روايات

رواية أوهام الحب الوردية الفصل الثالث عشر 13 بقلم بتول علي

رواية أوهام الحب الوردية الفصل الثالث عشر 13 بقلم بتول علي

رواية أوهام الحب الوردية الجزء الثالث عشر

رواية أوهام الحب الوردية البارت الثالث عشر

رواية أوهام الحب الوردية الحلقة الثالثة عشر

صرخت جميلة بشدة وهبت واقفة بعدما سمعت كلام آدم الذي وقع على أذنيها كالصاعقة المدوية فكيف يمكن أن يكون مراد قد عاش مع سمية دون أن يربط بينهما عقد زواج!!
هتفت جميلة من بين صدمتها وهي تجلس على الأريكة خلفها واضعة يدها على قلبها:
-“إزاي يا آدم سمية عاشت مع مراد في الحرام وهما أصلا كان مكتوب كتابهم واتعمل فرحهم قدامنا؟!”
أجاب آدم بعدما ابتلع غصة مريرة في حلقه فهو يشعر بالعجز الشديد لأنه في هذه اللحظة غير قادر على الانتقام من الشخص الذي استباح شرف ابنة عمه التي تعد بمنزلة شقيقته الصغرى:
-“كلامك مظبوط يا طنط جميلة، مراد وسمية اتكتب كتابهم واتعمل فرحهم قدامنا بس المصيبة اللي محدش فينا كان يعرفها هي أن الحقير مراد طلق سمية بعد فترة بسيطة من كتب كتابهم والطلاق ده كان غيابي وحصل قبل فرحهم ولما أنا بصيت في التاريخ بتاع الطلاق اكتشفت أنه كان في نفس الوقت اللي سمية اتخانقت فيه مع مراد عشان موضوع الشقة”.
تذكرت جميلة تلك الفترة عندما عادت سمية إلى المنزل وأخبرتها أنها قد تشاجرت مع مراد وألقت محبس الخطبة في وجهه بسبب رغبته في أن يقيما بشكل مؤقت في شقة كريم.

 

لقد احتد الخلاف بين سمية ومراد في تلك الفترة والتي كانت عقب عقد القران بمدة قصيرة ولكن تحسن كل شيء بعدما تواصلت جميلة مع ميرڤت وتمكنا من حل المشكلة التي رجح الجميع حينها أنها قد حدثت بسبب الحسد.
فكرت جميلة قليلا قبل أن تتحدث بعدما تشبثت ببصيص أمل يخبرها أنه لم يتم خداعهم بهذا الشكل البشع:
-“طيب ما هو ممكن يكون مراد ردّ سمية بعد ما اتصالحوا وبكده مش هتكون عاشت معاه في الحرام زي ما أنت بتقول”.
تنهد آدم باختناق شديد وقرر أن يلتزم بالصمت لبضع ثوانٍ قبل أن يتحدث بأسى وهو يعلم جيدا أن الكلمات التي سيتفوه بها سوف تجعل زوجة عمه تتحسر على ابنتها ولكن لا يوجد مفر أمامه سوى قول الحقيقة كاملة دون أي محاولة لتزييفها:
-“بصي يا طنط جميلة، الطلاق حصل أثناء فترة كتب الكتاب وده معناه أن الزوجة اللي بيتم تطليقها ملهاش عدة أصلا ولو الزوج ندم على قراره وحب يردها فلازم يتجوزها مرة تانية بعقد ومهر جديد وده اللي مراد كان لازم يعمله عشان يرجع سمية لعصمته”.
استكمل آدم حديثه بعدما ضرب حافة المقعد العمومي الذي يجلس عليه:
-“لما بيحصل طلاق بين زوجين أثناء فترة كتب الكتاب وقتها الزوجة بيكون من حقها تاخد نص المهر اللي هو في العُرف بتاعنا يبقى الشبكة وواجب عليها ترد النص التاني لجوزها والحقير القذر اللي اسمه مراد كان عارف أنه هيضطر يجيب شبكة جديدة بعد ما يسترد نص الشبكة القديمة وهيضطر يكتب مقدم ومؤخر جديد غير القديم وعشان كده هو سكت واستغل أن الطلاق كان غيابي وأن مفيش أي إخطار من المحكمة وصل لسمية بخصوص موضوع الطلاق وده أصلا لأنه كان كاتب عنوانها غلط وكمل معاها ودخل بيها وهي أصلا مش مراته”.
لطمت جميلة خديها وهي تصرخ بذهول محاولة إخراج الكلمات من بين شفتيها:

