Uncategorized

رواية أنا والمجنونة الفصل السابع والأربعون 47 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

 رواية أنا والمجنونة الفصل السابع والأربعون 47 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل السابع والأربعون 47 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل السابع والأربعون 47 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

وصل جلال إلى عمله في الوقت المحدد عند الصباح… دخل إلى مكتبه جامد الملامح… وعينيه حمراء من عدم النوم كأنه ظل طيلة الليل يعاني الحرمان هو الآخر.
ظل يبحث في القضية الجديدة إلى أن دخل عليه شريف قائلاً له: شكلك كده جيت في ميعادك المحدد بالظبط… تنهد قائلاً له: هعمل إيــه بس الجضية دي كبيرة ولازم من خطة محكمة تخليني أمشي ورا طرف الخيط… خليني لما أهاجم يبجى أهاجم صوح مش أهاجم عدو مجهول وخلاص.
فقال له باهتمام: معاك حق… طيب هقوم أنا عندي حملة مداهمة دلوقتي، وأسيبك تدرس قضيتك.
انصرف شريف وشغل جلال نفسه بالقضية التي أمامه…. بعد قليل ضغط زر على مكتبه فجاءه الحارس الذي يقف بالخارج.
قائلاً باحترام: نعم يا سعات البيه، فقال له : عايز فنجان جهوة سادة بسرعة… فقال له: حاضر يا بيه.
انطلق رنين هاتف يحيى ولم يرد فقد كان منشغلاً بغضب أبيه من بداية اليوم في الصباح الباكر وإلى الآن بعد الظهر.
قائلاً له برجاء: يا ابوي لميته هتفضل اكده لا راضي تاكل ولا تشرب… وده أكبر غلط عليك عاد.
فقال له بحدة: البركة في كبيرنا عملها وسافر على مصر واحنا سابنا اهنه ناكلوا في نفسينا.
تنهد يحيى بعدم ارتياح قائلاً له بهدوء ظاهري: يا ابوي أخوي كبير وخابر وين مصلحته..!!!
اتسعت عينيه بغضب وهو يحدق بولده قائلاً بغلظة: اباي عليك يا دكتور حتى انت كمان هتجول اكده… طب وبنت الناس المسكينة اللي طلجها ومن غير سبب يجوله ولا يفسره تعمل إيه دلوك.
هز رأسه بحيرة قائلاً له: يا ابوي انت خابر العمدة زين كيف بيفكر ودايماً ما بيحبش يجول على اسبابه وانت خابر اكده كويس جوي.
تنهد قائلاً بغضب: طبعاً تجصد آني السبب لان آني اللي ربيته على اكده من الصغر… بس آني لما ربيته…  ربيته على انه يبجى راجل زين وميظلمش بنات الناس وياه…تجدر تجولي راحت فين طليجته دلوك…ها.
صمت يحيى مفكراً وقال له: بالتأكيد هتروح عند أهلها… فقال له بضيق: وطبعاً تروح عند أهلها وهيسألوها اطلجتي ليه وايه السبب وأهله وافجوه على اللي عمله إكده ولا لاه… اسأله كتيرة جوي وفي الآخر البنيه مسكينة أكيد وكان باين على شكلها اكده… وكانت بتسمع حديته طوالي وفي الآخر أخوك يطلجها.
دخلت والدة يحيى قائلة له برجاء:  بزياداك بجى يا حاج كفاياك إكده..  صحتك احنا اهنه محتاجينك ووجت العمدة ييجي بذات نفسيه ويجولك وهتبجى خابر كل حاجه عنيها.
تطلع إليها بضيق قائلاً لها بغضب: هملوني لحالي ومنيش عايز نصايح منكم وفروها على حالكم أفضل… ولما لم يتحرك أحداً منهم صرخ بهم قائلاً: انتوا تطرشتوا اياك انتم التنين.
فقالت له بحزن: الله يسامحك يا حاج اسماعيل إحنا هنجوم بس أحب على يدك كفاياك اكده عاد.
تركوه على مضض وجلس اسماعيل مفكراً كيف سيتم اصلاح الأمر… ورجوع زوجة ولده لابنه من جديد.
جلس جلال مفكراً في خطةما يضعها لهذه القضية المهمة… وأثناء هذا الشرود جاءه ظرف ما من الحارس الذي يقف بالباب قائلاً له: في واحد جه بره وساب الظرف ده لحضرتك… وبعدها مشي بسرعة ملحقتش أكلمه.
