روايات

رواية غمرة عشقك الفصل السابع 7 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الفصل السابع 7 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الجزء السابع

رواية غمرة عشقك البارت السابع

رواية غمرة عشقك
رواية غمرة عشقك

رواية غمرة عشقك الحلقة السابعة

حزين في تأمل ، مبهم في تمعن ، راقي في جماله
هادي في حركته…. عذب كعذوبة العاشقين في
العشق….
كان يجلس بجوارها امام النيل العذب….. كان يتأمل النيل بتركيز وعيناه تراقبها بين الحين والآخر
براحة وسعادة……يستشعر دوماً جوارها بشيء
قوي شعور كـ…..كالكمال بحياته…
كانت تمسك كوب الحمص الشامي الساخن بين يدها وتحرك الشلمون باليد الاخرى بهدوء مقرر وكانها تود ان تشغل نفسها باي شيء حتى تهرب من نظراته المتربصة لها… تود لو تفتح الكلام أولا لكن كبريائها يمنع الأمر…. انها تنتظره بفارغ الصبر وهو لا يتوقف عن النظرات والصمت…. فقط الصمت… هل اتت لهنا لكي يتاملها مع النيل !……واضح ان الجو
شاعري بنسبة له…
لكن بداخلها الجو مشحون بتوتر والحرج وكذلك
الغضب من نفسها بعد ان وافقت على الخروج
معه بمنتهى البساطه وتساهل …..
اتى صوته أخيراً يسألها بلطف….
“اي رايك في الحلبسة…..”
لم تصل الابتسامة لعينيها وهي تقول بهدوء…
“آآه….. كويسه…..”
سالها بمراوغه….
“كويسه…… بس….”
رفعت عينيها مرة اخرى عليه وهي تخبره بجدية…
“آآه بس……هو المفروض اقول اي… ”
ازدادت المراوغه لديه فقال…
“ذوقين المفروض تقولي اي حاجة حلوه…زي انا مثلاً هقولك ان القعده معاك ياشبح…….. جااامده……”
فغرت شفتيها ورفعت حاجبيها بدهشة…
“اي دي اللي جامدة…..”
رد ببساطة وهو يرفع كوب الحمص على فمه…
“الحلبسة هيكون مين يعني…..”
بلعت ابتسامتها بصعوبة وهي تتنحنح بجدية…
“اي هو الموضوع اللي انت كُنت عايز تكلمني فيه…”
رفع عينيه عن النيل ونظر اليها وهو يقول بنبرة خشنة….
“كُنت عايز اقولك ان الحاجه مش موافقه على جوازنا……”
تغيرت ملامحها في لحظة وهي تقول بنبرة
مشتدة…
“مكنش ده كلامك وانت جاي تاخدني من قدام الشغل……”
ارتشف القليل من الماء وهو يقول بنبرة جادة…
“مانا جيلك في الكلام…..”تابع بعد ان هزت راسها
وتمعنت في حديثه القادم…..
“الحاجه مكنتش مواقفه بس انا اقنعتها بطرقتي…
ووفقت طبعاً بس بشرط…..”
كبحت غضبها للنهاية وهي تسأله بهدوء متحفظ…
“شرط اي ان شاء الله…..”
كبح ابراهيم رغبته في الضحك وقال ببساطة اغاظتها….
“يعني بما ان الشرع محلل اربعه….فانا لم لقتها زعلانه ومتأثرة وعدتها اني بعد ماتجوزك علطول هخليها تدورلي على عروسة تانيه وهي اللي تختارها
بنفسها عشان ترضا عني…….”
توسعت عينيها وهي تصيح بذهول…..
“مين دا اللي يتجوز تاني؟……”
اشار على نفسه بمزاح….
“انا……….انا يا غالية…..”
هتفت سمر بتشنج عفوي…
“قسما بالله كنت قتلتك وقتلت الحلوه اللي
هتجوزها عليا….”
قهقه ابراهيم بانتشاء غريب وعيناه لمعة بمكر ثم عقب عبثاً ….
“الله…..دا انت طلعت شبح بحق وحقيقي بقه….بس بجد اهون عليكي…..”

 

 

 

برمت شفتيها بعتاب…..
“مانا هونت عليك……عادي يعني….”
تاملها بعيون لامعة وهو يقول بحب….
“عمرك ما تهوني ياست البنات……”
اشاحت بوجهها الاحمر للنيل وهي تكتم الابتسامة بصعوبة….
“ممكن نتكلم جد شويه بقه…..”
هز راسه وهو يتحدث قائلاً بتأكيد…
“هنتكلم جد…….اول حاجة انا هجيب اهلي وهاجي تقدملك اخر الأسبوع ده….هنتكلم في كل حاجة ونقرأ فاتحه على الاتفاق……وعلى فكرة…. فترة الخطوبة اقصى حد عندي ست شهور….ومش
ست شهور عشان انا مش جاهز….لا انا جاهز من كله
بس الشهور دي عشانك وعشاني عشان نعرف بعض أكتر……….ها اي رأيك…..”
ردت بتوتر في فالامر يسير بسرعة امام عينيها مما يؤدي للاضطراب والخوف من هذا الارتباط السريع….
“مش شايف انك مستعجل شويه…..وانا لسه معرفتكش كويس….. ”
حاول ابراهيم اقنعها بلطف…
“مش استعجال ولا حاجة ياسمر…. بس في فترة خطوبة…….. ودي خدي فيها وقتك…..”
نظرت اليه وقالت بحرج واضطراب واضح…
“الفترة قصيرة اوي يابراهيم…. مش هلحق أعرفك…”
عقب باستنكار…
“الفترة مش قصيرة دول ست شهور… انا اعرف ناس بتجوز في خلال شهرين…..”
“بيبقوا عارفين بعض قبلها يابراهيم….”
رد بابتسامة بسيطة…
“وساعات بتبقا جواز صالونات ياسمر….”
عقدت حاجبيه وهي تعقب بانكار…
“بس احنا مش جواز صالونات….”
ازدادت البسمة على محياه وهو يقول بحنان رجولي….
“لا مش صالونات….. طب اي اللي يرضيكي وانا اعمله…… بس حددي فترة معقولة… بلاش تقوليلي سنة…..”
هتفت سمر بسرعة…..
“انا فعلاً عايزاها سنة او سنة ونص… او….”
قاطعها ابراهيم باستهجان….
“أو…. هي لسا فيها او….بصي احنا هنحدد ست شهور خطوبة ولو عدى الست شهور وانتي لسه حسى انك محتاجه تعرفيني اكتر هنمد المهلة شويه تلات شهور كمان……. مرضي كده ولا…..”
اومات بالموافقة وطأطأت براسها للاسفل وعلى شفتيها ابتسامة حانية…..
نظر لها ابراهيم وقال بنبرة جادة…..
“في حاجات تانيه ياسمر لازم نتكلم فيها….”
رفعت راسها ونظرت اليه بسودوان عينيها تدفعه نظراتها للمتابعة…..
“لازم تعرفي شوية حاجات عني…. يعني انا شغال سواق في مكتب نقل بقالي اكتر من عشر سنين فيه….
معايا دبلوم صنايع…. مرتبي كويس يفتح بيت ويفيض منه كمان… شقتي انتي عرفاها ومصيرك تيجي تبصي عليها انتي واهلك قبل الخطوبة….. كمان انا مبحبش قعدة البيت…. انا بحب الشغل وبحب اكفي اهل بيتي من كله… وبحب الست المطيعه الهادية اللي تمتص غضبي وقت زعلي وتعرف ترضيني لو زعلتني…… محبش الست اللي تبقا شايله مني وهي نايمه جمبي…. احب اللي تعاتب وتكلم وتبقى صريحه معايا…. تقولي انت عملت ومكنش ينفع….. تعرفني غلطي وتنبهني ليه…….
احب الست اللي تحبني بكل مافيها ساعتها…..
ساعتها هديها عنيه…. وعمري كله مش خسارة فيها……وهسعى دايما عشان تبقا راضيه عني ومبسوطة معايا…..لانها مش بس مراتي دي هتبقى أهلي……. وام ولادي….. ”
سالها وهو يتمعن في عينيها بهدوء شامخ…
“قولتي اي في كلام ده…..”
ارجعت خصلة متناثرة على صدغها للخلف وهي تقول بتردد…..
“مش عارفه اقولك إيه…. بس يعني اكيد هتقي ربنا في شخص اللي هيبقى جوزي…. وطالما هو كويس فاليه هكون عكس كده…. خصوصاً لما اكون بحبه…”
تمتم بداخله بتعب وهو يتاملها بعذاب….
(لما…………. لسه لما ياسمر……) ود لو يسمعها تلك الجملة ليرى ردت فعلها لكنه يعلم ان مشاعر الأنثى
تاخذ وقتها في الإدراك… عكس الرجل… حينما يعجب بامرأة وتكن ملائمة كشخصها له يتوكل على الله ويدخل في العلاقه بقلب جامد سوى علاقة رسمية او عكس ذلك…….المهم ان ياخذ الوضع على محمل الجد بدون اي تردد !…….
هز راسه وهو يقول برزانه عكس ما بداخله…
“انسي الموضوع ده لسه مجاش وقته…انا عايزك تكلميني عن نفسك عايز اعرف اكتر عنك….”
رفرف الهواء البارد خصلات شعرها المموج …. وانعكست السماء السوداء المزينة بنجوم الامعة
على سطح النيل العذب وقد اعطت للمكان
سحر خالص خصوصاً
مع المباني البعيدة الشاهقة والمنيرة من الجهة الأخرى بجمال….. والمراكب على سطح النيل
المضيئة والمزينة بمصابيح مختلفة الألوان
تسحر الأعين بانعكسها على الماء وأيضاً يصدر
من خلالها موسيقى كلاسيكية قديمة الطراز
ناعمة وراقية على الأذان تلمس القلب وتجعله
مرهف الإحساس وبد الجو كأكسير من حياة
قديمة دافئه باتت بعيدة عنا ونادراً ما
نراها ؟!…..
تنهدت تنهيدة عميقة وهي تتركه بعيناها وعقلها وتذهب بشرود طفيف للبحر العذب الشاجن…..
“انا مش معايا شهادة…مكملتش تعليمي بس بعرف إقرأ واكتب طبعاً وبحب القراءة جداً بكل انواعها….
بعد موت ابويا مكنش لينا حد نستند عليه…حتى خالي كان تعبان وبيتعالج من صدمة موت مراته وبنته….وكان أحمد لسه صغير ومينفعش يشتغل
وامي حاولت زمان تسد احتيجاتنا لكن معرفتش
لانها عمرها ما شتغلت وكان الوضع صعب
عليها…..يومها انا قعدتها وحلفت عليها مش هتطلع تشتغل تاني طول مانا موجودة…..وطلعت وقتها اشتغلت…..”ابتسمت بمرارة وهي تتذكر ايام الشقاء ومراحل تطور الذات وتاقلم على قرصة الحياة وقساوة البشر…….
“اشتغلت حاجات كتير اوي….مرة في مصنع بلاستك انتاشر ساعة وقفه على رجلي…. واللي وقفين على دماغك مش بيرحمه عايزين انتاج وخلاص….يعني مقدرينك مكنة بكهربة زيك زي اللي واقف عليها….ومرة في محل ملابس….بس كانو ولاد الحرام كتير وايديهم طويله ومفيش حد بيراعي الولايه
بس عرفت احافظ على نفسي وفي يوم زهقت وسبتها ………اشتغلت بعد كده في محل حلويات شرقيه….بس مرات صاحب المحل مشتني خافت على جوزها مني…..بتقول اني حيه وخطافت رجاله……
مع ان جوزها كان أد أبوي وكان راجل طيب اوي وبيعاملني زي بنته….كان احن واحد قبلته من ساعة ما خرجت اشتغل…….”تنهدت بعمق وهي تسرد
بمنتهى الراحة اليه….راحة لم تجدها
إلا مع حنين صديقتها..ولان وجدتها بصحبة رجل
وليس اي رجل بل بعد اشهر قليلة سيكون زوجها
وحياتها وعائلتها الثانية… وستستقر أخيراً وترتاح
وتجد الحضن الذي يحتويها ويبعدها عن اي شيء سيئ ومُر عاشته قبله !…..
“بعد كده ربنا عطرني في مدام رزان…صاحبة البيوتي سنتر اللي شغاله فيه حالياً….خدتني وشغلتني عندها وعلمتني شغل الارتيست كله…واوحده واحده بدأ يبقى ليا زباين يطلبوني بالاسم ويجيبوا صحابهم للمكان مخصوص عشان اعملهم شعرهم والميكب…..ولحد دلوقتي شغال عندها….الشغل هناك احسن من اي شغل اشتغلته
قبل كده……..وكمان الفلوس كويسه وأحسن…”
نظر ابراهيم لدموعها التي انهمرت على وجنتيها مع تذكر ايام الشقاء والمعافرة لاجل لقمة العيش…
“انتي بتعيطي ياسمر….”
مسحت دموعها وابت عينيها النظر الى ملامحه
بل اكملت بحزن……
“عارف اي اصعب حاجة بتوجع القلب… لم اللي حوليك يبقوا شيفينك جبل…. لا بتزعل ولا بتبكي
ولا بتتأثر…. وكل ده لمجرد انك ساكت مش بتتكلم… اوقات السكوت بيبقى اصعب انواع الوجع….. اي ست…اي ست بتتمنى ترمي حملها على حد يشيل
معاها….يشيل معاها بجد مش كلام ولا منظرى….
حد ياخد بايدها…. حد يقولها انا موجود ومش هزهق منك مهم اشتكيتي ومهم بكيتي

