Uncategorized

رواية أنا والمجنونة الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

 رواية أنا والمجنونة الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

ما أن نطقت أم مصطفى بكلماتها تلك حتى… اختفت سريعاً من أمامه حتى لا يلحق بها.
قطب ياسين جبينه قائلاً لنفسه بحيرة: كانت تقصد إيه دي… معقولة كانت تقصد نوال… طب وعرفت منين اني بدور عليها.
ترجل من السيارة مرةً أخرى حتى يتعقب أثرها لكنها لم تكن موجودة… فقد اختفت من أمامه وكأن الأرض إنشقت وابتلعتها.
زفر بحيرة ثم عاد واستقل عربته من جديد…. كانت أم مصطفى تراه يبحث عنها في كل مكان ويركب سيارته لينصرف مسرعاً والحيرة واضحة بجلاء على وجهه.
ابتعدت عن الجدار التي كانت تختبأ خلفه قائلة لنفسها: الحمد لله مشفنيش…. أحسن حاجه اسيبه بحيرته كده ولما أشوف هيفكر في كلامي ولا لأ، وهيتصرف ازاي بعد كده.
استقبلتها نوال بترقب …فقالت الأولى بخبث: مالك يا نوال مش على بعضك كده ليه…!!!
توترت أعصابها مشيحةً ببصرها بعيداً عن تحديقها بها قائلة لها بتردد: أبداً يا خالتو مفيش… أنا بس كنت… كنت… منتظراكي، وقلقت لما اتأخرتي.
ابتسمت لها السيدة بحنان وهي تجلس على الأريكة خلفها قائلة بمكر: قلقتي عليه بس ولا عايزة تعرفي أنا قابلت ياسين ولا لأ.
ارتبكت نوال وابتعدت بخطوات بطيئة قائلة باضطراب: لا بس… أنا قلقانه ليعرف مكاني.
ضحكت أم مصطفى قائلة لها : لا متخافيش معرفش حاجه لسه… تعالي اقعدي جنبي وأنا هقولك أنا عملت إيه.
بُهت يحيى من تصرفات مريم معه، وكأنها ليست هي الذي يعرفها جيداً حتى في نظراتها إليه فقال لها بجمود: إن شاء الله… عن إذنك، وابتعد عنها خطوة دون أن يتناول منها البطاقة … فسألته بسخرية: نسيت تاخد بطاقة الدعوة.
تسمر في مكانه والتفت إليها وتناولها منها بحده…. ثم قام بتمزيقها وألقاها في وجهها قائلاً بنرفزة: ياريت تكوني دلوك مبسوطة.
شعرت بالأهانه أكثر بداخلها وحبست دموعها قائلة له ببرود: طبعاً عجبالك… ثم تركته وانصرفت من أمامه بقلبٍ موجوع يأن من الحزن والألم.
دخل مكتبه بالمشفى قائلاً لنفسه بغضب: بجى إكده جايه بتغيظيني كمان…. لاه ده إكده كتير جوي…. وآني مستحجش معاملتك العفشة واصل.
تنهد بضيق واضح ودخلت عليه الممرضة بعد أن طرقت عليه الباب قائلة له: ابدأ أدخل المرضى دلوك…. هز رأسه قائلاً لها : لاه كمان ربع ساعة إكده أكون جهزت نفسي.
غادرته الممرضة وهو مازال يشعر بالغيظ والسخط من هذه المعاملة الجافة له فهو من بمثله لا يعامل بهذه الطريقة المشينة بالنسبة إليه، فأمسك بهاتفه… ثم طلب رقماً معيناً.
صُعق جلال من كلمات مهجة له وتغيرها هذا الذي جاء فجأة فقبض على ذراعها وهو يكاد يلتصق بها قائلاً بغضب: مهجة اتعدلي في الحديت معاي… بدل ما أخلي يومك مش معدي النهاردة، تأوهت بألم بداخلها لكنها رغم ذلك ،ابتسمت ساخرة قائلة له ببرود: بجى عادي هتعمل إيه يعني… هتضربني مثلاً أخدت على إكده …. هتبهدلني وتذلني أكتر…بردك أخدت منيك على إكده… آني خلاص بجيت بكرهك يا جلال بيه ومبجتش بخاف منيك لان الخوف مش من طبعي عاد وأكيد إنت خابر زين إكده من ساعة ما خطفتني بالجوة.