قطب جبينه قائلاً باستغراب : طيب روح انت دلوك… فتح جلال المظروف بسرعة وأخذ يتفحص محتواه… ففوجىء بكمية كبيرة من المعلومات حول القضية الذي يباشرها بنفسه والذي يدرسها الآن.
وجد العديد من الصور التي تم أخذها لأطفال الذين يتم اختطافهم من أهاليهم للتجارة بأعضائهم.
ووجودهم داخل حجرة مليئة بأجهزة فاسدة لأخذ أعضاءهم وبيعها بسعر باهظ… ووجد أيضاً صور أخرى لمكان مثل الوحدة الصحية الصغيرة التي لا تمت لها بصلة…
ويقف بها أكثر من دكتور يجرون عمليات غير مشروعة لأخذ أعضائهم وأدوية ومخدر من منظره بالصور يوحي بأنها فاسدة، شعر بالغضب ينهش قلبه فتفحص الصور الباقية ومنهم عدد كبير من تجار السلاح وهم يجرون صفقاتهم المشبوهه في أماكن منعزلة…. عن العمران.
فهب واقفاً بسرعة ناحية الباب وأخذ المظروف كاملاً… واستأذن بالدخول على اللواء… ليشاهد ما توصل إيه.
تفحص الرجل الأوراق باهتمام قائلاً له: دي كمية معلومات وأدله خطيرة جداً يا ترى مين اللي جابهالك كده بسهولة.
تنهد بضيق قائلاً: مش خابر دي جاتني من شوية على مكتبي وفوجئت بيها زي حضرتك.
فقال له بجدية: يبقى بسرعة عايز الناس دي تتكشف بأسرع وقت وأظن ان المعلومات دي كافية جداً انك تقبض عليهم متلبسين… لأن أهم حاجه عنوانين الأماكن دي اللي ورا الصور.
نهض جلال قائلاً له : ان شاء الله في خلال تلات أيام وهتكون الجضية خلصانة واتقفلت.. 
انصرف من مكتبه مسرعاً ليحقق بالوضع الجديد بالقضية.
تجمدت مكانها وعيناها على الهاتف بصدمة وقلق فسألتها مهجة قائلة لها باستغراب: مين اللي بيتصل…؟ فقالت بقلق:- ده ياسين وهوه اللي بيتصل عليه ومش برد عليه… انتِ عارفه وفتحت التليفون علشان ماما بس النهاردة.
تنهدت بشرود ثم قالت بخبث: طب هاتيه اكده فاستغربت نوال قائلة بدهشة:- ها تعملي إيه…!!!
فقالت لها بإصرار:- هاتيه بس هفرجك دلوك…. وفتحت عليه الهاتف قائلة بصوت عال:- ألو مين معايا… شعر ياسين بسرعة أن هناك خطأ ما فقال باستغراب: مش ده تليفون نوال… فقالت له بطريقة مضحكة: لا يا بيه آني اسمي سعدية معرفش اللي بتجول عنيها دي… تطلع مين البتاعة دي.
تطلع ياسين بصدمة إلى الرقم الذي بهاتفه فوجده بالفعل لنوال فقال لها بغضب: اسمعي ياللي اسمك سعدية انتِ التليفون ده صاحبته اسمها نوال… انتٍ سرقتيه منها ولا إيه.
كتمت نوال صوت ضحكاتها من اسلوب مهجة وقالت الأولى له بضيق: يا لهوي ياني هتسرجني كمان التليفون بتاعي شكلك اكده اتجنيت في عجلك وآني هبلغ عنيك الشرطة… قاطعها قائلاً بنرفزة: شرطة مين يا حرامية انتِ دنا اللي هوديكي في داهية.
كتمت مهجة هي الأخرى صوت ضحكتها قائلة له: بجولك يا راجل يا معتوه انتَ آني مبخافش غير من اللي خالجني وتليفونات مسرجتش تليفونات… دي تلاجيها هيه اللي كانت سرجاه مني الأسبوع اللي فات بس آني رجعتوا منيها.
وضع ياسين يده على شعره بقوة ونفاذ صبر قائلا بغضب: ايه الهبل ده يا بتاعة انتِ دنا اللي هوريكِ علشان تبقي تعرفي تسرقي تليفونات حلو.