 

 

 

ومهم قولتي………حد يعوضها بجد عن كل اللي مرت بيه…. مش لازم يكون جوزها او حبيبها…… لي ميبقش حد تاني أخ……..او صاحبه……. او أم……”
شردت اكثر وكانه غير موجود معها وكانها تحدث نفسها بوجع…..
“علطول بقدم اللي بقدر عليه معاهم….بس مفيش واحد فيهم فكر يقدملي حاجة….ولم بقعد افكر باللي بعمله واللي بيعملوا معايا بكتشف اني بعمل
كده معاهم عشان يفضله جمبي وميبعدوش……”
شعرت بكف يده الكبير يحيط يدها التي ترتاح على ركبتها……. استشعرت رعشة قوية في جسدها وزادت وتيرة النبضات قوة بعد جملته الصادقة وعيناه الحنونة……
“سيبك من اللي يقرب وللي يبعد…….. انا معاكي
هعوضك وهكون ابوكي واخوكي وصاحبك وحبيبك وجوزك……….بلاش تعيطي ياسمر… انا مبحبش اشوفك كده…..”
مسحت دموعها وهي تشعر بصدمة من نفسها… لماذا الدموع…. لماذا قالت اكثر من المفترض قوله لما الإفصاح عن مشاعر كانت تهرب من التفكير بها
بينها وبين حتى نفسها……
“انا شكلي لبخت اوي….. انا…..”
ابتسم وهو يحاول ازالة الحرج عنها….
“لا لبختي ولا حاجة مفيش اجمل من الصراحة ولوضوح……”
“بس…..”
قاطعها وهو يقول بنبرة صادقة…
“مفيهاش بس…. في حاجات كتير هنتكلم فيها… وانا محتاج احكيلك على حاجات كتير تخصني….موافقة تسمعني….. ”
ابتسمت بجمال برغم الحزن المرتسم على ملامحها ولمعة الدموع بعينيها…. لتساله بفضول الانثى…..
“حاجات زي إيه……”
نظر لساعة معصمه ثم اليها وقال بهدوء….
“نتكلم بعدين……. اتاخرتي ولازم تروحي…..”
اومات براسها وهي تنهض من مكانها وتبعها هو بهدوء وهو يحاسب على المشروبات والجلسة البسيطة التي قضاها بصحبتها…..
“تعالي…..” مسك يدها وهو يقول تلك الجملة… نظرت اليه بغرابة وهي تقول بارتياب…
“هنروح فين…….”
أجابها وهو يقبض على يدها ليمر للطريق
الآخر…..
“متخفيش……..هجبلك غزل البنات….”
ابتسمت بدهشة وهي تقول ذاهله…..
“انتي ليه محسسني اني طفلة….حتى لما كنت زعلانه طلعت فوق السطح وجبتلي شوكلاته ومصاصه… ودلوقتي هتجبلي غزل البنات عشان عيط…. على فكرة احنا هرمونات النكد عندنا عاليه واي حاجة بتأثر فينا…….فـ العياط دا….”
قاطعها بصرامة مصطنعة وهو يقف بها امام بائع الحلوى…والبائع بيده عصا يجمع بها السكر الملون (غزل البنات)…
“اياكي تعيطي تاني….انا مبحبش الست العيوطة…”
لكزته في كتفه بتزمر…..
“بس متقولش عيوطه…….مـ…”
بترت جملتها حينما مالى ابراهيم على اذنها ودللها
بمراوغة….
“انتَ شبح…..شبح وبس…..خد ياجميل احلى
غزل بنات….. ”
نظرت لعصا غزل البنات الكبيرة الملونه بعدة ألوان
تشبه قوس قزح في موسم الربيع مع شروق
الشمس ونسيمة المعطر……ابتسمت بسعادة
غريبة وهي تاخذها منه قضمة قطعة فذابت الحلوى بنعومة في فمها فأخذت الأخرى والآخرى…..ثم رفعت عينيها عليه فوجدته يتاملها بمحبة و رضا وكانه فعل إنجاز يستحق التكريم عليه…لمجرد انه راى ابتسامتها أخيراً.. وبريق عينيها السوداوين قد بدأ يشع
بعد ان كانتى انطفأتى مع دموعها الحزينة……
دموعها تحرقه حياً….. وفرحتها تريح قلبه
وتنعش روحه….وكانه يستشعر كل ما تمر به
وينعكس عليه سواء سلبيا او ايجابيا..
اهذا هو الحب ؟!….
فاق من شروده على صوتها الناعم وهي تمد له
غزل البنات…..
“خد يابراهيم….كُل معايا…..”
قال بامتناع وهو يقف معها على الطريق….
“لا مش عايز……..بالهنا والشفا كُلي انتي….”
“هزعل على فكرة…..”
ضيق عينيه وهو يقول بخبث لذيذ…
“اشربي من البحر…….”
لكزته في ذراعه وهي تقول بدلال….
“اخص عليك ياهيما……”
برم شفتيه وهو يقول هازئاً….
“شكلك رايقه……غزل البنات عامل شغل….بتموته في الحاجات التافهة…..الاهتمام بنسبالكم عبارة عن شورما شوكولاته…..”
ابتسمت بحرج وهي تقضم من الحلوى ثم مدتها
له وهي تقول بجدية….
“طب خد مني يا……”
“يا……..إيه….”
قالت بدلال شقي….
“احنا في شارع….”
لم يرد عليها وادار وجهه……مدت يدها وقالت
بلطف وكانه طفل صغير يتدلل عليها…
” طب خد ياهيما……”
قضم من الحلوى وعيناه القاتمة عليها تلتهم ملامحها بقوة وقحة…..
عضت على شفتيها وهي تقول بحرج….
“ابراهيم…..”
همهم وهو يتعمق بجمال ملامحها البهية…
قالت بحرج….
“اتاخرنا…….”
أدار وجهه لناحية الطريق وقبض على يدها بين