 

-“يا نهار أسود ومنيل، عشان كده الواطي هرب برة البلد أول ما إحنا طلبنا منه أنه يجيب المأذون ويطلق سمية قدامه، أتاريه كان عارف أن عملته المهببة هتتكشف بمجرد ما المأذون يروح المحكمة عشان يوثق الطلاق”.
هتف آدم وهو يكز على أسنانه وسط حالة الغيظ التي يشعر بها بسبب عدم تمكنه من الإمساك بمراد ودق عنقه:
-“لو كانت سمية راحت السجل المدني بعد رجوعها من رحلة شهر العسل عشان تغير الحالة الاجتماعية في بطاقتها من آنسة إلى متزوجة وقتها كانت هتكتشف الموضوع وساعتها كنت هقدر أحاسب مراد على اللي عمله لأنه كان هيبقى موجود قدامي هنا في البلد بس الواطي خلاص سافر وزمانه دلوقتي عمال يتريق على أهل العروسة اللي قدر يغفلهم ويضحك عليهم”.
نظرت جميلة حولها بضياع واتسعت، عيناها بشدة بعدما رأت سمية تقف خلفها ويبدو من ملامحها أنها قد سمعت كل كلمة وعلمت أنها قد تم التلاعب بها واستباحة شرفها.
وقفت جميلة وسارت نحو ابنتها وقبل أن تتحدث معها وتحاول تهدئتها سقطت سمية مغشيا عليها فصرخت جميلة بهلع:
-“سمية!!”
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
رن جرس باب شقة منى التي استغربت كثيرا فهي لم تتوقع أن يقوم أحد بزيارتها في هذا الوقت دون سابق إنذار.
فتحت منى الباب وشعرت بالدهشة عندما وجدت أمامها رامزًا الذي كان مظهره يدل على قسوة المعاناة التي عاشها طوال الفترة التي قضاها محتجزا قبل أن تتنازل داليا عن القضية.
أشارت له منى بالدخول وهي تهتف بجمود أظهر عدم ترحيبها بوجوده فهي لم تنسَ حتى هذه اللحظة دموع ابنتها وانكسار قلبها:
-“اتفضل يا رامز، أهلا وسهلا بيك”.

 

هتف رامز بهدوء دون أن يغفل عن حقيقة عدم ترحيب خالته بوجوده:
-“تسلمي يا خالتي، البيت منور بأصحابه”.
جلس رامز على الأريكة أمام منى التي عقدت ساعديها أمام صدرها منتظرة منه أن يبادر بالحديث ويخبرها بسبب زيارته الغير متوقعة.
حمحم رامز قبل أن يبادر بالحديث بنبرة خافتة أظهرت بعضًا من الوهن الذي أصابه بعدما سلبته داليا كل ما يملكه ثم حرمته من ابنه:
-“إزيك يا خالتي، أخبارك إيه؟”
مصمصت منى شفتيها وردت بجمود:
-“الحمد لله، أنا بخير وصحتي كويسة، حمد الله على سلامتك يا رامز، ربنا يصبرك ويعوضك على كل اللي أنت شوفته الفترة اللي فاتت”.
أخذ رامز شهيقا وزفيرا قبل أن يردف بتنهيدة:
-“الكلام ده مش هيحصل غير في حالة واحدة بس وهي أنك تسامحيني يا خالتي على اللي حصل مني قبل كده، وأتمنى منك أنك تطلبي من نادين أنها هي كمان تسامحني وتنسى اللي حصل”.
أرادت منى أن تتحدث ولكنها صمتت بعدما استطرد رامز قائلا بمرارة:
-“أنا حياتي كلها باظت بسبب دعواتك عليا يا خالتي، ربنا أراد أنه يدوقني من نفس الكأس اللي سقيته زمان لنادين”.
شعرت منى بالأسف عندما رأت رامزًا بهذه الحالة البائسة فهي لم تفكر أبدا عندما دعت عليه في الماضي أن يسوء وضعه إلى هذه الدرجة المثيرة للشفقة.