عقد جلال حاجبيه بصدمة كبيرة من كلماتها شاعراً بالغضب والثورة بداخله، فشدد أكثر على ذراعها قائلاً لها بسخط: انتي ازاي تجرؤي تتحدتي معاي بإسلوبك العفش دلوك، ضمت شفتيها بحدةقائلة له بسخط: البركة فيك يا جلال باشا…. انت السبب، عمال تذل فيه لما كرهتني في حياتي كلاتها…. طب طلجني بجى ولوك… مبجتش طايجة العيشة وياك….و..
قاطع جملتها وأمسكها من ذراعها الآخر بقوة وهزها بعنف وعينيه تتسع بنظرات شرسه شيطانية قائلاً بثورة : طلاج مش هطلجك يا مهجة إلا بمزاجي آني… ووجت ما أحب كمان سواء انتهيت من مهمتي أو لاه علشان ترتاحي ومتجولهاش تاني، علشان لو جولتيها كمان مرة آني مش خابر هعمل وياكي إيه ساعتها، ثم أزاحها على الفراش وراءها بقسوة وعنف.
ثم تركها وانصرف غاضباً صافقاً الباب خلفه، ناحية منزله بالأعلى….. شعرت مهجة بخذلان كبير داخل قلبها بالرغم شعورها بالأنتصار عليه…. وشعوره هذا يدل نقطة تحول في حياته وحياتها…. تنهدت ودموعها تنهمر بصمت حزين.
اسمتعت إلى صوت طرقات على الباب فمسحت دموعها قائلة بحزن : ادخل…. دخلت والدته عليها قائلة لها بتساؤل: مالك يا بتي شكلك حزين إكده ليــه…!!
فقالت لها بقلب موجوع: أبداً يا اماي مفيش حاجه…. تأملتها فاطمة بجزع قائلة لها بقلق: آني شفت العمدة شكله غضبان هوه زعلك في حاجه، فوجئت مهجة بنفسها تلقي بنفسها بين ذراعي والدتها قائلة لها : آني تعبانة جوي يا اماي… ربتت على ظهرها بحنان قائلة لها بعطف: مالك يابتي كفى الله الشر…. فهمست لها قائلة بقلب أليم: العمدة مش خابرة أرضيه كيف…. تنهدت قائلة لها بهدوء: معلش يا بنيتي هوه طبعه إكده صعب شوي لكن هوه في الآخر جلبه أبيض زي الحليب ومبيحبش حد مهما يكون مين يعارضه ويجف جصاده واصل.
أغمضت عينيها بأسى وانهمرت دموعها أكثر…. ابعدتها والدته عن قليلاً، وأحاطت بكفيها الحانيتين وجهها قائلة بعطف: جومي إغسلي وشك عاد واضحكي اكده…. ده انتي نوارتنا اهنه… يابتي
أومأت برأسها بالموافقة قائلة بطاعه: حاضر… فابتسمت لها فاطمة قائلة لها : طب جومي وآني هعملك حاجه تشربيها.
غادرتها والدته وأغلقت الباب خلفها…. شعرت مهجة بالشفقة على هذه السيدة التي أحبتها وتعاملها مثلما تعامل أولادها… وخصوصاً بعد أن علمت بحملها الكاذب هذا.
استبدل جلال ثيابه متأففاً بغضب من تصرفات زوجته المجنونة كما يسميها دائماً قائلاً بصوتٍ حاد: والله ما هنولك اللي في بالك يا مهجة.
ثم أمسكَ بهاتفه فوجدَ العديد من المكالمات لشقيقه يحيى… فاستغرب وأسرع بالأتصال عليه.
فرد يحيى وأخبره أن يريد أن يستفسر عن شئ ما معين فقال له: ان شاء الله هجولك على كل حاجه أول ما أعرفها.
وفي المساء كان جلال في مكتبه عندما استمع لصوت طرقات عالية على باب المنزل…. فتحه فوجد والدته في وجهه استغرب لمجيئها قائلاً لها : فيه حاجه يا اماي… تنهدت قائلة له بحنان: طب دخلني الأول يا ولدى…. تنح جانباً بقوله: آسف اتفضلي…. جلست على مقعدٍ وراءها قائلة له: ليه مزعل مرتك يا ولدي…. ضم شفتيه بضيق قائلاً بحدة: هيه لحجت تشتكي مني أوام إكده.
قطبت حاجبيها بدهشة قائلة له: واه يا ولدي وهيه لازم تجول… ما باين عليك دلوك… وشفتك وانت كمان خارج من عنديها العصر.