 

 

 

يده الكبيرة وهو يقول….
“طب يلا نعدي الطريق….عشان نركبه المكنة…”
اوقفته وهي تقول بأعتراض…..
“تاني…..لا انت بتسوق بسرعة…..وبعدين احنا
هنروح سوا إزاي… ”
رد بأمر غير قابل للنقاش….
“هنزلك على اول الشارع عشان ابقى مطمن عليكي ولا عيزاني اسيبك تركبي موصلات …..”
“المفروض ا….”
قاطعها بجدية خشنة…..
“مفيش حاحة اسمها المفروض….كلها كام يوم ونقرا فاتحتنا ولبسك شبكتك بعدها…. وساعتها هتبقي خطبتي قدام الناس كلها ويبقى حد يتكلم ولا
يبصلنا بصه وانا احط صوابعي في عنيه…..طالما
ماشيين بالاصول يبقا معلناش تراب…… ولا إيه؟…”
اومات وهي تبتسم ابتسامة شامله كل شيء الراحة الامان….. السعادة….الطمأنينة…. السند……اشياء كثير تنتابها بقربة وكانه الكمال التي تحبث عنه طوال حياتها….
قالت بصوتٍ فاتر لا ينم على توهج مشاعرها
الجديدة بقربه….
“يلا نعدي……”
اوما لها وهو يسير معها لمرور الطريق للناحية الاخرى ويده تقبض على يدها وكانها تأبى الفراق !…..
…………………………………………………………
في اليوم الثاني جمعت الجميع في صالة البيت
الشاسعة وعلى احد الارائك يجلس احمد بجوار امه
وخالها عارف على احد المقاعد يشرب من الارجيله
بمزاج وعيناه عليها ينتظر الامر الهام الذي جمعتهما لأجله…….
عبث احمد في الهاتف وهو يقول بملل…
“خير ياسمر…. في إيه…..”
زفرت سمر بحنق وهي تنظر اليه بامتعاض….
“طب بص في وشي وانت بتكلمني عشان احس انك مهتم بالقعده دي……”
“لا اله إلا الله…. مانا لو افهم في ايه ههتم…. اهتم كده من غير ما عرف اي الموضوع….. ولا انتي اي رايك يازوزو….” نظر لامه بشقاوة ابتسمت زينب بحنان وهي تؤيده كالعمياء…..
“ايوا طبعاً … هي اي الحكايه ياسمر وغوشتي قلبي…”
اخرج عارف الدخان من فمه وهو ينظر لاحمد
مكفهر الملامح……
“قومي ياحمد…. ولع على الحجر ده تاني…..”
توسعت اعين احمد وهتف بتشنج….
“لا دي مبقتش عيشه…. دي رابع مرة اغيرلك
الحجر……انا برستيجي بقى في لارض….”
ساله عارف باستخفاف…
“برستجيك؟…. ويطلع اي ده كمان…..”
صاح أحمد وهو ينهض بزفرة حنق…
“دا واحد ابن جزمه…… ملوش اي ستين لازمه في الحياة…… انا قايم اغيرلك الحجر…..”
مر أحمد بجوار اخته ولكزها بعصبية….
“انجزي وقولي الكلمتين اللي عندك خليني اغور
في داهيه……قبل ما المعسل يخلص ونزل اجيب غيره…….”
صاح عارف بغلاظة من خلفه….
“ياحمد كوباية شاي على السخان وانت جاي….”
غمغم أحمد بعصبية وهو يوليه ظهره….
“وانا مال امي انا ما تقوم اعمل لنفسك
القهوجي بتاعك انا…..”
هدر عارف بشك اكبر….
“بتقول حاجه ياحمد…..”
صاح احمد بنفاق…..
“حبيبي ياخالي….احلى كوباية شاي للحاج عارف على سخان…….احنا عندنا كام عارف….” ضرب
سمر في كتفها وهو يقول بغيظ…..
“انا على اخري……. انجزي….”
دخل المطبخ وخرج بعد دقيقتين… جلست سمر على المقعد المقابل لهم ثم اخرجت تنهيدة ثقيلة على قلبها وهي تخرج معها الكلمات المحشورة بحلقها…
“انا متقدملي عريس وهيجي يطلب ايدي اخر الاسبوع ده…..”
اطلقت والدتها الزغاريد وهي تقول بسعادة…
“الف مبروك ياسمر….الف مبروك ياحبيبتي…”
ابتسمت سمر بارتياح وهي ترد على امها بخجل…
“الله يبارك فيكي ياماما….”
نظر احمد اليهم بغرابة ثم نظر الى خاله بذهول…
ثم رفع عينيه ليجد امه تقترب من اخته وتعانقها
بسعادة ومحبة وهي تبارك لها….
صاح باستهزاء لأمه…..
“اي ياست انتي…..انتي بتبركلها على ايه….انتي عرفتي مين العريس الأول…..”
توسعت اعين امه وكانها تذكرت شيء مهم لتعود لابنتها وتسالها باهتمام…
“ايوا صحيح هو مين العريس ياسمر……”
ضرب احمد بكف يده على راسه وهو يصيح بصدمة….”آلله……”
نظر عارف اليه وبرر لاخته باستهانه….
“فرحة الأم بتنسي برضو….”
“آآه…. دي بضيعه خالص…..”مسح أحمد على
جبهته بسخرية……
هتفت سمر بحسم وهي تنظر اليهم…..
“خلاص ياجماعة فرحة زوزو معروفه من يومها…على العموم يازوزو….العريس يبقى ابراهيم اللي ساكن في البيت اللي قصدنا……”
صاح احمد بصدمة….
“مين ياحبيبت اخوكي….”
ردت بغرابة من أمره….
“اي ياحمد…. إبراهيم راضي….”
هتف أحمد بسخط معاتب اياها بقوة…
“آآه يطلع اي يعني…ملقتيش في دنيا كلها غير ده…اللي هان اخوكي ومد ايده عليه في الحارة كلها إيه لدرجادي انا مبفرقش معاكي….”
لوحت بيدها وهي تقول بوجه ممتقع…..
“متكبرش الموضوع انتَ كمان غلط لم عكست
بنت عمه……”
سالها بكسرت نفس….
“يعني إيه…..انتي موافقة….”
بررت الوضع بـ
“اكيد موافقة ابراهيم جدع وابن ناس ومحترم……وداخل البيت من بابه وطلبني في الحلال…..”
تحدث بنبرة هادئه رغم شدتها….
“كل ده جميل…..بس المشاكل اللي حصلت قبل كده…”
“انسى ياحمد ما محبه إلا بعد عداوة…..”
صاحت أمه بدفاع عن ابنتها….
“جرالك اي ياحمد هتكسر بخاطر أختك عشان مشكلة قديمة وانتَ حكتلي يومها ان الجدع رضاك مع انك غلط في الأول معاه ومع بنت عمه……”
اشاح بعينيه للناحية الآخر بتشنج وهو يقول بنبرة هاكمة…..
“واضح كده ان اعتراضي لا هيودي ولا هيجيب مبروك ياسمر….. بس انا هسأل برضو عليه وهطمن بنفسي……..”
اومات وهي تقترب منه وتقول بمشاكسة ومداعبة جميلة…..
“ماشي بس فكك من التكشيره دي….شكلك وحش
وانت مكشر…. فك كده يالا… ”
ابتسم وهو يخبرها بمزاح خبيث….
“فكاكها يالا….. بس شكلنا موافقين على الاخر…”
أحمرة وجنتيها وهي تخبر اخيها الصغير
بحرج……
“مرتاحه للموضوع يعني ربنا ييسر الحال….”
قال بشقاوة وهو يجذبها لاحضانه….
“ربنا يسعدك ياشقي…..ونشوفك بفستان الفرح قريب…. ”
ربتت على صدره وهي تقول بمحبة…
“يارب ياحمد….عقبال ما شوفك متخرج وبعدها
معاك عروستك……”
عبس وجهه وهو يقول مكفهر الملامح….
“ادعيلي بس اتخرج….وبلاش سيرة الجواز دي…مش نقصين قلبة دماغ كفايه خالك عليا… ”
صاح عارف بتحذير اليه….
“صوتك عالي وانا قاعد جمبك يابن جمال…”

 

 

 

 