 

من كان يصدق أن رامزًا الذي كسر قلب ابنتها وتسبب في أن يخوض الناس في سيرتها بالباطل هو نفسه الذي يجلس أمامها ويطلب منها السماح والغفران حتى يكشف الله عنه تلك الأزمة التي يمر بها بعدما أدرك أن كل ما يحدث معه نتيجة لدعوة أشخاص قد ظلمهم ولم يكترث لمشاعرهم.
أخفت منى حزنها على ما أصابه وهي تردف بهدوء:
-“أنا سامحتك يا رامز ومش شايلة في قلبي أي ضغينة ضدك وبالنسبة لنادين فهي خلاص اتجوزت وعايشة سعيدة مع جوزها ونسيت الموضوع ومش بتفكر فيه”.
ابتسم رامز قائلا بامتنان شديد فهو لم يكن يتوقع أن تسامحه خالته بمثل هذه السهولة عندما قرر أن يقوم بزيارتها:
-“شكرا ليكِ يا خالتي، أنا مش هنسى أبدا المعروف اللي عملتيه معايا دلوقتي”.
نهض رامز وغادر منزل خالته وهو يتذكر كلمات والدته التي حذرته كثيرا قبل زواجه من داليا ولكنه لم ينصت إليها.
على الرغم من حالة الحزن التي تسيطر على رامز إلا أنه شعر ببعض الراحة بعدما سامحته خالته على ما فعله بابنتها، فهذا الأمر سيعطيه دفعة حتى يواجه الأزمات التي يمر بها لكي يبدأ ببناء نفسه من جديد وتعويض جميع الخسائر التي لحقت به.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
بعد مرور أسبوع.
نظرت جميلة بحسرة إلى ابنتها التي ترقد أمامها على السرير داخل المستشفى بعدما تم نقلها إليها إثر تعرضها لحالة انهيار عصبي حاد.

 

التفتت جميلة نحو كل من آدم ومحمد الذي لم يستوعب ما حدث لشقيقته وقرر أن يتحمل آلام قاسية تفوق طاقته حتى يسترد عافيته وينتقم لشقيقته من العائلة الحقيرة التي جنت عليها بهذا الشكل البشع.
نظر آدم أمامه بشرود وتذكر عندما ذهب إلى منزل كريم وعائلته للمرة الثانية حتى ينتقم منهم على الفعل الذي قام به مراد ولكن هذه المرة كانت ميرڤت مستعدة لقدومه وأبلغت الشرطة وقد تم إجباره داخل مديرية الأمن على إمضاء تعهد بعدم التعرض لهم.
وضع محمد خطة للانتقام من مراد وعائلته ولكن يلزمه لتحقيق هذا المخطط أن يتعالج أولا ويتحلى بالصبر ثانيا.
تطلعت جميلة نحو الطبيب الذي حضر وأخبرها بضرورة نقل سمية لمصحة نفسية بسبب حالة الانهيار المستمرة التي تعاني منها كما أنها حاولت الانتحار مرتين ولكن تم إنقاذها من قِبل الممرضات.
وضعت جميلة يدها على فمها وأخذت تشهق وسط موجة من البكاء الحار على ما أصاب ابنتها العزيزة التي لم تلحق الأذى بأي شخص حتى تعاني في حياتها وتتعرض لكل هذه المصائب دفعة واحدة.
تمتمت جميلة بأسى من وسط شهقاتها المتلاحقة:
-“أنا بنتي مش مجنونة عشان أوافق أوديها مستشفى المجانين”.
ربت محمد على كتف جميلة وتحدث مواسيا نفسه قبل أن يقوم بمواساتها:
-“أنا عارف كويس أن الموضوع صعب أوي علينا بس إحنا لازم ننحي قلوبنا ونفكر بعقولنا، سمية بتعاني أوي الفترة دي، وربنا سترها معاها لما حاولت تنتحر اليومين اللي فاتوا بس إحنا مش ضامنين أنها ممكن تنجو لو فكرت في الانتحار مرة تالتة وعشان كده لازم نسمع كلام الدكتور ونوديها مصحة نفسية”.

