الزوجات، عشان نسبة العنوسة اللي في مصر تقل، وكمان تبدأ أنت بجواز تلاتة غيري.
– نعم.! ، هو أنا كنت قادر عليكى عشان أتجوز غيرك..!
قالها بصدمة، وهي تمشي تهرول من أمامه، تنشئ صفحة على موقع تواصل إجتماعي للمطالبة ب “تعدد الزوجات” وتناشد كل شاب على أن يعدد وتطلب من كل أب لبنت بالإستجابة و الموافقة ليرحموا هؤلاء الشباب، وتدعوا البنات بالرضا والقبول؛ حتى تصبح مصر في أحسن حال.
في خلال ساعات أصبح الكثير والكثير من الشباب يأيدون الفكرة، لكن خرجت مظاهرات من الزوجات ضد الفكرة، ومظاهرات من الرجال يأيدون الفكرة، وتجمع النساء تحت بيتها وظللن يقذفن شرفتها بالحجارة ويهتفون بقول:
– ياللي ما تتسمي اقعدي واتبطي.
ياللي شايفه في نفسك عيب، هتضيعي مصروف الجيب
إنتي يا اللي عندك غل، إحنا جمال وزي الفل
يا حرباية يا مربعة الواحدة منا بأربعة
كان زين ينهار بمعنى الكلمة، وأصبح سجين داخل المنزل؛ بسبب ما فعلته زوجته البلهاء، كانت كل يوم تعود إلى المنزل بثياب ممزقة، وملامح بها آثار تعدي، وحين يتحدث إليها لا تعطي لكلامه قيمة مطلقاً، وغيرت نشاطها، وتوغلت بعمق، وتحدثت عن قضايا الفساد؛ التي تستحوذ على بلدنا الحبيبة، ودعت لندوة كبيرة مع كل فئات الشباب، حيث ارتدت قميص رجالي “كاروهات”، وبنطال جينز وعلى كتفيها وشاح فلسطيني، وأصبحت هيئتها كالمناضلة، صعدت على المنصة في وسط تصفيق وصفير حار، وبدأت حديثها بالهتاف في حب الرئيس والوطن، ثم قالت بنبرة حماس مرتفعة :
– الدولة لن تنهض؛ حتى يتم القبض على كل فاسد، علينا نقف في وجه الفساد.
قام شاب يتسأل:
– وازاي نقف قدام الفساد يا أستاذه، والبلد مليانه.
أردفت بروح ثورية تتميز بالنشاط والخفة:
– إحنا لو وقفنا كل فاسد عند حده؛ مصر هتبقى أحسن بلد في العالم كله، لأنها غنية بالثروات والخير، لكن يختلسها بعض الفاسدين فيها، لازم
نقول لأي مرتشي لأ، نحارب الأرهاب، منخربش بلدنا، ومنرميش زبالة في أي مكان، وتقول عادي ده شارع وكل بيرمي هي جت عليا، ما لو كل واحد قال هي جت عليا هتصبح البلد خراب، لازم نحافظ على بلدنا حتى تنهض، وتحترمنا كل الدول.
أيدها كل الشباب، وظلت الندوات، والمظاهرات في حب الوطن تتكاثر؛ حتى فاض الكيل بـ زين من تصرفاتها، دخل إحدى القاعات حملها على كتفه بدون نقاش، وانصرف في وسط هرج ومرج سيطر على الجميع.
حينما وصلا المنزل يخبرها بعنف هادر:
– بقولك إيه يا بنت الناس، اللي بيحصل ده إسمه وجع قلب.
– أنا فدائية وروحي ودمي ملك الوطن.
– وأنا جوزك وليا حقوق شرعية يا هانم.
– روح دور على حقوق بلدك الأول و غير من تفكيرك العقيم.
عقيم!! لما أدور على حقوقي يبقى تفكيري عقيم؟!، وهو إنتى ليه كل حاجة والعكس، منين بتتكلمي عن حقوق وبتدافعي عن حاجة، وانتى سايبة جوزك وبيتك على البحري.