ابتسم احمد بنفاق في وجهه وهو يقول بطصنع…
“دا انت حبيبي ياخالي………عيب عليك….”
ضحكت سمر وهي تضربه وهو رد الضربة بمزاح
إليها اقتربت منها امهم بحنان وجلست في
المنتصف وهي تاخذهما بين احضانها من الجاهتين…..
“مبروك ياسمر…. عقبالك ياحمد افرح بيك بعد الشهادة علطول……”
برم أحمد شفتيه وهو يقول بوجوم…
“يازوزو ارحميني من ام الدعوة دي ركزي على الشهادة احسن……”
هتفت امه بعيون لامعة…..
“بس ياولا…. دي عروستك دي لازم اخترهالك على الفرازه…. لازم تكون حلوة وبيضه ومربربه كده وجميلة عشان تملى عينك…..”
هتف عارف ساخراً وهو يخرج دخان الارجيلة من فمه …
“تملى عينه؟…. دا ميملاش عينه غير التراب….”
رد أحمد بامتعاض….
“الله يسمحك ياخالي…..”
قالت زينب بعتاب إليه…
“لي كده ياعارف… دا أحمد زي القمر حتى والف بت تتمناه…..دا كفايه اسمه… ”
كتمت سمر ضحكتها وهي تنظر لاخيها قائلة بهمس…..
“امك متعرفش ان الاسم ده بيتعمل عليه حفلة
في اي حته……… ”
برم شفتيه ولم يعلق على الأمر بل عقب على
جملة امه وهو يقول…..
“انسي يازوزو ادعيلي بشهادة دي الأهم…. ”
خرج من احضانها هو وسمر لتقول سمر بجدية
“بعيداً عن الهزار ياماما…. احنا لازم نعمل غدى يوم الجمعة لاهل إبراهيم……”
اخبرتها امها باستنكار….
“غدى أي ياسمر… يابنتي دول جايين ربط كلام كده خلي الغدى الزيارة التانيه لم كل حاجة تمشي رسمي…..عشان ميقولش اننا مدلوقين عليهم…خلينا راسيين وعقلين كده لحد ما نعرف هما هيتفقوا
معانا على إيه……. ”
قطبت سمر حاجبيها وهي تسألها بحيرة
“طب هنعمل اي يازوزو….”
اخبرتها زينب بعد تفكير دام لثواني…..
“هنعمل كام صنف حلو كده…. على شوية عصاير ونقدمهم ليهم…. كده في القعدة… هو قالك هيجي امته…….”
ترددت في ان تخبرهم بأمر رقم هاتفه فقالت
بعد لحظتين من التفكير…..
“بليل بس معرفش امته…… هبقا اكلم حبيبة واسالها….”
انتبه احمد وهو يسالها بلهفة ….
“حبيبة؟…. انتي معاكي رقم حبيبة ياسمر…..”
رفعت سمر حاجبها وهي ترمق اخوها بحزم…
“أيوا… بتسأل ليه؟…. أحمد ملكش دعوة بحبيبة خصوصاً بعد خطوبتي بابراهيم…. انا مش عايزه مشاكل……..ما تقولي حاجة ياماما… ”
أكدت امها على حديثها وهي تحذر ابنها بهدوء…
“ايوا ياحمد…. اختك بتكلم صح… احنا هنبقا
نسايب يابني و…..”
قاطع امه وهو يقول بضجر….
” في اي ياجماعة انا قولت اي غلط….. انا بسأل
عادي…..” نهض من مكانه بعصبية وهو يقول
على مضض…..
“اتكلمه براحتكم……. انا داخل جوا….”
تابعت سمر ابتعاده فسألت امها بدهشة من
أمره….
“هو اتعصب كدا ليه… هو انا قولت اي غلط….”
زفرت والدتها بحيرة وهي تقول بأستياء….
“سيبك منه هو بقاله فترة كده حاله مش مظبوط…….وكان في حاجة مضيقاه…..”
رفعت زينب عينيها عن غرفة ابنها المغلقة
وهي تسالها بشك….
“قوليلي ازاي عرفتي ان إبراهيم عايز يتقدملك…”
اخبرت امها بشكل سطحي عن الموضوع بدون التعمق باي تفاصيل بينهم فضلت ان تشارك تلك التفاصيل شخص مثلها قريب منها لا تفصح عن ما بداخلها إلا إليه وبمنتهى الراحة…… انها الصديقة الوحيدة بحياتها (حنين)…
………………………………………………………….
عقدت لفت الوشاح حول شعرها البني بعشوئية وعكفة
العباءة البيتي القديمة المرقعه…. والتي لا ترتديها
إلا عند التنظيف…. عكفة طرفها الى خصرها
وربطتها ببعضها فكشفت ببساطة عن ساقيها التي
لا يظهر منهم الا القليل بسبب البنطال الذي يلتصق
بساقيها….. شكلها فوضوي لكن جميل خصوصاً مع احمرار وجهها وبريق عينيها البنية الجذابة….. بدت كخادمة مكافحة تسعى للعمل بجهد لكنها بدون قصد تلفت الانتباه بأقل هيئة تظهر بها…. حتى ان كانت فوضوية غير مرتبة !….
ليست شابة فاتنة بجمال جاذب للاعين بل انها هادئة بسيطة وسر الجاذبية الخفية تكتمل بتلك البساطة وهذا الحزن المرسوم ببراعة على وجهها وساكن بعينيها…..
مسحت قطرات العرق عن جبهتها وهي تنظر لساعة القديمة المعلقه في حائط الصالة ثم قلبت عينيها بين أرجأ الشقة البسيطة التي انتهى تنظيفها الاسبوعي العميق……. الان امامها ساعتين لعمل وجبة سريعه لاشقائها قبل ان تذهب لامها لتبيت معها
في المشفى…… في النهار تذهب (زينب) والدة
سمر ثم تترك امها رغماً عنها قبل اذان المغرب ذاهبة لمنزلها لاعداد وجبة الغداء لعائلتها….
وتاتي هي في المساء لتبيت معاها بعد ان توصي احد الجيران على اشقائها ليلاً… واوقات كانت
تجلس سمر معهم لكنها تتركهم على اية حال
بعد ان يخلدون للنوم….. فكل شخص لديه هم يكفيه
وهي تزيد الضغط على سمر وامها بصفة الصديقة البائسة التي تحتاج دوما للمساعدة منهن ومن
غيرهن…. بات التسول طبيعة حياتها…..
قطعة البصل وبدأت بعمل وجبة الغذاء البسيطة لهم….. واثناء اعداد الطعام طرق باب المنزل
مسحت عينيها الدامعه والحمراء اثار تقطيع البصل
واتجهت للباب بهيئتها الفوضوية ورائحة البصل تفوح من يداها………
فتحت الباب ونظرت امامها لتجد رجلا ثريّ وسيم فارع الطول ضخم البنية بصلابة !…. بشرته خمرية
وشعره بني به خصلات شقراء زادت بريقاً مع عينيه
العسلية القاتمة والضارية بنظرات شبيهة باعين النمور المفترسة……
حينما دققت بنظراته الحادة المتربصة لها بلعت ريقها وهي تقول بتردد جلي على وجهها….
“خير ياستاذ عايز حاجة….”
نظر لها عز الدين نظرة شاملة مقيم اياها بسخط ينطق من خلال عينيه الصريحة….. ثم حينما اتى لعينيها البنية الامعة وتامل وجهها للحظات باستهجان….وبرغم من علاقته النسائيه ومعاشرته لبعض النساء وتقرب منهن في طباع وفي المعاملة
إلا انه لاول مرة يرى أمرأه تحمل كل هذا الاسى الصريح في تعبير….. لاول مرة يرى أمرأه شفافه
غير كتومة التعبير … يحكي وجهها مآسٍ بحياتها غير منتهية…..وكانها كتاب مفتوح للغريب قبل القريب
لمن يود النظر به ويتمعن بالحكاية البائسة …….
أخيراً خرج صوته عند التعلق بعينيها فسالها
بصوتٍ جاف….
“انتي حنين السيد…..”
اومات له بتوجس….
“ايوا انا…. خير في حاجة….. انت حكومة؟..” سؤال غبي مع الذعر الذي تمكن منها وهي تساله بقلق مما جعله يعقد حاجبيه ويرد عليها بسؤال….
“انتي هربانه من حاجة…..”
اشارت على نفسها وقد شحب وجهها كلياًّ وهي
تقول بسرعة….
“انا ؟….. والله العظيم أبداً انا في حالي….”

 

 

 

 

ابتسم باستخفاف وهو يقول بنبرة مشتدة برغم انخفضها….
“مش باين انك في حالك….عمتا انا مش من الحكومه…. بس ممكن اكون انيل منهم لو منفذتيش الكلام اللي جاي عشانه… ”
توترت وهي تمسك في أطراف الباب الخشبي
بخوف…
“ممكن اعرف انا عملت إيه…..”
رد ببرود وهو يقف بصلابة امام باب شقتها…
“انتي لسه معملتيش…. بس ممكن تعملي لو مسمعتيش مني الكلمتين دول….”
برغم من توتر ملامحها الا انها هتفت بغرابة من امر هذا المعتوه الـ……. المخيف!….
“كلمتين بخصوص إيه؟…..”
لفظ بنبرة بها لمحة من الخطر القادم عليها….
“بخصوص خالد العربي…… اكيد تعرفيه….”
بلعت ريقها وهي تخرج راسها قليلاً وتنظر حولها بقلق…
“ممكن توطي صوتك…مينفعش الكلام ده…واساسا وقفتك هنا من الأول غلط…….”
برم شفتيه لثانية ثم حدثها بجفاء…
“بلاش التمثليه الرخيصة دي وسمعيني…وااه لو خايفة لحد يسمعك نقدر نتكلم جوا….”
“جوا فين….. انت…..”بترت جملتها وشتمته في
سرها وهي تتابع بعد نفساً عميقاً اخذته….
“مفيش حد جوا ومينفعش ادخلك….”
“عارف وعشان كده جيت….”
توسعت عينيها من جرأة هذا الرجل فكادت ان تعنفه باقذع الشتائم ولكنه سبقها وهو يقول….
“الموضوع اللي جيلك فيه مكانش ينفع حد يسمعه غيري انا وانتي……لازم نتكلم يانسه وقفتنا على الباب كده مش تمام…….”
بطبع لا يهتم لامر أحد ولكنه بارع في لعب بالكلام ويعرف كيف يضغط على الشخص الذي امامه وكيف يرخي قبضته لبعض الوقت !…..

بطبع لا يهتم لامر أحد ولكنه بارع في لعب بالكلام ويعرف كيف يضغط على الشخص الذي امامه وكيف يرخي قبضته لبعض الوقت !…..
نظرت حنين للداخل بتردد ثم اليه وحوله حيث الدرج بالاسفل وبالاعلى….ارخت قبضتها عن الباب
وافصحت له الطريق وهي تقول….
“اتفضل قول اللي عندك……وامشي….”لم ترى ملامحه فقد كانت تحل عقدة العباءة بحرج لتخفي ساقيها
التي كان يختفي معظمها خلف الباب…هكذا ظنت لكن عينيه كالنمر تربصة لكل مابها ودرسته ملياً
في لحظتين خاطفتين……
رفع عز الدين حاجبيه بصدمة فهو يطرد للتو منها….من شابة عادية… اقل خادمة لديه تفوقها
فتنه وحسن تعامل…
على اية حال دخل وكبح حنقه منها للنهاية… جلس على اقرب اريكه امامه…. كانت قاسية وغير مريحة
في الجلوس….ولكنه جلس على مضض مخفي
عن عينيها…. وضع قدم على اخره بعنجهية تليق
مع الحلة الانيقة الرسمية وهيئته ولكنها تتناقض
مع المكان والاريكة والشابة الواقفة امامه
بغضب خير دليل ……
نظر اليها بعسليتاه القاسية وقال بنبرة
جليدية…..
“عندك اي يتشرب…..”
اصابها الذهول فقالت بحنق….
“مفيش غير مايه…. تحب تشرب مايه….”
تحدث بتسلية جافة وسالها….
“انتي بخيله ولا اي يانسه حنين….”
ردت حنين ببساطة….
“مش بخل تقدر تدخل تفتش بنفسك… مع اني
اخاف على بدلتك تتوسخ من الحيطان…اصل المطبخ ضيق وحضرتك ما شاء الله…..”نظرت الى جسده بلمحة خاطفة مستنكرة كتلة العضلات الضخمة التي تسير على الأرض…..
اخرج عز الدين رزمة من الأموال وهو يقول
بصلف اهانها بقوة…..
“طب خدي دول…….عشان نعرف نتكلم….”
نظرت لرزمة الاموال ثم اليه وهي تقول….
“نتكلم في اي بظبط……واي لازمة الفلوس….”
“اي لازمة الفلوس؟…..”قهقه عز الدين بقوة خالية
من اي مرح وهو يتوقف بتدريج عن الضحك قائلاً
باستهزاء…..
“عايزه تفهميني ان الفلوس مش فرقه معاكي..وانك موافقه على خالد….حب فيه مثلاً ؟….”
ردت بصدق وقد تأكد شكوكها انه احد اقارب
خالد……
“انا معرفوش عشان أحبه…..هو طلبني للجواز وانا…”
قلب عينيه في زوايا الشقة البسيطة وهو يقول باستخفاف…
“وانتي وفقتي……..عشان ينشلك من الفقر ده..”
هتفت حنين بغباء وكانها تحاول اثبات مصطلح جديد بعلقها انها لا تخطئ وأيضاً خالد والغموض
الذي حوله لا يرهب شخصها !….
“انا مضربتوش على ايده ياستاذ… وبعدين انت مين عشان تحاسبني…. او تحاسبه… هو حُر يعمل اللي هو عايزه طالما في الحلال…..”
ارجع راسه للخلف باستخاف وعيناه عليها….
“آآه……….. افهم من كده انك موافقة….”
بطبع هي اخذت قرارها منذ الوهلة الاول بانها ستضحي من اجل عائلتها وحتى ان كان الجواز
مبني على فترة محدودة للهو بها فقط !….
“أيوا موافقة… وقراري هبلغه لخالد بنفسه…. او
تبلغه ليه انتَ بما انه أخوك…..”
رد ببساطة خبيثة وبدأ بلعب على الاوتار الحساسه
لكي يختبر نقاء شخصها……
“خالد فعلاً اخوي وابن خالي كمان…واكيد مش جاي
هنا بس عشان ابعدك عن خالد لا انا كمان
عايزك تنسي موضوع الجواز دا خالص…….”
انكمش وجهها بغرابه وهي تنظر إليه…
“انساه ؟….واضح انك سمعت غلط….انا موافقه على الجواز مش….”
قاطعها وهو ينظر اليها بازدراء….
“حتى لو عرفتي انه متجوز وعنده ابن……”
“متجوز….”فغرت شفتيها وهي ترمقه بجدية ظنا منها انه يهذي لكي ينهي تلك الزيجة…..
رد بتأثر مصطنع…..
“متجوز……….اختي…..اكيد عرفتي انا بمنعك ليه دلوقتي……”
سألته وعيناها البنية تراقبه بشك….
“وانت ازاي تقبل على أختك انها تكمل مع واحد خاين زي ده…”
برم شفتيه هازئاً وهو يحدج بعينيها بسخط….
“وانتي وافقتي على جوازك من الخاين ده ليه…”
ردت بحرج بعد سؤاله المهين……
“انا معرفش ان كان متجوز….”
رد عز الدين بنبرة مشتدة وعيناه تحمل دليل
ادَّانه نحوها…
“بس اكيد تعرفي جوازه من مروة….مش كده….
“ومع ذلك وافقتي على العرض عشان الفلوس..
زيك زي مروة…..”
بلعت ريقها وهي تدافع عن نفسها بقوة…..
“انت فاهم غلط………..انا ظروفي….”
بتر جملتها بقسوة وعاتبها بقوة وكانه يعرفها من سنين……
“ايان كانت ظروفك……اسمك بتبيعي….زيك زي اي واحده بتقف على الطريق ا…..”
رفعت سبابتها وصاحت به بحدة….
“اخرس…. انا اشرف منك ومنه….. وطالما متعرفش ظروف غيرك يبقا متكلمش عليها….وبلاش تحكم بظاهر….. ”
لم يتأثر من تبريرها الاهوج وقال ببرود وهو
يخرج كاش الشيكات من جيبه…..
“عايزه كام……… وترفضي عرض خالد….”
عقدت ساعديها امام صدرها وهي تقول بنبرة
منزعجة منه……
“مش عايزه حاحه خد فلوسك وامشي…”
رفع عينيه عن الورقه وهو يسألها بشك….
“يعني اي هتوفقي على الجواز منه….”
لوحت بيدها بعصبية ويبدو انها تطردة بتلك
الحركة….

 

 

 

 

“متخفش هسبهولكم تشبعوا بيه……. بس لو شاطر ابعده عن طريقي وبلاش تستقوى عليا انت
او هو…… انا عايزه افضل في حالي وبعيد عن المشاكل….”
وكانها تترجاه ان لا يدخلها بمشاكل وبرغم الغضب
الجلي عليها الا ان نبرتها تحمل خوف وتردد من القادم لم تقدر على اخفائه فظهر في جملتها الاخيرة بدون كتما….
حرك القلم على الورقة وسالها مرة اخرى بحزم
غليظ……
“قبل ما ممشي لازم اسبلك المبلغ اللي هنتفق عليه ….”
صاحت بتشنج ونفاذ صبر….
“قولتلك عرض ابن خالك مرفوض وبلغه كده….. ومش عايزه اي حاجة منك او منه……. اي
مبتفهـ…”
بلعت باقي الكلمة بعد نظرته العدوانية المخيفة لها
وكانه سيفتك بها ان زادت المعيار في تطاول
عليه….
توقفت الالسنة وسارت حرب النظرات قائمة بينهم وكلا منهما ينظر بمقت وازدراء للآخر……واول من انهى هذا الصراع حنين وهي ترفع يدها باتجاه
الباب التي تركته مفتوح عند دخوله……
انعقد حاجبيه بقوة وهو يراها تطردة فعلاً من المكان……حينها قالت حنين بنبرة جافة ناقمة….
“انا معنديش حاجة اقولهالك اكتر من كده….اتفضل من غير مطرود ياستاذ…..”
قبض على كف يده وهو ينهض من مكانه بصلابة
متجه الى الباب بصمت مخيف……وترك عمداً
رزمة الاموال على الطاولة…..
حملت حنين رزمة الأموال و وضعتها بين يده
بقوة وهي تقول…..
“خد فلوسك معاك……انا مش محتاجاها…..”
رد بسخط وهو ينظر لها ببرود….
“اعتبريها هدية………يانسة حنين….مش اول مرة تقبلي هدايا من النوع ده…. ”
اهتزت حدقتيها وهي تنظر اليه وكانه رد اهانة طردها اليه منذ قليل بتلك الجملة التي تذكرها
عند اي نقطة تقف الان امامه وامام نفسها…
الامر اشبه بامرأة عاريه امام رجل غريب لا تجد
ما يسترها من نظراته المهينة لها…
سمعت صوته القوي المخيف ينتشلها من
شرودة وهو يقول بتحذير به لمحة من التوعد….
“اسمعيني كويس….. انا مبرحمش بذات اللي
بيستقل بعقلي…….لو طلع اللي عملتيه ده من شويه فيلم عليا….. عشان تنايمين لحد ما تتجوزيه من
ورايا……. تبقي غلطانه….”اشار على عينيه الأثنين وهو يتابع بنبرة مهددة اصابتها بالذعر….
“انا عيني عليكي…..لحد ما ينساكي ويطلعك من دماغه…….فهماني….. عيني هتبقى عليكي علطول فبلاش تستغفليني……احسلك… ”
شحب وجهها ورمشت بعينيها عدة مرات وتبخر الكلام بعد ان وضع رزمة الاموال بيدها والتي كانت تحتوي على مبلغ ليس ضئيلا…
رفع يده والقى عليها تحية باردة وهو يخرج من الشقة مغلق الباب خلفه….نظرت بدهشة للباب المغلق ثم للاموال وهي لا تعرف اتلك نهاية ام بداية
متعثرة !….
نزل على السلالم المتهالكة وهو يمرر اصابعه على انفه بعشوئيه ليجد رائحة البصل تفوح من يده
امتعض وجهه وهو يغمغم بذهول…..
“بصل؟…….”
برغم الذهول المرسوم على ملامحه الا ان شقت شفتيه ابتسامة تعجب……. تلك الشابة غريبة حقاً……كل ما بها يختلف عنهن للاسواء…حتماً للاسواء…..
يتمنى ان لا يقابلها ثانيةٍ فهي حالة غريبة برغم الشفافية التي تتميز بها الا انها بها شيء
يجذب لم يتعرف عليه بعد !….
______________________________________
طرق الباب بعد ان وضعت الطعام للصغار على الطاولة…..
ذهبت لفتح الباب وركض الصغار لطاولة الطعام
بجوع ليبدا كلا منهم بالاكل وسط احاديث
طفوليه بين بعضهم…..
فتحت حنين باب الشقة فوجدت سمر امامها تبتسم لها بمحبة وقد مدت يداها تعانقها بشوق به حماس غريب….
سالتها حنين بدهشة….
“سمر……..مقولتيش يعني انك جايه….”
ابتسمت سمر وهي تبتعد عن احضانها….
“تلفونك مقفول كالعادة…..عامله ايه…”
“الحمدلله….تعالي ندخل جوا…”اشارت لها على
غرفة النوم….
دخلت سمر بعد ان القت ابتسامة مرحبة بالصغار الجالسين على طاولة الطعام….
القت سمر جسدها على الفراش بالعرض ونظرت لسقف الغرفة ولفظة اسمه وسط تنهيدة هيام…
“ابراهيم…..”
ارتاحت حنين بجوارها ونظرت هي ايضا للسقف
وهي تبتسم بخبث متسائلة…
“مالو الافندي اللي شاغل بالك من ساعة ما شوفتيه…..”
ادارت سمر راسها الى حنين وعلى شفتيها ابتسامة تنبض بالسعادة…..
“ابراهيم عايز يخطبني ياحنين…..”
نظرت لها حنين وقد لمعة عينيها بالفرحة بعد ان تناست كل ما حدث من بداية اليوم وصبت كل تركيزها وسعادتها من أجل صديقتها الوحيدة في
تلك اللحظة….
“بتهزري…..بسرعه دي….طلب امتى منك الموضوع ده… احكيلي… ”
“لا دي محتاجه قعدة بقه….” بالفعل نهضت سمر وتربعت ساقيها وهي ترجع شعرها الاسود للخلف
وبعيون تتلألأ ببريق جديد قالت…
“جالي قدام الشغل من يومين… وركبت ورا على الموتسكل… و…… وخرجنا…..”
توسعت عينا حنين وهي تعقب ذاهله..
“ياسافلة….”
ضحكت سمر وهي تتابع بحماس اكبر….
“مش بس كده دا احنا قعدنا على الكورنيش… وجبلي حلبسة….”
شهقت حنين بقوة وهي تقول ذاهلة….
“حلبسة؟…. حلبسة ياسمر…”
اومات لها وهي تكبح ضحكتها بصعوبة وسردت بمنتهى الراحة لتوأم روحها…..
“آآه…. وتكلمنا كتير اوي في حاجات كتير… دا حتى بقالنا يومين بنتكلم في التلفون…..”
توسعت اعين حنين وعنفتها بقوة….
“اي يابت الانحلال ده….. احنا من امته واحنا بنكلم رجاله في تلفون… اخلاقك باظت….”
نظرت لها سمر بضيق وهي تقول بجدية…
“ياحنين متهزريش وتكلمي جد شوية…”
هتفت حنين بجديه مشتدة وهي تربع ساقيها وتجلس مقابل لها…..
“انا مبهزرش ازاي تخرجي معاه وتكلميه في تلفون….. انتي كده بتنيلي الدنيا… وممكن ياخد
عنك فكرة وحشة…..”
خفق قلب سمر باضطراب وهي تسالها بوجه
حافظ على تعبيرة المبهم…..
“فكرة اي بقولك عايز يخطبني….”
قالت حنين بتشكيك….
“يابنتي ماهي بتبدأ كده… واول ما يجيب رجلك خلاص بتبدأ الحجج الفرغه….”
هزت راسها بنفي وهي تقول بعدم
اقتناع من شكها المبالغ فيه…
“لا…. لا ياحنين…… إبراهيم مش كده….”
نظرت حنين لها بغرابة وقالت باستهجان….
“انتي تعرفيه منين أصلا عشان تدفعي عنه…”
دافعة سمر عنه بقوة وهي تخبرها بتبرير…
“ياحنين اسمعيني ومتخديش الموضوع قفش كده… بلاش تحكمي بظاهر…. إبراهيم كل ما بيكلمني بيأكد على المعاد اخر الاسبوع اللي هيجي يتقدم فيه
هو واهله ليا….. إبراهيم ملوش في الوع…انا متاكدة….”

 

 

 

 

حجظت حنين عينيها وهي تومأ بتفهم..ثم
سالتها باهتمام…
“جايز….. بس قوليلي انتي موافقة عليه بجد…”
اكدت بعفوية لا تقبل الشك…
“طبعاً موافقة عليه….”
توسعت عيني حنين وشقت شفتيها ابتسامة دهشة وهي تسالها بابتهاج….
“انتي بتحبيه ولا إيه؟….”
“مش عارفه…. هو لسه بدري على موضوع الحب
ده… بس انا بحس معاه براحه بالامان.. يعني ببقى
مبسوطة اوي وانا بكلمة… وبقعد ارغي كده في موضيع تافهه عشان بس يفضل معايا على
الخط…… بحكيله على حاجات يعني تخصني
اوي زي شغلي زمان حياتي دلوقتي… بحب اي
بكره اي….. بحس كده اني بعري نفسي قدامه بغباء….ومش بحس بعدها بتأنيب ضمير لا بالعكس انا بحس اني مرتاحة بعد ما بتكلم معاه…….”تابعت وهي تشرد مع تلك المشاعر المجنونة….
“كمان بحب اسمعه اوي….وببقا عايزه اعرف كل حاجه عنه…..بحب اهتمامه بيا…بحب خفة دمه وبذات لم ينكشني بكلام….بحب لم يقولي ياست البنات…ولم بيقولي ياشبح….. بحس ياحنين كده اني عمله دماغ جامدة لم بيقولي ياشبح ….كاني مش شايفه الناس اللي تحت أصلا…” أنفجرت سمر ضاحكة بقوة مفعمة بالانوثة والجمال….
شاركتها حنين ضحكتها الرقيقة وهي تقول بمزاح…..
“بيقولك ياشبح……دا اي غزل السرسجيه ده….”
ضربتها سمر على يدها وهي تقول بعتاب…
“اخص عليكي ياحنين……دا عسل….”
ضحكت حنين وهي تقول بسماجة مقصودة…
“عسل؟…….ياختي عليه…..احنا نقول مبروك بقه…”
صاحت سمر بقلق….
“مش بظبط….”
قد بدأ هرمون النكد بالفرز !….
سالتها حنين وهي تضحك بصدمة…
“ليه…..بعد قصيدة الحب دي تقوليلي مش بظبط….”
قالت سمر بتردد….
“يعني…. في حاجات كده قلقاني منه….” نظرت سمر لحنين التي دفعتها للتحدث بنظرة عينيها فتابعت سمر بعدم ارتياح….
“يعني تحكماته فيا بتخنقني…..وخايفه بعد الجواز يكون غبي وايده طويلة…..”
برمت حنين شفتيها وهي تعقب…
“غبي؟………ماكان عسل من شوية….”
نظرت لها سمر بحدة وهدرت….
“حنين انا بتكلم بجد…..”
“وانا كمان بكلمك بجد…..مفيش راجل مش بيتحكم ومفيش راجل مش عصبي….بس انتي اللي تقدري تحطي حدود مينفعش يتعداها….وطبعاً انا بتكلم عن ايده ولسانه….اما بنسبة للتحكمات اللي بتخنقك
فياما تتعودي عليها ياما تحاولي تغيريه بطرقتك
بعد الجواز مثلاً الموضوع هيبقا اسهل….”انهت
حنين جملتها بغمزة عابثة….
ضربتها سمر بالوسادة في وجهها…ضحكت حنين بقوة وهي تقول…..
“طب والله بجد الرجالة دول عملين شبه البيبيهات محتاجين الاحتواء….احتويه انتي بس وهو هيبقى عجينه مرينه في إيدك…..”
القت سمر الوسادة في وجهها وهي
تقول بزمجرة….
“والله انت رخمة….”
ضحكت حنين ضحكة خافته وهي تقول بأختصار…
“طب اقولك اي يابنتي انا خبرتي محدودة برضو..انا كنت بعمل كده مع جلال….كلمتين حلوين كانوا بيعدو الموضوع……شوية حنان على شوية دلع الدنيا بتمشي…….امال احنا جنس ناعم إزاي…..”
نهضت سمر من مكانها وهي تقول بسخط….
“طب يا ناعمه انا قلقت اكتر….”
حاولت حنين ان تبث بها الطمأنينة….
“سبيها على ربنا….لسه فيه فترة خطوبة…انتوا مش هتجوزه بكرة يعني….”
قالت سمر بنبرة مضطربة قليلاً…..
“ما ده اللي مطمني فترة الخطوبة…بس ابراهيم ناوي يخليها ست شهور…..”
“حلوين ياسمر مش وحشين…”
نظرت سمر لها بحدة….
“انتي معايا ولا معاه ياحنين….”
اخبرتها حنين بعدم ارتياح وقلق عليها…
“اكيد معاكي…بس انا نفسي تجوزي في اسرع وقت قبل ما ماهر يشم خبر بموضوع الخطوبة….”
اكفهر وجه سمر وهي تقول بضراوة…
“هو احنا بنسرق… هو ماله أصلا…. سيبك منه
انا كدا كده هسيب الشغل اخر الأسبوع…..”
حدقت بها حنين بدهشة….
“بجد ياسمر لقيتي شغل جديد….”
اخبرتها سمر بسلاسه….
“بيوتي سنتر في الـ**…واحده من الزباين اللي بتيجي عند رزان دلتني عليه روحت وشافوا
شغلي وتفقوا معايا اجلهم من اول الاسبوع…يعني فاضل بس ابلغ مدام رزان اني همشي وخلاص
ولو خطوبتي انا وابراهيم تمت اكيد مش هطول فيه غير الكام شهر بتوع الخطوبة وخلاص…. ”
“كويس اوي…..ارتحنا من ماهر…..”
كانت تود ان تخبر صديقتها ان ماهر ليس سهل الاستخفاف به بل انه لزج حقير اذا أراد شيء لن يوقفه الف سور يوضع أمامه…..لكنها صمتت على
اي حال وهي تسالها بمحبة..
“سيبك مني انا واحكيلي عنك شوية….انا بقالي ساعة برغي……”
توترت حنين من ان تخبرها بما مرت به في تلك
الأيام وما اقترفته في حق نفسها…. خصوصاً انها تعلم راي سمر بهذا النوع من الزواج ورفضته قبلها بدون تفكير…… ان تشجعت واخبرت سمر الان بما حدث سيكون التقريع واللوم أداة حادة تذبحها
من صديقتها الوحيدة وهي لا تريد ان تسبب
شرخ بينهم ، ان اختلفتان بوجهات النظر فعند
تلك النقطة سيكون النقاش بينهن اشبه بالثور
الهائج الذي ينطح صاحبة بقوة و بدون ان يبالي بآلامه بل بدون ان يشعر انه على وشك قتله بلا
محال !….
“مفيش جديد…تعب ماما وشغل واخواتي..كده يعني…..”
اومات لها سمر بعدم ارتياح فحنين شفافة للاعين وملامحها تحكي كارثة قد اقترفتها وتخجل من سردها خصوصاً بعد ان كذبة وابعدت بنيتاها المضطربة عن عينا سمر المحدقه بها بشك
قالت سمر بعد تنهيدة عميقة برغم نعومتها….
“ماشي….براحتك منين ما تحبي تحكي…هتلقيني…”
ابتسمت لها حنين بامتنان ولم تعقب على الأمر…
_____________________________________
بدات بوضع الاقراط في اذنيها امام المرآة وابتسمت تلقائياً وهي تفكر به… أخيراً ستراه بعد كل تلك الأيام
انها ستذهب لبيته…. سترى والدته وتهنئ اخته بعد ان تتم قرأت الفاتحة على ابن عمها….
مررت يداها على فستانها البنفسجيّ الأنيق الذي يصل لأخر كاحلها….. ومعه كانت ترتدي كعب عالٍ
رفيع تعلم انها فاشلة في سير بتلك الأحذية
ولكنها اختارته خصيصا كي تنافسه في
طول !…..
ارجعت شعرها للخلف بأناقة فقد تركته ينساب على ظهرها كستار بني فاتح من الحرير……ازدادت جمالا مع بعض اللمسات الرقيقة على وجهها الصغير …
الذي يمتزج بين براءة الطفولة وجاذبية المراهقة لتكن حبيبة الهيئة المغريه والجاذبة بهشاشتها الافته للانظار…
“انتي برضو راحه ياحبيبه….”
سمعت صوت امها يصيح من خلفها بغل….
استدارت وهي تضع القليل من العطر ذات رائحة خفيفة على الانف وهو مزيج مابين المسك الابيض والازهار الصيفية المنعشة… لا يزال عطرها المفضل مهم جربت ولا تضيف غيره ……
رفعت عينيها على امها وهي تقول بهدوء…
“انا راحه مع بابا ياماما…وابراهيم كمان ابن عمي
اكد عليا اجي معاه هو ومرات عمي…..”
برمت صفاء شفتيها ونظرت لابنتها بازدراء…
“هي خلاص نوال وفقت على البت دي بسرعة كده….”
نظرت لها حبيبة بغرابة وهي تسالها…
“اسمها سمر ياماما…وبعدين مالها يعني عملت إيه…”
اكفهر وجه صفاء وهي تقول بنبرة غاضبة…
“عملت إيه…دي خطافت رجالة….وخرابة بيوت…..جرجرت ابن عمك وراها من اول مرة…دي مش سهله اكيد عملاله عمل….طالما بتفهم في قراية الفنجان والكف يبقى اكيد ليها في سحر والاعمال…”
دافعة حبيبة عنها بقوة وهي تقول باستياء من
امها وتفكيرها…..
“ياماما حرام عليكي سمر مش بتاعت الكلام ده..”
اخرست ابنتها وهي تقول بنبرة حانقه…
“اسكتي انتي.. انتي ايش فهمك في شغل الحرباية دي….. دا عمل.. وعمل سُفلي كمان ربطت ابن عمك بيها وخلته مش شايف غيرها لا وعايز يتجوزها في خلال ست شهور كمان…..دا كلام يدخل العقل هو لحق يعرفها كويس…. ”
اخبرتها حبيبة برزانة….
“اي المشكلة ياماما ست شهور…. إبراهيم شقته جاهزه ومش نقصه حاجة وشغال وبيكسب والحمدلله … وبعدين دا غير ان عنده خمسة
وتلاتين سنة يعني مش صغير…..”
قالت امها بغيظ منها وهي تنظر لها بحدة…

 

 

 

 

“اي العقل دا كله ياست حبيبة…. كان فين العقل ده وانا بكلمك عنه وبحاول معاكي بكل الطرق انك تقربي منه…… ارتاحتي اهو طار من بين ايدك…”
توسعت اعين حبيبة من كلمات امها فقالت
بحزم يتناقض مع شكلها الصغير الهش….
“اي طار دي ياماما…. انتي ليه محسساني اني عانس…….انا عندي سبعتاشر سنه يعني لسه صغيره على موضوع الجواز ده…. انا لسه عايزة اكمل
تعليمي واشتغل واعمل character بتاعي…وبعدين ابراهيم زي اخويا الكبير وانتي عارفه اني منفعوش ولا هو ينفعني……. ”
مصمصت امها بشفتيها وهي تقول باستخفاف لحديث ابنتها…..
“تنفعيه ولا متنفعهوش… اهي خدته بتاعت الاعمال وسحر….”
اعتصرت حبيبة عينيها بسأم وهي تنظر لامها قائلة ببعض الثبات المتبقي عندها….
“سيبك من الكلام دا كله ياماما… تعالي معانا عشان ابراهيم ميزعلش وعلى الاقل مرات عمي وعمي ميحسوش بحاجة من ناحيتك…..”
لوحت امها بيداها بغضب هائل منهم….
“مش راحه في حته عايزين تروحه انتوا اتفضله الباب مفتوح مش ماسكه حد…. بس اعرفه ان البت دي مش ساهله وبتاعت سحر واعمال… ومش
هترتاح غير لم تخرب البيت باللي فيه…..”
خرجت من الغرفة واغلقت الباب خلفها بقوة افزعت حبيبة التي نظرت للباب بهلع ودهشة من أمها….
لم تمر الدقائق الا واحتل والدها الغرفة بعد ان
طرق الباب….. وسالها بدهشة وقلق….
“مالها امك ياحبيبة بتزعق ليها…. انا طالع السلم
على صوتها….”
لم تريد ان تخبره بما قالته امها فقالت بحيرة….
“معرفش يابابا…. اسألها……”
تنهد حامد فهو أيضاً يعلم سبب غيظ وغضب
زوجته ولكنه يحاول نسيان الأمر حتى لا يخوض معها بموضوع كان نسيج من خيالهما… ولم يخطئ به
اخيه او ابنه بشيء فهو من وعد نفسه وهو من خلف الوعد…. لكن الفرق بينه وبين زوجته انه لا يحمل الامر فوق عاتقه ويبالغ فيه…. بل انه يعلم ان لكل
وقتا اذان ولم يحين نصيب ابنته بعد كما انها
مازالت صغيرة ويرى هذا منذ ان فتحت زوجته
معه الموضوع وبرغم من عدم اقتناعه يومها الا انه يعز ابراهيم ولهُ غلاوة في قلبه كبير لذلك تمناه لابنته لانه خير واولى من يأتمن عليها ببساطة لانه من لحمها ودمها كما يقال ، كما انه رجل ليس
عليه غبار …لكن النصيب غلاب… وصاحب
التدبير لم يشاء بعد !…..
نظر حامد لابنته وظل يتاملها للحظات وهو
يقول بحنان….
“طالعه زي القمر ياحبيبة….”
اقتربت منه حبيبة والقت نفسها باحضانه وهي
تقول بمحبة ودلال الابنة….
“هطلع وحشه لمين يابابا….. اكيد طالعه حلوه ليك….”
ممر يده على شعرها وهو يضحك قائلاً بمزاح
“انا بالحلاوة دي برضو….”
خرجت من احضانه وهي تقول بابتسامة فخر….
“دا انت قمر… طب عارف البت سارة صاحبتي اول
ما شفتك قعدت تعاكس فيك….”
توسعت عيني حامد بدهشة حقيقية وهو يسألها
بشك فهو يعلم ان ابنته بطبعها غيورة بقوة…
“وانتي سبتيها تعاكس كدا عادي…..”
“لا طبعاً بهدلتها… محدش يعاكس القمر غيري…” قبلته من وجنته وهي تهمس اليه بشقاوة….
“معاد ماما طبعاً عشان دي القيادة العليا….”
ابتسم حامد وهو يقرصها من وجنتها ثم قال
بلطف…
“طب يلا بينا لو خلصتي عشان ابراهيم قرب
ينزل…”
اتجهت للمرآة سريعاً لتنظر نظرة اخيرة وهي
تقول لأبيها….
“هجيب شنطتي وجايه….”
قال والدها وهو يخرج من غرفتها….
“بسرعه ياحبيبة متتأخريش….”
_____________________________________
خرج ابراهيم من غرفته وكان يرتدي قميص اسود وبنطال مماثل لها وحذاء لامع من نفس اللون…
صفف شعره الاسود الغزير للوراء… وقد حلق
لحيته كذلك فبد اصغر من عمره وزداد أناقة
وجاذبية مضاعفة….جعلت الضخم الصلب وسيم
وسامة مهلكة……
ابتسمت امه وهي تتأمله بفرح واسرعت الخطى لاحد الاركان وهي تقول….
“بسم الله ماشاء الله….. ربنا يحفظك يابني… استنى ابخرك….”
ضحك ابراهيم وهو يحاول ان يوقفها…
“بخور اي بس ياحاجه… متاخرين…”
“مستعجل على إيه….. استنى….” اتت امه وبيدها المبخرة وبدات بتحريكها حوله وهي تقول بحنان
“الله اكبر….. قل اعوذ برب الفلق….”
ضحك راضي وهو يتابع زوجته ترقي ابنها باهتمام وخوف من ان يصاب بالحسد وكانه طفل في عمر شهور اتى للدنيا بجمال لم ياخذه قبله ولا بعده
فتخشى عليه امه من الحسد والعيون الفاسدة…..
ابتسم ابراهيم وهو يحاول الابتعاد عن امه
وقد بدأ في السعال وهو يقول من بينه….
“كفاية ياحاجه اتخنقت….”
“اصبر يابراهيم شويه….”قالتها نوال وهي تمتم
بعدة آيات قرآنية…..
قال بتعجل وهو يبتعد عنها خطوتين…..
“كفاية بجد عشان اتاخرنا….”
زمت والدته شفتيها بامتعاض….
“انت متصربع كدا ليه هي هطير….”
صاح والده وهو يقول بجدية…
“عنده حق ياحاجه احنا فعلاً اتاخرنا….”
نظر ابراهيم لوالده وقال بحنق معاتب….
“أخيراً اتكلمت ياحاج…..”سعل ابراهيم من
جديد وهو يقول لأمه……

 

 

 

 

“كفايه يامي……انا كده هيجيلي الربو وانا واقف….”
ابتعدت والدته عنه وهي تضع المبخرة جانبا
“بعد الشر عليك ياحبيبي….ان شاالله عدوينك…”
قال ابراهيم باستعجال لامه…
“طب يلا بقه عشان منتأخرش….”
هزت امه راسها بحنق ورفعت عينيها على زوجها الذي القى عليها نظرة هادئه صبورة… وبحاجبيه اخبرها ان تمحو هذا الحنق فتلك المناسبة لا تريد
الا ابتسامة وفرحه من القلب لاجل ابنهم وزواجه المنتظر……
خرج ابراهيم ووالديه وقابل على باب شقته عمه حامد وحبيبة ابنته يخرجون من باب شقتهما المجاورة…..
اقترب منه حامد وعانقه بقوة ووجهه متهلل
بسعادة لاجل ابن اخيه الذي بمثابة ابنه كذلك…
“مبروك يابراهيم….الف مبروك يابن الغالي….”
ابتسم ابراهيم وهو يربت على كتف عمه قائلاً…
“الله يبارك فيك ياعمي…. عقبال حبيبة….”
ابتعد عنه حامد وهو ينظر لابنته ثم اليه وقال….
“ان شاء الله تسلمها بأيدك لعريسها…..زي ما عملت
مع اخواتك…. ”
رد ابراهيم بابتسامة هادئه وهو ينظر لابنة عمه…
“ربنا يخليك ليها ياعمي…..ومن غير ما تقول حبيبة معزتها من معزة رباب ورحمة وهي عرفه كدا كويس…”
اومات له حبيبة بابتسامة رقيقة وهي تهنئه
بمحبة…
“طبعاً عارفه…..الف مبروك يابيه….فرحانه بجد عشانك سمر كمان جميلة وطيبة وجدعه اوي وتستاهل كل خير….”
زاد توهج عيناه بشوق مع ذكر اسمها امامه فاكتفى بايماءة بسيطة لابنة عمه لا تخلو من تلك الإبتسامة المتعلقة على محياه منذ البارحة ليلاً…..ليلاً آآه
كم كانت تلك الليلة طويلة لم يتذوق بها طعم
النوم وهي كذلك ظل معها طوال الليل على
الهاتف يحكي باشياء عديدة وهي تسرد اكثر
منه…لم تتوقف الضحكات والمشاكسات
اللطيفة بينهم…..حتى الاحاديث معظمها كانت
هامة في حياة كلا منهم وبعضها تافهه سوى
منه او منها ، لكن برغم ذاك وذلك كان يشعر
براحة والابتهاج… والكمال الجميل مع سماع
صوتها الانثوي الرقيق وضحكتها…. وآهات من
هذهِ الضحكة المفعمه بالاغراء والانوثة تشعل
قلبه وجسده بمشاعر لا ترحم !….
فاق من شروده على صوت امه وهي تسأل
حبيبة باستغراب….
“هي امك مش جايه ولا اي ياحبيبة….”
توترت حبيبة وهي تنظر لوالدها تطلب منه
العون…
“ماما…….ماما كانت… ”
اسرع حامد يبرر غياب زوجته بفتور لا ينم عن شيء…
“ام حبيبة مش هتقدر تيجي يام ابراهيم…..عندها شوية برد خدت برشامة ودخلت تنام من ساعة كده…..”
تغيرت ملامح نوال وهي تشعر بالحرج من صفاء..وخشيت من مقابلتها بعد قرأت فاتحة إبراهيم
وردة فعلها….هل ستتعامل معها كسابق ام ستتغير
معها وتدهس على عِشرة السنوات بسهولة…..
هز ابراهيم راسه بتفهم ولم يعلق على الامر بل
قال بهدوء به لمحة من التعجيل….
“طب يلا بينا ياجماعة…..”
أومأ له والده وهو يبتسم على اللهفة الملموسة
منذ بداية اليوم…… عقب والده وهو ينزل على السلالم بمزاح…..
“اللي يشوف استعجالك ده يقول النهاردة فرحك.. مش ربط كلام وقراية فاتحة عليه…..”
ضحك الجميع عليه…. ثم ابتسم ابراهيم وهو يعقب بحرج على جملة والده…..
“على فكرة ياحاج انت ظالمني… انا بستعجلك عشان نلحق نخلص ونرجع بدري بس…..”
ضحك راضي عليه وهو يقول بتشكيك مرح….
“قلبك علينا يعني…. ماشي هعمل نفسي
صدقتك…”
ابتسم الجميع بسعادة لأجله…وتوجها معاً لبيت العروس ، في المبنى المقابل لهم……

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غمرة عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!