 

نظرت له جميلة بأسى وهي تشعر بقلبها سوف ينفطر من شدة الحسرة على ابنتها الوحيدة:
-“يعني أنت يا محمد شايف أن ده الحل الوحيد عشان ننقذ سمية؟”
أومأ محمد برأسه قائلا بحزن على توأمة روحه التي تُعد بالنسبة له بمنزلة ابنة وليست أخت غير شقيقة:
-“للأسف الشديد ده الحل الوحيد اللي هنقدر من خلاله نساعد سمية عشان ترجع أحسن من الأول”.
اقتنعت جميلة بوجهة نظر محمد الذي كان يشعر بالأسى على شقيقته وقد أقسم أمامها أنه سوف ينتقم لها ممن كانوا السبب في وصولها إلى هذه الحالة التي أجبرتهم على إيداعها داخل مصحة نفسية.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
قامت نادين بطي الملابس الخاصة بها ووضعتها في الخزانة، ثم فتحت خزانة آدم حتى تضع بها ملابسه وأخذت ترتبها بعناية وأثناء قيامها بالترتيب تفاجأت بألبوم صور موضوع بين الملابس في الرف العلوي.
استغربت نادين كثيرا من وجود ألبوم صور بين ملابس زوجها فسحبته ثم توجهت نحو السرير وجلست عليه وبدأت تتصفح الصور الموجودة داخل الألبوم.
اتسعت عينا نادين عندما شاهدت صور لفتاة برفقة زوجها في كثير من المناسبات ويبدو من مظهرهما أنهما يحبان بعضهما للغاية وأنه توجد قصة حب قوية تجمع بينهما.
شهقت نادين بعنف وألقت بالألبوم أرضا فتناثرت الصور على الأرض في اللحظة التي دلف بها آدم إلى الغرفة حتى يبدل ملابسه وملامح الإرهاق ظاهرة بوضوح على وجهه فقد كان يومه شاقا للغاية بعدما قام بإنهاء إجراءات إيداع ابنة عمه داخل المصحة النفسية.

 

نظر آدم إلى الصور المتناثرة أسفل قدميه ثم تطلع نحو نادين التي كانت ترمقه شذرا وهي تصرخ بجنون:
-“أنت ليه اتجوزتني طالما مش بتحبني؟ أنا دلوقتي فهمت أنت ليه فضلت تجري ورايا رغم رفضي ليك، أتاريني عشان فيا شبه من ملامح حبيبة القلب”.
سار آدم نحوها ببطء وحاول تهدئتها بقوله:
-“اهدي يا نادين، صدقيني أنا بحبك وده السبب اللي خلاني أتجوزك وبالنسبة لموضوع شمس فهي بقيت ماضي وأنا مش بطيق أفتكره من الأساس”.
ضربته نادين على صدره وهي تتحدث بعصبية شديدة نابعة من الهاجس الذي يراودها من حين لأخر ويخبرها أن آدم سوف يتركها مثلما فعل رامز:
-“أنت واحد كذاب؛ لأنك لو كنت نسيت البنت اللي اسمها شمس دي فعلا كان زمانك محيت أي حاجة تخصها بس ده مش حصل والدليل على كده أنك لسة محتفظ بصور الست هانم لحد دلوقتي”.
شعر آدم بصوت نبضات قلبه يرتفع من شدة الخوف بعدما رأى أن زوجته قد وصلت إلى هذه المرحلة الحرجة من الانهيار.
أمسك آدم بكتفيها رغم مقاومتها له قائلا بجدية:
-“الصور دي قديمة أوي يا نادين وأنا كنت عاينها ونسيت خالص أني أتخلص منها بعد ما انتهت علاقتي بشمس، يعني الصور دي مش موجودة هنا عشان أنا لسة بحبها زي ما أنتِ بتتهميني”.