هتفت به بحده: بجولك إيه اجفل بدل ما أطلع الجديم والجديد على جتتك وابعد عني الساعادي… وان جررتها تاني لهكون متصلة على شرطة الآداب وألبسك جضية من اللي جلبك يحبها.
فكر ياسين في كلماتها حتى أغلق الهاتف في وجهها مفكراً بغضب… طب ده معناه ان الهانم بتطلع من ورايا برة البيت ولا إيه وطبعاً ماما أكيد مداريه عليها… طب ان ما وريتك يا نوال.
تطلعت إليها نوال غير مصدقة ما فعلته بياسين… وبادلت مهجة الضحكات قائلة لها: ها إيه رأيك في حديتي دلوك.
ضحكت نوال قائلة: كنتِ فين من زمان يا مهجة… أمسكت بيدها وهم يسيرون بالطريق قائلة بتشجيع: متخافيش أنا جيت ومش هسيبك أبداً غير لما تاخدي حجك منيه… شردت نوال قائلة بتوتر: بس خايفة يا مهجة.
حدجتها باستغراب قائلة لها: وخايفة من إيــه بس… امشي على خطتك وميهمكيش حاجه منيه واصل.
تطلعت إليها بأعينٌ دامعة قائلة: خايفة أضعف قدامه ساعة ما أشوفه أو إنه يتصرف بعكس ما توقعت.
زفرت بحرارة قائلة بصرامة: انتِ لازم تشيلي جلبك ده على جنب لغاية ما تنفذي اللي انتِ عايزاه … آني خابرة زين جوي اني حديتي دلوك معاه مش هينيمه الليل… وده اللي احنا عايزينه انه يفضل فاكرك ويجري وراكِ ومش بعيد تلاجيه جاي في أي وجت يجولك لازم نتجوز.
ابتسمت نوال بعدم تصديق قائلة لها: يبقى بتحلمي ياسين عمره ما هيسيب شغله ومستقبله بالسرعة دي علشاني.
ضغطت على يدها تشجعها قائلة: اللي أصر كل الإصرار ده علشان تبجى في حياته هيعمل المستحيل علشان يوصلك.
وصلوا إلى المنزل ووقفت نوال تصنع طعام الغداء… وأثناء ذلك استمعت إلى صوت طرقات على الباب.
فتحت مهجة الباب فوجدتها والدة ياسين والتي تقف لتلقط أنفاسها من السلم، والقلق يبدو على ملامحها … افسحت مهجة لها الطريق قائلة: اتفضلي واجفه ليه اكده.
دخلت أم ياسين قائلة لها: أنا بس جايه اطمن على نوال هيه جرالها حاجه…. استغربت نوال وهي تستمع إلى حديثها قائلة: في إيه يا ماما … هرعت السيدة نحوها قائلة : الحمد لله انك بخير يا بنتي أومال ايه الكلام اللي سمعته من ياسين ده.
ضحكت مهجة وهي تفهم مغزى كلماتها قائلة : طب اجعدي الأول وآني هفهمك على كل حاجه.
ضحكت والدة ياسين مما استمعت إليه من مهجة قائلة: هوه مش ابني صحيح بس يستاهل.
فقالت لها نوال: ربنا يستر بقى في اللي هيعمله… بعد كده.
ربتت والدة ياسين على يدها قائلة بحنان: معلش هوه كان لازم تعملي كده علشان يتأدب ويحرم يزعلك تاني.
جلس جلال يتفحص الصور التي أمامه باهتمام كبير وأخذ أحد العناوين وكلّف أحدهم بذهابه إلى العنوان… للتأكد قبل اللجوء إلى خطته الذي يُعدها.
أثناء ذلك جاءه فيديو غريب له على رقم هاتفه المحمول، لأحد الأطباء يقوم بأخذ أعضاء لأحد الأطفال الصغار المفقودين… والمبلغ عن اختفاءه…. منذ عدة أيام.
جن جنونه وهو يشاهد ذلك الحقير يفعل ذلك… في أحد العناوين المذكورة…. فأمسك بالهاتف فوق مكتبه قائلاً لأحد الأشخاص: خلي الجوه تستعد بسرعة وتكون جاهزة خلال تلت ساعة بالكتير، فاهم فأجابه الشخص قائلاً باحترام : حاضر يا جلال بيه.
بعدها جاءه اتصال هاتفي وأبلغه الشخص بحقيقة العنوان الذي موجود بالصور… فجهز نفسه مسرعاً وأخذ عدة أسلحة مختلفة من أسلحته الخاصة، معه وهرع إلى الخارج.
وصل جلال إلى العنوان المذكور… واحاطت قوات الأمن بالمكان أكمله وبكل الجهات…. تسللت مجموعة منهم خلف جلال وأمر اثنان باقتحام الباب الخارجي المغلق من الداخل.
تم فتح الباب فأشار جلال لهم بالدخول وتفتيش المكان… ودخل هو خلفهم فأشار أحد الضباط بيده ناحية غرفة مغلقة… فاقترب منها جلال ببطء حذر شاهراً أحد أسلحته التي معه.
ضرب جلال الباب بقدمه بقوة فانفتح الباب بسرعة ودخل إلى الداخل يتأمل المكان بترقب… فوجد طفل آخر يتم معه كما هو بالفيديو الذي أرسل له منذ قليل وهو بمكتبه.
حانت إلتفاته من أحد الأشخاص الواقفين والذين يجرون هذه العملية الشنيعة…. فذهل من وجود جلال واقفاً أمامه ووراؤه مجموعة من قوات الأمن.
فانتبه الرجل الآخر الذي يجري العملية…. فكتم شهقته داخل فمه فأطلق جلال رصاصة بالهواء لاستسلام الجميع.
قائلاً بغضب: محدش يتحرك من مكانه… أحسنلكم تسلموا نفسيكم اكده بدون مجاومة، ففزع احدهم قائلاً بهلع: أنا مليش دخل يا سعات الباشا… أنا معملتش حاجه.
صرخ به قائلاً له: تبجى تجول الحديت الماسخ ده جدام النيابة… يالا جدامي… اضطر جميع من في الغرفة بالخروج أمامه.
وحدق الطفل بخوف شديد الذي لا يتعدى عمره العشر سنوات بهم بعد أن أفاق من تأثير المخدر… رمقه جلال بقلق قائلاً: متخافيش انت بخير… فبكى الولد قائلاً له بخوف: عايز ماما وبابا.
تنهد جلال بضيق قائلاً بهدوء ظاهري: هتروحلهم ما تجلجش ثم نادى أحد رجاله قائلاً له بصرامة: خدوه بسرعة معاكم من اهنه لغاية ما نعرف عنوانه.
ثم تم التعامل مع باقي العصابة من قبل رجال الأمن… وجاء رجل يهرول ناحية جلال فبادره جلال بقوله: في حاجه اهناك في الأوضة التانية فقال له: أيوة يا جلال بيه تعالى شوف بنفسك.
ركض بالفعل إلى داخل الغرفة الأخرى ووجد مجموعة من الأطفال مقيدين بحبال قوية… وبجانبهم شخص ما فاقد الوعي من كثرة الضرب الذي أخذه.
صرخت الأطفال باقتحام رجال الأمن المكان وخشيوا مما سيحدث بعد ذلك فطمئنهم جلال بإشارة من يده ليصمتوا… فاستمعوا له… ووجد اثنان من الرجال هم من يحرسونهم قد فقدوا الوعي من ضربهم من قبل قوات الأمن.
اقترب جلال من مجموعة الأطفال قائلاً: متجلجوش انتم بخير فين باجي الرجاله اللي اهنه فقال أكبرهم: في مكان تاني قريب من هنا واخدين فيه بنات ومنهم أختي…. وبكى الطفل ولم يستطع السيطرة على دموعه.
فقال له بهدوء ظاهري: طب انت خابر فين المكان ده… فقال له بلهفة: ايوة انا شفت اختي هناك ساعة ما خطفونا.
فقال له باهتمام: طب تعالى معانا ثم أشار بيده لأحد الضباط قائلاً: خد باجي الأطفال وياك لغاية ما نجبض على باجي العصابة.
فنفذ الضابط تعليماته وانحنى نحو الرجل المضروب فحاول جلال إفاقته قائلاً له: فوج واتحدت معاي بسرعة فقال له الرجل بضعف: جلال بيه كويس انك جيت أنا الصحفي ياسر عزام اللي بعتلك الصور والفيديو… والعصابة شكت فيه أنا والدكتور حمدي اللي بلغني بكل الأخبار والتفاصيل اللي عنده دي وهما دلوقتي حاجزينه في مكان تاني وعايزين يصفوه وينتقمه منه.