– لأن البلد لو اتحلت كل مشاكلها، أنت وأسرتك هتعيشوا عيشه عمرك ما كنت تحلم بيها.
– عليكى نور، مش ممكن لما أشوف أسرتي وعيالي بتتنطط قدام عيني، ساعتها بقى أحول نشاطي وأرجع للبلد حقوقها.
– طول ما في ناس شبهك بتفكر في نفسها وأنانيين عمر البلد ما هتتقدم.
– بقولك إيه ماتعصبنيش.
– أنت بترفع صوتك عليا.
قالتها وهي تسحب مسدس من خلف ظهرها وتشد أجزاءه، رجع خطوة للخلف وعلى وجهه الخوف:
– لا طبعا مقصدش بس البلد مشاكلها كتيييييير، وأنا مشاكلي بسيطه خالص، أتجوز وأجيب عيل أربيه وأخاف عليه، ها إيه رأيك بقا…؟
قال اخر جملة وهو يسحب المسدس من بين يدها ويكمل حديثه بحدة:
– أوعي تكوني فاكرة نفسك إنك هتحرري البلد لوحدك، لا يا شاطرة فوقي.
لم تجد شئ ترهبه وتجعله يهابها ، فاستخدمت حيلة البعض يستخدمها في أي شجار:
– أنت عميل، وارهابي، وخسيس، أما كل شاب يقول هو أنا اللي هحرر البلد لوحدي، عمر البلد ما هتتقدم خطوة.
انصبغ وجهه من قوة اتهامه وأردف بحزم:
– إيه اللي بتقولي ده يا خديجة.
ردت عليه بصوت مرتفع حين إذ شعرت بأرتباكه وعرفته بنفسها:
– خديجة مين؟ أنا سامية وهفضل سامية في حب وطني.
لوح بيده وهو يقول:
– اه أنتى فعلا شكلك تربنتينة.
– بتقول إيه يا عديم الضمير والوطنية ، أنت لازم تتحبس.
ابتلع ريقه بصعوبه وشرد بعقله ماذا يحدث في أي إرهابي عند إلقاء القبض عليه وقال بتراجع وخوف:
– هو أنا عبيط أتكلم حرف كمان، روحي اعملي اللي أنتى عايزاه، و إنشالله قنبلة كده تطلعلك من تحت الأرض تفجرك ميت حتة يا مفترية.
اقتربت منه كي تأخذ سلاحها من يده وتردف وهي ترفع جانب شفتها العليا:
– أنت بتقول حاجة يا برنس.
– لا أبدا أنا نازل أحرر بلدي، ولا عندك مانع كمان.
قالها وهو ينسحب خارج المنزل، الذي أصبح عكس ما كان يرسم في أحلامه الوردية، وأصبح بالنسبه له غريب، ومصدر وجع رأسه وقلبه.
فتفوهت قبل أن يغلق الباب:
– الله عليك هو ده الكلام.
نزل إلى الشارع يتلفت حوله حتى استقل سيارته، وكان يشعر كأن السيارات تراقبه، بسبب الخوف، الذي يعتريه من كثرة اتهامتها، توجه لملجأه الوحيد صديقه محمد يبلغه :
– صوت ولا جيب لطامة كهربا تولول عليااااا، مراتي اتهبلت خلاص وشكلها هتسلمني تسليم أهالي .
– اهدا كده، وأقعد وفهمني حصل إيه لكل نواحك ده؟
– اهدا! اهدا إيه ده أنا بقيت اتلفت حوالين نفسي، وشكلي صدقت من كلامها إني خاين وعميل.
– يا عم استهدى بالله وفهمني؟!
– مراتي فجأة كده بقت وطنية، وبتهتف باسم البلد، ولما اعترضت، قالت عليا اللي ميتقلش، ووصل بيها الحال تقول عليا إني إرهابي ، بالذمة ده شكل أرهابي.
– أنت لازم تخاف من مراتك.
– من جهة خايف فأنا خايف بضمير.
ثم أكمل وهو يربت على كتف محمد:
بس استريح انت بس.
ثم ازاد بغضب:
– أنت بتستعبط يا محمد ! امال أنا إيه ؟ حرام عليك بقى، مش يبقى أنت وهي عليا.
تنهد واقترب منه، ونزع نظارته الطبية لينظفها، لتوضح الرؤية أمامه، ثم قال موضحاً :
– أقصد تخاف…
قاطعه وقال بحده وضيق :
– تحب أعمل بيبي على نفسي حالا؛ عشان تقتنع إني خايف.
أجابه بهدوء مخيف:
– تؤتؤ، تخاف بمعنى، اظهر ليها مثلا أنك سرسجي ومافيش منك أمل وشاب بايظ؛ وبالتالي هترفض تكون مع شاب بيدهور البلد، وبكده مش هتبقى إرهابي، ولا أقولك ….. 
يتبع..

الحلقة السادسة والأخيرة

ولا أقولك إعمل نفسك بتتاجر في آثار بلدك
فتح زين حدقته على وسعها وأمسك محمد من ثيابه قائلا له بذعر:
– أنت كده عايز تحبسني وش، هو أنا مكتوب عليا الحبس، لو مكنتش إرهابي، أبقى تاجر آثار.
حاول أن يخلص نفسه من قبضة يده التي تكاد أن تقبض روحه ويخبره:
– يا شيخ أفهم، وارحمني.
أجابه كالتائه في صحراء واسعة ولا يرى لها آخر :
– أفهم إيه ولا ايه! بقولك هتحبس… هتحبس يا مؤمن.
وليه متقولش إنها ممكن تطلب الطلاق.
قالها بثقه، نهض زين وعلى وجهه سعادة قد غابت عن وجهه من زمن:
– ده يبقى ليك الحلاوة، وطنية طبعاً مش هتقبل تعيش مع واحد بيتاجر في آثار بلده، للحظة صمت وفهم ما تفوه به، ضاق بؤبؤ عينه بهلع يبلغه:
– ما كده يافالح هتبلغ عليا، لما اطلقها.
– اولا هتبقى طليقتك فل.
– فل يا بيه.
– لما هتبلغ بقى، هيبقى بلاغ من واحده لسه مطلقة طازه وعايزة تنتقم.
-يعني مش هيتقبض عليا
-مش بالظبط.
-لا ركز كده الحاجات دي فيها يا اه يا لا
-أقصد أن مافيش مفر من القبض عليك،
بحلق زين عينه وفتح فاه، أكمل محمد
-لكن لما يشوفه الملف بتاع حضرتك ويعملوا شوية بحث من هنا وهنا هيتأكدوا إنه بلاغ كيدي، ومش بعيد هي اللي يتقبض عليها كمان
-أحسن أهو نرتاح من دماغها التربنتينة ديه
قالها وهو ينهض عازم التوجه إليها؛ حتى ينهي هذا الكابوس في أسرع وقت.
نزل استقل سيارتة وتحرك بسرعة جنونية ، حينما وصل إلى المنزل، صعد بعد أن وقف أمام مرآه، تمعن النظر على هيئته، لم يظهر عليه كما قال صديقه ” سرسجي” ادخل القميص من الجنب الأيسر داخل بنطاله وأخرج باقيه، ورفع ياقته، وطوى كم قميصه،
وبعثر شعره، فتح باب منزله، وجد به دخان وضباب بكثرة لم توضح له الرؤية، أغلق الباب يحدث نفسه باستغراب:
– البت المجنونة ديه شكلها حرقت البيت؟!
ثم فتح مرة ثانية الباب بهدوء يستنشق الدخان، ثم اغلقه بفزع يقول:
– لا دي شكلها بتحضر جن يحل مشاكل البلد اللي هتحررها لوحدها.
ثم فتح للمرة الثالثة وتحمحم بقوة، لكنه وجد نفسه يُجر على الأرض من قفاه، رجفة تسري في أوصاله، لم يقدر على فعل شئ، أهو جان ممن يحضرونه أم ماذا؟
فسمع صوت من يمسكه يقول بصوت أجش:
-مسكت الراجل ده بيتسحب في الشقة.
قالها رجل عملاق البنية، ثم أردف قائلا:
– أنت بقى يا روح أمك بوليس، ولا تبع معلم حماصه الجعر؟
هز رأسه يمينا يسارا ينفي ما يقوله، فقالت فتاة تقف بجواره:
– وأنت بقى تطلع مين يادلعدي، وايه جابك هنا؟!
– أنا أنا ….
لم يكمل حديثه حتى خرجت فتاة من إحدى الغرف بالشقة، تهتز الأرض تحت أقدامها، لها هيبة بسبب حدة ملامحها؛ التي يرتسم عليها معانتها مع الزمان، حدق بعينه لهذه الفتاة؛ فهي ترتدي، عباءة فضفاضة وعلى رأسها عمه، تقول بصوتا جهوريا:
– سيبوه، ده المحروس جوزي.
– جوزك! وده إزاي وأمتى؟
عندما سمع حديثها، كادت أن تشل أركانه، فرفعت سبابتها تشير له بالإقتراب منها، و أرسلت له نظرة ذات معنى وتبلغه:
– تعالى ورايا.
مشى خلفها وهو يتلفت ينطر على من اقتحموا بيته،
دخلت غرفة نزعت العمة التي تضعها على رأسها، فتأكد أنها زوجته، شرد بعقله وقال لذاته، إنها تعمل ندوه داخل البيت، تذكر ما اتفق عليه هو وصديقه ، فقال بعد أن أخرج هاتفه يحدث صاحبه:
– معايا عروسة بترابها، لسه خارجة حالا من مقبرة.
أمسكت الهاتف منه، وأغلقته بوجه الذي يحدثه قائلة:
– أنت تاجر آثار؟
أجابها بغيظ واستشاطة؛ حتى ينتهي من كابوسه:
– اه أنا تاجر آثار وشكل كده طريقي غير طر….
قاطعته وهي تقول:
– الشيشه ياض فين؟
تذكر رائحة الدخان الذي اشتمه عندما فتح باب المنزل، تأكد الآن أنها رائحة مميزة بالنسبة له إنها رائحة حشيش لكن كيف يخطر على باله أن يدخل بيت الزوجية، رمقها بذهول وقال:
– بتحششي يا خديجة ، وهنا في البيت.
أخرجت دخان من أنفها وهي تبعد مبسم الشيشة من فاها، وترد بحده:
– خديجة مين ياعنيه؟!
قال بنفاذ صبر:
– متزعليش اوي، سامية.
– ولا سامية يا عنيه.
قالتها ثم أخذت مبسم الشيشه بين شفتيها تسحب منها دخانها، فقال بتساؤل ووجوم:
– وطبعا مش آيلا، أمال مين معايا حضرتك؟!
– آيلا؟
و تضحك بصوت مرتفع ثم تردف قائلة: معاك المعلمة فتكات يا راجل ينيلك أنت شارب حاجة مش عارف اسم مراتك؟
نطقتها وهي تضرب كتفه بعصا الشيشة، “ابتلع ريقه بصعوبه، فهي غيرت عباءة شخصيتها للمرة الثالثة على التوالي”
وتقول له بثقة :
– معاك كام حتة آثار، أنا عندى اللي يشيل.
لم ينطق ظل يتطلعها بوجوم واستياء، فهو تعب من هذه الأنثى التي لا تستقر على شخصية، فيحدث نفسه:
– أنا خلاص يأست، البت شبه التعبان مش عارف ليها ماسكه.
أردفت وهي تخرج دخانها على وجهه:
– بلعت لسانك يا عنيه… ما ترد يا حيلتها لما أكلمك، ولا تحب أجيبلك اللي ينطقك.
– أنا خلاص تعبت يا شيخه أنتى إيه مبتتهديش أبدًا .
تفوه بنبرة مرتفعة تحمل كل غيظه ومعناته منها، فقالت وهي تنهض بملامح غاضبة حادة:
– أنت بترفع صوتك على مين ياض؟!
كاد أن يخرج كل ما بداخله، لكنه استدار بوجهه لتقع على الرجال المحيطين به من كل اتجاه.
ابتلع ريقه وقال بتهرب:
– مقصدش يا معلمة، أنا رايح أشوفلك الآثار كام حته.
قال آخر جملة وهو يهم بالانصراف، فجلست هي تسحب دخانها، ثم أخرجته وهي تقول:
– غور من وشي.
ركض بسرعة صاروخ وترك المنزل يبحث عن هاتفه، وجده في جيب بنطاله أخرجه وكلم هذا المره والدتها، حتى يعرف كل شئ عن لخبطة حاله من أول لحظه، عندما وصل الرنين إلى هاتف والدتها، انتفضت هي وزوجها، يظهر عليها أنها كانت تنتظر هذه المكالة من وقت مضى، لكن أتتها على كل حال، تمسك الهاتف بيد مرتعشة تضغط على زر الإجابة تجيبه بصوت مضطرب:
– أيوه يا زين.
رد عليها بكل ما أوتي من قوة:
– أيوه إيه، وهباب إيه ؟!
تأكدت من معرفة حقيقة ابنتها، لطمت وجنتها وهرب الدماء منها، وأردفت بتلعثم وهي تدعي الغباء:
– خير … يا زين؟
– خير! وهو ياجي الخير من فين؟ بنتك كل يوم أو يومين أدخل القيها بتتحول شبه الحربايه الدكر.
ثم روى عليها كل ما حدث.
فأردفت والدتها بخذلان وخجل:
– اصل البنت……
فلاش باك…..
كانت تجلس أيلا داخل اتوبيس المدرسة، وهي في سن الثالثة عشر، بوجه سعيد تلعب مع أترابها بمرح ومشاكسة؛ حتى وقفت سيارة أمام الأتوبيس، توقف الأتوبيس بصعوبة و كاد أن يرتطم في هذه السيارة، كل من داخل الأتوبيس أصابهم الفزع، وأكتمل خوفهم عندما صعد أربع شباب ملثمين، واحد منهم أمسك السائق، والثاني أمسك بالمشرفة، والأثنين الأخرين عيناهما تتفحص من يجلسون المنكمشين برعب؛ حتى أمسك أحدهم بفتاة وأخرجوا هاتفهم يصورونها وهم يعذبونها وبنهاية المطاف أردوها قتيلة رميا بالرصاص، كل الفتيات أصابهم الهزيان، فرفع الشاب الذي كان يمسك بالسائق سلاحه وقام بقتله برصاصة في رأسه وحمله ووضعه داخل سيارتهم، والشاب الذي كان يقيد حركات المشرفة بالنهاية كسر رأسها، والشابين اللذان كانا يعذبون الفتاة، أطلقا رصاص عشوائي على الفتيات وأصيب عدد منهمن بالجروح المميتة،وقال أحد منهم:
– اي حد هيقول اللي حصل مش هنرحمه، وهنجيبه هنجيبه؛ حتى لو في احلامه.
ثم ترجلوا من الأتوبيس صاعدين سيارتهم ورحلوا وتركوا خلفهم بئر دماء منفجر.
كل الفتيات أصابهم الخرس من ذهول الموقف، أما أيلا توقفت عيناها عن الحركة الإرادية، وجسدها متشنج، تظن أن مصيرها مثل مصير زميلتها التي تفترش جسدها يتصبب منها الدماء، وهي تلهث تخرج أخر أنفاسها.
…..باااك
وأكملت والدتها وهي تشهق من كثرة البكاء:
– لما الأتوبيس اتأخر أولياء الأمور كلموا المدرسة، واتضح أن السواق كان على اتفاق معاهم ، وغير اتجاه سير الباص عشان محدش يشوفهم وهما بيعملوا عملتهم السودة، وكانوا ضاربينه برصاص فشنك، آيلا فضلت شهرين في المستشفى مبتتحركش ولا بتتكلم من الصدمة، شهرين بحالهم مبتتكلمش اللي مكنتش تبطل كلام أبدا، لحد ما باباها صمم إنها ترجع البيت، بعد يومين لقتها طالعة عليا بتتكلم بأسلوب غير أسلوبها بتتكلم انجليزي؛ حتى شعرها عملته كرلي، لفت انتباه أختها أنها بنفس ملامح الشخصية اللي في الرواية اللي بتقرأها، بنت كانت عايشة بره ورجعت بلدها بسبب غضب ابوها عليها، ومش عاجبها أي حاجة، والمشكلة أنها عندها موهبة إنها تقدر تغير صوتها، وبتعمل ميك اب بنفس الملامح اللي ذكرها الكاتب، فهي بتتقمص الشخصية بإتقان.
ومن ساعتها وبقت كل ما تخلص رواية تحصلها حالة الصمت، لحد ما تقرأ رواية غيرها.
شرد زين بكتبه الذي اشتراها من فترة وهم “ريكلام”، “دمائي فدى بلدي”، “حارة المعلمة فتكات”.
أفاق من شروده وهو يغمض عينه بقوة، أشفق عليها بشدة، أغلق الخط وهو في حالة عدم أتزان، كيف يتصرف معها، يطلقها ام يظل معاها، ويتقبل كل ما يصدر منها ويضغط على نفسه ويتقبلها، لكن كيف يتقبل شئ سيؤدي به هو ايضاً إلى الجنون، كيف يطلق فتاة ضحية، كيف يطلقها ويزيد من تعبها النفسي، جلس على الأرض يضع رأسه بين يده، يدعي ربه على توجيهه للقرار الرشيد، طرأت على ذهنه فكره، لكن من أين يبدأ، هل سينجح، لم ينتظر أجابة مقنعة لكل هذه الأسئلة، وقرر أن الأيام هي من ستصدر قرارها وحكمها.
على سلالم المنزل رأى كل من كانوا يجلسون معها يعدون النقود، وواضح أمام أعينه بأنهم يتقاسمون الحصص، هرول على السلالم دخل وجدها تجلس في نصف المنزل، تبكي بحرقة من كلمات الكاتب القاسية، فلقد حكم على بطلته في النهاية بالإعدام، وهذا مصير كل ظالم يفسد في الأرض، كانت آيلا تنتظر من يقبض روحها، وعلى وجهها ندم على كل ما فعلته بداخل أحداث الرواية، أقترب منها زين وتذكر كلام والدتها ” لم تتغير حالتها غير أن تغرق داخل رواية أخرى”، لكنه لن يسمح أن يجعلها تكمل حياتها داخل طيات الورق، سيسحبها إلى عالمه الواقعي بالحب والعطف، وهي بالفعل طلبت منه من قبل، ألا يرفع صوته عليها، ضمها داخل حضنه بقوة جعلت رعشاتها وانتفاض جسدها تهدأ؛ حتى اغمضت عينها وذهبت إلى نوم عميق لا تجد به إلا ذاتها وزوجها، حملها ودخل بها إلى الغرفة، ثم وضعها على الفراش يمسح على شعرها ويتأمل ملامحها البريئة ظل ساعات كثيرة على نفس الحال.
فرحل القرص الأبيض، واشرق نور أمل جديد، نهض يفعل ما عليه فعله، وبدأ بالتخلص من كل الروايات خارج المنزل حتى لاتحصل عليهم في أي وقت، وعندما فتحت عيناها جلس بجوارها وأرسل إليها ابتسامة حنونة وهو يمسك يدها يقول:
– أخبار القمر إيه النهاردة؟
هزت رأسها بالحمد وبادلته بابتسامة رقيقة، ظل اليوم بأكمله بجانبها ودخلا المطبخ سويا يجربون أن يعدون طعام، وكل منهما يضيف مكون، وبعد الطهي كان الطعام مذاقه سيئ للغاية، نهض يطلب طعام، وانتظرا الطعام وهم يدخلون على مواقع اليوتيوب يتعلمون أصناف سهله حتى يعدونها غدا، كان زين يحاول شغل وقتها بدون أن تشعر بملل، بدأ يسرد لها حكاياته ومغمراته وهو وصغير، بدأت تسمعه وتتفاعل معاه وتضحك، وأخيرا ظلت تتناقش معه، كان أول مره يسمع نبرة صوتها الحقيقية، به بحه طفولة داخلها نشاط، سعد جدا بتخطيهم تلك المرحلة ، وظل يكمل فيما بدأ بحماس، حماس طالب يرى أمام عينه نجاحه بالثانوية بعد تعب طوال شهور، ذهب في يوم لعمله الذي أهمله، بعد مشاهدتها التلفزيون شعرت بملل، نهضت كالمدمنة تبحث على اي حبر مكتوب على ورق على الأرفف ومكتبة لم تجد بها ما يبل ريقها المذمئر عطشا، يرجع زين منزله، حينئذ فتح الباب ظلت تنهره وتخرج طاقة سخطها وغضبها عليه، يلمح حالتها وثورانها، لا يبالي ولا يسألها عن سبب هذه الحالة التي اعترتها، فعل شئ واحد فقط، أخذها في عناق يلمس شعرها ويقول:
– بعتذر ليكى يا حبيبتى عارف إني اتأخرت عليكى، وحشتينى أووي ، الثانية بقت في بعدك سنين.
كلماته جعلت جسدها ينتابه القشعريرة، ودخلت إلى قلبها من شدة صدقها، تقبلها قلبها الملهوف وجعلها تستسلم له بحب، وبعد وقت، غفل زين بالنوم، لكنه أستيقظ ينظر على من تستقر كتفه، لم يجدها فتح عينيه على وسعها يتأكد وبالفعل لم يجدها، فد نسى أن يغلق باب المنزل بالمفتاح، نهض بفزع وعندما وضع قدمه على الأرض دهس تحت أقدامه الكثير من البيض كشت ملامحه بدهشة وغضب بآن واحد، لكنه لمح فتاة يخرج من حنجرتها ضحكه مشاكسة، سحرته بضحكاتها الصافية والخالية من أي تمثيل، قام حتى يمسكها، لكنها صدمته بدلو دهان حوائط ينسكب فوق رأسه، رمقها بغيظ وهو يقول بفقدان أمل وحزن على ماتعب في فعله معها حتى تتحسن، وعندما أقتربت من الشفاء التام، صدمته بفعلتها الذي لا يعلم من أين أتت بها:
– وياترى قرأتي إيه تاني من ورايا يا أخرة صبري؟
ضمت عينها بمشاكسة وأقتربت منها تداعب أنفه:
– وأنا من أمتى يا حب عمري بحب القراءة.
– ااااه هي شكلها رواية عن واحدة مجنونة وهتجنيني معاكي يا خديجة.
قالها بتنهيدة، لكنها أجابته بذهول:
– خديجة!! أنا أيلا يا حبيبي سلامة الشوف، أوعى تكون بتخوني يا ز…..
صدره من الفرحة ظل يعلو ويهبط بسرعة برق وقال وهو يمسك ذراعيها بفرحة:
– حمدلله على سلامتك يا أيلا يا حياتي.
ينظرون لبعضهما ويضحكان حتى يحرك أنامله على شفتيها الكريز ويبتلع ضحكتها داخل ثغره.
♥️تم بحمد الله♥️
نتمنى لكم قراءة ممتعة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!