 

لم تستمع نادين إلى حديثه فقد أخذت تندب وتنعي حظها وهتفت بحسرة وسط بكائها:
-“أنا مش فاهمة ليه بختي مايل ومهبب بالشكل ده؟! ليه بتعرض للخيانة على طول؟! معقول أنا مش أستاهل أعيش مبسوطة؟! رامز اتخلى عني زمان ودلوقتي اكتشفت أن آدم بيخوني”.
بات من الصعب بالنسبة لآدم السيطرة على غضب زوجته باستخدام المبررات الواهية ولهذا السبب قرر أن يقوم بالفعل الذي سيجعل نادين تهدأ ولا تشك في إخلاصه لها.
توجه آدم نحو المطبخ ثم عاد بعد بضع ثوانٍ وهو يحمل زجاجة صغيرة تحتوي على البنزين وفي يده الأخرى كان يجر صندوقا معدنيا ذو أرجل عالية ومكشوف من الأعلى يضع بداخله الفحم ويستخدمه في شوي اللحوم.
وضع آدم الصور داخل الصندوق ثم نثر فوقها قطرات من البنزين وأشعل النيران بها تحت نظرات نادين التي لم تكن تتوقع أن يقوم بهذا التصرف.
صرخ آدم في وجه زوجته بنبرة حازمة:
-“إياكِ تجيبي سيرة رامز أو تشبهيني بيه مرة تانية، أنا مش خاين ولا عمري هكون كده ولو سمعت اسم ابن خالتك هنا في البيت تاني مش هيحصل كويس”.
خرج آدم من المنزل بعدما قذف تلك الكلمات في وجهها وتركها تحدق بذهول نحو الصور المحترقة التي تحولت إلى رماد.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
نظرت حبيبة عدة مرات إلى المحفظة التي أخذتها من الممرضة الأسبوع الماضي، واحتفظت بها حتى تسلمها لصاحبها بعدما تسترد عافيتها.

 

خرجت حبيبة من المستشفى ولكنها فضلت البقاء داخل بيتها حتى تسترد عافيتها ثم قررت أن تذهب للعنوان المدون في بطاقة صاحب المحفظة حتى تردها له وتشكره على ما فعله معها.
وصلت حبيبة إلى عنوان منزل مهاب ودقت الجرس ففتحت لها امرأة مسنة نظرت لها مليا قبل أن تسألها عن هويتها:
-“مين حضرتك؟”
شعرت حبيبة ببعض الحرج بسبب نظرات تلك السيدة والتي يبدو من هيئتها أنها كبيرة الخدم في هذا المنزل الذي يدل على ثراء صاحبه.
تساءلت حبيبة بخفوت وهي تضبط وضع نظارتها الشمسية:
-“هو الأستاذ مهاب موجود؟”
رمقتها كبيرة الخدم بامتغاض ثم سمحت لها بالدخول بعدما اتصلت بمهاب وأخبرته بوجود فتاة شابة تسأل عنه.
دلف مهاب إلى الغرفة التي تجلس بها حبيبة وبمجرد النظر إلى وجهها تذكر على الفور أنها الفتاة نفسها التي صدمها بسيارته الأسبوع الماضي.
تحدث مهاب بخشونة وغطرسة وهو يجلس أمامها واضعا ساق فوق ساق:
-“خير يا فندم، ممكن أفهم إيه هو سبب زيارتك ليا؟ لو كنتِ مفكرة أنك تقدري تبتزيني وتطلبي مني فلوس قصاد أنك مش تعملي فيا محضر بأني خبطتك بعربيتي فأحب أقولك اخبطي رأسك في الحيط”.
استغربت حبيبة من هجومه الحاد عليها بلسانه، فهي لم تتوقع أبدا أن يتعامل معها بمثل هذه الحدة لمجرد أنها حضرت إلى منزله.