صمت مفكراً ولا يعرف بماذا يجيبها…. فقالت له مبتسمة: مهجة لساتها مخبراش طبعك زين، وحتى لو ضايجتك في حاجه استحملها بردك وخصوصاً انها حبلى وأي زعل هيأثر عليها.
شعر بالغضب يزداد بداخله… وود لو يكشف كذبتها قائلاً باقتضاب: حاضر يا اماي هعمل اللي يريحك، هزت رأسها باعتراض قائلة له: لاه يا عمدة معيزاش اللي يريحني آني…. آني عايزة اللي يريحك انت، ومرتك.
زفر بحدة ونفاذ صبر قائلاً لها بجمود: انتي خابره زين اني مش بحب حد يعارضني….  ومن زمان وآني طبعي إكده.
وقفت والدته أمامه قائلة بحنان: خابره اكده زين يا ولدي… بس هيه مخبراش…. دي تعتبر عروسة محلهاش تزعلها منيك مش إكده يا جناب العمدة.
صمت بحيرة من هذا الدفاع المستميت من أجل مصيبته التي لا تستحق كل هذا الحب من جانبها…. قائلاً لها باختصار: حاضر يا اماي… هفكر.
ربتت على ذراعه قائلة له: ربنا يهديك يا ولدي…. غادرته بعدها ثم تركته وحيداً مع أفكار المشوشة بداخله، جلس في نفس المقعد التي كانت تجلس به والدته.
قائلاً لنفسه بشرود: وبعدين وياكي يا مهجة …. كل مرة تجيبي مصيبة أجوى من اللي جبلها…. والمرادي مش أي مصيبة، دي مصيبة فرحان ليها الجميع ويمكن كمان أهل البلد بعد إكده يعرفوا بالخبر تبجى مصيبة أكبر… آني لازم أفكر في حل بسرعة.
مر يومان آخران وياسين مازال يبحث عن نوال ناحية المسجد عله يجد المرأة الذي قابلها من قبل… جلس بسيارته، بانتظار المرأة لكنها لم تأتي بعد… فغادر المكان شاعراً باليأس.
قائلاً لنفسه: يا ترى انتي فين كل ده بعيد عني…. أنا خلاص مش عارف اتصرف ازاي…. ولو بلغت الشرطة أكيد هدخل نفسي في مواضيع كتير… معنديش وقت ليها.
وصل بسيارته أسفل المنزل وشعر بالضيق في نفسه، أن يترجل ويصعد ونوال لا تزال مختفية بعد، صعد بعد قليل… ومر بوالدته التي دائماً تتجنبه هذه الأيام.
فنظرات الإتهام دائماً في عينيها… فقال لهابضيق: ماما…. أرجوكي ممكن تكلميني كويس وبلاش نظرات الإتهام دي.
تنهدت بغضب ثم تركته ودخلت إلى غرفتها، أغمض عينيه بنفاذ صبر… وفتح عينيه بسرعة فتعلق بصره بباب الغرفة التي كانت تسكنها نوال.
اقترب منها بخطوات بطيئة مترددة ثم فتح بابها بتوتر بعض الشيء، دخل إليها ونظراته الثاقبة تتأملها ببطء.
جلس على الفراش…. محدقاً في ثيابها المعلقة أمامه على الحائط، إتجه نحوها وأمسكها بين يديه…. بتردد قائلاً لنفسه بحيرة وضيق: يا ترى هسافر قبل ما تظهري يا نوال وأشوفك ولا هلاقيكي قبل ما أسافر.. ليه عملتي فيه كده…. أنا مستحقش كل ده منك… يا نوال.
تفحص في ثوبها الذي بين يديه، ثم علقه مرةً أخرى تاركه خلفه معلقاً مثلما كان…. غادر الغرفة ثم المنزل بأكمله صاعداً إلى بيته بالأعلى.
أتت ولاء بهاتفها ودموعها تنهمر بحزن شديد من أجل صديقتها التي تعاني بسببها والتي ستُخطب إلى رجل آخر غير الذي أعطته قلبها.
ومن أجل نفسها فقد حبسها شقيقها ووالدها… في المنزل… وتم حرمانها من الذهاب إلى كليتها مثلما فعل حسين مع شقيقته.
استمعت مريم إلى صوت هاتفها يرن فأجابت قائلة لها: ازيك يا ولاء كيف حالك دلوك… أجابتها بصوتٍ منتحب: سيبك مني آني وطمنيني عنك انتي.
تنهدت بحزن قائلة: جابلته من يومين ورمي في وشي بطاقة الدعوة…. تنهدت ولاء قائلة بجزع: ليــه إكده…. زفرت بيأس قائلة لها بضيق: خلاص يا ولاء هو بجى بيكرهني جوي ومش عايز يشوف وشي تاني وآني خلاص خطوبتي جربت كلها تلات ايام… لواحد مش بطيجه ولا بطيج اشوفه حتى.
شعرت ولاء بالأسف قائلة لها: آني السبب يا مريم سامحيني… قاطعتها قائلة لها حزن يائس: متجوليش إكده هوه لو كان واثق فيه يا ولاء مكنش عمل اللي عمله ومكنش سابني أروح منيه بسهوله.
ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة لها بحزن: يعني خلاص ما بجاش فيه أمل… انه يرجعلك تاني… كادت أن تنهمر دموعها… لكنها حبستها حتى لا تشعر بها ولاء وتكتئب أكثر وتزداد نفسيتها سوءاً.
قائلة لها بعذاب: خلاص يا ولاء كل شيء انتهى ومن جبل ما يبدأ يا ولاء… أغلقت بعدها الهاتف وكلاً منهما تشعر بعذابٍ شديد لكنهما لن تستطيعا البوح به لمن حولهم.
في خلال هذين اليومين لم يأتي جلال لمهجة مثلما اعتادت منه، يتعصب عليها ويتركها مثل آخر مرة لكنه لم يأتي من وقتها كأنه يعاقبها على ما فعلته.
كانت مهجة تقاوم شعور الأشتياق له في داخلها وتتركه يتوغل في قلبها دون ان تنفذه وتذهب إليه تسترضاه… لكنها كانت تقاوم ذلك الشعور البغيض… الذي ينمو بداخلها… حتى يعلم أنها ليست بالفتاة السهلة التي ترضخ له بسهولة.
بعد أن صلى ياسين بنفس المسجد  وغادره متجهاً صوب سيارته يائساً من عدم وجود المرأة الذي رآها من قبل.
جاء ليضع يده ليفتح باب عربته ناداه صوتاً يشبه صوت نوال…. فتيبس في مكانه… دون حراك شاعراً بدقات قلبه المتحجره تزداد قوة.
فالتفت سريعاً لمصدر الصوت ولم يرى أي شىء… سوى ناس يمرون عبر الطرقات… وبعض السيارات التي تمر بنفس الطريق، همس لنفسه بغضب: بقى كده حتى الصوت بقيت اسمعه وأقول انتي صاحبته وتطلعي مش انتي بردو.
استقل سيارته بضيق واضح… والغضب قد بدأ بالزحف في ملامحه، جاء لينصرف بعربته…. استمع لصوت طرقات على الزجاج.
فالتفت سريعاً فوجد نفس المرأة ففتح الزجاج بسرعة قائلاً لها: أخيرا ظهرتي تاني…. فقاطعته قائلة له مبتسمة: ليه يا بني بتقول كده… ترجل من سيارته ووقف امامها قائلاً لها : جوايا أسئلة كتيرة ليكي وياريت لو تجاوبيني دلوقتي عليها.
تنهدت أم مصطفى قائلة له: مادام كتير أوي كده يبقى بلاش خليها سؤال واحد بس علشان بصراحة كده مش فاضية.
تنهد بيأس قائلاً لها برجاء: لكن أنا محتاج مساعدتك ضروري ده كله اسبوع ومسافر…. يعني مفيش وقت قدامي.
فقالت له بتصميم: بردو هوه سؤال واحد وبس…. زفر بضيق قائلاً لها بيأس: ماشي وأمري لله… انتي تعرفي واحده اسمها نوال… فقالت له بتلقائية: نوال مين يابني… أنا معرفش حد بالأسم ده ابداً.
شعر باليأس قائلاً لها بإلحاح: يا أمي افتكري تكوني شفتيها هنا في المسجد قبل كده.
هزت رأسها بالرفض قائلة له: لا يا بني مشفتهاش ، زفر بسخط بداخله شاعراً بأن المرأة تراوغه قائلاً لها بنفاذ صبر: أنا هوريكي صورتها… وإذا شفتيها ابقي بلغيني على رقم التليفون ده.
أخذت منه الصورة وابتسمت بداخلها وتناولت منه بطاقة صغيرة بها رقم هاتفه وعنوان منزله… قائلاً لها: لو شفتيها ابقي بلغيني زي ما قولتلك.
ابتسمت له قائلة: ماشي يا بني عن اذنك… وقبل أن تنصرف قال لها بجدية: هاتي الصورة وخلي معاكي الكارت.
أومأت برأسها ثم تركته وانصرفت…. وعينيه تراقبانها بغموض… قائلاً لنفسه بثقة: أنا واثق انك تعرفيها كويس.
كانت نوال بالحجرة عندما دخلت اليها تضحك فقالت لها بدهشة: بتضكي كده ليه يا خالتو… جلست بجوارها في الفراش قائلة لها: أصل نفذت كل اللي اتفقنا عليه… بس تصدقي على أد كده كنت خلاص هقوله انتي فين… لأنه صعب عليه أوي.
لمعت الدموع لذكرى طيفه في خيالها قائلة لها: لا يا خالتو إوعى يضحك عليكي بشكله وكلامه…. فابتسمت بخبث قائلة له: ليه هوه ضحك عليكي بشكله ولا كلامه…. شردت بذهنها قائلة بتفكير: بكل حاجه يا خالتو… حتى نظراته ليه كانت بتأثر فيه بس لا يا خالتو كان لازم اتغلب على عواطفي ناحيته.
أمسكت بيدها قائلة بحنان: وحتى لو عرفتي انه خلاص فاضله اسبوع ويسافر…. ارتجف قلبها بعنف… وارتعد جسدها قائلة بصدمة قوية: مسافر كده بالسرعة دي…. تنهدت السيدة قائلة: شكله كده وأكيد مادام هيسافر يبقى خلصت أجازته.
هزت رأسها وقد غلبتها دموعها قائلة له: شايفة يا خالتو هيسافر ومن غير ما يهتم أظهر ولا مظهرشي.
تنهدت قائلة لها: لا يا بنتي متقوليش كده… هوه أكيد بيعمل اللي عليه وبيدور عليكي… 
فقالت لها من وسط دموعها: وبردو هيسافر إذا ملقنيش.
فقالت لها بلهفة: منا علشان كده بقولك لازم تشوفيه قبل ما يسافر… وكفاية كده عليكي يابنتي تبقي بعيد عنه.
شعرت نوال بالحزن قائلة لها: بس أنا بقى مش عايزة أشوفه…. حتى لو كنت مشتاقه ليه.
وضعت المرأة يدها أسفل ذقنها وضحكت قائلة لها: بجد بس عينيكي مش بتقول كده…. وبتقول عكس اللي جواكي.
زفرت بحرارة وتهربت قائلة لها: خلاص يا خالتو سيبك منه دلوقتي واحكيلي عنك انتي.
ابتسمت لها بود متفهمة موقفها وقالت لها : بالرغم من انك بتهربي بطريقتك دي إلا اني هسمع كلامك ونغير الموضوع.
كانت مهجة جالسة بصحبة نور عندما فوجئا بدخول جلال عليهم…. ارتبكت مهجة لرؤيته وحاربت شوقها إليه… وألا تهب من مكانها وترتمي بين ذراعيه.
همست لنفسها بقوة: اوعي تضعفي قدامة ولا قدام عينيه الحلوين دول ولا يأثر فيكي… سامعه.
كانت نظراته مركزة عليها بتسلط غريب وهو يجلس على مقعدٍ بجواره ويضع قدمٍ فوق الأخرى فقالت له شقيقته: كويس انك جيت أنا كنت لسه هسأل عنيك مهجة.
زفر بضيق قائلاً بجدية: وأديني جيت أهوه… فقالت له: تحب أجيبلك فنجان جهوة… رفع حاجبه وعينيه تراقبان زوجته بتملك قائلاً لها: ياريت وتكون ساده.
غادرت الحجرة وأغلقت الباب خلفها فقالت مهجة لنفسها بقلق: يا ترى هتشربها على روحي ولا هتشربها على روح مين.
تجاهلته رغماً عنها… ولم تعيره أي اهتمام… فهب واقفاً من مكانه مقترباً منها… فأشاحت ببصرها بعيداً عنه… وقلبها يخفق بشدة.
فقال لها بلهجة غامضة: مش كفاية جعاد اهنه بجى… ابتعلت ريقها بصعوبة قائلة بضيق: لاه مش كفاية آني اهنه كويسة.
زفر بغضب قائلاً لها: آني لغاية دلوك وساكت…. لكن لحد إكده وكفاياكي جنان يا مهجة.
ابتسمت بتهكم قائلة له بسخرية حزينة: تصدج من زمان مسمعتش اسمي منيك… تطلع إليها بغضب قائلاً باختصار: اطلعي جدامي على فوج يالا….. هبت من فراشها قائلة بحدة: منيش طالعة يا عمدة.
ضيق عينيه متطلعاً إليها قائلاً لها: اذا عديت لغاية تلاتة ومخرجتيش دلوك…. يبجى انتي الجانية على نفسيكي.
تطلعت إليه بحذر واقتربت من الباب بخطوات مرتبكة وبدأ جلال العد… فقالت له بضيق: بس آني…. لم يتركها جلال تستكمل باقي عبارتها…. إنما حملها بين ذراعيه، فارتعد جسدها من هذه المفاجأة قائلة له بصوت مرتجف: بَعد عني… نزلني…. منيش عايزة أطلع وياك في أي مطرح.
لم يسأل عنها جلال وصعد بها إلى منزله بالأعلى… أدخلها الغرفة وأغلق الباب خلفه بقوة…. قائلاً لها بغضب: آني مش هستأذن منيكي علشان تطلعي اهنه آني أجول الكلمة من مرة واحدة تتسمع.
هبطت من بين يديه وقلبها يرتعش فمنذ زمن لم يفعل مثل هذه الحركة التي تؤثر بمشاعرها.
هربت منه ومن مشاعرها نحوه التي تعتريها الآن إلى المرحاض، دون أن تجيبه…. مما زاده غضباً وغيظاً منها…. وحاول جلال تمالك أعصابه جيداً…. حتى لا يفعل بها مثلما فعل منذ أيام قليلة.
وفي الصباح الباكر… تململت مهجة في نومها فلم تجد جلال بجوارها فاستغربت…. فلمحت عقارب الساعة قد تخطت الخامسة والنصف… فجراً.
جلست في فراشها… ففوجئت به يخرج من المرحاض، استغرب جلال من استيقاظها مبكراً… هكذا واتجه ناحية الخزانة ليخرج ثياباً له…. ثم ألقى إليها بثياب الفروسية الخاصة بها….. فقطبت حاجبيها بتساؤل وصدمة قائلاً لها بجمود:ابجى جهزي نفسيكي…. هنروح مكان سوا…دلوك.
امتعض وجهها قائلة له باستغراب: دلوك في الوجت البدري اكده.
تنهد بضيق قائلاً لها: ما بلاش حديتك الماسخ عاد… وجومي إعملي زي ما جولتلك.
تنهدت بغيظ من تصرفاته الغريبة… ونهضت هي الأخرى إلى المرحاض لترتدي ثيابها وتتجهز للإنصراف معه.
مشط شعره…. أمام المرآة وقام بتجهيز نفسه هو الآخر…. وارتدى ثيابه الخاصة بثياب الفروسية.
خرجوا سوياً من الدار والكل نيام…. وأمسك بيدها متجهاً بها إلى الأسطبل.
أوقفته قائلة بعدم استيعاب: انت جايبنا اهنه ليه يا سعات البيه فقال لها بجمود: وهيه الناس بتيجي اهنه الاسطبل ليه عاد….
ابتلعت ريقها بصعوبة وعدم تصديق قائلة بدهشة: انت جايبنا علشان أركب وياك عنتر…. زفر بحرارة قائلاً بسخرية: انتي مش دايماً تجولي خرجني…!!!
تأملته باستغراب كأنه شخص غريب عنها قائلة بتلقائية: بجى معجولة انت العمدة اللي كنت هتموتني من كام يوم…. زفر بغضب شاعراً بالضيق من حديثها قائلاً لها باختصار حاد: انتي هتركبي على الحصان…. ولا نعاود سوا.
فقالت له بلهفة: لاه هركب… هوه أني أطول.
وبالفعل استكملوا مسيرهم ناحية جواد يناسب مهجة….. فأعجبها كثيراً ووضعت يدها على رقبته تتحسسه بحنان قائلة له بانبهار: حلو جوي الحصان ده… اسمه إيه فقال لها بجدية: اسمه عوض… يالا اركبيه بجى.
ساعدها جلال على ركوبه وهي تشعر بسعادة لا توصف في هذه اللحظة.
امتطى جلال هو الآخر جواده عنتر… وسار بمحازاتها.
شعرت مهجة بأنها أسعد انسانة على وجه الأرض قائلة له بتلقائية: أني منيش مصدجة إني راكبه حصان إهنه…. ووياك كمان.
تأملها بصمت وشعر بأنها طفلة مجنونة تفرح لأي شيء حتى ولو كان بسيطاً.
سار بها بطرق ذراعية ليس بها تواجد للمارة بعد، فقالت له بغتةً: تسابجني… يا عمدة… فأومأ برأسه قائلاً لها بمكر: أسابجك بس مش هتخافي…. هز رأسها بالنفي.. قائلة له بتكبر مضحك: لاه مهخافش… وازاي أخاف وآني مرت العمدة الحليوة.
عضت على شفتيها بخجل عندما أحست بخطأوها… وسارعت بالركض من أمامه بجوادها.
فركض جلال هو الآخر وراءها بأقصى سرعةً لديه.
استبقها جلال فشعرت بالغيرة منه…. فوكزت جوادها بقدميها بسرعة تحاول اللحاق به.
نظر جلال خلفه وجدها قد اقتربت منه فضيق حاجبيه قائلاً لنفسه بغضب: المجنونة دي …. دي ممكن تجع في أي وجت.
خفف من سرعته من أجلها…. فاستبقته هي… هذه المرة…. ومرت بجواره فرحه بما أنها تغلبت عليه هذه المرة.
فطار  جلال بعنتر وراءها ليلحق بها… فشعوراً غريباً لديه بأنه سيحدث لها شىء ما.
لهذا زاد من سرعته…. بأعين خبيرة علم بأن جوادها سيوقعها بمشكلة ما حتماً…. لكن من سعادتها لم تكن منتبهه لما سيحدث معها.
فصرخ بها… بأعلى صوت لديه قائلاً لها بغضب: مهههججه….. حاسبي… يا مجنونة إنتي.
إلتفتت إليه بتساؤل وقبل أن يرد عليها، قفز حصانها لأعلى من الخلف بقدميه وصاح بصوته مزمجرا… فحانت التفاته منها للجواد متساءله لماذا يفعل ذلك…. فوجدت نفسها تطير في الهواء من أعلى الجواد..
لحق بها في هذه اللحظة جلال…. صارخاً بها بقلق: ممهههجة…… لحظة وصوله إليها، كانت قد أسقطها الحصان ولحسن حظها على مجموعة كبيرة من القش…. حمت جسدها من الخدوش. 
فصرخت مهجة برعب…. وهي تجد نفسها في هذه الحالة صائحة بفزع: جلال…. وبسرعة قفز جلال من أعلى الجواد…. ليلحق بها.
وجدها شاحبة الوجه، مغشياً عليها من أثر سقوطها وفزعها.
اقترب منها جلال بسرعة البرق… وانحنى يرفعها من وراء ظهرها ليرفعها إليه قائلاً بقلق: مهجة…. مجهة فوجي…. فلما لم تستجب له.
جثى بركبتيه بجوارها على القش وجذبها ساحباً إياها من كتفيه ناحية صدره… فكان معظم جسدها على قدميه.
ضمها إليه بذراعيه بقوة  قائلاً بجزع: مهجة… مهجة…. فوجي يا مجنونة…. تلفت حوله.
فلم يجد أحداً يأتي له ليساعده ولو بكوباً من الماء.
فتحسس جانب وجهها بخشونة قليلاً لتنتبه إليه لكنها ظلت كما هي…. فتش في رأسها بخوف…. فخلع عنها حجابها… فلم يجد شيئاً ظاهراً يقلقه فقال لنفسه بارتياح: الحمد لله راسها مفيهاش حاجه…. فوضع لها حجابها على شعرها من جديد.
بعدها أمسك بيدها وأخذ يتحسسها بسرعة كي تستفيق…. فبدأت تغمم بقولها بضعف: جلال… جلال… هوه آني مُت ولا لسه.
تنهد جلال بارتياح قائلاً لها مبتسماًبخبث:  لاه لساتك عايشه… لدلوك عندما اسمعت لصوته المميز، فتحت عينيها ببطء تتأمله… غير مصدقة أنها نجت من موت محقق قائلة بصوت خافت: آني مكنتش واخده بالي إني هجع إكده.
أمسك بكفها قائلاً لها: آني أخدت بالي وناديت عليكي كتير بس بردك… مجنونة ومأخدتيش بالك.
تنهدت وهي تتلاقى نظراتهم بمشاعر مبهمه فقربها من وجهه أكثر وهو يضع ذراعه الأيسر خلف رأسها.
تأملته مستغربة بداخلها عن سر هذا الجو الذي بينهم كأنهم يسرقون من يومهم هذه اللحظات التي لاتنسى.
ارتجف قلبها مع ازدياد تفحصه لها، فنزل ببصره من عينيها إلى شفتيها.
فخفضت نظرها إلى صدره… الذي زاد تنفسه مع ازدياد ضربات قلبه.
اقترب جلال من وجهها أكثر وأكثر… حتى شعر بأنفاسه على وجهها.
فأغمضت عينيها لتتمالك أعصابها وهي بين ذراعيه وجسدها الذي ينتفض من مشاعره الجياشة التي لم تحدث إلا فيما نُدر.
انحنى زوجها وحبيبها مقبلاً إياها بنعومةشديدة، جعلتها تتجمد بين يديه وتتوقف عن الارتجاف.
غير مستوعبه ما يحدث لها…. وهي بين يديه…. ابتعد عنها ببطء وقرأت في عيناه شيئاً جديداً لأول مرة منذ زواجهما تراه.
بعدها تلاقت نظراتهم مرةً أخرى في تناغم سيمفونية رقيقة… مثل مشاعرهم التي تكاد تنطق بالكثير من عيونهم.
قطع هذا الصمت الساحر صهيل عنتر…. كأنه ينبه صاحبه… بوجوده فقال لها بخفوت: يالا بينا…. دلوك خليكي ترتاحي… في البيت.
اومأت برأسها بالموافقة، فحملها زوجها بين ذراعيه فتمسكت به بذراعيها…  وهب واقفاً بها منادياً لعنتر… اقترب منهما ووضعها على الجواد أمامه.
امتطى جلال خلفها على أعلى الحصان، وأحاط خصرها بذراعه الأيسر… وتمسك بذراعه الآخر بحزام الجواد وقاده بسرعة متوسطه.
شعرت مهجة بأنها تعيش حلماً جميلاً اليوم، فابتسمت لنفسها بهيام قائلة: يا رواياتك يا نوال … إيه اللي انتي فيه ده معقوله كل ده يحصل ومن خروجه واحدة،
أنا لو أعرف كده… كنت كل شوية أمثل اني مغمي عليه رغم اني كان مغمي عليه فعلاً، واتحايل عليه يخرجني  معاه …. ده ولا كإني خارجه من رواية.
ضحكت بداخلها، فقالت له بتلقائية: هوه آني بحلم يا عمدة…
فوكزها بقبضته في كتفها فأردفت تقول: خلاص إكده…. يبجى مش بحلم.
فابتسم ساخراً ثم همس بجانب أذنها قائلاً لها بخبث: ها لسه لساتك عايزة تخرجي تاني…. ولا كفاية إكده.
فقالت له بلهفة: لاه عايزة أخرج تاني…. طبعاً.
تنهد جلال شارداً، وساد الصمت بينهما…. صمت حيرها.
وصلوا إلى الأسطبل، ترجل هو أولاً من أعلى الجواد…. ثم أنزلها بعده بذراعيه… متمسكاً بها من خصرها.
فتعلقت به وهو يلتصق بجسدها ويحيطها بذراعيه بقوة.
جاذباً إياها لصدره… فتعلقت أبصارهم ببعضهم البعض…. وبجانبهم عنتر الذي التزم الصمت التام كصاحبه. 
في صباح نفس اليوم  وبالتحديد عند أم مصطفى كانت نوال في المطبخ تغسل بعض الأواني…. استمعت إلى صوت طرقات هادئة على باب المنزل… فقالت لنفسها: دي أكيد خالتو جابت الطلبات وجات.
فتحت لها الباب مبتسمة قائلة بلطف: يعني جيتي علـــ…. بلعت باقي عبارتها… عندما باغتتها عينان واسعتان، براقتان، مشتعلتان كالجمر من الغضب.. تحدقان بها.
قائلاً بنبرةٍ كالثلج: وحشتيني ياحلوة…!!!
كان حمدان برفقة ابن عمه حسين في المنزل…. عند مريم يقيمون بالتجهيز ليوم الخِطبة…. وكان عبدالرحيم بصحبتهم جالساً معهم ينصت لما يقولون.
أثناء ذلك… استمعوا إلى صوت طرقات على باب الغرفة.
فتحه حسين فبادرته والدته تقول بلهفة: مصيبة يا ولدي…. مصيبة…. فقطب حسين جبينه باستغراب قائلاً لها بقلق: مصيبة إيه…. يا اماي…. جولي.
فقالت له بسرعة: الشرطة اهنه…. و……!!!!
يتبع..
لقراءة الفصل الأربعون : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حبيبة بالخطأ للكاتبة سهير علي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!