انعقد حاجبا جلال بغضب قائلاً له: طب جولي على العنوان بسرعة…. فأبلغه الصحفي بالمكان بسرعة.
وأسرع جلال بصحبة بعض رجال الأمن وأمرهم بمحاصرة المكان الآخر من كل جهاته بسرعة وأخذ معه الطفل.
وخلال باقي اليوم تم التعامل مع باقي أفراد العصابة وانقاذ الدكتور حمدي من بين أيديهم وأخذ باقي الأطفال إلى أحد دور الرعاية إلى أن يحين التعرف إلى ذويهم.
وفي وقتٍ متأخر من الليل وصل جلال إلى فيلته شارد الذهن بعد هذا الهجوم الذي تم اليوم والقبض على الجميع لكن ما كان شارداً به… وجود طفل رضيع لا يتعدى عُمره عام واحد قد تم اختطافه من والدته بالقوة فزاده هذا غضباً على أفراد باقي العصابة.
وكانت صورة الطفل تلازمه منذ أن رآه وتخيله إذا كان لديه ابن  وتساءل عن شعوره وقتها إذا تم مع طفله هذا الأختطاف الغاشم… فكيف ستكون مشاعره، وردت فعله… وقت ذاك.
تنهد بغضب وهو يصعد إلى غرفته لأخذ حماماً والهروب من ذلك التفكير المقلق… والمدمر بالنسبة له.
عند خروجه اتصل به مجدي سائقه على هاتفه الخلوي وأغلقه بسرعة.
فضم حاجبيه بضيق غاضب وزفر بحرارة من كثرة زيادة غضبه.
اندهش والد ياسين من كلمات ولده قائلاً بتعجب: يابني ما تصبر دلوقتي… الوقت متأخر وكمان أنا حاسس انك مستعجل ومفيش داعي لكل ده.
زفر ياسين بضيق قائلاً له بسخط: ما هيه السبب يا بابا واتحايلت عليها ترد ومفيش فايدة… وماما بتساعدها على اللي بتعمله وبتشجعها كمان على بُعدها عني وكإني عدوهم اللدود.
تنهد الرجل باستسلام قائلاً: طيب اعمل اللي يريحك يا بني… وأنا لو في أي حاجه تانية هبلغك بيها.
ألقى ياسين بهاتفه بجواره في الفراش وهو يشعر بالغضب يتزايد في نفسه وبداخله تصميم رهيب على ما ينوي فعله.
بعد مرور أسبوع كانت لا تزال نوال بصحبة مهجة في منزلها الجديد، تذهب في الصباح إلى المتجر بعد أن يتناولون وجبة الأفطار.
ذات يوم أصرت مهجة على الذهاب معها واصطحابها إلى المتجر فهي تشعر بفراغ بداخلها وتريد أن تنسى ما عانته خلال الفترة الماضية.
حاولت نوال منعها لكن مهجة رفضت ذلك وبشدة.
قضت معظم اليوم في المحل وتفاجىء بها جيرانها القدامى وأخذوا يسألونها أين كانت طوال هذه الفترة الماضية.
فكانت تتهرب بعض الأحيان وتراوغهم بطريقتها، ورآها أحد الصبية الجالسون على أحد المقاهي… فركض ناحية حوده في محله قائلاً بلهفة: ست البنات رجعت يا حوده.
فغر فاهه غير مصدق وركض ناحية محل مهجة ونوال بكل شوقه إليها، كانت نوال تتحدث إلى أحد زبائناها ومهجة جالسة تتأمل المكان حولها بحنين فهذا مكان عملها الوحيد والتي كانت تقضي فيه أكثر أوقاتها… قبل أن يتم اختطافها.
دخل حوده بلهفة قائلاً لها بسعادة: حمدلله على سلامتك يا ست البنات… 
هبت مهجة من مكانها واتسعت عينيها بذهول فهذا هو حوده الذي كان يحبها من كل قلبه والواضح عليه إلى الآن أنه مازال على ذلك الحب القديم لها.
فقالت له بارتباك: الله يسلمك… يا حوده…  اقترب منها قائلاً بخفوت: كنتِ فين ده كله قلقتيني عليكِ.
شحب وجه مهجة قائلة بتردد: أنا…أنا… كنت كنت عند قرايبي في مكان بعيد وجيت أهوه.
ابتسم لها بحنين: يعلم ربنا إني منستكيش ولا لحظة يا ست البنات… تنهدت مهجة قائلة له بجمود: عن إذنك يا حوده عايزة أروح…. ثم تركته وانصرفت من أمامه… وهو مذهول من تصرفها… شاعراً بتغيير كبير في تصرفاتها نحوه.
مما جعله يحدق بنوال قائلاً لها بصدمة: مالها ست البنات.
ارتبكت نوال قائلةله باضطراب: مفيهاش حاجه هيه كويسه.
هز رأسه قائلاً لها بدهشة: لا دي في حاجه جامدة دي متغيرة خالص فين مقشتها وكلامي اللي مكنتش بطيقه استقبلته ببرود وامتنرفزتش زي ما كنت متعود منها على كده.
زفرت نوال بضيق قائلة بهدوء ظاهري: سيبها دلوقتي يا حوده المهم انها جات وبخير ده اللي يهمنا.
وصلت مهجة المنزل ودموع عينيها تسبقها… فعندما تقابلت عينيها مع عينيّ حوده.
شعرت بأنها لا تستحق كل هذا الاهتمام… بخلاف أيضاً كيف ستواجهه بالحقيقة كأنها فعلت جريمة شنيعة وليس زواجاً بالحلال.
دخلت إلى غرفتها متألمة لما آل إليه حالها الآن.
دون زوجها ووالد ابنها الذي ألقى بها في مستقبل مجهول.
فتحت حقيبتها وتأملت صورته التي أرادت أن تحتفظ بها بداخل ثيابها ولا تعلم لماذا فعلت ذلك.
تأملته محياه بعدم تصديق أنه تخلى عنها بهذه السهولة… متذكرة ليلة زواجهم الحقيقي والتي كانت تراه كأنه شخص آخر غير الذي كانت تعرفه من قبل.
فقد وقف يتفحصها بطريقة لم تكن تراه ينظر بها إليها من قبل… حتى أنها شكت به قائلة له بعفوية: انت سُخن يا سعات البيه.
وقتها تجهم وجهه عندما تفوهت بهذه الكلمة.
قائلاً بجدية: لاه يا مهجة منيش سُخن… آني كويس ولا تحبي أجبلك ترمومتر تقيسيلي بيه حرارتي.
هتفت به بتلقائية: لاه يا بيه صادج… صادج… هوه معجولة تكون بتكدب عليه يعني.
زفر بقوة وهو يبتعد عنها غاضباً وقال بضيق: لميته هتفضلي اكده… ها… لميته هتاخدي كل حديتي هزار… ومسخرة.
شعرت وقتها بالذنب واقتربت منه قائلة له برجاء: آني آسفه مش هعملها تاني.. حجك عليه.
تمعن وجهها ليرى إذا كانت صادقة فيما كانت تدعيه أم لا.
تأمل ثوبها ومحياها… على مهل وقارن بينهم مع لسانها هذا الذي كلما جاء ليتقرب منها… توقفه به.
هتفت به قائلة له بقلق: ها سامحتني ولا لاه…
ابتسم لعينيها التي كانت ترجوه بطريقة مضحكة قائلاً لها بخفوت: هاعمل إيه وياكِ مجداميش غير اكده.
ابتسمت له ابتسامة صافية خالية من عذابه لها… فوجد نفسه يقترب منها ببطء وبانجذاب لم يعهده في نفسه من قبل.
فاحمر وجهها من تحديقه بها هكذا وأمسك بيديها بين قبضتيه من جديد، فتيبست في مكانها غير مصدقة ما تعيشه الآن هامساً بصوته العذب: مهجة… انتِ جميلة أوي النهاردة.
أغمضت عينيها بخجل مع ازدياد دقات قلبها بقوة… شاعرةً بأنفاسه المتسارعة على شفتيها… فزاد ارتجاف جسدها وقلبها بعنف… متساءلة في نفسها ما هذا الذي تحياه الآن.. وما ذلك الشعور الرائع الذي يحرمها منه… منذ أن تزوجته وأحبته.
فأطرقت برأسها قليلاً فوضع أنامله أسفل ذقنها رافعاً وجهها برفق إليه…. مقبلاً لها في شفتيها بنعومة أذابتها وأذابت جليد قلبه وهو يحيط خصرها بذراعيه بقوة حتى لا تهرب منه وابتعد عنها وهي مازالت في عالمها الخاص وفتحت عيونها من جديد… فتقابلت أبصارهم في لحنٍ متناغم عذب… كأنه حلم جميل لا يريدون الإستيقاظ منه. 
جاذباً حجابها من فوق رأسها ملقياً به على الأرض.
فانسدلت خصلات خلف رقبتها وحول وجهها.
فأخذت بلبه في هذه اللحظة وأمسك بوجهها بأنامله برقة فتقطعت أنفاسها أمامه… وهو يقترب منها.
متساءلة بتعجب ما كل هذه المشاعر المتدفقة من ناحيته.
فقبلها مرةً أخرى برقة ولطف بشفتيها الورديتين وهي تشعر بأن حواسها قد سيطر عليها حبيبها وزوجها للأبد… وأحاطته بذراعيها حول رقبته واستسلمت لمشاعرهما الجياشة هما الإثنان.
مرت امتحانات مريم بسلام وكل يوم يقوم يحيى بتوصليها للكلية واتيانها منه… مرة أخرى عند انتهاؤها.
جلست بجواره سعيدة بانتهاء امتحاناتها لكن سعادتها غابت عنها عندما تذكرت أنها لن تراه إلا حينما يأتي لها… في منزلهم.
لاحظ يحيى محياها الذي خيم عليه لمحه من الحزن.
فقال لها باستعجاب: إيه مالك اكده… شكلك زعل مرة واحدة ليه.
حدقت به قائلة بتردد: مفياش حاجه واصل… آني بخير.
توقف يحيى بعربته.. بجانب الطريق … يرمقها بنظرات قلقة… لاحظتها هي.
تناول يدها بين قبضتيه قائلاً لها بخفوت: انتِ لساتك هتخبي عني حاجه… هزت رأسها ببطء قائلة باضطراب: لاه… طبعاً يا يحيى… مبجتش اعملها دلوك.
ابتسم لصراحتها وتفحصها بعينين ثاقبتين قائلاً لها بصوتٍ ناعم: طب كويس اكده… لكن جلبي مش مطمن لنظراتك دلوك.
أشاحت ببصرها بعيداً عنه وهي تشعر بأنها ستعود لوحدتها من جديد… داخل حجرتها… وتحكمات شقيقها حسين بها.
أمسك يحيى ذقنها بقبضته برفق… وأدار وجهها ناحيته هامسا أمام وجهها: طب ليه نظرة الحزن اللي شايفها في عينيكِ دي.
أطرقت بأهدابها بخجل حتى لا يرى عشقها الكامن في قلبها… ولم تستطع التفوه بحرف واحد.
وطال الصمت كثيراً بينهما قطعه يحيى عليهم بقبلةٍ رقيقة مفاجأة بشفتيها وضمها إليه بلهفة يستمع إلى صوت دقات قلبيهما المتعالية… بين جنبات صدرهما وأردف بصوتٍ متهدج: كان نفسي أعمل اكده من زمان جوي.
ارتعد جسدها بين ذراعيه لهذه المفاجأة هامسة بعدم فهم: يحيى…!!!
فابتسم لها باشتياق أمام شفتيها هامساً بحب: يا عيون يحيى…. فتخضب وجهها باحمرار قانٍ غير مصدقة ما يسمعه إياها من كلماتٍ عذبة قائلة برجاء: هوه آني مش هشوفك تاني… كتير اكده….!! 
هز رأسه قائلاً لها بصوتٍ يكاد يكون مسموعاً: مين العبيط اللي جالك اكده.
تهللت أساريرها قائلة بلهفة: يعني خلاص مش هبجى وحيدة من تاني يا يحيى.
ضمها إلى صدره بقوة… راغباً بدفنها داخل قلبه قائلاً باشتياق: لاه طبعاً إنتِ خلاص بجيتي ليه لوحدي… ومفيش حاجه هتفرجنا غير الموت.
فوضعت أناملها على شفتيه هامسة بلهفة: اوعاك تذكر الموت تاني جدامي وتجول اكده عاد… فقبّل أناملها التي على شفتيه قائلاً لها بصوتٍ متحشرج: حاضر معدتش أجولها…. ثم صمت برهةً واستطرد قائلاً بشوق: احنا لازم نعمل فرحنا بسرعة…. علشان متبعديش عني أكتر من اكده.
مر شهران آخران على حمل مهجة وبدأ التعب يتزايد معها كلما مرت بها الأيام.
فقد أصبحت في الشهر الثالث ومازال شعورها بالدوار والقيء يزداد يومياً وكانت لا تزال تتابع حملها مع طبيبتها، وتستمع إلى نصائحها وتنفذها خوفاً على جنينها…. وفي خلال هذه الفترة أيضاً كانت نوال تعيش معها بالرغم من إلحاح والدة ياسين بالعودة من جديد… إلى المنزل. 
بسبب ياسين الذي زادت عصبيته وغضبه أكثر من زي قبل… سواء في مهاتفته مع والدته أو والده…
وهي الآن لا تريد محادثته رغم اشياقها إليه في الفترة الأخيرة وحنينها إليه… من جديد.
فأصبح الشرود هي الأخرى رفيقها… أحياناً عندما تكون بمفردها دون مهجة…
دخلت مهجة عليها غرفتها قائلة بتعب: مالك يا نوال اليومين دول فقالت لها بهيام: أصل ياسين وحشني أوي.
ابتسمت مهجة قائلة: شكلك حنيتي له تاني… فحدقت بها قائلة برقة: غصب عني أنا كده عملت اللي أنا عايزاه… مسمعتيش عن جنانه اليومين دول… من ماما.
تنهدت مهجة قائلةلها بشرود: شكلنا كنا كلنا مجانين.
فأمسكت بيدها قائلة لها بمزاح: بس انتِ بتفرقي كتير عننا.
تنفست بعمق قائلة: كان زمان يا نوال… كان زمان.
تطلعت اليها قائلة: لهجتك اتعدلت أخيرا أهيه في الأيام اللي فاتت.
تنهدت بيأس قائلة لها: بحاول أعاود لطبيعتي يا نوال… ثم صمتت قليلاً واستطردت قائلة: على فكرة انا بقالي فترة كده بروح جيم علشان عايزة اتدرب تدريبات معينة كده.
اتسعت حدقتي نوال بذهول قائلة لها بدهشة: هتدربي ازاي وانتِ حامل… هزت كتفيها باللامبالاة وقالت: أنا سألت وقالولي مفيهاش حاجه والمدربة عارفة اني حامل وهتتعامل معايا على كده…
تنهدت قائلة لها: خلاص براحتك بقى…. بس أنا حاسه ان ورا تدريبك ده فيه حاجه مش كده.
صمتت مهجة ولم تجيبها بشىء… فضحكت نوال قائلة لها: شكلك بقيتي غامضه زي صاحبنا.
فزجرتها بنظراتها الغاضبة فتابعت نوال قائلة بمزاح: هوه أنا قلت حاجه غلط.
فقالت لها بضيق: شكلك كده اشتهيتي شبشبي وأنا بصراحة نفسي أضرب حد وشكلي كده هبدأ بيكِ….
ضحكت نوال وأسرعت تقول: لا وعلى إيه…. أنا كده كويسه أوي… ويالا قومي بقى خلينا نتعشي علشان الباشا الصغير… زمانه جاع من بدري.
ابتسمت مهجة بحزن عند ذكرها لهذا اللفظ فهتفت بها بضيق: تاني مرة متقوليش اللفظ ده قدامي فاهمة.
تفهمتها نوال قائلة لها بسرعة: خلاص حاضر مش هجيب سيرته تاني بس يالا بقى… خلينا ناكل.
وفي مساء اليوم التالي استمعا إلى صوت طرقاتٍ على الباب فقطبت مهجة جبينها بتساؤل من الذي سيأتي الآن…!!
فقالت نوال: خليكِ يا مهجة أنا هقوم أشوف مين… بس دي ممكن تكون ماما… جايه تطمن علينا… زي ما بتعمل.
فتحت نوال الباب بسرعة وهي تبتسم لها قائلة بمزاح: أنا كنت لسه بقول لمهجة دلوقتي إنك جايه تطمني…. ابتلعت باقي عبارتها داخل فمها بالرغم منها مصدومة…عندما وجدت عينان واسعتان، براقتان ، ثاقبتان…تحدقان بها…!!! 
يتبع..
لقراءة الفصل الثامن والأربعون : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حبيبة بالخطأ للكاتبة سهير علي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!