 

فتحت حبيبة حقيبتها وأخرجت منها المحفظة ثم مدت يدها له بها قائلة بضيق:
-“أنا مش جاية أبتز حد، كل الحكاية أن محفظتك وقعت منك لما وديتني المستشفى، وأنا لما فتحتها لقيت فيها بطاقتك وعرفت منها عنوانك”.
التقط مهاب المحفظة منها فهو قد بحث عنها كثيرا ولكنه لم يخطر في باله أن تكون قد سقطت منه في المستشفى.
شعر مهاب بالضيق لأنه بدا شخصا غبيا وعدوانيا عندما هاجمها واتهمها بمحاولة ابتزازه دون سماع الكلام الذي تود قوله.
اعتذر مهاب عن أسلوبه الفظ بقوله:
-“أنا آسف جدا على الكلام اللي قولته من شوية وشكرا جدا لحضرتك”.
نهضت حبيبة وهي تقول بهدوء:
-“العفو يا فندم، أنا كمان كنت عايزة أشكر حضرتك لأنك وديتني المستشفى رغم أن أنت مش ليك أي ذنب في الحادثة لأن أنا اللي كنت ماشية في الشارع سرحانة ومش مركزة”.
تأملها مهاب لبضع ثوانٍ قبل أن يهتف معقبا على حديثها:
-”واضح جدا من مظهرك دلوقتي وهيئتك وقت الحادثة أنك بتمري بفترة حداد”.
أخفضت حبيبة بصرها تنظر إلى ملابسها السوداء التي لا تزال ترتديها على الرغم من انقضاء فترة الحداد على شقيقها وزوجته.
ابتلعت حبيبة غصة مريرة في حلقها وتمتمت بشرود:

 

-“كل الناس بقت واخدة بالها من القهر اللي ظاهر على وشك يا حبيبة بعد ما خسرت أخويا ومراته اللي هي صاحبتي المقربة دفعة واحدة”.
هتف مهاب بتعاطف لم يتوقع أن يظهره في يوم من الأيام أمام شخص لا يعرفه:
-“البقاء لله، ربنا يجعلها أخر الأحزان”.
لم تتوقع حبيبة أن يصل صوتها الخافت إلى أذني مهاب الذي جعلها تتأكد من تصرفه أن حاسة السمع لديه قوية للغاية.
استأذنت حبيبة حتى تغادر ولكنها تعثرت وسقط من حقيبتها فواتير متأخرة للكهرباء والمياه والغاز لم تقم بتسديدها بسبب سوء أحوالها المادية بعد مقتل شقيقها.
التقط مهاب الفواتير وأعطاها لحبيبة وعرض عليها المساعدة بقوله:
-“لو محتاجة أي مساعدة تقدري تطلبي مني لأن أنتِ رجعتِ ليا محفظتي بالفلوس اللي كانت موجودة فيها والمفروض يكون ليكِ عشرة في المية من الفلوس دي”.
ابتسمت حبيبة رافضة عرضه بتهذيب:
-“شكرا جدا لحضرتك، الموضوع كله هو أني اترفدت من شغلي بعد موت أخويا لأني فضلت غايبة أسبوع والمدير رفض يتقبل عذري، والأمور كلها هتتحسن إن شاء الله أو ما هلاقي شغل جديد”.
حك مهاب جانب جبهته متسائلا:
-“أنتِ تخصصك إيه بالظبط يا آنسة حبيبة؟”
أجابت حبيبة بهدوء وهي تعيد الفواتير إلى حقيبتها:

 

-“معايا كلية تجارة واشتغلت قبل كده في أماكن كتيرة وعندي خبرة في مجال التسويق والدعاية”.
أخرج مهاب من جيبه بطاقة صغيرة وأعطاها لحبيبة قائلا بجدية:
-“الكارت ده فيه عنوان الشركة اللي أنا أبقى مديرها وأنا بكرة هعمل مقابلات مع بعض الناس اللي مقدمة على شغل عندنا فلو أنتِ عايزة تشتغلي تقدري تيجي الساعة عشرة الصبح ومعاكِ الملف بتاعك”.
أومأت حبيبة قائلة بامتنان ظهر معه ابتسامة صغيرة على شفتيها:
-“شكرا لحضرتك يا أستاذ مهاب، عن إذنك”.
غادرت حبيبة وهي تشعر ببعض من الراحة بعدما وجدت فرصة للحصول على وظيفة جيدة تمكنها من تسديد الفواتير التي تراكمت عليها.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أوهام الحب الوردية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى