روايات

رواية الحب أولا الفصل التاسع 9 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الفصل التاسع 9 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الجزء التاسع

رواية الحب أولا البارت التاسع

رواية الحب أولا الحلقة التاسعة

محق من قال ان الصدمات قادرة على ان تفتك بنا فتكاً ذريعاً فنقع الوقعة الكبرى….
تلك الوقعة التي لا تحتاج للمساعدة…بل تحتاج لنا
ان ننهض شامخين دون مواساة……دون استفسارات
كثيرة……
الوقعة التي لا يجوز فيها البكاء…فمن يبكي ينتظر عطفاً من الغير………او ينتظر ان تصلح الدموع
مآسية……..
من وقت ان عادت من الخارج وهي تغلق باب غرفتها
عليها…..تتلوى على الفراش بوجع…. اتتها النوبة
الصراع مع الماضي…. من قسوة وجفاء وظلم
واحداً تلو الاخر… في الماضي تجرعته كالماء كل ساعة وكل يوم…….
الهواء ينسحب من بين رئتاها…. وكانها تشعر بوالدها
يقبض على عنقها بقوة كما كان يفعل عندما يثور عليها غاضباً…….
جسدها يتعرق…… رأسها ستنفجر من شدة الصداع…
قلبها يؤلمها بشدة….. وجسدها كله في حالة تشنج رهيب……….
لم تاتيها تلك النوبة منذ سنوات……
سنوات عديدة تعتكف الهدوء السلام…… الوجهة الباردة للحياة…….حتى تحافظ على نفسها من تلك النوبات شديدة القسوة على جسدها…..
تتسارع الأفكار داخلها اكثر من الازم تهلك عقلا
يعاني دون مبالغة………
صدرها يضيق تختنق……..والماضي يلاحقها…..
في السابق وفي أحد الأيام وصلت لسن الخامسة عشر وكان سناً يلائم المواجهة بنسبة لها…….وقتذاك دخلت على أمها الغرفة وكانت امها تصارع الموت على الفراش لسنوات من شدة الحسرة والقهر والذل التي ذاقته على يد زوجها……والعذاب الذي راوه
أولادها الثلاثة على يديه…….من ضرب لظلم
لتعنيف…لشتائم…….لأهانة…..لحياة أشبه
بسجن مشدد شديدة البرودة والجفاء….
دخلت شهد الى أمها والدموع تبلل وجنتيها
سالتها بانفعال…….
(انا عايزة اعرف هو بيكرهنا اوي كدا ليه…وليه
بيعملني كده…….انا حسى اني مش بنته…..هو
ابويا فعلاً ولا انتي بتضحكي عليا……)
لم ترد امها بل ظلت تنظر اليها بعجز…….فقالت
شهد بتشنج وهي تبكي أكثر……..
(ساكته ليه….ردي….لو كنتي بتحبينا…..كنت اطلقتي
منه و خدتينا معاكي……وبعيدنا عن هنا……..ليه قبلتي
الاهانة……ورضيتي لينا بالذل……ليه يا ماما…….)
لم تكن تتحمل عتاب ابنتها…فهي تجلد نفسها لسنوات نادمة على عمراً ضاع في المحاولات
والامال الكاذبة…..
(عندك حق كله ده بسببي……حقكم عليا……سامحيني
ياشهد….انا فاضل بيني وبين الموت خطوة…..)
جلست شهد على حافة الفراش وقالت بغصة مختنقة…….
(متقوليش كده….انا بحبك ياماما….ومليش في الدنيا
غيرك…….بس فهميني……اي اللي يخلي الست تقدم التنازلات دي كلها……….)
قالت كريمة بمرارة……….(الحب…….)
نظرة لها شهد بعدم فهم……(إيه…..)
فتابعت والدتها مرارة الكلمات كالعلقم في
حلقها……..
(ساعات بنتنازل عشان بنحب…وبنسامح في حقنا وبنغفر عشان بنحب……وبنشوف ان الحب أول
واهم حاجة بينا…..بس مع الوقت…..بيتقلب
الحب للعنه…..لعنة بتتحول لكره…..والكره بيبقا
ندم…….والندم بيوصل للمرض…..والمرض يعني
موت….وانا قربت من الموت……)
كانت شهد غير مستوعبة بعض كلمات امها….
فمسكت امها يدها قائلة بضعف……..
(اوعي تقدمي تنازلات……حتى لو بتحبي……اوعي
ياشهد……..)
سحبت شهد يدها وهي تسأل امها بغصة
مريرة……..
(ليه بيكرهنا…….وليه مش بيطقني……وطالما مش بيحبك زي مابتقولي……ليه كمل…..)
قالت والدتها بصعوبة…….
(انتي اللي خلتيه يكمل….انتي اللي عجزتيه…..
وبعدتيه عن الست اللي حبها ….)
انتفضت شهد بصدمة…..
(انا إزاي ياماما………ومين الست دي……..)
قالت والدتها بعيون دامعة……
(إلهام……..واحده اسمها إلهام…..كانت جارتنا زمان….وكانت صاحبتي كان سري معاها…وكنت بدخلها بيتي أأكلها وشربها وتساير معاها…….كنت بعملها زي اختي الصغيرة……..)
ثم اخذت نفساً متعباً متابعة سرد القصة منذ البداية……..
(ابوكي من يومه قاسي…..لكن عمره مامد ايده عليا ولا طول لسانه…..لكن لم شافها وقرب منها….ووقعته
في شبكها……اتغير اتغير أوي…….حصلت مشاكل
كتير بسببها……خانة العيش والملح…..بعد ما تاكدت
انهُ حبها ومستعد ينفذ كل طلبتها…..كان أول طلب
منها ان يطلقني ويرميني في شارع……..)
ابتسمت بسخرية مريرة متابعة…..
(وابوكي مقالش لا….آه مقالش لا….اصله حبها…حبها اكتر مني ومن ابنه اللي كان لسه تلات سنين
مصعبتش عليه رغم اني كنت حامل فيكي ساعتها….وعلى وش ولاده……)
مسحت دمعة فارة من عينيها……
(الناس ادخلت بينا…وابويا الله يرحمه حاول يصلح بينا….. كان راجل كبير ورجله والقبر…. كان خايف اتبهدل من بعضو بالعيلين الي رجعالوا بيهم… دا
غير كلام الناس اللي مبيرحمش…….)
قالت بابتسامة موجوعة…….
(ابوكي متهزش…. ورمى عليا اليمين…. يومها وقعت
من طولي…….. وجت ساعة والادتك…… وجيتي لدنيا
ساعتها الناس كلت وشه…. مراتك جابت بنت هترميها
في شارع….. لِم عرضك وعيالك وتقي الله…. عيالك
محتاجينك………)
نزلت دموع والدتها فلم تمسحها وتابعت بقهر كبير
فقد وقع عليها ظلم كبير ضرب كرامتها
وكبرياؤها عرض الحائط……
(قالهم ساعتها انه بيحب واحده وعايز يتجوزها….
قالولوا اتجوز الشرع حلالك أربعة…… ومراتك ملهاش
دعوة طالما هتعدل مابينهم……)
(قدام بصة ابويا وكلام الرجالة اتكتمت……كان مغلوب على أمري….ومكنتش عايزة أطلق..خفت
عليكم من البهدلة………)تابعت بنفساً متحشرج….
(ساعتها راحلها وطلب ايدها….رفضته وطردته من بيتها………وقالتلوا انا مدخلش على ضرة…يانا يا
هي….ولانه قدا كلمة قصاد الرجالة مقدرش يرجع
فيها….ورجعني تاني على ذمته……وعاش معايا
غصب عنه….معاملة وحشة واهانه وضرب…وكل ماكنت اشتكي لحد من قريبي…..يقولولي عيشي
واسكتي عشان خاطر عيالك……..)
مسحت شهد دموعها وهي تسأل امها
بحسرة……
(وانتي شايفه انك كده ضحيتي عشانا….انتي رمتينا
ورميتي نفسك في النار…….دا مش حب دا مرض
خبيث…..اذاكي واذانا……..ولسه بيكمل علينا…..)
ثم سالتها بكره……..
(وياترى بقا الست ديه فين دلوقتي……لسه مكملة
في خراب بيتنا…..اكيد لسه بتقويه علينا……)
هزت امها راسها وقالت……..
(الهام اتجوزت ياشهد….اتجوزت ابن تاجر دهب كبير
أوي……..وخلفت منه كمان……..اللي عارفنها كويس…. جم وبلغوني…..إلهام خرجت من حياتنا….بس مخرجتش من قلب ابوكي………)
زمجرت شهد بكرهاً شديد…….
(اللي زي ده معندوش قلب….مش فاهمه…حبتيه إزاي؟!……..)
قالت امها بوهن…….
(في حاجات مكتوبه……لازم تحصل….حتى لو ندمنا
عليها بعد كده………كان لازم تحصل…….)
تتردد جملة امها الاخيرة في اذانها تقصف داخلها كالرعد…..فتبكي…..وتنهار…….ويزادد وجعها…فتظل
تتلوى وكانها اصيبت بمسٍ لا علاج له……
……………………………………………………………..
من يصدق انها هكذا منذ ثلاثة أيام…تغلق الباب على نفسها تنام كثيراً بغرض الهروب….. تذهب للحمام
عند الغرض ثم تعود وتغلق الباب عليها…لم تأكل
إلا القليل بأصرار شديد من حمزة وكيان واحيانا قمر….
والذين لم يتوقفوا عن السؤال بقلق عن الحالة
التي وصلت اليها……
لكنها لا تجيب…….تكره تلك النوبة…..التي تنقلب لاكتئاب حاد وانعزال عن العالم بأكمله……..تكره الضعف وتلك النوبة تجعلها هزيلة ضعيفة…تفقدها صبرها وقوتها واهدافها……….
قد اغلقت هاتفها وتركت خلود تفتح المطعم وتباشر العمل مع الفتيات….وتهتم بكل شيء……
ياتي عاصم للمطعم يومياً ولا يجدها……ويسأل
خلود عنها فتخبره انها متعبة واخذت فترة راحة…..
ثم ستعود قريباً….يتصل بها كثيراً لكن الهاتف دوماً
مغلق……
قلبه مشغول عليها وعقله ليس على ما يرام……..فقد أصبح هو ايضاً مشوش من ابتعادها المفاجئ والذي
لا يعرف لهُ سبب……..
لو كان يملك من الجرأة قدر أكبر من ذلك لآتى لمنزلها
وطمئن عليها بنفسه….لكن مع لأسف….هو مُقيد…
وهي قاسية عليه……تحرق قلبه بنار مستعارة……
في اليوم الرابع صباحاً في تمام التاسعة…..استيقظت من النوم………وهي تشعر انها كرهت هذا الفراش وحيطان غرفتها الباهته…….كرهت الظلام ورائحة
الغرفة المكتومة……
فاتجهت الى النافذة وفتحتها…. فلفح وجهها الهواء والشمس داعبت عينيها……. فسالت نفسها بدهشة
كيف تحملت الحياة دون نسمة هواء وشعاع
شمس لمدة ثلاثة أيام…….
كفاها انعزل وبكاء وغضب….. يجب ان تعود لعهدها
وتلقي كل شيءٍ خلف ظهرها……
ستتابع عملها في المطعم وستنهي الوليمة المتفق عليها… والتي تقاضت جزء من أجرها……
ستنهي كل شيءٍ وستحذف أحداث الشهر السابق والمشاعر الغبية التي كانت تلاحقها وقتذاك…. ستنسى وتسير كما تريد…. دون الالتفات لاي
رجلاً مهما كان………
خرجت شهد من غرفتها….فوجدت قمر تنظف غرفة الصالون……فقالت شهد بتجهم…..
“بتعملي ايه ياقمر…….”
رفعت قمر عينيها بدهشة…فهي لم تسمع صوتها منذ ثلاثة أيام…….يبدوا انها افضل الآن فقد عاد وجهها
للحياة بعد ان كان شاحب شحوب الأموات…..وقد عادت عينيها الى طبيعتهما بعد ان كانوا حمروان
من شدة البكاء المستمر………
لكنها فقدت وزنها بشكلاً ملحوظ….مما جعلها هزيلة
توجع قلب من يراها !……..
“انتي مش جايه هنا خدامة….سيبي اللي في
ايدك ده…….”
هزت قمر كتفها متحيرة….
“ليه بتقولي كده…..اهو اي حاجة بدل قعدتي دي…….”
قالت شهد بملامح جامدة…..
“انا جعانه أوي….هحضر فطار…تفطري معايا…..”
ابتسمت قمر قائلة بمزاح……
“سبقتك والله….بس انا طفسه…ممكن قعد معاكي وفتح نفسك على الأكل…….”
بادلتها شهد الإبتسامة بمكر…..
“وانا استغلاليه وهقولك تعالي ساعديني…..”
“يسلام انتي تأمري…..”لحقت بها قمر بتودد…….
عندما وقفا الفتيات معاً في المطبخ…..كانت قمر تقطع الطماطم جانباً…بينما شهد تدحرج البيض
في المقلاه…….
قالت قمر بابتسامة حنونة……
“الحمدلله بقيتي أحسن من الأول……”
اومات شهد بفتور….. “آه…… الحمدلله……”
تساءلت قمر بفضول……
“بس انتي كان اي اللي تعبك اوي كده……….”
ردت شهد على مضض…. “مشاكل في الشغل…….”
اتسعت عينا قمر وقالت مستنكرة…..
“شغل إيه اللي يخليكي تعملي في نفسك كده…انتي
مشوفتيش نفسك ولا إيه….دا اخواتك كان هيموتوا من الخوف عليكي…..”ثم إضافة بعدم رضا…..
” لا بجد ياشهد انتي غلطانه…..بلاش تاخدي كل حاجة على صدرك كده….دانتي تروحي فيها….”
رمشت شهد بعينيها عدت مرات ثم استدارت لها
قائلة…. “الاعمار بيد الله……قطعتي الطماطم…….”
“آآه خدي…….”اعطاتها قمر الطبق…..فتابعت شهد
ماتفعله…..حتى سألت قمر بعد لحظات……
“اي رأيك في القعده معانا…….”
ابتسمت قمر مجيبة بملل….
“كويسة….لكن الصراحه انا زهقت وعايزة ارجع وكل ما كلم خالي يتحجج….ويقولي انه مش فاضي….”
افرغت شهد محتوى المقلاه في طبق وهي
تقول بملاطفة……
“مصيرك هترجعي ياستي…واديكي قعده معانا شوية……وبعدين انا فوقتلك خالص…يعني هنرغي كتير ونخرج كمان…….وفرجك على اسكندرية
حته حته ها اي رأيك……..”
ازدادت ابتسامة قمر حتى شملت وجهها ثم
صرحة بمحبة….
“تعرفي اني حبيتك من أول ماشفتك…….”
ادعت شهد الغرور…….
“عارفه….مش أول حد يقولي كده…..واضح
اني اتحب……..”
اكدت قمر بود…….
“اوي والله…..ربنا يحميكي….ويفرح قلبك…..”
شعرت شهد بالحنين لأمها فقالت…..
“فكرتيني بماما…..كنت دايما تدعيلي الدعوتين دول………” ثم حملت صنية الإفطار…..
“يلا بينا نفطر………”
وضعت شهد صنية الافطار على السفرة
وقالت بمرح…….
احلى حاجة ان البيت هادي وكله في شغل…. وانا اجازة كمان…. يعني هنرغي براحتنا… وهتحكيلي
عنك أكتر…..يلا بسم الله ….. ”
جلست شهد وكذلك قمر…….
ثم غمست شهد اللقمة في الجبنة ووضعتها
في فمها…….
وكانت أول لقمة تشعر بمذاقها……ورغم انها كانت تأكل لقيمات صغيرة بألحاح من شقيقيها إلى انها لم
تستطعم مذاقهما أبداً…….ربما تأثير الحزن والبقعة
السواء التي وقعت بها لثلاثة أيام متتالية……
بعد ثلاث ساعات……قد اغتسلت شهد وغيرت ملابسها ببجامة أنيقة….ثم ربطة شعرها بضفيرة قصيرة ترتاح على ظهرها……….
جلست مع قمر امام التلفاز…..وهي تمسك هاتفها تفتحه قليلاً متفحصه شبكة التواصل الإجتماعي
فوجدت ان هناك عدد كبير من الطلبات التي اتتها
ولم تجيب عليها…….وهناك من حظرها لعدم مصدقيتها…وسوء الخدمة…..
اغلقت الهاتف والقته جوارها بغضب….فسالتها
قمر برفق……
“مالك ياشهد……..بترزعي التلفون كدا ليه….”
قالت شهد مقتضبة……
“مفهوش حاجه عدلة….كلها حاجات تحرق الدم…”
أنارة شاشة الهاتف فخفق قلبها دون ان تلتقط عيناها اسمه…….. مسكت الهاتف وظلت تنظر اليه بحيرة
ام ان تجيب او تهرب كما فعلت الأيام السابقة…
كانت تتابع قمر مايحدث بحاجب مرفوع… ثم لم تلبث إلى وقالت……
“هتفضلي تسيبي تلفونك يرن كتير…… ماتردي…”
نظرت لها شهد ثم للهاتف…لذا اقترحت قمر
بدهاء…….
“تحبي أرد مكانك….. وقول للي بيتصل انك
نايمة…..”
هزت شهد راسها وهي تنهض من مكانها….
“لا انا هرد…….شوية وجاية… ”
اومات وهي تراها تدلف لغرفتها… فعادت لمتابعة التلفاز متنهدة بملل…….
في منتصف الغرفة وقفت مشدودة الأعصاب..وبدون تقهقر أكثر فتحت الخط وهي تسحب نفساً عميقاً
“الو…….سلام عليكم……”
(شـهـد…..)اللهفة في صوته جعلت قلبها يخلتج
بين اضلعها…….
تسمرت مكانها للحظات وتلجمت غير مدركة من
اين تبدأ…….
فقال عاصم بصوتٍ حنون يبث الدفء
والطمأنينة لجسدها المنهار….
(شهد انتي كويسة…. قفله تلفونك ليه… ومش
بتيجي المطعم ليه…… خلود بتقول انك تعبانه
عندك اي ياشهد…….طمنيني…)
ظلت متسمرة مكانها بقلب يخفق باضطراب……في محاولة منها لإيجاد رداً مناسباً ومقاطعاً……..
“شوية برد……… انا كويسة…. شكراً على السؤال.. ياستاذ عاصم……”
(أستاذ…….)رددها بعدم فهم….ثم لم يلبث الا
واخذ نفساً خشن قائلاً بحزم…..
( شهد انا عايز اتكلم معاكي ينفعي تنزليلي…..)
سالته بعينين متسعتين…..
“نتكلم في ايه….. ثواني ثواني هو يعني إيه انزليلي…”
رد رداً قاطعاً….
(يعني انزليلي ياشهد…… انا واقف تحت …..)
فغرت شفتيها مستنكرة…..
“واقف تحت؟!………اي اللي بتعملوا ده…..”
نظر امامه مقطباً بعينين متجهمتين ليقول…..
(انتي اللي عملتي مش انا…. عيزاني اعمل إيه
وانا مش عارف اوصلك…..وبقالي تلات ايام… بلف
حولين نفسي……انتي اختفيتي فجأه…..زي
ماظهرتي فجأه…….)
اشتعل صدرها وهي تقول بتشنج….
“معناه اي كلامك… ساحرة انا ولا إيه…. عاصم روح لو سمحت انا مش هنزل….. حمزة زمانه جاي مش عايزه مشاكل…….. وبعدين انا بنت عمتي قاعده معايا… اسبها إزاي ونزل…….”
هتف عاصم بصلابة…..
(اتصرفي ياشهد…. لازم اشوفك دلوقتي……)
سارت في الغرفة بخطوات
هائجة….
“بلاش تحكمات…. قولتلك مش هنزل……”
(يبقا هطلعلك أنا…..)قالها بتهور…
فصاحت متأوه بغضب….
“عاااصم……”
تمتما هو من بين أسنانه…….
(يحرق عاااصم….. ياطلعلك ياتنزلي اختاري……)
قالت بانزعاج شديد……
“دا مش كلام ناس عاقلا…. احنا مش صغيرين على الكلام ده……”
هتف عاصم هاكماً…..
(قولي الكلام ده لنفسك ياللي بتهربي وبتختفي…)
“انا حرة……”من بين اسنانها المطبقة قالتها بانفعال
شديد… مما جعله يقول ساخراً…….
(وعشان انتي حرة تعملي فيا كده….)
خفق قلبها فجأة…. لذا تاوهت بأسمه قائلة
برجاء…. “عاصم……”
لم يتنازل بل أصر بصلابة قائلاً….
(اختاري ياطلعلك…. ياتنزلي….. المهم اشوفك….)
ظلا صامتا لدقائق كل مابينهما أنفاس غاضبة
واخرى مضطربة…. حتى قالت شهد بانهزام..
“خمس دقايق ونزلالك…….”
سحبت شهد سترة بيضاء تصل لفوق الركبة ارتدتها فوق بجامتها…… ثم التقطت مفاتيح الشقة وخرجت من الغرفة…..
استقبلتها قمر واقفة بتعجب…..
“لبسه كدا ليه….. انتي سقعانه ولا إيه……..”
اهتزت حدقتاها ورمشت عدت مرات وهي
تخبرها بتلعثم…..
“هنزل اجيب لبن…. من عند البقال…….”
“بس فيه لبن في التلاجة…..”قالتها قمر بحاجب معقود……..
تلجلجت شهد قليلاً…….
“ااه صح…. بس في نوع معين… حلو أوي…
بحب اجيبوا…..”
اقترحت قمر بلطف…. “تحبي اجي معاكي…..”
“لا…. لا…. خليكي انا مش هتأخر دقايق وجايه….”
اتجهت شهد سريعاً الى باب الشقة وخرجت واغلقته
خلفها ثم وضعت يدها على صدرها متنفسة الصعداء……..
بالاسفل كان يقف عاصم بانتظارها يقف على غير هدى…..متضخم الصدر بينما النفس في صدره
قد تحول الى آتونٍ مشتعل يغلي…….شوقا
اليها وقلق عليها……
وكانه قد وقع تحت تأثير تعويذة مُعقدة لا نجاة منها ولا أمل في فكاك طلاسمها….
بدأ قلبها يخفق بهيسترية كأرنب مذعور وهي تخرج من باب العمارة….لتجده يقف امام سيارته ينفث من سجارته بشراهة في انتظارها……
وعندما التقت أعينهما ببعضها…..سريعاً مرتا عيناه
على جسدها بنظرة متفحصة …ثم لم تلبث الى وتجهمة ملامحه…..وهو يلقي السجار أرضاً داعس
عليه بحذاءه……..
امام عيناه المكتسحة…..ارتبكت بشدة…واقتربت
بوجل…..حتى وقفت امامه محتقنة الوجه
وبنظرات عنيفة ضمة ساعديها امام صدرها….
“اديني نزلت زي مانت عايز….خير ياعاصم…..”
راقب العنفوان على ملامحها المستاءة والحزن المحمل بين بؤرةِ عينيها…….وجسدها الهزيل…حتى عينيها فقدت صفاء عسليتهما……..فأصبحت اشد قتامة وحزناً……….
“انتي بتهربي مني لي ياشهد……”
تاففت بصوتٍ عالٍ وهي تدير وجهها….
“اي اللي هيخليني أهرب….قولتلك كُنت تعبانه……”
قال عاصم بحزم…… “وليه قفلتي تلفونك……”
ردت بضيق أكبر…… “عشان مش قادرة اتكلم…….”
تافف وهو يستغفر في سره ثم عاد لعينيها
غاضباً…..
“انا مش عايز اكلمك…..انا كنت عايز اطمن عليكي…”
قالت بجمود…… “واديك اطمنت انا كويسة…….”
شعر بالحنق من ردها البارد…فقال بانفاسا
متهدجة………
“بصي انا هسالك سؤال….وتجوبيني بصراحة…”
فكت ساعديها منتظرة السؤال بثباب……فسألها
عاصم بعينين تكتسحان ككلماته……
“انتي تعرفي مراة عمي…….اتقبلتوا قبل كده….”
بلعت ريقها وهي تسأله بوجل…..
“ليه بتقول كده……”
تضخم صدره بمشاعر سوداوية قائلاً
بقتامة…
“عشان وشك اصفر أول مشوفتيها وفضلتي مبرقه
شوية…وبعدين خدتي بعدك بسرعة ومشيتي….
وبعدها قفلتي على نفسك….ومعرفتش اوصلك…”
تحولت عينيها الى كورتين من الجليد
العسلي….فقالت بنزق….
“مفيش حاجة بيني وبينها…انا معرفهاش…انا
صدعت فجاه ومشيت…وبعد كده الصداع قلب
بدور برد…..دي كل الحكاية…….”
لم يرد بل ظل ينظر لعيناها بصمت والغضب
يأبى ان يستباح….لذا قالت شهد بصلابة…..
“وحبى اطمنك اني هكون موجوده يوم السنوية والفلوس اللي خدتها هدفعها اجرة للبنات اللي هتيجي معايا…….”
نظر لها بضيق….وهز راسه بابتسامة ساخرة
مُرة……
“وانتي فاكرة اني جاي هنا عشان السنوية والفلوس……انتي قلبتي عليا كدا ليه….في
إيه انا مش فاهم……..”
صاحت شهد تلك المرة بقسوة على قلبها
وقلبه………
“لازم تفهم…ان كل اللي بينا شغل….مش أكتر……”
ارجع راسه للخف جافلا بينما السهم السام اخترق صدره………فتبدلا النظرات لبرهة حتى أبعد
عاصم عيناه عنها قائلاً بتجهم………
“تمام…….. الرسالة وصلت……..”
“حمزة…….”
تفوهت بها شهد بعد ان انتبهت لسيارة حمزة التي
صفت جانباً وخرج منها وقد انتبه لوجودها
هي وعاصم……….
مما جعل حمزة يتقدم منهما بحاجب مرفوع وبوجه
مكفهر سائلا بعد ان وقف بينهما…..
“اي اللي موقفك كده……”
ثم نظر لعاصم بعينين مشتعلتين غير
متهاونتين…..
“خير يامعلم عاصم……. في حاجة…….”
نظر عاصم لحمزة ثم لشهد التي وقع قلبها أرضا
بخوف شاعره بالارض تدور بها بعد هذا الموقف
المحرج……..
………………………………………………………………
في منتصف صالة المنزل…كان يقف حمزة في مواجهة أخته….بينما تقف قمر بينهما على بعد
ثلاثة خطوات تتابع مايحدث بدهشة….
صاح حمزة بغيرة بعسليتين مشتعلتين…….
“انا عايز افهم….اي اللي كان موقفك تحت مع
عاصم…….وقفين سوا ليه….اي بينك وبينه….”
هزت شهد رأسها باستياء ثم عادت اليه
قائلة بهدوء……..
“هيكون بيني وبينه إيه….ممكن تديني فرصة اشرحلك……”
وضع يده في خصرة يهدأ من انفاسة المتلاحقة بغضب…….. “اتنيلي اشرحي……..”
مررت قمر عينيها عليه باشمئزاز وتدخلت في
الحوار ممعتضة منه…..
“اي الاسلوب المعفن ده….ماتكلم مع اختك عدل….”
نظر لها حمزة بقوة وهتف بصرامة……
“اتقلي………. اتقلي انتي كمان دورك جاي……”
فغرت قمر شفتيها ذاهلة……
“اسم الله…..ليه بقا ان شآء الله……..”
لم يرد عليها بل عاد لاخته ومزال في حالة
اهتياج لا مرد له….”انا سامعك اتكلمي……”
رمشت باهدابها عدت مرات ثم بللت شفتيها وقالت
بهدوء مراقبة لتغيرات ملامحه……
“في بينا شغل…….هو كان مكلفني بشغلانه…..”
مرر حمزة يده على وجهه بنفاذ صبر متمتماً….
“اه شغلانه…….انا معرفش عنها حاجة أصلا..طب كملي اي هي الشغلانة……..”
قالت بتلعثم وهي تهرب من عيناه الغاضبة…..
“جدته بتعمل سنوية جده كل سنة…بتعمل وليمة
وبتعزم فيها الناس الغلابة……وهو كلمني عشان
اطبخ في اليوم ده…وروحت قبلت جدته واتفقت معاها….وخدت منها عربون كمان…….اجرة البنات
اللي هيشتغلوا معايا……”
جفل بصدمة وبدأ يعد على أصابعه ماحدث
من خلفه ظهره بمنتهى الانفعال……
“روحتي بيتهم…وتفاقتي معاهم….وخدتي فلوس….وكل ده من ورا ضهري……كنتي
هتقوليلي امتى ياشهد….”
“كنت هقولك والله في أقرب وقت…….”قالتها
وهي ترفع سبابتها مبررة….
ابتسم حمزة ساخراً بغضب…..
“اللي هو إمتى….لم تخلصي خالص مش كده…”
ادعت شهد الثبات وهي تهز رأسها….
“مانت مكنتش هتوافق ياحمزة….وبصراحة المصلحة
دي فيها قرشين حلوين……”
رفع حاجبه بشك أكبر……
“آه مصلحة……ومن امتى شهد بتحسبها كده……”
اكدت شهد مستنكرة……
“في الشغل بحسبها كده…..ولعلمك انا مينفعش
إرجع في كلامي انا اديت للست كلمة…وخدت
منها فلوس……”
برق حمزة بعيناه صائحاً……
“لا هترجعي في كلمتك والفلوس هترجع…عشان متعمليش حاجة من ورايا تاني……”
دبت شهد بقدميها راجية…..
“لا ياحمزة ونبي متصغرنيش……”
احتد عليها صارخاً……
“مين فينا اللي صغر التاني انا ولا انتي……”
كانت ستبكي وهي ترجوه… “ياحمزة افهمني…….”
قاطعها بصرامة……
“خلصنا ياشهد مش هتروحي…..ولا هتدخلي بيتهم تاني….”
قالت بنبرة مجهدة…….
“قولتلك مش هبقا لوحدي فيه اكتر من خمس بنات
هيكونوا معايا….. ياحمزة حرام عليك متقطعش
برزقي ورزقهم…….”
اندهش من الألحاح المستمر فعقب
متعجباً….
“الله؟!…. انتي ملهوفه اوي على الشغلانه دي كدا ليه…”
كانت في أوج الهدوء وهي تجيب بسلاسة…..
“لاني خدت مبلغ يعتبر كبير وصرفته اجره للبنات
ومش معقول هاخده منهم ورجعوا….حرام عليك…”
تافف حمزة وهو يميل بوجهه للناحية
الأخرى…. “انتي بتعجزيني ياشهد……”
هزت شهد راسها قائلة بصدق…..
“والله ما قصد…بس دي الحقيقة…….خلود اتفقت معاهم إمبارح…وخدت مني الفلوس ودتها ليهم..
انا مش كدابة…….”
برقة عينا حمزة بغضب كلما تذكر وقوفها مع
هذا العاصم…
“وبتاع ايه يجيلك لحد هنا……بتاع إيه.. ”
وضعت شهد يدها على رأسها لبرهة بتعب
من كثرة الجدال معه…… ثم اجابته بعدها
باختصار شديد…….
“لاني بطلت اجي المطعم…وهو عايز يعرف…..
هاجي زي ماتفقت مع جدته ولا غيرت رأيي…..”
ضيق حمزة عيناه وهو يشعر بشيء
مريب……..
“انا شامم ريحة كدب…..في حاجة غلط……”
لم ترد شهد بل فضلت الصمت فهي تعبت
من كثرة الجدال……..فنظر حمزة لقمر الواقفه
بينهما عن بعد تتابع بصمت……
“وانتي سبتيها ليه تنزل…تكونيش بداري عليها…”
جفلت قمر بصدمة وهي ترتعد للخلف
خطوة…. فهدر حمزة بعصبية عليها هي
الاخرى…
“ماتردي……ساكته ليه”
فارة الدماء في عروق قمر فلوحت بيدها اليه متشنحة….. “بتجعر كدا ليه……مابراحة…….”
اتسعت عينا حمزة مردد الكلمة….. “انا بجعر…….”
ابتسمت شهد واخفضت وجهها….فنظر لها
حمزة بحنق……
“انتي بتضحكي ياشهد…….”
اومات شهد وهي تنظر لعينا اخيها بمرح….
“عندها حق ياحمزة…….”
“عندها حق….. كسر حوقها……..”ثم نظر لقمر بملامح
مكفهرة قائلاً بتحذير …….
“انتي يابت انتي لمِ لسانك عشان انا على أخري
منك…”
قربت قمر راسها منه بحدة….
“اي بت دي اسمي قمر…….”
قرب هو أيضاً راسه منها قائلاً بسماجة…..
“أمر بستر ياختي…..مش مبلوعه….اسمك مش
نزلي من زور……..كله نفاق وكدب……”
ابعدت راسها للخلف وهي تدعي الضحك
بحنق……
“هاها….خفيف الدم أوي……ضحكتني… ”
تافف حمزة بندم وهو يضرب يد بالاخرى….
“والله انا غلطان كنت سبتك ليهم كان زمان
صورتك دلوقتي معروضة في صفحة الحوادث……..”
هتفت قمر بشراسة….
“بعد الشر عليا………ان شاء الله انت……”
لوى حمزة شفتيه ونظر لها بغرور…..
“عيب في حقي الدعوة دي….عشان احنا رجالة أوي…….وبعدين انا اخطف…..متخطفش……”
كانت تلك المرة تقف شهد بينهما عن بعد خطوة واحده تتابع مايحدث بعدم فهم مما دفعها
للسؤال…….
“انتوا بتقولوا إيه……حوادث ايه وخطف إيه….”
نظر لاخته ثم عاد لقمر التي أحمر وجهها
بغضب شديد……بينما تنظر اليه شزراً…..
“دا حوار قديم كده بيني وبين قمراية…….”
ثم القى نظرة اخيرة على قمر وابتعد….فسالته
شهد مهتمه…..
“رايح فين ياحمزة…….”
رد بوجوم دون النظر إليها…..
“هتزفت اعمل قهوة…….”
اقترحت شهد بحنية…… “استنا اعملهالك…….”
تابع حمزة خطواته للمطبخ قائلاً بتهكم…..
“مش عايز منك حاجة…. وقطمي معايا ها…… عشان
تبقي تخبي عليا وتستهيفيني كويس…….”
نادته شهد بأسى……. “ياحمزة اسمع……..”
لم يرد عليها بل دخل المطبخ متجاهلها……فقالت
قمر وهي تجلس على الاريكة بضيق…..
“سيبك منه اخوكي ده مجنون…… ولسانه
متبري منه…..”
اومات شهد براسها مضيفة
بمحبة…..
“بس طيب……. وبيخاف علينا…..”
في تلك الأوقات تحت كيان باب الشقة وهلت
عليهما بشقاوتها المعتادة…….
“ساموو عليكووووو…..”
لم ترد قمر وشهد بل ظلت ملامحهن واجمه واعينهما حانقة…….
فاقتربت كيان منهما وتوسطت احد المقاعد متأوهة بتعب وهي تقول…….
“كان يوم متعب أوي…..شهد طبختي إيه عشان انا جعانه……..”
لم ترد عليها شهد بل مطت شفتيها بضيق….فنظرت
كيان لقمر ووجهة الحديث لها…..
“طب ردي انتي يابنت عمتي……فيه اكل ولا
هنقضيها معلبات…….”
لم ترد كذلك قمر بل اشاحت بوجهها متاففه….
فصاحت كيان بغضب….
“في اي ياجدعان ليه قاعدت المطلقين دي…ماتردوا
عليا…..هو أبويا هنا…وانا مخدتش بالي من عربيته…”
اخبرتها قمر بوجوم…..
“حمزة اللي هنا…ولسه شادد مع شهد بالكلام…”
توسعت عينين كيان بحسرة….
“ينهار كحلي يعني هو مضايق……”
اومات قمر مؤكدة…… “على آخره……”
كانت ستبكي وهي تسأل اختها بحسرة…..
“عملتي اي ياشهد حرام عليكي دا انا كنت عيزاه
في موضوع مهم اوي…..”
سالتها شهد بضيق….. “موضوع إي ده……”
همست كيان لهن…… “أصلي راحه حفلة……”
توسعت عينا شهد وتشدقت….
“نعم….. حفلة ايه….احنا من امتى بنروح حفلات..دا احنا بنروح افراح بالعافية……”
“اديكي قولتي بنروح أفراح بالعافيه…الحفلة دي بقا
على شرف المحامي سليم الجندي…اللي شغاله عنده……”ثم تابعت بزهو وعينين تلمعان بحماسية…….
“أصلاً كسبنا قضية كبيرة أوي…وراجل صاحب القضية عامل حفلة وعزمني انا والاستاذ سليم
وانا هموت وروح…….”
برمت شهد شفتيها مصرحة……
“اتنيلي تروحي فين…….دا كان هيبلعني لما لقاني
وقفه مع عاصم تحت……”
هتفت كيان مبتهجة…..
“الله……. هو عاصم كان هنا……”
ردت شهد بارتباك…… “كان جاي في شغل……”
علقت كيان بغمزة ماكرة……
“من امتى في بينكم شغل……بقيتي بتخبي وتدراي ها…… وكاننا مش اخواتك….. ”
تاففت شهد بتململ…..
“بعدين بعدين هبقا احكيلك…..المهم انسي حوار الحفلة ده…….”
هتفت كيان بأنين متوسلة…….
“لا ونبي انا لازم اروح…..انا هموت وشوف الحفلات دي على الطبيعية…….انا طول عمري بشوفهم في المسلسلات ياشهد……”ثم استأنفت حديثها بانتشاء…..
“تعالي نتخيل اني روحت الحفلة دي…وقبلت فارس
احلامي…..واول ماشفني قال هي ده…..اللي هتحدى العالم عشانها……..”
استلمت قمر دفة الحديث قائلة باستهانه…..
“يتحدى العالم ؟!… اي الاوفر ده……مايجي
يتقدملك ونخلص……”
مطت كيان شفتيها بقرف وعقبت…..
“اسكتي انتي ياجاهلة….دا عشان مش بتابعي مسلسلات….. معندكيش حس مرهف……..”
قلبت قمر شفتيها
مغمغمة…. “مرهف؟!…. ربنا يشفيكي…….”
ثم مالت على شهد ناصحة إياها
بتوجس….
“اقسم بالله خايفه على عقلك منهم…حصني نفسك…….واحده عايشة دور السندريلا…والتاني
بيتعارك مع دبان وشه……”
زفرة كيان متذكرة….
“يااي فكرتوني……..هجبهاله إزاي……..”
احتدت نظرات شهد عليها….
“تجيبي إيه….اتلمي ياكيان مفيش حفلات ولا زفت…….”
نهضت كيان واوشكت على البكاء وهي
تقول….
“يووه بقا متكسروش بنفسي انا هموت وروح….
بس معنديش دريس حلو يليق على المكان اللي هنروحوا……..”
تطوعت قمر قائلة…….
“انا عندي فستان حلو اوي…ممكن اسلفهولك….”
نظرت كيان لجسد قمر بغيرة
وقالت بقرف……
“لا طبعاً انتي املى مني….فمش هينفع…..”
ارتفع حاجبي قمر بصدمة ونظرت لشهد التي كبحت ضحكتها بيدها مطرقه براسها أرضاً……
ففي الحقيقة اجسادهما تختلف…فـقمر طويلة القامة نحيف الجسد كعارضات الازياء الفاتنات…ام كيان فهي قصيرة القامة عنها قدّها مكتنز اكثر منها
بقليل……..
إشارة قمر على نفسها بعدم
استيعاب…..
“انا اللي مليانه برضو……”
اومات كيان ببرود…… “عندك اعتراض…….”
نهضت قمر من مكانها بترفع…بتلك البجامة
الانيقة التي تبرز نحافة جسدها……
“مش هدخل في نقاش مع واحده عاميه…..”
هاجت كيان واقفه تنوي العراك……
“مين دي اللي عامية…..لا بقولك إيه….دا انا شرشوحة……..”
وقفت شهد وتدخلت بينهما بحزم….
“ماتهدي ياكيان…اسكتي ياقمر…ايه هتمسكوا
في بعض……..”
هتفت قمر بضيق شديد…..
“انتي مش شايفه ردها ياشهد….مع اني مغلطش
انا قولت اساعدها…”
هدرت كيان بغل…..
“مستغني عن خدماتك ياحلووه……يبتاعت البقلاااااوة…….”
دفعت شهد اختها للخلف قليلاً…. “اعقلي ياكيان……”
قالت قمر ببرود….
“انا هروح أطفح شوية مية ابلع بيهم البوقين
الحمضانين دول…..”
برقة عينا كيان غضباً….
“بصي بتقول على كلامي حمضان إزاي……”
حاولت ابعد اختها عن طريقها وهي
تقول بشراسة…….
“سبيني ياشهد مش هضربها…هجبها من
شعرها بس……”
“ماتعقلي بقا يامجنونة………خلاص مشيت…..”
دفعتها شهد بقوة فوقعت كيان على الاريكة
خلفها…..
تاففت كيان مستغفرة وهي تلح
مجدداً….
“انا لازم أروح الحفلة.. ونبي ياشهد اتصرفي….”
“هعمل اي يعني……”
“غطي عليا……”
صاحت شهد محذرة……. “كياااان…….”
الحت كيان وهي تربت على صدرها
برجاء…….
“هي ساعة زمن واحده مش هتاخر والله
العظيم…..ونبي ياشهد غطي عليا المرادي بس….”
قالت شهد بتردد……
“هتعمليلي مشاكل مع حمزة وابوكي….كفاية حوار النهاردة……..”
قالت بابتزاز عاطفي متوسلة……
“ونبي… ونبي… ونبي ياشهد غطي عليا المرادي…. ورحمة أمك ياشيخه وغلوتها عندك……”
نظرت لها شهد بصمت… ثم قالت بتردد….
“سبيني أفكر…….”
اومات كيان براسها محاولة استعطاف
قلبها………
“فكري بس بالله عليكي ماتكسري بخاطري…..
انا عايزة أروح الحفلة دي أوي….. ”
…………………………………………………………..
دخلت المطبخ بملامح متهكمة….. فرات حمزة يقف
عند الموقد يمسح سطحه بتافف…..
فاقتربت منه على مهل تسأله…..
“في ايه؟…… وقعت إيه…..”
رد وهو منشغل بتنظيف سطح
الموقد….
“القهوة فارت……موتوا بعض ولا لسه؟.. ”
مطت قمر شفتيها قائلة ببراءة…..
“هي اللي قرشه ملحتي من أول يوم…. زيك بظبط……”
نظر لها حمزة وتشدق بغرور…..
“مفيش حد زيي…. وبعدين دي غيرة بنات
….متخصنيش….. ”
“طب وسع اما اعملك القهوة…….”اشارة له قمر
بأن يتنحى جانباً………فامتنع حمزة هاكماً…….
“مستغني عن خدماتك…. انا هعملها من تاني…..”
“طب هات ياحمزة ربنا يهديك…..” سحبت منه الركوة بجزع…..
ثم اتجهت الى الحوض لتغسلها وتعد القهوة
من جديد……
فنظر لها حمزة ساخراً…..
“انتي بتتعملي مع ابن اختك….. مالك……”
اتجهت قمر الى الموقد وقلبت شفتيها
ممتعضة….. “مالك انت…..”
بابتسامة جانبية سالها بخبث……
“انتي اللي مالك بتنكشيني ليه…. تكونيش
معجبة……”
مالت بوجهها اليه مشدوهة…..
“معجبة بيك انت؟!…. دي ابوخ نكته سمعتها….”
ابتسمت بسماجة……
اغتاظ من ردها فقال بسخط…
“الله…….دانتي بتقلي مني بقا……”
مطت شفتيها قاصفة…..
“مش القصد……. بس انا شيفاك اخ…….”
ضحك حمزة واجابها بصراحة….
“وانا شايفك واحد صاحبي….”
اغتاظت منه بشدة واحمر وجهها فقالت وهي تضع معلقة البُن في الركوة…….. “ظريف اوي……..”
ثم سالته باقتضاب…..
“سادة…….. ولا زيادة….”
شاملها بنظرة ذات مغزى………
“احبها على الريحة……..”
اومات برأسها وهي تضع الركوة أخيراً على عين الموقد………..
ثم وقفت تراقبها وبين الحين والآخر ثم
تنظر لحمزة بحنق مخمر بالقرف………..
فسند حمزة على حرف الرخامة وسحب من طبق الفاكهة المجاور ثمرة تفاح……. ثم أخذ منها
قضمها ومضغها امام بنيتاها الحانقة…..
“منورة ياقمراية……”
تنهدت بقلة صبر……… “بنورك…….”
بنظرة مستفزة عزم عليها…. “تاخدي تفاح…..”
عقدت ساعديها بحدة……. “مش عايزة…..”
مضغ التفاح على مهل….. “مش هديكي أصلا…….”
عندما راته ياكل تذكرت سبب مجيئها الى هنا
فقالت وهي تتجه الى المبرد….. “نسيت أشرب……..”
مالت قليلاً…….فنظر حمزة اليها بطريقة وقحة…
وعندما استدارت اليه فجأه….. التقطت موضع عيناه….التي عادت الى بنيتاها بنظرة باردة
وكانه لم يفعل شيء…..
اغلقت قمر باب المبرد بقوة….ثم اتجهت إليه
تنظر اليه بعينين متفاجئتين مما رأت…..
اي ده…….بقا……”
هز حمزة حاجباه بعدم فهم…… “اي بقا……”
جزت على اسنانها محذرة….. “عينك ياحمزة……..”
ابتسم بشقاوة غامزاً…… “اي عجبينك……”
واجهته بجرأه……. “انت بتبص فين……”
استنكر وهو يزيد من استفزازها…..
“مش واخد بالي بصيت فين……”
زفرة بضيق وهي تعود الى الركوة بوجهاً محمر
خجلا وحنقاً……..
فابتسم حمزة متلذذاً باستفزازها….فعدما يراها
تنولد داخله رغبة سخيفة لاثارة حنقها……فزاد
احراجها قائلاً وهو يعدل ياقة قميصة بزهو….
“انا بقول نوسع الهدوم شوية عشان معاكي
رجالة…… واخده بالك…… رجالة اوووي…..”
ارتبكت أكثر وهي تصب القهوة في
الفنجان….
“حط في عينك حصوة ملح واحترم نفسك…..”
مط حمزة شفتيها ساخراً……
“جملة ملهاش علاقة بالنص خالص… انتي اتوترتي ولا إيه……اوعي تكوني بتكسفي زي البنات… دا انا لسه بقول انك شبه واحد صاحبي…. بجح….. ”
وضعت الفنجان على الرخامة جواره متمتمه
بضيق…….. “انت مستفز……. انا غلطانه اني
بعملك قهوة…… طفحتها…….”
ارتفع حاجبه ذاهلاً…….
“اي طفحتها دي…… ماتلمي نفسك يازفته انتي….”
قالت بتبرم……. “بنادم قليل الأدب……….”
اقترب منها خطوة هاتفاً بغضب
عارم…….
“تحبي اوريكي قلة الأدب اللي على حق…..”
اهتزت حدقتاها قليلاً لكنها هتفت
بشجاعه……. “هتضربني ولا ايه…….”
بعينين شاخصتين عليها قال بجسارة…..
“انا مبضربش حريم…. بس ممكن بنظرة اكرهك
في نفسك………”
اوشكت على البكاء وهي تساله
بعصبية….
“انت بتكرهني كدا ليه…. انا عملتلك إيه……”
تافف بملل وهو يمد يده لطبق الفاكهة ثم
اخذ منه تفاحة ووضعها في يدها
قائلاً بفظاظة……
“انتي هتقلبيها درما….. خدي التفاحة دي ومشي
من هنا…. سبيني اشرب القهوة على روقان…..”
اتكات على التفاحة بين قبضتها ثم هتفت بشراسة……. “مش عايزة منك حاجة…….”
مسك ذراعها قبل ان تبتعد…….
“انتي راحه فين…….”
سحبت ذراعها من بين يده
بعنف….
“هروح اقعد مع شهد في حاجة……”
اقترح حمزة بصوتٍ مرح……
“طب ماتخليكي معايا اهو ندردش مع بعض… هو
انا مش ابن خالك ولا إيه…….”
مطت شفتيها وكانها تشم رائحة فأر ميت ثم
قالت على هذا الوضع……..
“الكلام معاك بيقفلني منك أكتر… فبلاش احسن…”
استدارت راحلة وقد نست التفاحة بين يدها…
فقال حمزة من خلفها بغلاظة……
“وانا هتحايل عليكي…. روحي قاعدي مع اللي يعجبك…….تطولي أصلا تكلمي معايا….. ”
ثم تذكر التفاحة فامرها بشكلاً طفولي…..
“هاتي التفاحة بتاعتي…… خسارة فيكي…..”
استدارت اليه والقت عليه نظرة حانقة ثم رمت التفاحة نحوه بقوة……… “اتهنى بيها……”
التقط حمزة التفاحة بمهارة قبل ان تضرب
وجهه فتمتم بغضب…..
“ياجزمة…… ”
ثم مسك فنجان القهوة مغمغماً
بضيق…..
“ناقص انا….قال قمر قال……أمر بستر… ”
………………………………………………………….
كان صباح اليوم مختلف بنسبة لها…… طوال
الطريق بداخل سيارة (بشير.) تنظر من النافذة
بشرود عقلها يألف قصصاً متنوعة عند الاصطدام
الآتي من ملاك السرايا….(إلهام..)…(عاصم…)
وباقي أفراد العائلة التي لم تتعرف عليهم بعض
قلبها يختلج في صدرها بعنف……كانت تود الانسحاب
ورفض طلب المرأة…. لكنها تكره الانحناء…الانحناء
امام صورتها في المرآة يكسرها يسخر منها……ينبذها
كما نبذها والدها طوال حياتها…….
اليوم يجب ان تكون أقوى مما سبق….ستواجه مخاوفها…..وتفعل ما طُلبا منها دون تقهقر……
وفي نهاية هذا عملها….ومهما تصادفنا مع ماضينا
يظل كعملة ولى زمن تعاملها……..وحتى الاحتفاظ
بِها يُعد لا شيء ، والماضي لن يعود عهده مهما صادفنا خلسةٍ ؟!…..
أوقف بشير السيارة خارج سرايا المماليك كما
تشبهها من أول يوم وقعت عينيها عليها….
فهذا البيت ليس فقط لانه ضخم وثميناً…بل
لانه عريق الفخامة كتراث المماليك…..لهُ كنية….
لهُ روح……لهُ صيت………يكفي التحف الموضوعه
في كل ركن ولوحات التاريخية المعلقة على الحوائط……من الوهلة الأولى ظنت انها دخلت معرض فني قديم التراث…الى ان اكتشفت ان الجدة(نصرة..)مولعة بالتحف الاثرية والفن الرفيع………ولا تفوت قطعة جديدة من
بازار (حكيم)…..
ودوماً عاصم يهديها ما تحب………
علمت هذا في خلال الحديث الذي دار بينهما
في اليوم المشئوم……..
أحبت كثيراً جلستهما….وشعرت بالالفه والدفئ…
لكن التعاسة تلاحقها اينما ذهبت…..فتاتي الرياح
بما لا تشتهي السفن…..وتنتهي مشاعرها بلطمة
كبرى………جعلتها ترقد على الفراش لمدة
ثلاثة أيام تناجي الموت……….
ترجلت من السيارة وسارت للداخل متخطيه البوابة الحديدة بعد ان سمح لهم الحارس…اتت هي والفتيات اللواتي سيقومنا بطهي معها كمية الطعام
الكبرى التي ستحضرها…….وكذلك اتى (بشير..)حتى
يقوم بادخال اغراضهما الخاص بطهي في مطبخ آل الصاوي…….
استقبلتهم (نصرة)بابتسامة بشوشة وهي ترتاح على
مقعدها المتحرك……….
“أهلا وسهلاً….نورتوا المكان……جايه في معادك مظبوط ياشهد……..”
اكتفت شهد بابتسامة بسيطه….فقالت السيدة مقترحة بلطف…….
“الساعة لسه ستة….احضرلكم فطار……..”
امتنعت شهد بابتسامة رقيقة…..
“لا احنا مش بنفطر دلوقتي….شويه كده بعد مانحضر……..”ثم وجهت حديثها للبنات من خلفها
“مش كده يابنات…….”
اومات الفتيات بهدوء….فنظرة لها نصرة بعتاب…
“اخص عليكي….سبيهم يفطروا وبعدين يشوفوا
شغلهم……..متبقيش بخيلة….. مصيري ازورك في مطعمك….. ”
توسعت البسمة حتى ظهر صفاء اسنانها البيضاء
فقالت بشهقة ناعمة…….
“ياخبر….. تنوريني ياحاجة…..بس والله احنا مش بنفطر دلوقتي……….وصدقيني انا مش شدة عليهم…..احنا كلنا بنفطر في وقت معين……
ممكن بس تعرفيني المطبخ فين….. عشان
نشوف شغلنا…… ”
تاففت نصرة مستاءة……
“صعبه اوي ياشهد….ماشي براحتك…. تعالوا ورايا….”
تحركت نصرة بمعقدها نحو احد الزوايا وتحرك خلفها الجميع ……ام شهد فتصلبة مكانها بعد ان داهمة عسليتاها عينين صقريتين تنظر لها من أعلى السلم الممتد بسطوة….. بغضب……بعتاب؟!…..
هذا الوسيم شامخ الطول وسيم الملامح من النوع
الذي تخشاه بشدة ويجذبك بنظرة…..رسمة عيناه
كالصقر……مهيباً…….والمهيب دوماً يكن المرء
حريص في غرامة !……..
أسبلت اهدابها وقلبها جن بين اضلعها….الرحمة
حتى رجفةٍ خائنة اصابتها عند رؤيته……
لماذا هو مهيباً ومؤثر عليها بهذا الشكل…..تكره تلك المشاعر التي تنتمي اليه وحده……….
بدأت تحرك ساقيها بخطى مستقيمة باتجاه الزاويا التي اتجه اليها الجميع لكنه اوقفها بعد خطوتين…
وقد تسمرت هي مكانها توليه ظهرها…..
“شــهــد……..”
(اشتقت لمناداتك لي بتلك الطريقة….)
اتسعت عينيها بصدمة….همساً داخليا اصابها في مقتلها……هل اشتاقت فعلاً ام انهُ وسواسٍ ؟!…….
استدارت إليه تواجه عينين راسختين أمام
نظراتها المهتزة قليلاً……
“خير في حاجة………ياستاذ عاصم……”
جز على اسنانه بغيظ ووقف أمامها…….وهيهات عند القرب……الامر يزاداد تعقيداً…..
عبق عطرها المسكر داعب انفه فاغمض عيناه لثانية رغم الغضب البادي عليه…….
توترت شهد من تلك الحركة فرجعت خطوة وارجعت
خصلة من غرتها بتوتر خلف اذنها ثم اعادت السؤال بوجل…..
“خير…….في حاجة…….”
عاد اليها بملامح صلبة ونظرات راسخة تأسرها
عمداً فتشقيها ظلماً………..
“يوم ماجتلك تحت البيت…….أخوكي جه و……”
قالت بهدوء…. “محصلش حاجة الموضوع عدى……..”
اوما براسه وهو يجدها تغلق الأحاديث
بينهما فقال مقتضباً……..
“كويس……….عرفتي تصرفي…….”
اومات براسها….. “أيوا………”
جرت عيناه عليها في لحظة خاطفة من أول ثوبها الربيعي المحتشم الطويل…حتى شعرها الأسود الناعم القصير والذي جمعته في كعكة أنيقة مع
الغرة المنسابة بدلال تخفي الجبهة البيضاء….. وحول اذنيها خصلات ناعمة متناثرة……..قد انتبه أخيراً لماذا تجعلهم بهذا الشكل الفوضوي…….كي تخفي السماعة الطبية عن الأعين……..
المه قلبه لأجلها فسألها تلقائيا وقلبه يحترق
في موضعه……..
“انتي كويسة……….”
نظرت اليه بحيرة ومع ذلك ردت بعفوية….. “الحمدلله….وانت كويس……..”
هز راسه بنفي….. “لا……”
فارتجف قلبها وعيناها الصافية تتفحصة
بقلق….
“ليه كده…..”
زفر وهو يرفع راسه للأعلى……
“وبتسالي كمان….أمرك عجيب…..”
همسة اليه بصوتٍ ضعيف مفعم بمشاعر جديدة تخصه وحدة……… “عاصم……..”
نظر لها بشوق وقد ذاب قلبه مع همسها….فسالته
بنفس البحة المتعبة لاعصابة رغم لذتها………
“عايز ايه بظبط……..”
نظر لها عاصم قليلاً وكاد ان ينطق بما يجش
بصدره……
لكن اخترق الهدوء صوت انثوي كخرير القطط
من خلفهما……
“أكيد عايزك تاخدي بالك من شغلك…..وتخلصي
قبل مالناس يجوا…….”
سبه بذيئه خرجت من بين شفتي عاصم فاتسعت عينا شهد بعدها بصدمة رغم امتقع وجهها بعد روية إلهام وتدخلها في الحديث بمنتهى الوقاحة………..
اقتربت إلهام منها ووقفت بينهما قائلة بود زائف
“نورتي المكان ياشهد…. خسارة المرة اللي فاتت
مقدرتش اتعرف عليكي….. اصلك مشيتي
بسرعة…..”
لم تبدي شهد اية مصافحة ودية بل هزت رأسها قائلة……… “كنت مستعجلة……أهلاً….. ”
اغتاظت الهام من اسلوبها الفظ معها….
“أهلا بيكي…. نورتي فيلا صابر الصاوي…….حمايا
وجد ابني يزن………”
ردت شهد باقتضاب….. “ااه منوره بصحابها……..”
وزعت الهام نظراتها الماكرة عليهما وقالت
لعاصم…….
“هو انت مش عندك شغل ياعاصم ولا إيه…..”
نظر لها عاصم نظرة تعبر عن غضبة ورد
ببرود
“لا أجازة……. يوم السنوية باخد أجازة….عشان
اقف مع الناس اللي هتخدم على الضيوف….. ”
لم تعقب إلهام بل عادت الى شهد تامرها
بتغطرس…..
“وانتي بقا ياشهد وقفه كده ليه….. مش وراكي
شغل ماتروحي عليه………”
“الهااااااام………”
صاح بها عاصم بقوة…جعل الهام تجفل وهي ترجع خطوة للخلف بصدمة قائلة بلؤم…..
“في اي ياعاصم….. مش المفروض تخلص شغلها
قبل مالوقت يعدي……”
اومات شهد قائلة بجمود…….

عندما ابتعدت شهد عنهم…. واجه عاصم الهام بنظرات حادة وهتف بصرامة محذراً…..
“أسمعي…..البيت ده مش بتاعك لوحدك…… انا اللي أأمر ونهي فيه…… انتي تدخلي في اللي ليكي فيه… زي إبنك… جوزك اللي هو عمي……اي حاجة تانيه في البيت ده تخصني انا….. سااامعه…….”
لم تهتز إلهام بل لوت شفتيها بتبرم…..
“واضح انها مش مجرد طباخة بنسبالك…..”
رد عاصم الرد القاطع قبل ان يبتعد…….
“كويس انك فهمتي…….وعلى أثاثه
اتعملي معاها………”
عندما ابتعد عاصم خرجاً من باب البيت حيثُ
الورشة……..اتجهت الهام الى السلم تصعده بخطوات متشنجة بينما الهاتف على اذنيها….وعندما اجاب المتصل…هاجت عليه صارخة………
“انتي فين ياغبية…. تجيلي دلوقتي حالاً….. تلبسي أحسن حاجة عندك وتيجي…..بسرعاااااه……”
اغلقت الهاتف بعنف وهي تغمغم بمنتهى
الغل…..
“انت اللي تأمر وتنهي فيه…. يومك أسود يامسعد
لم اشوفك يوم أسود ياسبع البرمبة……. هو اللي
يأمر وينهي……… وانا… انااااا إيه…….”
……………………………………………………………..
اصبحت الساعة تشير للثانية ظهراً ، ثمانية ساعات
من العمل المتواصل ومزال أمامهم الكثير حتى وقت الانتهاء…..
كانت الجدة نصرة تشرف عليهم كل ساعة تقريباً
وكل مرة تخرج منبهرة سواء من انضباط العاملات بفضل شهد الحازمة والحريصة على إخراج ماهو أفضل…او بطعم ورائحة الطعام الشهي…….والذي
كان يحمل طعم ورائحة مميزة….حتى المذاق
يذوب في الفم كالشهد من اللذة……..
الغريب ان( شهد) لا تتبع توابل معينة لتخبر من
ينبهر باكلها انها لديها الخلطة السرية كما يفعل كل من يشتهر بطهي……..لكن شهد تتبع شغفها…حبها
تسعى دوماً بأن تقدم مايليق بها وتفخر به امام
نفسها في المرآى !…..فإن تكن الاحترم والتقدير لذاتك قبل ان تسمعها من الآخرين فهذا من
شيم النجاح ؟!……
فمن يهتم لآراء الاخرين أولاً يفقد رضاه عن نفسه
مع الوقت………
أثناء انشغال (شهد) بطهي وبعد ان استأذنت الجدة
(نصرة…) بان تستريح قليلاً في غرفتها وتؤدي فريضتها……
دخلت إلهام بصحبة اختها تضحك ضحكة مستفزة وهي تقول……..
“صدقيني أول ماتشوفيها هتحبيها علطول….”
رفعت شهد عينيها على الهام ومن معها… أمرأه يافعة الانوثة والجمال بشعر كستاني طويل…أنيقة الثياب رغم جرأتها الواضحة في إنتقاء ملابسها……كذلك
عينيها زرقاويتين كعينا إلهام…….
بينهما شبه لا ينكر باستثناء لون الشعر…وحجم الجسد…..فيبدو ان تلك المرآة التي تقف جوارها
تعمل عارضة او ممثلة فهي تهتم بشكل جسدها
على نحوٍ صريح……
اشارة إلهام على شهد قائلة بنبرة غير مقروءة…..
“هي دي بقا ياستي الطباخة الجديدة….عاصم
جايبها بنفسه ومهتم بيها أوي…….”
اشتعلت عينا رُفيدة وهي تواجه شهد بنظرات عدائية
استقبلتها شهد بهدوء ظاهري فهي لا تعرف هوايتها
بعد…….
عندما رات إلهام بتادل النظرات يزداد خطورة
القت آخر شرارة نار في حديثها……
“احب اعرفك ياشهد…دي روفيدة أختي و مرات عاصم الصاوي…..”
احتاج الأمر لدقيقتين حتى تستوعب الصفة التي
تمتلكها تلك المرآة كستانية الشعر…….مغوية
القوام…..شبيهة إلهام……….
زوجة من ؟!….
وكأن إلهام قرأت افكارها فانتشلتها من الحيرة مؤكدة…….
“مرات عاصم روفيدة…..سلمي عليها وقفة كدا ليه……”
مدت شهد يدها لها قائلة بقوة تحسد عليها
وبسمة مغتصبة خرجت من تحت شفاه
متحجرة……
“أهلا يامدام روفيدة……. تحبي اعمل حاجة
معينة للضيوف……..”
لم تصافحها رُفيدة بل تركت كفها معلق وهي
تخبرها ببرود……..
“الحاجة الوحيدة اللي اتمناها…..انك تخلصي
شغلك بسرعة……. عشان تلحقي تروحي……”
سحبت شهد يدها شاعرة بالغضب والحرج في
ان وآحد
فقد فهمت مغزى حديثها… لكنها لم تعتب عليها… عليها ان تعتب وتصب كامل غضبها على من
يسير واثق الخطى نحوها مولع بمقابلتها
وملح في التحدث معها عبر الهاتف… وكانه
أعذب لم يسبق له الزواج…….
جزت على اسنانها وهي تتركهما وتعود لعملها بينما
خلود تنظر لما يحدث بعدم رضا……
ام إلهام فنظرة الى اختها بمكر فبادلتها الاخرى
بغيرة وهي تنظر نحو شهد بغضب أسود……..
فمن تلك التي لا تضاهيه جمالاً وفتون ويقع بها
عاصم…. لن يحدث… ولن تسمح له… حتى ان اضطرت لاذلال نفسها اليه من جديد !!…….
…………………………………………………………….
وقفت جوار شجرة بقلب الحديقة…وردة على اتصال
شقيقها الذي يستشيط غضباً بسبب ذهابها لهذا البيت
ومتابعة العمل به رغم رفضه……..
ظلت تخبره برفق قائلة بهمساً…..
“ياحبيبي أهدى اسمعني بس………”
قد كان عاصم على وشك الاقتراب منها…..لكن عند
تلك الجملة توقف عابس الوجه……
فشعرت شهد اثناء المكالمة انها تحت المراقبة لذا
استدارت إليه…..وعندما ابصرته اشتعلت عيناها
وهي تغلق الهاتف مع اخيها قائلة….
“هكلمك تاني ياحمزة…… هكلمك تاني……..”
لانت ملامح عاصم وتنفس بارتياح دون ان
تلاحظ…….
وضعت شهد الهاتف في جيبها والقت نظرة باردة عليه وكادت ان ترحل…لكنه اوقفها بذراعٍ ممتد
امامها….جعلها تتراجع خطوتين تنظر إليه بشراسة
تلك الشراسة والتوهج في عسليتاها…يذكرها باليوم
الذي غضبة منه لمجرد انهُ نسبها إليه…..
ماذا فعل لتنظر اليه بكل هذا الغضب……
“عايز إيه……..”
صوتها الحاد الفظ أكد ان هناك ما يسوء……..
سالها وعيناه تداهمها….
“في اي ياشهد مالك…….”
عقدت ذراعيها امام صدرها وعيناها
تشتعلان….
“وبتسأل كمان؟!…… لا ولا حاجة سلمتك…….”
“شهد انا مبحبش الطريقه دي……”احتد نظرات عاصم بشكلاً مخيف محذراً….
ومع ذلك لم تهابة بل قالت بسخط…..
“وانا مالي تحب ولا تكره……دي حاجة تخص مراتك……”
تذوق الكلمة مشدوهاً……. “مراتي؟!….”
اومات براسها وهي ترمقه بعينيها كالسهام
الحادة…….
“اه روفيدة….معقول مش فاكر انك متجوز…..”
ضيق عاصم عيناه في خطٍ مستقيم
سائلاً…..
“مين قالك اني متجوز روفيدة……”
بمنتهى البرود اجابة…. “هي قالتلي……..”
هز راسه بتساؤل……. “هي جت……”
قطبة شهد مابين حاجبيها بعدم فهم….فقال
عاصم موضحاً….
“انا فعلاً كنت متجوزها بس طلقتها من فترة…من قبل حتى ماشوفك بشهور…….”
رمشت بعينيها عدة مرات بعدم استيعاب….. ثم
سألت باستنكر….
“ولما هو كده….. ليه مقولتليش……..”
رد بوجوم وهو يأسر عينيها…..
“انتي مكنتيش مهتمه تسالي عن اي حاجة تخصني……رغم اني اديتك الفرصة…..”
تاففت بغضب….فقال عاصم بحنان
مراضياً إياها…….
“ممكن تهدي……..قولتلك مش متجوز…….”
نظرة اليه بوجه ممتقع…. “انا مش مضايقه……..”
ابتسم عاصم قائلاً بعبث…..
“تحبي تشوفي نفسك في المراية عاملة إزاي…..”
فكت ترابط ساعديها وهي ترجع خصلاتها
خلف اذنيها واجمة…….
“انا بس مبحبش حد يكدب عليا…..”
رد عاصم بثبات……
“بس انا مكدبتش انتي اللي مسألتيش…..”
اتسعت عينا شهد بتعجب……
“ودي حاجة مستنيا سؤال ؟!…….”
نظر لها عاصم بقوة وسالها باستفهام…..
“يعني انت عندك مشكلة اني مطلق……ولا عندك
مشكلة اني مطلعتش متجوز………”
“الاتنين……..كنت أتمنى اكون أول واحده في حياتك……”قالتها بعفوية وهي تنظر أمامها
بانزعاج…….
فتهللت اسارير وجه عاصم….وضحك
قائلاً برضا تام……..
“الله أكبر……..واي كمان………”
أحمر وجهها واسبلت اهدابها وهي توبخ نفسها
على هذا الرد الغبي…. فبررت بـ
“انت فهمت غلط انا قصدي……..”
“قصدك إيه انا سامع……”
عندما توقفت العبارة على لسانها دفعها عاصم للمتابعة وهو يحاول ان يجاريها في الحديث…. فاخيراً تكلمت من ارهقة قلبه وعقله طوال
الفترة السابقة في بعدها…..
نظرة له شهد وتوترت قليلاً لتقول برقة
بصوتها الموسيقي الرائع……..
“ممكن متبصليش كده……..ابعد عينك دي…..”
“حاضر أهوه…..قصدك اي بقا…….”نظر للجهة
الاخرى وهو مصر على ان تتابع حديثها…..
فعند تلك الحركة فلتة منها ضحكة تقطر شهد
من ثغرها الوردي….مما جعل عيناه تعود اليها
ويضيع في سحر الإبتسامة معقباً…….
“ايوا كده خلي الشمس تنور………”
تلاشت الضحكة تدريجياً وهي تنظر اليه
بصمت…فتبدلا النظرات قليلاً حتى قال
معاتباً بمحبة……
“انتي عارفه انك مزعلاني صح………”
عند ذكر تلك النقطة انقلب وجهها وحاولت الهروب كعادتها…….. “انا هروح أكمل شغلي…….”
اوقفها عاصم بمسكه بسيطه من اطراف اصابعها
فسبحت يدها بحرج……فسالها هو عابساً…
“قلبتي وشك ليه ياشهد ماكنا ماشيين كويس……”
“عشان عندي شغل…….”
سالها عاصم بجدية……
“انتي بتتهربي مني ليه ياشهد……فهميني… ”
اخبرته شهد بتردد….
“عشان انا…….مش بفكر في الجواز دلوقتي…..”
“حصلتلك إزاي……”
اخترق السؤال اذنيها…فنظرة اليه فوجدته يشير بعيناه بهدوء على اذنها اليمنى……فبلعت ريقها
وظلت تحدق به بصمت…..
فسالها برفق……
“مولوده بيها……..ولا حادثة…….”
قالت ببساطه مؤلمة على قلبها….. “حادثة………”
سالها بحاجب معقود….. “إزاي………”
وكان الحدث يتكرر امام عينيها الشاردة….
صوت الصراخ…… الصفعات المؤلمة…والسبات البذئية…….التوسل لقلب انتزعت منه الإنسانية
الدم على الأرض….رائحة المخدر الطبي…..رائحة العمليات….وخزة الحقن وطعم الادوية السيء..
وجوه الأطباء…وشفقة الممرضات على حالها…
بكاء والدتها بحرقة…وكسرة اخيها أمامها………
“ساكته ليه ياشهد ردي عليا…….”
افاقت من شرودها تسأله…. “وليه عايز تعرف……..”
“لانك بقيتي تهميني…….”قالها من صميم
قلبه مستشعراً بكل حرف بها……
فخطت مبتعدة عنه بقلبٍ يرفرف مع نسيم الهواء
حولهم…… “انا اتاخرت عليهم أوي…….”
اوقفها عاصم بلهفة…….. “شهد لازم نتكلم…….”
“بعدين ياعاصم……..بعدين………”قالتها وهي تسرع
الخطى لداخل هاربة من هذا الشعور المرهق رغم
حلاوة مذاقة !!…………
من أعلى مبنى الفيلا تحديداً في شرفة الغرفة الخاصة بالهام….
كانت تقف الهام في شرفة غرفتها كانت تتابع مايحدث من بعيد بدون ان تسمع شيء مجرد
رؤية لهفة عاصم على الطاهية تؤكد دون وضع
مجالا للشك انه مغرم بها بشدة !……
كانت كذلك تتابع مايحدث رُفيدة أختها التي كانت تحترق الآن على صفيح ساخن من شدة الغيرة والغل………
ابتسمت إلهام هازئة وقالت بتقريع……
“شوفتي….ملهوف عليها إزاي………شوفتي آخرة
عميلك السودة…….”
هتفت رفيدة وهي تصك على اسنانها
بغيرة……
“مش وقت الكلام دي يالهام…انا عايزة اعرف
مين البنت دي اصلها وفصلها عايزة اعرف كل
حاجة عنها……”
ضربة إلهام على سور الشرفة وهي تقول
بفحيح سام كالافاعي…..
“قريب………قريب أوي هنعرف كل حاجة عنها……..وساعتها هعرف اضربها منين…..”
…………………………………………………………..
قد بدأت الناس تهل في الخيم الكبيرة التي تم
نصبها في حديقة البيت……..وبدأ الكل يعمل
على قدمٍ وساق….حتى يقدموا افضل ماعندهم
للضيوف…..والذين كانوا ابساط الناس واكثرهم
رضا………..
تعبت جداً جداً….وضغطت على نفسها فوق تحملها..
لدرجة انها اتخذت مقعداً وجلست عليه وهي تئن
بوجع من ظهرها وساقيها وذراعها………
مالت عليها خلود قائلة برفق…..
“ارتاحي شويه ياشهد…احنا قربنا نخلص……”
اومات شهد مستسلمة وهي تقول……
“انا دماغي هتفرقع ياخلود…….معكيش حاجة للصداع…… ”
“لا هعملك كوباية شاي هتظبط معاكي……”قالتها خلود وهي تتجه للموقد…..
فدخل عاصم في تلك الأوقات قائلاً بهدوء…..
“دي اخر صنية تطلعيها ياخلود….خلاص الناس
مشت ومعدش فيه غير كام واحد……”
اومات خلود وهي تتنفس الصعداء هي ومعظم الفتيات الواقفين في المطبخ منذ الصباح…..
ام شهد فنزعت سماعتها الطبية شاعرها بالصداع
يتفاقم داخل راسها……….
فسألها عاصم بقلق وهو يتخذ مقعداً جوارها…..
“مالك ياشهد……..”
فركت باصابعها مابين حاجبيها قائلة…
“الصداع هيفرتك دماغي….مش قادرة………معاك
حاجة للصداع………..”
اقترح عاصم بهدوء…..
“خليني اقيس ضغطك الأول يمكن يكون واطي عشان كده مصدعه……….”
هزت راسها بنفي قائلة بتعب……
“الصداع بسب السماعة عشان بحطها طول
اليوم في ودني……….”
“مش مضطرة تعملي كده….مش ودنك التانية
سليمة…….”كان يسالها بحرصٍ حتى لا تُسيء
الفهم……..
فقالت شهد بإبتسامة باهته…..
“بودن واحده مش هقدر اسمع كويس ولا احدد
إتجاه الصوت……. بودن واحده مش هسمعك في
الدوشه……انا سمعاك كويس عشان مفيش
غيرك اللي بيتكلم…….الموضوع صعب شوية… ”
اخرج تنهيدة ثقيلة…. “انتي اللي مصعباه……..”
أسبلت اهدابها وهي تفهم مغزى حديثه….
فقال هو ناهضاً من مكانه…..
“هجيب جهاز الضغط عشان اقسلك ضغطك…اهو اطمن برضو……..”
نظرة شهد الى ابتعاده مشدوهة…فنظر الفتيات لبعضهن بشقاوة وانطلقت ضحكاتهن بعدها واحدة تلو الأخرى حتى خلود عقبت بمزاح……..
“حنين اوي المعلم عاصم………وطلع بيقيس
الضغط كمان………”
كشرت شهد عن أسنانها قائلة
بحزم…..
“اتلمي ياخلود….وشوفي شغلك…….”
كبحت خلود ضحكاتها وهي تشير للفتيات بعينيها بان يتابعوا العمل………
عاد عاصم وبيده جهاز الضغط…… عاد جالساً في مقعده وهو يخبرها بهدوء….
“هاتي ذراعك…….”
فعلت كالمنومة مغناطيسيّاً…… فظل يضغط هو على تلك الكرة المطاطية حتى انسحب الهواء وضغطت
تلك القطعة الملفوفة على ذراعها بقوة….. فنظر هو
للمؤشر……. قائلاً بعد لحظات…
“ضغطك مظبوط………”
ابتسمت وقد ذابت عينيها من فرط
حنانه….فقالت…..
“قولتلك من السماعة…….”
اوما براسه شاعراً بصدره يحترق شفقة وحزن
لأجلها………فسالته هي بإبتسامة رقيقة….
“امتى اتعلمت تقيس الضغط……..”
رد وهو يحل وثاق ذراعها…….
“من زمان….جدي كان مريض بيه…والحاجة نصرة
من بعده………”
سالته وهي ترفع ذراعها لعندها…..
“وتعلمته عشانهم……”
اخبرها بلهجة رجولية ذات مغزى…..
“ما عشان اللي بنحبهم بنتعلم اي حاجة…بس
هم يطلبوا……..”
اخترق الهدوء ضحكات الفتيات الصغيرات
من حولهما…..فنظر عاصم لهن بتوجس
ثم نظر لشهد التي إبتسمت بدورها قائلة
بخجل صارخ…….
“كده ضحكتهم علينا……..”
صحح هو بإبتسامة دافئة…….
“معانا مش علينا…….هروح اجبلك حاجة للصداع..
وارتاحي شوية….خلاص اليلة خلصت…….”
فابتعد عنها بخطى واثقة تشع شموخ ووقار
وفي رحيلة قد سرق جزءاً من قلبها غير قابل
للعودة وحتى ان طالبة به في المستقبل
القريب ؟!…..
…………………………………………………………….
انتهى اليوم وقد ودعها بعيناه خارج باب البيت
بعدما استقلّت بسيارة بشير هي وباقي
الفتيات……..
كان يود توصيلها لكنها رفضت….واصرت ان تذهب معهم متحججه بالاجرة التي ستعطيها لهم الآن….
حجة حتى تتهرب منه أكثر……لكنه لن ييأس سيحاول مرة واثنين حتى تلين……فتلك الواجهة
الصلبة ماهو الى حاجز وهمي تحيط به نفسها…
عندما دخل البيت بعد مغادرتها استقبلته الجدة بابتسامة مرحبة وهي تفصح باعجاب…..
“انا حبيت شهد اوي ياعاصم ماشاء الله عليها
بنت جدعه وهادية واكلها حلو ونضيفه…بسم
الله ماشاء الله عليها مفيش بعد كده……ولا
غلطه بجد……. ”
ابتسم ابتسامة لم تلامس عيناه
ليقول بصوتٍ رخيم………
“كويس انها عجبتك……..وفرتي عليا كتير….”
ضحكت نصرة بلؤم……
“عارفه…… عنيك فضحاك من أول مرة جت هنا….”
ابتسم عاصم ساخراً…..
“أمال هي ليه مش واخده بالها……”
لم تمحى ابتسامتها وهي تسأله
بجدية….
“وانت ليه مقولتلهاش……لسه عايش في فترة التلميحات…….”
هرب عاصم من الحديث…..
“مش بظبط……….المهم انها عجباكي……”
ضحكت الجدة بخبث…… “وعجباك………”
غير مجرى الحديث قائلاً بخشونة……
“أجلي الكلام في الموضوع ده…وقوليلي اي رأيك
في اليوم……..مفيش حد مشي جعان وكما ادتلهم منابهم من الدبيحة …….ها راضية… ”
اومات براسها برضا تام….
“راضيه يابني ربنا يسعد أيامك ويفرحك……..”
سالها وعيناه تنظر للسلم الممتد…..
“هو يزن فين صحيح مظهرش من الصبح…..
خلع بدري…… ”
اخبرته نصرة بهدوء….
“يزن طلع من الجامعه على واحد صاحبه……
بيقولوا بيذكروا سوا……..”
ثم تذكرت شيءٍ هام فأخرجت من محفظتها
الصغيرة……..
“صحيح نسيت اديك دول……”
نظر عاصم للمال بحاجب معقود…..
“اي دول ياحاجة…….”
اجابة نصرة……..
“لم اديت لشهد بقيت فلوسها شالت منهم دول….وقالت انهم تمن إيجار المطعم……”
قطب عاصم عن جبينه حانقاً…..
“وليه خدتيهم منها ياحاجة………”
قالت نصرة بقلة حيلة…..
“هو انا لحقت يابني…. هي ادتهملي من هنا ومشت من هنا………”
أغمض عاصم عيناه بجزع شاعراً بالدماء تفور في عروقة……….
لكل باب مغلق مفتاح واحد ، إلا بابك انتِ كثرة مفاتيحُ ، ومع ذلك لم أحصل على واحداً منهم !..
…………………………………………………………….
كانت تنحني على سطح المكتب تدرس احد القضايا
الهامة والتي كلفها بها استاذها……
تحسست رقبتها بيدها بتعب وهي تعود من جديد وتقرأ محضر القضية….متاففه بنزق…..
“حسبي الله ونعم وكيل…اي القضية اللي مش باين
منها لا أول ولا اخر دي……..”
ثم نظرت نحو مكتب سليم المغلق داعيه
عليه…….
“منك لله….مفيش مرة كلفتني بمهمة سهله
لازم تكون عويصة زيك……انا حسى انه
بينتقم مني…….”رمقت الملف بنظرة
باكية وولولت قائلة……..
“ماهو انا برضو مكنش ينفع اطلع محامية
من الأول……مالها فنون جميلة……..”
فتح باب المكتب في تلك اللحظات وخرج منه سليم
فادعت الانشغال التام في ملف القضية…بل وأيضاً
ادعت انها تكتب عدة ملاحظات في دفترها……
أقترب منها سليم ووقف جوارها…فشتت تفكيرها
في لحظة مما جعلها ترفع عينيها عليه قائلة
بتوجس…….
“خير ياستاذ…….”
التقط سليم عينيها في نظرة طويلة سائلاً…
“خلصتي شغلك…….”
انزلقت في مقعدها قليلاً وقالت بتردد……
“هو انا لسه بحاول احلها……هو حضرتك مستعجل……”
نظر لها بغرابة….. “مستعجل على إيه…….”
“القضية…”اشارة على الملف امامها…..
فهز سليم راسه قائلاً بجدية…..
“مش ده قصدي……..انا كنت نازل كمان شوية اشتري بدلة جديدة للحفلة….فقولت اخدك معايا……”
تبدلت ملامحها للدهشة….. “تاخدني؟!……ليه…..”
قال بملامح رصينة……
“تنقيها معايا….اصل انا مش شاطر اوي في
الحاجات دي……”
بعد رده نظرت كيان سريعاً الى الحلة الانيقة التي
يرتديها ثم قالت متعجبة……
“مش شاطر ؟!….. سبحان الله….حضرتك اشيك راجل انا قابلته….سواء في لبس البدل او الكاجول….بجد ذوقك حلو…..او ممكن يكون
ذوق خطيبتك…..طالما بتقول كده….. ”
كان يود ان يخبرها انه لا يحبذ مرافقة النساء عند
اشتراء شيءٍ يخصه……لكنه صمت…..فهو حتى
الان لا يعرف لماذا يريد اصطحابها هي….بل
ويعرض عليها هذا متحججاً………
“مش هنتأخر ياكيان….نص ساعة ها قولتي
إيه……”
قالت بعفوية محببة للنفس……
“مفيش مشكلة ياستاذ….انا بحب اساعد…ويارب
ذوقنا يكون واحد…..عشان نتفق بسرعة…….”
كانت تقصد الحلة لكن عقله تشتت قليلاً امام
جملتها حتى لاحظت هي ماتفوهت به
فقالت ببراءة…..
“انا قصدي البدلة اللي هتشتريها…….”
ظل سليم ينظر اليها بصمت وعيناه تجري على
حنايا وجهها حتى ارتبكت واسبلت جفنيها هاربة
مدعية الانشغال في الملف…….
لذا ابتعد سليم عن المكتب قائلاً……
“نص ساعة….و هننزل……..”
عندما دخل المكتب واغلق الباب عليه…وضعت
كيان يدها على صدرها متنفسة الصعداء….وهي
تشعر بمشاعر خطرة تستوطن عذرية قلبها……
بعد ساعة تقريباً…..
ترجلت من سيارته الى أحد محلات الملابس الفخمة……وهو برفقتها….
دلفت الى محل الملابس من الباب الزجاجي الامع
وبدأت عيناها تدور في المكان بانبهار……وهي ترى
قسم خاص بالنساء على أحد الجوانب…وقسم
بداخل للرجال….بينما تُعرض الملابس الفخمة
على هياكل مجسمه……..
ابتسمت كيان وهي ترصد بعينيها كل ركن وكل
قطعة هنا…….لم تحظى يوماً بدخول محلات
من هذا المستوى…..كل ملابسها واغراضها الخاصة
من محلات شعبية عادية جداً لا تمت للانبهار والسعادة بصلة………
أشار لها سليم على ركن الملابس الرجالي….
فاتجهت معه…وبدأت رحلت البحث…وأول شيء اخذته يداها كانت حلة سوداء فخمة قريبة من
ذوق سليم في الملابس….لكنها أيضاً تحمل طابع
مختلف بعض شيء مما يجعل على الحلة بصمة
كيان الخاصة وهذا ماكان يريده منذ البداية؟!…..
اخذها سليم منها ودلف الى حجرة تبديل
الملابس…..
فركضت كيان الى أحد الاركان الخاصة بملابس النساء….وبدأت تتفحص هذا وتلمس ذاك…وعلى
شفتيها ابتسامة جميلة……
حتى انها بدأت تجرب احد فساتين السهرة امام المرآه الكبيرة تضعهم فوق جسدها وتظل تستدير
يمينا ويساراً حتى تراهم عليها…..وظلت هكذا لفترة….
“لو في حاجة عجباكي شوري عليها وانا اجبهالك………”
اخترق للحظاتها الخاصة صوته….فارتبكت وهي تلقي
الفستان أرضا…وكانها تتخلص من سلاح الجريمة…
ثم بلعت ريقها قائلة بحرج……
“لا مش حلو……انا كنت ناويه اشتريه بس
لونه مش قد كده…….”
قطع سليم المسافة بينهما قائلا وعيناه تدور
على الملابس المعلقة جواره……..
“بسيطه شوفي حاجة تانيه……..تحبي انقي
معاكي حاجة على ذوقي….. ”
رفضت بشدة….. “لا مش عايزة……..”
اخبرها برفق…… “متقلقيش…….انا هدفع…….”
قالت كيان بكبرياء…..
“ومين قال اني عايزة حضرتك تدفع…..الفكرة اني عندي دريس في البيت ولسه جديد……”
“زيادة الخير خيرين……مقولتيش حاجة عن البدلة
يعني……..”سألها بنظرة عابسة…..
فابتسمت كيان وقد انتبهت أخيراً للحلة التي كانت في غاية الروعة عليه وكانها صممة اليه خصيصاً
حتى تلائمه هو دون غيره…….
“حلوة أوي……بس ناقص حاجة بسيطة……”
ابتعدت كيان عنه ثم عادت بعد دقائق بربطة عنق
ملائمة….ثم اعطاتها له قائلة……
“دي هتليق اوي معاها……”
وضعها سليم حول عنقه….ثم أخفق عدت مرات
وهو يربطها………حتى انتبهت كيان إليه فقالت
متطوعه….
“عنك ياستاذ…..شكلك مش بتعرف تربطها…”
لانت شفتيه في ابتسامة ماكرة…..يبدوا ان اليوم
يوم الكذب العالمي…..فكم مرة كذب وادعى
عكس شخصه…..حتى يحظى بوقتاً بسيط معها
دون ان يثير الشك داخلها………
حافظت على مسافة بينهما….ثم اعطت كل تركيزها على ربطة العنق….بينما هو ضائع في النظر اليها
عن قرب عن تفاصيلها…..وجنتيها الممتلئتين
عينيها الفيروزيتان المضيئتان….بشرتها البيضاء الناصعة وكانها متشربة من الحليب الطازج….
شعرها البندقي المموج أحياناً عندما تكون صاحبته في مذاق سيء لا يسمح بمسك مكواة الشعر………
حتى رائحة عطرها مميزة ناعمة خفيفة على الانف ورغم ذلك لا تنسى وان شممت افضل العطور
واقواها تظل الناعمة الخفيفة الأفضل دون
منازع……..كالياسمين……
عندما انتهت ابعدت يدها قائلة بإبتسامة
جميلة…..
“ها ياستاذ اي رأيك…….”
اوما براسه راضياً…ثم اتجه الى بعض الفساتين المعلقة جوارهما…….يبحث فيهم قائلاً……
“شابووو ياعصفورة………ممكن نشوف حاجة
ليكي بقا……..”
رفضت كيان بتعنت…….
“قولتلك مش عايزه ياستاذ….أصلا مفيش حاجة عجباني……..”
حاول ان يمحو الحرج بينهما فاقترح
برفق………….”اي رأيك تعتبريها مكافأة…..”
تعجبت كيان….. “مكافأة ؟!……مكافأة ليه….. ”
“عشان انتي محامية شاطره…. وساعدتيني كتير
الفترة اللي فاتت فانا لازم اكفأك…….ها هتختاري إيه……. ”
كان يتحدث بجدية قصوى……حتى تصدقه لكنها ايضا هتفت بتردد…….
“مش عايزة…….”
تافف سليم مزمجراً…..
“كياااان……انجزي مش عايزني نتأخر اكتر من كده……اختاري….تحبي اساعدك……..”نظر للملابس
بحيرة محاولاً الاختيار منهم……
فاتجهت كيان سريعاً واخذت فستان
بعينه قائلة بحرج……
“لا يعني انا هختار ده…….”
انعقد حاجبي سليم معلقاً بمكر……
“هو مش ده اللي قولتي لونه مش قد كده…..”
نظرت للفستان ثم لعينا سليم وقد أحمر وجهها
امامه وهي تقول…. “بجد….طب اشوف غيره……..”
هز سليم رأسه مستاءاً منها…..
“ادخلي قسيه ياكيان……على ماروح اغير البدلة… ”
دخلت كيان حجرة تبديل الملابس وهي تقفز من السعادة محتضنه الفستان بسعادة أكبر…….
انتظر سليم بالخارج وقد أرسل مع العاملة حذاء
أنيق بكعب عالٍ……… اختاره لها بعد ان سالها
عن مقاس قدميها……
مل سليم من كثرة الإنتظار فجلس على أحد
المقاعد ومسك هاتفه يعبث فيه حتى تنتهي….
ولم تمر الدقائق الى وسمع كعب حذاءها يقرع على
ارضية المحل…..فرفع عيناه تلقائيّا الى مصدر
الصوت ليجدها……
كيف لهذا الجمال ان يكون حراً طليق دون ان يُنسب
لأحد !!……..امرأة فاتنة بروح طفلة شقية عفوية تحب بصدق… وتكره أيضاً بصدق……..معبرة….. واضحة…..لا تشبه أحد……
كانت ترتدي فستان سهرة طويل يكشف عن نصف
ذراعيها….كشمير اللون………..مطبع من الاعلى حتى الخصر بورود من التل……..ثم من الأسفل ينزل
باتساع من الحرير………كان جميل عليها يلائمها
بشدة فقد رسم قدّها المميز باحترافيه دون ان
يبرز مفاتنها بشكلاً مبالغ فيه…….حتى كعب الحذاء التي ترتديها كان يشبه حذاء السندريلا….فكان قمري اللون يلمع بانافة…….
قالت كيان بحرج وهي تلمس اطرف تنورة الثوب
بيدها…….
“حلو ياستاذ………”
نهض سليم من مكانه وعيناه مزالت تجري على ثوبها
باعجاب شديد…..حتى قال بعد لحظات من التأمل
“يجنن ياعصفورة………لايق عليكي أوي………”
قطعت كيان اللحظة المميزة داخله وهي تقول
بتزمر….
“اي حكاية عصفورة دي….شايفني بنقل الكلام…”
ضحك سليم… ضحك بشدة….ضحكة ليس اوانها
أبداً مما جعلها تنظر اليه بتزمر عاقدة ساعديها
امام صدرها بتشنج……..
بعدها بدأت تتلاشى ضحكته بتدريج ثم صرح
من منظورة هو بمنتهى الشاعرية…….
“بتشبهي العصافير ياكيان في رقتهم وجمالهم…”
لم يبدو عليها انها لمست شيءٍ شاعري في الجملة
فقالت ممتعضة…….
“شكراً…..بس بلاش عصفورة دي….حساها شتيمه..
خليها كيان أحسن…….”
اوما برأسه موافقاً…….
“ماشي ياكيان…..ادخلي غيري يلا عشان نحاسب..”
لامست كيان اطراف تنورة الفستان مجدداً…..
“يعني بجد حلو عليا……”
اوما سليم بحرارة……. “جداً….جداً……جداً……”
قالت كيان كذلك وهي تنظر للحذاء
الناصع…
“الهيلز كمان حلو أوي…..عجبني لونه….كل حاجة
عجباني بصراحه كله……. عن إذنك…. ”
عند ابتعادها قفز صوتٍ داخله دون
سابق إنذار…….
(انتي كمان كل حاجة فيكي عجباني…..)
تجهم وجهه نافراً من ما وصل اليه تفكيرة…… فعاد للهاتف مجدداً يراسل ايتن ويطلب منها ان يتناولا
العشاء اليوم في أحد المطاعم الفخمة…..فوافقت ايتن بصيحة حماسية…..محددة معه سريعاً الساعة والمكان…….
………………………………………………………………
يوم الحفل والذي كان يقارب الرابعة عصراً…..
قد اتت العمل ككل يوم…. بملابس عملية عادية واتت
بثوب الحفلة والحذاء في حقيبتها… قررت ان ترتدي ثوب الحفلة هنا في الحمام… بدلاً من الذهاب الى المنزل…… خوفاً من اي تصادم بينها وبين اخيها
حتى لا ينتج من خلفه شجار……يؤدي الى منعها
من النزول…….
قررت ان تتوخى الحذر…..ولا تجازف…. فهي متلهفة
بشدة لذهاب لهذا الحفل التي لم تراه الا من خلال
شاشة هاتفها……..
عند أقترب الساعة من الموعد المحدد….
خرجت من الحمام بكامل اناقتها… بثوب الكشمير
ذات وردة التل الجميلة وحريره الامع….. وقد رفعت
شعرها بلفة انيقة للخلف… ووضعت بعض الزينة المتقنة…. والتي تلائم بشرتها البيضاء وحنايا ملامحها المشعة بلطف….والطاقة الحماسية
التي تُضيئ فيروزيتيها……..
خرج سليم كذلك من مكتبه وكأن متأنق بالحلة التي اختارتها له….. كان الوضع بنسبة لسليم عادياً.. فهو
يبدل ملابسة دوماً في غرفة مكتبه التي يتخذها
عملاً واستراحة أيضاً….. واحيانا يبيت فيها كما
راته منذ أيام…….
عندما ابصرته كيان تبدلت نظراتها لاخرى هائمة حالمة، لأول مرة تخص بها رجل…. لطالما كانت
تسخر من أصدقاء الجامعة…. من الفتيات
المائعات التي تتغزل في كل ماينتمي
لذكر !!….
اما هي فلم يلفت أحد انظارها إلا هو….هذا لا ينتمي للوسامة بصلة…انه الوسامة بعينيها…هو العنفوان
والجاذبية والرجولة المجسمة عليه…….
اسبلت اهدابها…..وتلك الخفقة الخائنة شتت عقلها
للحظات تتسأل عن ان كانت لهفتها بالفعل لرؤية
حفلة مرفهة ام لانها ستكون برفقة رجلاً وسيم
ورائع كـ(سليم الجندي….)المحامي الفظ في عملة
والغير رحيم اطلاقاً بها……..ام على النحو الخاص
فهو ليس سيء بل حنون….كوالده التي اغرمت
به من أول لقاء كأب تتمناه لها ولشقيقيها !…
لو كان مصطفى الجندي والدها اين ستكون هي وشهد وحمزة ياترى….. تتوقع كانوا الان أسعد
البشر واكثرهم استقامة…….
“كيان…….”
الخفقة الثانية كانت قوية على صدرها… فقد نداها
بصوتٍ حار يشع ذهولاً……… فرفعت راسها اليه وكما توقعت….. نظرة مشدوهة متوهجة في عيناه….
وكانه لأول مرة يراها جميلة……
عفواً عند تلك النقطة تحولت ملامحها من شابة خجولة يابسة النظرات لـ…..لفتاة سواقية فظة
تسيء الظن…….
“انا حلوة طول عمري……”
فغر سليم شفتيه وهز راسه مستفهماً….
“نعم……. بتقولي إيه؟!……”
مطت شفتيها قائلة بتحذلق…….
“اصلا انا عارفه انك هتقول اني حلوة…. فقولت
أسبق وقول اني حلوة طول عمري… الرك على النظر……..”
قال سليم واجماً…… “قصدك اني مبشوفش…….”
نظرت كيان لاظافرها بغرور…….
“معرفش…. بس في النهاية الحلاوة حلاوة آلروح…….”
مط شفتيه بقرف متغاظ منها……
“بظبط….. فانا شايف انك عادية زي كل يوم…. فمكنتش هقول حاجة أصلا…..اتفضلي قدامي…”
نظرت اليه بدهشة…. “اي الاسلوب ده استاذ…”
زفر بنفاذ صبر مشيراً على باب الخروج……
“ده اللي يليق بيكي……..قدامي….. ”
قلبت شفتيها وهي تنزل على درج السلم… يبدوا انها
افسدت اللحظة بعدة كلمات سخيفة….لكن حمداً
لله انها فسدة فهي لن تتحمل خفقة اخرى من
هذا الغبي……
بعد لحظات اوقف سليم سيارته الفارهة امام فندق
فخم…مقيم بداخله الحفل……
ترجلت كيان من السيارة برفقة سليم…ثم سارا جوار بعضهما الى مكان الحفل بعد ان تكلف احد عمال الفندق بتوصيلهما……..
كانت تقفز داخلياً بسعادة وهي ترى الحفل الراقي
الاضاءة المميزة الديكور المنسق……موسيقى
أوبرا الرائعة والتي تنبعث في المكان تعطي انطباع رفيع عن الضيوف….. والذين عبارة عن بشر
يلمعان……..من شدة الرخاء على وجوههم
من اناقة الملابس ذات الماركات الغالية
من بواهظ المجوهرات والحلي التي
يتأنقوا بها……من الحقائب والاحذية التي
تكلفهم مَبَالغ مُبالغ بها……..
حانت من سليم نظرة على وجه كيان الشارد في ملكوت آخر……..فمالى عليها قليلا متسائلاً….
“مالك مسهمه كده ليه….الحفلة مش عجباكي….”
فاقت كيان من شرودها تنظر إليه بإبتسامة
حلوة………
“حلوة أوي…….دي أحلى من اللي في المسلسلات
الكوري…….”
تافف ضاحكاً……
“يادي الكوري….انزلي على أرض الواقع شوية
وركزي معايا…..مبسوطه……..”
خفقة ثلاثة أكثر حرارة والم جعلتها تنظر اليه جافلة للحظات حتى…. حتى اومات براسها ببطئ فقال سليم بابتسامة جذابة فتنتها….
“ده اللي انا عايزة……..”
اتى في تلك اللحظات وفيق المقيم للحفل والذي سلم على سليم بحفاوة….
“اهلا اهلا ياسليم بيه……..نورت الحفلة…..”
بادله سليم السلام….. “منوره بحضرتك……”
قال وفيق وهو يوزع نظراته الخبيثة عليهما…
“كنت هزعل اوي لو مجتش….بس واضح ان كيان ليها تأثير عليك……نورتي الحفلة ياستاذة…..”
أحمر وجه كيان تلقائياً وهي تهز راسها
شاكرة……
“شكراً يا وفيق بيه…. الحفلة حلوة أوي……”
اوما وفيق مبتسماً برخاء….
“دا عشان انتم بس موجودين انا عايزكم تنبسطو
وتاخدوا راحتكم…. الحفلة على شرفكم….. عن اذنكم……..”
عندما ابتعد الرجل…زمت كيان شفتيها وهي
تدور بحدقتاها حول المكان…….
“انا عطشانه أو….. هو مفيش مايه هنا…..”
اشار سليم بعيناه على احد الزوايا…..
“الركن ده بيقدم مشروبات روحي شوفي انتي
عايزا إيه………”
انتبهت كيان لم يشير اليه فقالت وهي تدير راسها نحوه……. “مش هتيجي معايا…..”
قال ببساطه وهو يشير مجدداً لاحد النساء
صارخات الجمال…….
“عيني عليكي متقلقيش….. في وكيلة هنا… بيبني وبينه قضيه…. وبتشاورلي……”
حانت من كيان نظرة سريعة مقيمة لتلك الوكيلة
التي كانت مزينة كعروسة المولد بثوب
أزرق قصير……همهمت بتقزز…..
“ممم والله طيب…..بس خد في بالك شكلها
معجبه أوي……. ”
طاف بعيناه في فيروزيتاها قائلاً
بتسلية… “انتي شايفه كده…….”
“باين عليها…….عن إذنك…….” اومات براسها بملامح جامدة ثم استدارت مبتعدة لهذا الركن الذي يقدم المشروبات الباردة…
ثم اتجه هو الى تلك الوكيلة والتي استقبلته بابتسامة لعوبة…..وعينيها هائمة في الوسامة
والرجولة المشعة منه……
وقفت كيان عند الطاولة الممتدة ثم قالت
للنادل…
“ينفع كوباية ماية…….”
اوما لها النادل وقدم كوب الماء…..ثم ارتشفت منه كيان دفعة واحده………اتت شابة ووقفت جوارها
وطلبت مشروب له اسم غريب فسالتها كيان بعفوية……..
“هو اللي انتي طلبتيه ده عصير…….”
ابتسمت الفتاة ضاحكة بلؤم….
“تقريباً…….تحبي تجربي…….”
سالتها كيان ببراءة…..
“يعني هي مش خمرة……”
ضحكة الفتاة ضحكة رقيعة ثم إجابة بنفي….
“خمرة؟!…. خالص….دا عصير تفاح….تجربي……”
اومات كيان بانتشاء…. “آآه بحب انا عصير التفاح….”
ابتسمت الفتاة بلؤم…….. “هيعجبك خاالص…..”
ثم اشارة للنادل قائلة…….
“لو سمحت خليهم إتنين…….”
ثم وجهة الحديث لكيان…. “انتي اسمك ايه بقا……”
اجابة كيان بفتور….. “كيان…… وانتي……”
قالت الفتاة بميوعة…..
“هاندا………انتي كنت دخله مع سليم الجندي….”
اومات كيان برأسها…..
“اه…… مانا شغاله معاه في نفس المكتب…..”
همهمت الأخرى باعجاب وهي تلقي عليه نظرة عن بعد……. “ممم….واي رأيك في الشغل معاه…..”
ردت كيان ممتعضة…… “عادي زي اي شغل…….”
اتت المشروبات فقدم النادل كوبا لكيان وكان عسلي
اللون كمشروب التفاح بالفعل………فقالت هاندا وهي ترتشف من كوبها باستمتاع……..
“اشربي هيعجبك أوي……”
مسكت كيان الكوب واخذت رشفة على مهل…. كان
يحمل طعم التفاح فعلاً لكن هناك شيءٍ غريب لسع
لسانها…….وكانها تشرب ماء مكوي…….فابتعدت
الكوب عنها وهي تخرج لسانها بتقزز……
“مزز كدا ليه……”
ضحكت هاندا وهي تشرب كوبها بمنتهى
البساطه…..
“طبيعي…..عصير التفاج مزز….انتي أول مرة
تشربي ولا إيه………”
هزت كيان راسها مضيفة…. “لا مش أول مرة……”
مسكت هاندا كوبها وقبل ان تذهب قالت
بمكر…….
“دا عشان مستورد بس….بس متكتريش منه…. شاووو ياكتكوته……. ”
زمت كيان شفتيها ممتعضة وهي تمسك الكوب
بين يداها….
“كتكوته…..انتي كتكوته.. وسليم عصفورة……”
ارتشفت ما في الكوب دفعة واحدة بتلذذ
وقد اعتادت لسعته على لسانها……..
عندما انهت الكوب قالت للنادل
مجدداً…..
“لو سمحت ينفع تجبلي من ده تاني……”
ثم استدارت خلفها تنظر الى سليم فوجدت مزال
غارق في الحديث مع المرأه المغوية فضحكت
وهي تهز راسها يائسة…
“كلهم عثمان الدسوقي……كلهم… ”
بعد ان انهى سليم الحديث مع المرأه وقد تخلص منها باعجوبة بداء يبحث بعيناه عن كيان…..
فوجدها مزالت تقف عند ركن المشروبات عقد حاجباه وهو يقترب منها…فكانت وقفتها غير
متوزانه تترنح قليلاً…….
أسرع الخطى نحوها وهو يدعي ان يكون استنتاجة
خاطئ……لكن عندما ادارها اليه وراى وجهها اليابس
وضحكتها الهازلة…علم انها ثملة……فاغمض عينيه شاتماً….
ضحكت كيان وهي تقترب منه بجرأة لم يتوقعها
منها……
“أخيراً خلصت مع السفيرة عزيزة بتاعتك…..”
جز سليم على اسنانه سائلاً إياها
بغضب…..
“انتي شربتي إيه ياكيان…….”
بدأت تضحك مع كل جملة قائلة وراسها تترنح
قليلاً بينما عيناها تفتحهما باعجوبة……
“عصير تفاح…..بس شكلة طلع خمرة….شكل هاندا دي كمان غيرانه عليك……اصلها سألتني عنك…..هو انت بتعمل اي في الستات ياسليم…..استنى انت ساحر صح……..”اشارة له باصبعها ضاحكة بقوة……
فابعد اصبعها عن وجهه وهو يوجه حديثة للنادل
الذي يتابع مايحدث بصمت……
“انت شربتها اي يابني…….”
جفل النادل وهو يقول بارتياع…..
“هي اللي طلبت ياباشا………مشروب ***.. ”
شتم سليم مجدداً وهو يمسكها من ذراعيها قبل ان تقع……ثم اشار للنادل كي يحضر مقعداً سريعاً…..
ففعل النادل…وجلست كيان على المقعد في أحد الزوايا البعيدة عن الأنظار…..ضرب على جنتيها
الناعمة بخفة قائلاً…
“كيان فوقي………اي اللي هببتي ده……”
فتحت عينيها وهي تقول بغضب…..
“متمديش ايدك عليا……انت مفكرني عبيطه…..
انت وهو متفرقوش حاجة عن بعض…….”
سالها سليم مشدوهاً….. “هو مين ده…….”
قالت بعيون تترقرق بدموع……
“عثمان الدسوقي….كان ندل وخاين زيك كده….عايز
الاتنين في حياته….واحده تكون ام ولاده وتانيه تكون عشقته…….”
وكانها صفعته على حين غرة…فارتد براسه للخلف ذاهلاً بملامح متصلبة……..
اومات براسها وهي في حالة من اللاوعي…..
متابعة…….
“انا واخده بالي كويس اوي…..من اللي بتعملوا…انت
بتحاول تأثر عليا….نظراتك اهتمامك….غيرتك ومراقبتك للاستوري بتاعي…..بتحط لايك أزرق
ليه…..اللون الازرق بيعصبني……”
اخفت وجهها في كفيها باكية بشدة….باكية بقهر
بغضب بحزن بيأس……
فلامس سليم كتفها وربت عليه قائلا بحنان
ورفق…..
“اهدي ياكيان…..كفاية عياط….أهدي……”
ابعدت كفيها عن وجهها وهي تهتف بحرقة
من أعماق قلبها…….
“انا بكرهوا…..هو اللي موتها…….الحب بيقتلنا….انا
بكره الحب…وبكره الرجالة و بكره الجواز….مستحيل
اتجوز…..مستحيل أسلم نفسي لراجل…..كلكم اندال
طفسين خاينين…..انا مش هكون كريمة…ومستحيل
أكون الهام……لأ انا مش عايزة أكون واحده منهم…
لأ….. ”
بكت أكثر حتى اغمضت عينيها تاركة الحرية
لشهقاتها……المه قلبه بشدة بينما صدره يشتعل
كأتون ملتهب…..مع كل حقيقة تخرج من لسان يهذى…..وعقل يعمل بلا وعي……تصب داخله
شعور من الخساسة فهو من أوصل لها دون
قصد هذا الشعور ؟!…..
“خلاص بلاش حب ولا جواز………اهدي….وكفاية عياط…… ”
قالت وهي تفتح عينيها الحمروان بصعوبة…..
“انا خايفة……انا حسى انه هيموتني في يوم زيها
او هيأذيني زي مآذى شهد….أو هيرميني في شارع
زي مابيعمل مع حمزة…….هو بيكرهنا ليه…وليه
كريمة قبلت من الأول تكون تحت رحمته….”
نزعت يداها من يد سليم قائلة بغضب
عارم…….
“وليه انت عايز تكون زيه…..ليه متكملش في
حياتك مع خطبتك…..ليه…….”
نظر لها سليم بصمت…فبادلته النظرة بضياع ثم
انتفضت ناهضة بقوة………وهي تصيح بجنون….
“انا عايزة أروح…….لازم أروح وقولوا في وشه اني بكرهه وان هو اللي قتلها وحرمنا منها…..لازم يموت
زيها…….”
مسك سليم ذراعها بقوة هاتفاً بنفاذ
صبر…..”كيان اهدي……..أهدي”
بيدها الحرة مسكت يده القابضة على ذراعها وتوسلت له وهي تبكي بقهر……
“سليم……سليم متبقاش زيه……بلاش ياسليم…”
نبضات قلبه وصلت للعنان….بينما رجفة لذيذة
تغلغلت جسده…..وسلبت قلبه معها…..بينما
عيناه ذابت خاضعة لفيروزيتاها الراجية….
نادته مجدداً بصوت أملس وهي تقترب منه
بوداعه……”سليم……….”
سحبها لاحضانه بجنون وهو يدفن وجهه في
كتفها هامساً بتعب……..
“اهدي ياكيان……أهدي وكفاية……..كفاية عشان خاطري…… ”
……………………………………………………………
كيف لنا ان نبدأ وقد سقطت الأقنعة وتعرياً امام
من نحب………حقائق غير مشرفة…. ومشاعر غير
متوزانة…….انكشفت امامنا فأما ان ندعي العمى
او تبصر بصيرتنا ونصلح ما يمكن إصلاحة…..
سمع صوت تقيؤها يتزايد كل دقيقة…..خلف باب حمام المكتب………فقد عاد بها لهنا واعطاها
أحد الاقراص الازمة حتى تبدأ في التقيؤ
ويبطل مفعول الخمر من جسدها…….
ساعة بأكملها تختفي خلف باب الحمام يسمع تاوهها
وتقيؤها ولا يقوى على الاقتراب…..اصبته أليوم
في صميم قلبه……..فأصبح حائراً…..هل يغضب
منها ام يحزن عليها……
كيف يكن والدها بهذه القسوة…..وكيف يوصلها لهذه الحالة….انها من كثرة الكره……تنوي قتلة؟!….
كيف لرجلا مثله ان يكره فتاه جميلة ككيان……
الم ينظر لعينيها يوماً ليرا كم هي بحاجة
اليه ؟!….
رأى احتياجها كثيراً لكنه لم يقدر على اشباعه..فمن
هو ليغمرها بتلك المشاعر…….ومن هي لتاخذ منه ماينقصها……..
هو غير مؤهل لتلك المهمة…..ولن يقبل ان يشبع
احتياجها رجلا غيرة ؟!….
خرجت كيان من الباب بعد لحظات بوجهاً شاحب
قليلاً وهي تجفف وجهها المبلل بالمنديل الورقي….
انتفض من مكانه واقترب منها…….سائلاً بلهفة…
“بقيتي احسن……..”
اومات براسها متزنة اكثر من السابق بكثير…لكن
مزال أثر الكحول عليها……تارك آثار جانبية كصداع
مزمن واعصاب مرتخية……ووجهاً شاحب وكانها
تصارع الموت……..قالت بصعوبة وهي تشيح
عينيها عنه…..
“ينفع أروح……..”
أشار له سليم على المقعد وهو يقول
بهدوء….
“ينفع…..بس قعدي شوية ارتاحي…….”
قالت باصرار وهي تهرب من عيناه
الثاقبة……
“لا انا عايزة أروح انا اتأخرت……..”
هتف هو بهدوء….. “احنا لسه بعد المغرب…….”
“انا كان المفروض اكون قبل المغرب في البيت….”
استدارت بضيق وهي تقول تلك الكلمات….
فاوقفها هو بحزم……
“انتي عارفه انك غلطي صح….”تقدم سليم منها
ووقف امامها يداهم عينيها بنظرات معاتبة
غاضبة……..
” خيبتي املي فيكي ياكيان……”
اهتزت حدقتيها وهربت من عيناه قائلة بغصة مختنقة…….. “الكلام اللي قولته……”
قاطعها بصلابة وبعينين غير متهاونتين….
“انا مش بتكلم عن اللي قولتيه….انا بتكلم عن اللي شربتيه….ووصلنا لهنا……..”
ازدردت كيان ريقها بحرج ولا تعرف بماذا
تجيب…..
فتابع هو مستنكراً فعلتها المخزية……
“إزاي بنت محترمة وعقله وفهمه زيك….تشرب
حاجة زي دي….حتى لو اضحك عليكي زي ماكنتي بتقولي….محستيش من أول مرة شربتيه انه مش عصير تفاح وان فيه حاجه غلط…….”
رفعت عينين مجهدتين اليه…..فسالها
بحدة……..
“ليه عملتي كده كنتي حبى تجربي……..”
ارتبكت بشدة وقالت متلعثمة…….
“انا مش كده ياسـلـ……..ياستاذ….انا غلطانه فعلاً
بس……….”
توقفت فازداد قسوة عليها سائلاً…… “بس إيه……”
وضعت يدها على راسها قائلة بتعب…..
“ينفع أروح…. الصداع هيفرتك دماغي….أرجوك…”
زفر سليم وهو يميل على ظهر المقعد وسحب سترته ثم ارتداها………. “يلا عشان اوصلك…..”
رفضت بضعف….. “ملوش لازمه….”
احتدت نظراته عليها قائلاً بخشونة……
“مش هسيبك تروحي لوحدك وانتي كده…..”
قالت بحماقة…….. “هاخد تاكسي……”
اغلق أزرار السترة قائلاً بملل….. “يلا ياكيان…….”
طوال الطريق لم يتحدثا…ظلا صامتاً محرجاً من بعضهما….ويبدو انهما فعلوا ما يسيء… فظلا واجما متصلبا الوجوه….متحجرا النظرات وكانهما عادوا من عزاء شخصٍ عزيز ذهب ولن يعود………
نزلت كيان من سيارة سليم على أول الشارع كما طلبت منه…….ثم سارت في الشارع ذات الاعمدة المنيرة على الجانبين……والعمارات الشاهقة……
ونسيم الهواء البارد يداعب شعرها الذي انحل
من عقدته وارتاح على ظهرها……
كانت سيارة سليم تقف في أول الشارع بالعرض
وقد خرج سليم منها واستند بظهره على الجانب
المطل على الشارع وعيناه تلاحقها من تسير بخطوات متزنة أمامه…..من تسير ومعها
جزءاً من قلبه يحاول استعادته منها لكن دون جدوى….تظل تستحوذ عليه حتى أصبح
ملكا حصرياً لها وحدها ؟!…..
فتحت باب الشقة بالمفتاح…. فوجدت حمزة وشهد وقمر يجلسا في الردهة ينتظرونها..
بلعت ريقها وهي ترى عينا حمزة مشتعلة بالغضب عند رؤيتها وملامحه متصلبة لا تعبر عن شيءٍ….
قالت بصعوبة وهي تتقدم منهم
بوجل…..
“سلام عليكم……”
قطع حمزة المسافات بينهما ووقف امامها يواجهها بعيناه الضارية سائلاً إياها بهدوء ماقبل
العاصفة.. “كنتي فين……”
قالت بغصة مختنقة…….
“في المكتب….كان عندنا شغل كتير و… ”
“وكمان كدابة….” صوت الصفعة التي تلقتها على وجنتها اخترقت الصمت من حولهم..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى